الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

البعمري: تعليقا على قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا.. الانتصار للسيادة المغربية على الصحراء

البعمري: تعليقا على قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا.. الانتصار للسيادة المغربية على الصحراء نوفل البعمري

بتاريخ 15 مارس الماضي أصدرت المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلاندا قرارا قضائيا مهما في الطعن الذي تقدمت به بعض العناصر الممولة من تنظيم البوليساريو للنظر في شرعية استثمارات الصندوق الوطني للتقاعد النيوزيلاندي الذي يُعتبر من الصناديق السيادية الملتزمة بـ"مبادئ سانتياغو" التي تُؤطر الإجراءات والمعايير الموحدة التي تحكم و تنظم عمل وأهداف هذه الصناديق من قبيل الشفافية والحكامة، من خلال بعض الشركات التي تستورد الفوسفاط المستخرج من الأقاليم الجنوبية الصحراوية في محاولة لجر القضاء النيوزيلاندي للقول بعدم قانونية الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي مع المغرب تهم استثمارات مهمة تتعلق باستيراد الفوسفاط المغربي من الأقاليم الجنوبية الصحراوية.

وقد قضت المحكمة في هذا الحكم برفض المحكمة لهذا الطعن الذي تم وضعه أمامها في 5 من مارس، وهو حكم ينضاف لسلسلة الإجتهادات القضائية الأوروبية التي أصبحت تنتصر للقانون الدولي ولتفسيراته القانونية البعيدة عن التعاطي السياسي مع هذه القضايا على اعتبار أن القضاء الأوروبي عموما والنيوزيلاندي خصوصا ليس معنى بالنزاع المفتعل حول الصحراء في شقه السياسي ويأخذ قضاءه مسافة قانونية من المباحثات ومن مسار الملف السياسي ككل الذي يتم معالجته داخل أروقة الأمم المتحدة خاصة على مستوى مجلس الأمن من خلال القرارات التي يصدرها كل أبريل سابقا، وأكتوبر، حاليا، بعد أن تغيرت جدرلته الزمنية بموجب قرار 2548 الصادر في أكتوبر من سنة 2020 الذي مدد مهمة المينورسو لمدة سنة.

وقبل التطرق لحيثيات قرار المحكمة العليا بنيوزيلاندا،لابد من الإشارة إلى الحكم السابق الصادر من طرف محكمة العدل الأوروبية التي قضت بعدم قبول الطعن الذي تقدم به تنظيم البوليساريو لمحاولة إبطال الاتفاقيات التي أبرمها الاتحاد الأوربي مع المغرب التي تهم مجالات لصيد البحري والمنتجات البحرية، والمبادلات الفلاحية حيث اعتبرت هذه المحكمة أن تنظيم جبهة البوليساريو " لا صفة قانونية" له لتمثيل الساكنة الصحراوية أمام القضاء الأوروبي اعتبارا لكون البوليساريو كتنظيم هو طرف سياسي إلى جانب أطراف سياسية أخرى في المباحثات والمسار السياسي للنزاع، ولا يمكن أن تنسحب هذه "الصفة" السياسية إلى صفة قانونية، مما جعل المحاكم الأوروبية في مختلف قراراتها الصادرة عنها تقضي بعدم قبول الدعاوي التي تقيمها البوليساريو أمام قضاءها، و هي قرارات تؤكد أن تنظيم البوليساريو إلى جانب ألا صفة له لتمثيل الساكنة الصحراوية على المستوى السياسي كما ظل المغرب يُرافع بهذا الشأن أمام الأمم المتحدة على اعتبار أن الساكنة الصحراوية لها منتخبيها الذين تنتخبهم ديمقراطيا و كانوا جزءا من الوفد الرسمي المغربي الذي شارك في مباحثات جنيف 1 و جنيف 2، فإنه اليوم وبموجب هذه القرارات فقد أُسقطت عنه الصفة القانونية لتمثيل الساكنة الصحراوية المحتجزة و المقيمة بالمخيمات،مما يكون شعار البوليساريو

" كممثل وحيد وشرعي للشعب الصحراوي" قد تم إسقاطه سياسيا وقانونيا ولم يعد له معنى و لا جدوى،بل أصبح بهذا الشكل هذا التنظيم عبئا على الساكنة الصحراوية وثقلا على المسار السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء.

بالعودة لحكم المحكمة العليا بنيوزيلاندا الذي صدر بتاريخ 15 مارس 2021 يتضمن 28 صفحة، استند في حيثياته على عنصرين قانوني مهمين سنعمل على تقديمهما ثم تقديم مختلف أبعادهما تباعا نظرا لقوتهما وقوة هذا الحكم.

