عرفت شوارع الرباط في منتصف الشهر مارس 2021 تعنيف الأساتذة ضحايا التعاقد تمثل في الضرب والجرح والرفس و الحط من الكرامة، حتى أن مشاهدا من مسرح الاحداث أصبحت لا تطاق ، لأنها عمقت جرحا في قلوب اسر هؤلاء الأساتذة و في قلوب أبنائهم و زوجاتهم و في قلوب كل المواطنين والمواطنات، و كأننا في بلاد خارج المنتظم الدولي لحقوق الإنسان ، حتى أصواتا من خارج الوطن أدانت هذا التصرف ، و حتى أصبح الكل في حداد ، حزنا على ما يحدث لرجال التربية و التكوين في هذه البلاد . كنت أنتظر اعتذار وزير التربية الوطنية والتعليم العالي و تكوين الأطر و ,,, أو اعتذار الحكومة للأساتذة ضحايا العنف و التنكيل و لكل رجال التعليم و لأسرهم وللشعب المغربي كافة على ما حدث !؟. لكن مع الأسف ما لاحظته هو استمرار الحكومة في مخططها الرامي إلى الحط من كرامة الأستاذ الذي هو ضحية التعاقد خاصة ، و من كرامة الأستاذ بشكل عام ، وذلك بكل وعي ، لأن ذلك يدخل في إطار عملية تصفية المدرسة العمومية من الوسط التعليمي و الثقافي و الاجتماعي و فتح الباب على مصراعيه للتعليم الخصوصي الذي أصبح في مقدمة اهتمام الدولة المغربية . فتعنيف الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد يدخل في إطار جريمة قتل المدرسة العمومية. لأن الدولة تؤسس لتعليم طبقي في إطار توجهها العام الذي يهدف إلى تكريس الفوارق الطبقية و الاجتماعية من خلال المؤسسة التعليمية و الجامعية ، و ذلك تماشيا مع إملاءات الدول الإستعمارية التي خرجت من بلادنا و دخلته من باب التعليم الذي يعد الأول و الآخر سببا في تقدم البلاد أو تخلفها . و تتجلى السياسة التعليمية في البلاد في البعد الذي خطط له النظام ، أي اعتماد النمطية و التجريب على المستوى التربوي / البيداغوجي و ذلك عبر جعل المدرس آلة تخدم إيديولوجية الدولة و اختياراتها وبناء مواقف لا تنسجم مع موقف الطفل ومع حاجياته وطموحاته الفكرية و المعرفية وتتناقض مع محيطه ، و دون مراعاة حاجياته الفنية ومؤهلاته الإبداعية ،و هو ما تسبب في الإخفاقات المتكررة للتعليم في بلادنا . لقد ظل الأستاذ يتعرض إلى كل اشكال العنف و الحط من الكرامة منذ بداية السبعينات من القرن الماضي لما تأكد للنظام السياسي بأن المدرسة العمومية و الجامعة أفرزتا أجيالا تدعو إلى التغيير و إلى الديمقراطية الحقة ، فكانت أول ضربة يتلقاها رجل التعليم كانت في ( 9 ,10 ,11 ) أبريل من سنة 1979 . و لقد تجاوزت هذه الضربة التعنيف و التنكيل و الاعتقال و المحاكمات و الطرد إلى تحريض المجتمع على رجال التعليم عبر وسائل الإعلام الرسمية . و هكذا ظل رجل التعليم هدفا للنظام حتى لا تكون للمدرسة العمومية قيمتها التربوية و الثقافية و المعرفية و المها رتيه و حتى تتج جيش من العطالة الفكرية و الأمية الثقافية ، قابلا للاستغلال من طرف القوى الظلامية في الإرهاب ، و من طرف القوى الرجعية في الشغل التعسفي و في ترويج الممنوعات و في الجنس و في الجريمة المنظمة .
البدالي صافي الدين فاعل سياسي وحقوقي
البدالي صافي الدين فاعل سياسي وحقوقي