الجمعة 29 مارس 2024
مجتمع

سليمان الصوصي العلوي: التعليم قضية وطن

سليمان الصوصي العلوي: التعليم قضية وطن صورة أرشيفية
نخطئ، دائما، عندما ننظر إلى المشاكل والمعضلات المرتبطة بقطاع التعليم، باعتبارها تهم فئات ومكونات بعينها، فنحن نجهل حينها أن كل إكراه أو مشكل يمس مكونا من مكوناته إلا ويرتد أثره إلى الوطن عامة. والظاهر أننا لم نستوعب ذلك بعد، أو أننا لا نريد ذلك، فضريبة تردي أوضاع هذا القطاع مكلفة وحاسمة، دفعنا، ولازلنا ندفع ثمنها الباهظ. فما نشهده اليوم، من صراع بين الوزارة (الحكومة) وفئة الأساتذة المتعاقدين، لا يمكن اختزاله أو حصره في كونه مرتبط بقرار إداري ومهني فقط، بل هو صورة مصغرة لصراع أكبر؛ أطرافه متعددة ومتشابكة، بحيث يعم حتى تلك الفئات التي لا تدري ولا تعي أنها طرف فيه. و بما أن مجال التعليم غير منحصر في مكوناته فقط، أي أنه ممتد إلى أبعد أطراف الوطن، فإن المجتمعات/الدول التي تراهن، بشكل جاد، على التعليم لتحقيق نمائها ونهضتها، تعتبره قضية وطن، ينبغي، تبعا لذلك، أن يتجند الجميع للانتصار فيها، فلا يمكن، ولا يجب إخلاف النجاح فيها. لذلك تكثف الدول المتقدمة، والحاملة لإرادة التقدم، جهودها وتعبئ طاقاتها لكي لا تخلف الموعد فيتخلف و يتهاوى الوطن. فالتعليم عندهم قاطرة وركيزة التقدم المنشود في كل القطاعات والمجالات الأخرى، ولا مجال فيه للمزايدات والحسابات السياسوية.
غير أن هذا المنطق، للأسف، مغيب في تدبير الدولة المغربية لشؤون الوطن وانتظاراته، بإصرارها على تحجيم القطاع ومكوناته. فالواضح أن القرارات الأخيرة التي همت تدبيره، قد غُيّبت فيها كل إرادة للإصلاح الفعلي والحقيقي، بل هي تتجه، في تقديرنا، إلى الإجهاز على ما تبقى من الشروط الدنيا للممارسة التعليمية-التعلمية، والمخزي والمخيف في ذلك، أنه يتم دون الالتفات إلى التداعيات التي تلحق هذا الجيل، مثلما لحقت أجيال أخرى، أي أننا أمام تهديد واضح وصريح لرهانات وتطلعات هذا الوطن.
فكيف لنا أن نتحدث عن نهضة وتقدم وتنمية في ظل التخلف والإندحار الذي يشهده قطاع هش في أصله ؟
وبالتالي فكل تناول بسيط وفج لقضية التعليم لا يمكن إلا أن يغدي مشاكله وترهلاته.
ولعل توالي الإنتكاسات في هذا القطاع مرتبطة بكونه لم يُسمَح له بلعب دور مركزي وريادي في إحداث التغيير الايجابي وإحقاق الطفرة اللازمة للتقدم، بل هو قطاع مكبل بمشاكه، لدرجة أنه قد يلعب دورا عكسيا، أحيانا، فتصير سمته العجز وهو الذي كان يفترض أن يكون مشتلا للخلق والفاعلية والتقدم؛ بخلق وتربية جيل قادر على البناء والتشييد والتموقع الريادي في مصاف الدول والمجتمعات المتقدمة والقادرة على بلورة وإنجاح مشاريع الإصلاح الحقيقة، التي رافقها في بلدنا، منذ زمن بعيد، التعثر والفشل، بل تفاقمت الجروح واتسعت رقعتها، فلم يعد الحديث عن الفشل مرتبطا بالافتقاد إلى الكفاءات العلمية والاقتصادية والمهنية فقط، باعتبارها ذات صلة مباشرة بمخرجات منتوج التعليم، بل امتد هذا الفشل إلى المجتمع ككل بمختلف تفاصيله ( العلاقات الإجتماعية، السلوك المدني، أهلية الفرد، استهلاك التفاهة، تفاقم العنف...). وبما أن التعليم قطاع بامتدادات، مباشرة وغير مباشرة، فإنه يقتضي مشروعا سياسيا طموحا وجريئا وحاملا لإرادة فعلية في الإصلاح، وذلك لا يمكن أن يتم دون تجاوز الإحترازات التي رافقت التعاطي مع هذا القطاع لعقود طويلة، فإما أن يعتبر القطاع شريكا حقيقيا في كل المشاريع الاجتماعية والاقتصادية... أو أنه سيظل فضاء حاضنا للاحتقان وكابحا للرهانات، الأمر الذي يجعل ضرورة التعاطي الإيجابي مع مشاكل فئاته، بدءا، أمرا ملحا وعاجلا.
وهذا الاتصال الشديد لمخرجات التعليم بكل تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد يُحتِّم علينا النظر إلى التعليم باعتباره قضية وطن لا قضية فئات.