1- حكم المحكمة العليا النيوزيلاندي، رفض دعوى البوليساريو بعلة أن (عمليات مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتوافق مع رغبات السكان في الأقاليم الجنوبية وتفيدهم كما هو مطلوب بموجب ميثاق الأمم المتحدة)، مضيفا في ذات النقطة القانونية المتعلقة بتوافق هذه العمليات مع القانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة أنها (متوافقة تماماً مع المتطلبات القانونية والأخلاقية التي يفرضها القانون النيوزلندي ومبادئ الأمم المتحدة للاستثمار المسؤول، فضلاً عن التزامها القانوني بضمان الحفاظ على سمعة نيوزيلندا)

هذه الحيثية القانونية المتكاملة تؤكد من جهة أن العمليات التي يقوم بها المكتب الشريف الفوسفاط خاصة منها التجارية مع نيوزيلندا ثم أيضا مع مختلف دول العالم هي عمليات تجارية متلائمة و موائمة للقانون الدولي الذي ينص على ضرورة أن تكون عائدات ومداخيل هذه المبادلات التجارية التي تتعلق بالأقاليم التي لها نفس وضع الأقاليم الصحراوية الجنوبية المغربية باعتبارها إقليما غير متمتعا بالحكم الذاتي كما حددتها لوائح الأمم المتحدة، فمن حق الدول التي لها الإدارة السياسية والإدارية على هذه الأقاليم أن تدير كل ما يتعلق بالجانب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بشرط أن تستفيد المنطقة وساكنتها من عائدات هذه المبادلات التجارية،و هو ما أكده هذا الحكم بموجب هذا التعليل، ويمكن العودة هنا لموقف شركة "بلانص" في تصريح إعلامي وهي واحدة من الشركات التي تستورد الفوسفاط من المغرب حيث أشارت بوضوح إلى أن "استخراج الفوسفاط من الصحراء من قبل شركة فوسبوكراع يتوافق تماما مع القوانين الدولية والوطنية، بما في ذلك أحكام الأمم المتحدة للتجارة مع الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" مقدما معطى جد مهم عزز به قانونية عمليات تصدير الفوسفاط المغربي عن طريق المكتب الشريف للفوسفاظ أن" 75٪ من العاملين بالمكتب الشريف للفوسفاط هم من أبناء الساكنة المحلية"، كما أبرزت الجمعية النيوزلاندية للأسمدة، في مذكراتها الدفاعية باعتبارها طرفا في هذه الدعوى "أنها قامت بعدة زيارات إلى المناطق الجنوبية واضطلعت باستمرار على ظروف استفادة ساكنة الأقاليم الجنوبية وانتفاعها من هذه العلاقة التجارية القوية والفريدة بين المغرب والفلاحين النيوزيلانديين. كما أنها عبرت عن قناعتها بأن عمليات استغلال مادة الفوسفاط، المادة ذات الطابع الحيوي في الأنشطة الفلاحية، تقام حسب أعلى المعايير الدولية للجودة والحكامة وحقوق اليد العاملة "

مؤكدة كذلك "أن مداخيل هذه التجارة تساهم بشكل إيجابي في التنمية المحلية وتعود بالنفع على سكان المنطقة إذ أنها تعتبر مصدر تشغيل لأبناء الصحراء ومورد أساسي للاستثمارات التنموية بالمنطقة في المجال الاقتصادي والاجتماعي"

هذه المرافعة بهذه الحيثية شكلت دعما كبيرا لوجهة النظر القانونية التي تؤكد شرعية الاستثمارات التي يكون فيها المكتب الشريف للفوسفاظ طرفا فيها، وهي حيثية تنسحب على كل المعاملات والمبادلات التجارية التي تكون الأقاليم الصحراوية طرفا فيها.

