الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: ما حقيقة التوتر في العلاقة بين باريس والجزائر

يوسف لهلالي: ما حقيقة التوتر في العلاقة بين باريس والجزائر يوسف لهلالي

ما حقيقة التوثر في  العلاقات الديبلوماسية  بين فرنسا والجزائر؟  وزيرالعمل الجزائري  الهاشمي جعبوب لم يتردد في  وصف فرنسا بأنها "عدوتنا التقليدية و الدائمة". وهي تصريحات خطيرة وغير ديبلوماسية. لا يمكن  اللجوء إليها بدون اذن من العسكر. الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون  وصفها البارحة  بالتصريحات  غير المقبولة..

لكن باريس اختارت التهدئة وعدم الرد على  هذه التصريحات المستفزة، واعتبرها  كليمون بون وزير الدولة في الشؤون الاوربية  انها " لا تستحق استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر."  وتزامن ذلك مع إعلان إرجاء زيارة رئيس الوزراء جان كاستيكس إلى الجارة الشرقية التي كانت مقررة نهاية الاسبوع الماضي.
وتم تبرير هذا الارجاء رسميا بعدم إمكانية عقد هذا الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين بسبب الوضعية الصحية في البلدين، وان ذلك  لا يرتبط بأي  توتر في العلاقات  بين فرنسا والجزائر، وهو ما  لم يسمح للحكومة الفرنسية بإرسال وفد كبير إلى الجزائر".

ونفى الوزير الفرنسي  وجود أي "توتر" بين البلدين، وان الالغاء سببه استياء الجزائريين من تقليص عدد الوفد الفرنسي المرافق للوزير الاول.هذه هي المبررات الرسمية التي قدمها الطرفين لهذا الالغاء  في اخر لحظة . لكن  السبب الحقيقي  الذي اثار غضب  حكام الجارة الشرقية والتي كان وراء التصريحات الغير الديبلوماسية  تجاه  باريس، هو قرار حزب  الرئيس  "الجمهورية الى الامام " فتح تمثيلية له   بمدينة الداخلة بالأقاليم الجنوبية للمغرب.وآخر في مدينة  أكادير.
وأعلنت القرار ماري كريستين فيردير جوكلاس، وهي برلمانية، ونائبة رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية والمتحدثة باسم فريق حزب الجمهورية إلى الأمام في الجمعية الوطنية رفقة ممثل الحزب  بالمغرب العربي وغرب افريقيا  جواد بوسوكوران. وأكدت السيدة  البرلمانية حرصها  على حضور افتتاح  الفرعين الحزبيين  رفقة  اعضائه بالمغرب   بمجرد ان تسمح الظروف   الصحية  بذلك.

هذا القرار الذي  يخص احد الاحزاب الفرنسية، كان كافيا لإثارة غضب  حكام الجزائر،  الى حدود التضحية بمصالح الشعب الجزائري، وإلغاء  لقاءات سياسية مهمة مع بلد يعتبر  شريك اقتصادي همهم و كبير، فقط لان احد الاحزاب الفرنسية  قررت فتح  فرع لها  بالصحراء المغربية.

الازمة بين البلدين وصلت الى البرلمان، وتولى اصدقاء النظام بالجارة الشرقية، والمتمثلة في بقايا الحزب الشيوعي الفرنسي المهمة من حلال طرح سؤال شفوي على رئيس الحكومة، حول موقف حزب الجمهورية الى الامام، وفتحه لفرع بمدينة الداخلة المغربية. وهو ما جعل كليمون بون وزير الدولة في الشؤون الاوربية يعبر عن "اسفه" لهذا القرار الحزبي.وهو ما جعل  الجارة  تفرح لهذا القرار. يجب التذكير ان قضية الصحراء المغربية هي قضية النظام ولا يهتم بها الشعب الجزائري كما هو الشأن بالمغرب حيث تعتبر قضية الصحراء قضية وطنية وشعبية.

هذا التوثر  بين باريس  والجزائر  عكسته   بعض الصحف الجزائرية التي كشفت الاسباب الحقيقية للازمة، بدل  المبرر الصحي الذي اعلن عنه  في العاصمتين. وأشارت صحيفة "الوطن" في عدد نهاية  الاسبوع  الى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان  الذي شدد على "دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية" لتسوية النزاع، وذلك خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة. ويعتبر ذلك "خطا أحمر" جزائريا آخر حسب نفس الجريدة.
صحيفة "الخبر"، نقلت عن احد محلليها، ان هناك  بالرباط "تيار معاد للجزائر أفسد الزيارة"، وان قضية الصحراء اصبحت "حساسة" بالنسبة للجزائر، وقرار حزب إيمانويل ماكرون فتح مكتب في مدينة الداخلة يعتبر عملا  "استفزازا" فرنسيا. وأضافت نفس الصحيفة أنه "يوجد تيار معاد للجزائر (داخل حزب ماكرون)" يريد إبقاء التوتر قائما بين البلدين.

