السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

الحسن زهور:  دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي(2)

الحسن زهور:  دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي(2) الحسن زهور
يعتبر الأدب الحكائي الأمازيغي من أغنى الآداب الحكائية العالمية، وهو أدب مرتبط بكل مناحي الحياة الانسان المغربي ويحمل نظرته و رؤاه الى الحياة والى الوجود. 
وفي هذا الإطار  تنشر "أنفاس بريس" في هذا الشهر الرمضاني، سلسلة من الدراسات من إعداد الكاتب والأديب الحسن زهور، بهدف تقريب المغاربة من أدبهم الأمازيغي، الذي يعبر عن خصوصيتهم الثقافية والحضارية:
 
- الدراسة 2: رمزية القط في الحكايات الأمازيغية
أهم الشخصيات الحيوانية في الحكايات التربوية الأمازيغية هي شخصيتا القنفذ والذئب اللتان خصص لهما الأدب الحكائي أكثر من 15حلقة حكائية من سلسلة حكائية مشهورة لهما.
في هذه السلسلة، يلعب القنفذ فيها دور الحكيم الداهية، ويقابله في الأدب العربي شخصية الثعلب الهندية الأصل التي أدخلها ابن المقفع إلى الثقافة العربية وترمز إلى الدهاء والمكر. ( وسنخصص دراسة لاحقة لشخصيتي القنفذ والذئب).
رأينا سابقا كيف تسلسلت الأحداث في الحكاية الأمازيغية أوزان يومگين ئمنسي أو le petit enfant كما دونها جوزيف غيڤيزيغ Josephe Riviere، أو أكلة البطاطس بعنوان أحمد بوكماخ، ورأينا كيف خرجت فيه الأحداث عن مسار قانون الطبيعة القائم على التضاد إلى أن وصل هذا المسار الخاطئ إلى شخصية القط ليعيده إلى وضعه الطبيعي القائم على صراع الأضداد.
ولكن لماذا القط في الحكاية وليس حيوانا آخر؟
القط في الأساطير والحكايات الأمازيغية يحمل خاصيتين متضادتين هما: الألفة والتوحش حسب الدراسة التي وردت في كتاب محمد أوسوس كوكر في دراسة الميثولوجيا الأمازيغية من إصدار المعهد الملكي 2006. القط في الحكايات الأسطورية الأمازيغية يعيش حالتين متناقضتين ومتصارعتين داخله. فهو غالبا أليف، لكنه متوحش حين يغلبه طبعه (والطبع يغلب التطبع)، وهو ما عبر عنه مثل أمازيغي يقول بان الكلب يبقى دوما وفيا لصاحبه في حين أن القط يتنكر أحيانا له إذا وجد مكانا أفضل
طبيعة الألفة والتوحش هذه ترد في حكاية أمازيغية بعنوان موزيكا المدونة في كتابي موزيكا 1994, وتتحدث عن فتاة وقطتها.
ذات يوم أثناء كنس منزلها، وجدت موزيكا حبة قمح ( وفي رواية أخرى قطعة خبز، لكن حبة قمح هي الأصل لأن هذه الحكاية ترد أصل التجويف الموجود وسط حبة القمح إلى موضع أسنان موزيكا عندما أرادت تقسيم الحبة بينها وبين قطتها)، وتنادي موازيا على قطتها لتقاسمها الحبة ( الألفة)، فلما لم تستجب لندائها أكلت الحبة، فانتقمت القطة منها بإطفاء موقد البيت بمائها(غلبة التوحش)، اضطرت معه الفتاة للخروج من منزلها ( الألفة/ الثقافة) للبحث عن النار عند الأسد( التوحش/ الطبيعة) الذي عزم على افتراسها بعد أن منحها جذوة النار، فتتبع خطواتها نحو منزلها. . .
إطفاء النار هنا هو عودة القطة إلى طبيعة التوحش الكامنة فيها، أي إطفاء نار المعرفة والحكمة التي استطاع بها الإنسان أن يمتلك سرا من أسرار الآلهة والذي سرقه برومتيوس ووهبه للبشر حسب الأساطير اليونانية.
وفي حكاية أمازيغية أوردها الباحث محمد أوسوس في كتابه السابق صفحة 283، تفسر العداوة الشديدة بين القط والفأر مفادها أن القط وضع لدى الفأر الخياط قماشا جميلا ليصنع له منه ثوبا، لكن الفأر بدأ يقرض منه كل يوم قطعة، وبدأ يماطل القط، وأمام تهديد القط له، صنع له الفأر مما تبقى من الثوب قطعة وضيعة، فلما رآها القط انقض عليه لالتهامه، فهرب الفأر إلى جحره وتوارى فيه، ومنذ ذلك الحين نشأت هذه العداوة الشديدة بين القط والفأر. وهناك حكايات أخرى تفسر هذا العداء الطبيعي بين القط والفأر.
إذن رمزية القط في الحكايات الأمازيغية ترجح طبيعة التوحش فيه رغم طبيعة الألفة التي يبديها؛ وهو ما يفسر وصول مسار الأحداث في الحكاية الأمازيغية أوزان يومگين ئمنسي أو أكلة البطاطس ( بعنوان أحمد بوكماخ) إلى القط ليوقف المسار غير الطبيعي للأحداث وبالتالي ليعيد الحكيم إلى بدايته، وليرجع الأحداث إلى شكلها الطبيعي أي التضاد الذي تقوم عليه الطبيعة، والتضاد هنا يعني أن على القط التهام الفأر.
ترقبوا الحلقة القادمة:
في الدراسة القادمة( الثالثة) سأتحدث عن حكاية من حكايات السلسلة الحكائية القنفذ والذئب: وراء كل حق أو قانون قوة تحميه