2- في الحيثية الثانية الجد مهمة فقد ذهب الحكم إلى ضرورة الفصل ما بين الشق السياسي و الشق القانوني/القضائي وأن القضاء النيوزيلاندي كما سبق للقضاء الاروبي عموما أن ذهب في اتجاه تأكيد هذا الفصل بين المسارين، وأن القضاء النيوزيلاندي" لا اختصاص له للفصل في نزاع ذي طبيعة جيوسياسية" و " لا في وضعية المنطقة"، بهذا المعنى الذي قدمته المحكمة في تعليها فإنها لا يمكن لها ولا للقضاء النيوزيلاندي عموما أن يستند وهو يفصل في هكذا قضايا معروضة أمامه على مسار سياسي للحكم وفق المطالب التي قدمتها البوليساريو التي استندت في مذكرة طعنها في الاتفاقيات التي أبرمها صندوق التقاعد النيوزيلاندي على ما هو سياسي وهو ما رفضه القضاء النيوزيلاندي، مؤكدا بذلك أن اللجوء للقضاء النيوزيلاندي لأغراض سياسوية مبيّتة تريد خلق أزمة بين المغرب ونيوزيلندا يُعتبر يائسة، فاشلة وغير مقبولة للتلاعب بالقانون الوطني والدولي و بقةالقضاء النيوزيلاندي الذي يُعتبر غير متساهلا في تطبيق القانون سواء الدولي أو الوطني، وهو ما أظهر زيف الإدعاءات السياسية لخصوم المغرب المغلفة بالقانون للتحايل على المؤسسة القضائية النيوزيلاندية، وأبانت عن مدى وعي هذه الأخيرة بأن هذا النوع من التلاعب بالقانون لأغراض سياسية لا مكان له في الدول التي تولي أولوية قصوى لسيادة القانون، ولا في قضاءها على عكس قضاء بعض الدول الذي خضع لتأثيرات وقراءات سياسية كالتالي حدثت سنة 2017 عندما قامت جنوب افريقيا في إجراء غير قانوني بحجز باخرة نيوزيلندية وقدمت حكما سياسيا بحجزها مستندا على المعطيات السياسية و ليست القانونية خاصة منها القانون الدولي،مما يجعل من حكم المحكمة العليا النيوزيلاندية ردا قانونيا على القضاء الجنوب الإفريقي الغير المستقل والمُتحكم فيه من طرف اللوبي المناهض للوحدة الوطنية وهو ما أسقطها في تقديم حكم قضائي مسيس تم تجاوزه من طرف محكمة العدل الأوروبية ثم من طرف المحكمة العليا بنيوزيلاندا.

إذن فحكم المحكمة العليا اوكلاند بنيوزيلاندا كانت واضحة هنا من حيث فصلها بين الشقين السياسي والقانوني، وهو وضوح فيه رد قضائي على محاولة استغلال النزاع في جانبه السياسي لوقف الاستثمارات التي تشهدها المنطقة و المبادلات التجارية المتعددة سواء منها البحرية أو الفلاحية التي تساهم في تنمية المنطقة خاصة مع تخصيص عائدات هذه الاتفاقيات للساكنة الصحراوية المحلية التي باتت تستفيد منها وهو ما أكده تقرير اللجنة البرلمانية الأوروبية التي تم إيفادها للمنطقة قبيل تجديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب التي انتهت لما انتهى إليه حكم المحكمة العليا بأوكلاند/نيوزيلندا و تم الاستناد إليه لتجديد اتفاقية التبادل التجاري البحري والفلاحي بين المغرب وأوروبا.

كخاتمة

تحذر الإشارة في الختام إلى أن المغرب لم يكن طرفا في هذا النزاع القضائي بمعنى كيفما كان الحكم فإنه لن يكون مؤثرا على المغرب ولا على المنطقة، ورغم ذلك فإن منطوق الحكم يُعتبر حكما قويا ينضاف لسلسة الإجتهادات القضائية الأوروبية التي أسقطت من جهة الصفة القانونية لتنظيم جبهة البوليساريو وأسقط معها مقولة "الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي" ومرجعا قانونيا وقضائيا يساعد المغرب في ترافعه أمام مختلف المؤسسات الدولية و يعزز من فرص تنويع وتقوية المبادلات التجارية الدولية مع المغرب والتي ستكون المنطقة موضوعا لها.

الحكم يُعتبر صفعة قوية قانونية وقضائية صادرة من أنزه المؤسسات القضائية المعروفة بصرامتها في تطبيق القانون الدولي و الوطني و في شفافيته، خاصة وأنه ضمن مجموعة الكومونولث التي تتشارك معه في منظومة قضائية تسمح لمحاكم هذه الدول الأعضاء من استلهام أحكامها من مواقف دولة عضو أخرى في المجموعة، مما يشير إلى كون هذا الحكم لن يكون له أثر قانوني فقط داخل نيوزيلندا بل سيمتد لهذه المجموعة القوية التي تتشكل من حوالي 52 دولة على رأسها المملكة المتحدة البريطانية التي بمجرد ما دخل اتفاق البريكست حيز التنفيذ عمدت إلى توقيع اتفاقيات تجارية مع المغرب تشمل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، وهو ما أعطى لهذا الحكم قوة كبيرة و جعل جبهة البوليساريو تُمنى بهزيمة قضائية تنضاف لسلسلة الهزائم السياسية خاصة وأن المحكمة النيوزيلاندية أجهضت مختلف الحجج الواهية التي يروج لها خصوم المغرب من أجل محاولة إعاقة المسار الناجح للتنمية الاقتصادية ذات البعد الاجتماعي في الأقاليم الصحراوية الجنوبية.

نوفل البعمري، محام وباحث في ملف الصحراء