السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

المساجد.. وعاء للتعبد أم مشتل لتغذية الحركة الأصولية؟!

المساجد.. وعاء للتعبد أم مشتل لتغذية الحركة الأصولية؟! عبد الرحيم أريري

كل يوم يزحف المد الأصولي والمتطرف بقوة ببلادنا، والفظيع أن الدولة هي التي توفر له الوعاء عبر بناء المساجد بكثرة ليغرف منها المتطرفون ما طاب لهم من الأتباع والأنصار.

 

فمن قبل كان المسجد رمزا للسلم والتسامح والطهارة وكان يشيد بناء على طلب يقدمه سكان هذا الحي أو ذاك. ولما تجري السلطات بحثها لمعرفة هل طلب السكان وجيه أم لا، كان يتخذ القرار بما يخدم التدين المغربي. أما اليوم فإن الدولة تنادي على الأشهاد لفتح شهية الأصوليين ليتمططوا في تراب المغرب، عبر التنصيص وجوبا على المسجد كمرفق إلزامي ضمن تصميم التهيئة بالمدينة، بشكل يجعل المجزئ أو المنعش ملزما ببناء المرفق الديني، وهكذا تحول المسجد من فضاء روحاني للتقرب إلى الله إلى ماركة تجارية لبيع التجزئة أو الإقامة السكنية بطريقة ماكرة. وبدل أن يبقى المسجد وعاء للتعبد، كما درج على ذلك المغاربة منذ آلاف السنين، أصبح المسجد منبتا تغرف منه الحركة الأصولية والتيارات التكفيرية «الزبناء» و"المريدين"!

 

وإذا استحضرنا اختراق الوهابيين والإخوانيين والمتزمتين للمجالس العلمية المحلية في عدة مدن، واختراقهم لبنيات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حينئذ نعي حجم الخطر الذي يستهدف التدين المغربي، وبالتالي حجم المخاطر التي تستهدف الأمن الروحي للمغاربة.

 

ففي سنوات الرصاص، وفي إطار الحرب القذرة التي خاضتها الدولة ضد كل التقدميين، استعانت بذراعها الوزير العلوي المدغري الذي عبد الطريق لكل التيارات المشرقية المتطرفة والمتزمتة للتغلغل في المغرب. وبعد طي سنوات الرصاص وانتباه الدولة إلى تداعيات قذارة التغاضي عن الوهابيين والإخوانيين، جيء بالوزير أحمد التوفيق بدعوى أنه من الزاوية البودتشيشية وبأنه سيخلق التوازن المطلوب في المجتمع، بالنظر إلى أن التصوف يعد أحد الأركان الثلاثة للتدين المغربي (المالكية والأشعرية والتصوف الجنيدي). لكن للأسف أخفق الوزير التوفيق في وقف المد، رغم ما وضعت تحت تصرفه من أموال وموارد وترسانة قانونية.

 

واليوم يتوفر المغرب على تخمة من المساجد قاربت 48 ألف مسجد، منها حوالي 18 ألف مسجد تقام فيها صلاة الجمعة. وكل مسجد يؤمه الآلاف من المصلين، وإذا تمكنت الحركة الأصولية بتلاوينها المتعددة (وهابية وإخوانية وجهادية) من استقطاب 20 إلى 30 فردا كل جمعة، فذاك مهم، وهو عدد يتزايد كل أسبوع طبعا، ومع كل تكوين واستقطاب يتحول المستقطب (بفتح الطاء) إلى فاعل يستقطب بدوره الزبناء للحركة الأصولية وهكذا دواليك.

 

ومما عمق المشكل، أن المغرب يعيش أزمة خانقة على المستوى الاقتصادي وانسداد مالي أفرز هشاشة اجتماعية وبطالة وفقرا واضحين، مما يجعل الفئة الساحقة من المتضررين تلجأ إلى الدين، وبالتالي تتحول العلاقة بين المتضررين وبين الله إلى علاقة مادية (نفعية) وليس قدسية وروحانية خالصة للدين ولله سبحانه وتعالى. علما أن الوجه الآخر الأسود للعملة، يتجلى في أن المتضررين الآخرين من الأزمة الاقتصادية والمقصيين من الانتفاع من خيرات وثروات البلد الذين لم يلجؤوا للمسجد، يلجؤون إلى «جانكة والقرقوبي والحشيش» وينحرفون في الاتجاه الآخر.

 

إن المغرب يحصد ما زرعه منذ 25 أو 30 سنة، بالنظر إلى أن المد الأصولي ليس نبتة تنمو بسرعة، بل تتطلب وقتا لتتجذر في التربة، وهذا ما يقودنا إلى القول إن الجيل الحالي والصاعد «غاسلين عليه اليد»، بحكم أن الأجيال الطاعنة في السن هي سلالة في طور الانقراض، على اعتبار أن تلك الأجيال إما شربت التدين المغربي من نبعه أو استفادت من تعليم متنور ونقدي بشكل حصنها من الانحراف ومن الارتماء في أحضان الأصولية.

 

وتزداد الصورة قتامة، إذا علمنا أن العرض السياسي المقدم حاليا، هزيل وضعيف جدا لا يرقى إلى بديل يقاوم تمدد وتمطط الأصوليين بالمغرب، فهذا حزب يسقط السياسيين بالمظلات ويصبغهم بلون في رمشة عين، وذاك حزب يسيره مافيوزي أو له علاقات مشبوهة مع تجار المخدرات، وثالث داس زعيمه على كل أمجاد وإشراقات حزبه، ورابع يقدس الديناصورات ويحارب التشبيب ودوران النخب، وخامس أحرق سفن طارق وعصا موسى وذبح كل من ينادي بإبقاء الحزب سيد قراره.. وبالطبع ينفر الناس من العمل الحزبي والمدني بشكل يجعل حثالة السياسيين مرتاحين للتقدم لانتخابات 2021 أوفياء لشعارهم الخالد: «نحن والآخرين» بدل "نحن في خدمة المغرب والمغاربة".