هذا الخطاب، يعتبر تطورا خطيرا  في وسائل الاعلام   القريبة من النظام و التي اصبحت تعتبر ان  سيادة المغرب على صحرائه هو" خطا أحمر وانه موضوع " حساس"، بالجزائر الرسمية  و اصبحت تقيس به علاقاتها مع الخارج، وتحولت قضية البوليساريو من  قضية امام الامم المتحدة  كما يردد النظام  مند عقود امام  الرأي العام الجزائري والدولي  الى قضية داخلية اليوم. وهو ما يفضح مرة اخرى   الاكاذيب  التي  يروجها  العسكر بالجارة الشرقية.

صحيفة "لو كوتيديان دوران" (يومية وهران) قدمت تفسيرا اخر  لإلغاء الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة الفرنسية ،وأشارت أن زيارة كاستيكس كان ستشهد قدوم "جيش من الصحافيين كان يمكن أن يستغل زيارته للتركيز على نشطاء الحراك" الاحتجاجي الذي يطالب منذ عامين بتغيير "النظام" الحاكم في الجزائر.وتضيق السلطات الجزائرية  على حضور الإعلام الأجنبي لتغطية التطورات في البلاد عبر اجراءات اعتماد بيروقراطية وغامضة حسب نفس الصحيفة.
وأضافت الجريدة التي تنشر من مدينة وهران بالقول إن "العسكري له أسبقية على السياسي" في العلاقات الفرنسية الجزائرية.  حيث  استقبل رئيس الأركان الجزائري الفريق السعيد شنقريحة نظيره الفرنسي الجنرال فرانسوا لوكوانتر في زيارة نادرة لم يعلن عنها مسبقا.

هذه الازمة المفتعلة مع باريس  من طرف نظام الجارة الشرقية، والغاء زيارة رئيس الحكومة  الفرنسية كان الهدف منها الضغط على فرنسا وعلى  حزب الاغلبية  الجمهورية الى الامام، بالغاء نشاطه  المقبل  في مدينة الداخلة، ومن اجل "معاقبة"  باريس على موقفها في قضية الاقاليم الجنوبية للمغرب.

هناك في المغرب من اعتبر تصريحات كليمون بون وزير الدولة في الشؤون الاوربية الذي "تأسف" عن  موقف  حزب الجمهورية الى الامام، وهو حزب الرئيس ايمانييل ماكرون، تمس بعمق العلاقات بين البلدين، لكن في نفس التصريح  يذكر الوزير   الفرنسي  موقف بلده  بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية. وهو الموقف الذي  سبق ان صرح به  وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان على "دعم فرنسا لخطة الحكم الذاتي المغربية كأساس جاد وذي مصداقية" لتسوية النزاع، وذلك خلال حديث مع نظيره المغربي ناصر بوريطة الاسبوع الماضي.

هذه الازمة  كشفت  الاطماع الخطيرة لنظام الجزائري  في اقاليمنا الجنوبية،  الذي اصبح   يعتبر قضية الصحراء المغربية "خطا احمر" في علاقاته الديبلوماسية والدولية، ولم تعد القضية مجرد  دعم للبمادئ، كما كان يدعي مند عقود. لكن التطورات  الاخيرة في المنطقة  والاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء،  كلها معطيات جعلت الوضع بفرنسا يتغير ايضا  وتطالب العديد من الاصوات  ومن مختلف الاحزاب بالاعتراف بمغربية الصحراء. لكن العقبة امام فرنسا ليس اللوبي الجزائري الضعيف بباريس والذي يستغل خصوصا الذاكرة المعقدة بين الجانبين والذي يعتمد على اليسار المتطرف  وبقايا الحزب الشيوعي. التحدي امام فرنسا هو   ضرورة اقناع  باقي اعضاء الاتحاد الاوربي خصوصا المانيا وإسبانيا اللتان  مازلتا مترددتين، في انتظار  موقف صريح من الادارة الامريكية الجديدة  لدعم مغربية الصحراء.