الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

أحمد بومعيز: لا تهتموا بالأستاذ ،قد سقط قبل هجوم البلطجي السمين هذا...

أحمد بومعيز: لا تهتموا بالأستاذ ،قد سقط قبل هجوم البلطجي السمين هذا... أحمد بومعيز

تناقلت وسائل الإعلام الشعبية، ووسائط التواصل الاجتماعي صور شريط يظهر عملية إسقاط أستاذ من الخلف بفعل تدخل شخص بلطجي سمين هجم عنوة على الأستاذ من الخلف أمام أنظار البوليس الذي كان خيطا من السماء أثناء أداء الأساتذة لجريمة التظاهر السلمي في الشارع العمومي للمطالبة ببعض الحقوق التي يرونها مشروعة جدا...

 

هذا تعريف أجده محايدا  قد ينفي عني تهمة التحامل والتأويل الغير مرغوب فيه من قبل البعض. ومن قبل من لا يحبون التظاهر في الشارع، حتى لو للمطالبة بالحقوق كيفما كان نوعها. وحتى ولو كانت بسيطة ومشروعة. وحتى ولو كان التظاهر سلميا جدا. والسلم يبقى نسبيا. والعنف يبقى مشروعا وممكنا إذا تغاضى عنه البوليس وحراس الدوريات.

 

وقبل البدء، وفي سياق صور الشريط، لا أضن أن البلطجي البدين سقط من السماء بغثة ، ولم يكن شبحا غير مرئي. فقد دخل التظاهرة علنا، وهجم من الخلف علنا، وخرج من الحلقة علنا. والبوليس قد لا تعنيه الحكاية. والأستاذ سقط ربما عنوة أو تظاهر بالسقوط والألم، فجروه كي لا يستمر في التظاهر زورا، أو كي لا يتألم أمام الشعب والعامة والكاميرات الهاوية، حفظا لكرامته كأستاذ. فنحن شعب وشرطة وحكومة ودولة نحب معلمينا وأساتذتنا ونكرمهم، ولا نقبل أن نراهم يتألمون في الشارع العمومي بعد أن يهجم عليهم همج البلطجية علنا. وقد نسمح لهم بالألم وبكل الألم شريطة أن يطفأ الجميع كاميرات اللايف، ويصيح المخرج silence..on torture..

 

وبعد هذا المشهد الغير غريب على ساحاتنا، ولا على تاريخنا، ولا على بوليسنا، ولا على بلطجيتنا، وعلى من يتواطؤ مع جلادينا.. بعد هذا الحدث البسيط في التنكيل بالمعلمين، نقول لكل من استفزته الصورة والحدث أن الأمر عاد جدا.. وقد سبقت حوادث أبلغ وأبشع. لكن كاميرات اللايف كانت مقفلة والأفواه مكممة والايادي مرتعشة. وسقوط المعلم كان قبل البلطجي السمين والمتواطئين معه بكثير. فلا تأخذكم الحيرة والقلق دفعة واحدة، فالأمر حسم منذ زمن. فقط البعض منا يصيبه النسيان المرحلي، فيتم تذكيره بأن الأمر لا زال ساري المفعول. بل بأن الأمر كان مقضيا..

فلماذا الاحتجاج الآن، والاستياء، والتضامن الفيسبوكي virtuel والافتراضي؟؟؟ مع تأكيد الفرق البين بين المصطلحين.

 

لماذا كل هذا الصخب والتباكي، واستظهار القصائد السلفية التي نعتت المعلم بالرسول، وأمرت بالوقوف له؟؟ وما ينبغي له !!

وهل للصورة والحدث كل هذا المفعول الذي حرك الوجدان والعطف والتعاطف، وشيء أو قسط من التضامن؟؟

وأنتم تعلمون، أن العنف الشرعي هو حق للدولة، والعهدة على " ماكس فييبر".

والدولة اعتبرت في نهاية التسعينيات أن من نعتوا إبانها "بأشباه المثقفين، الأساتذة والمعلمين بمقولة" أنهم يشكلون خطرا على الدولة. أفلا تذكرون؟

 

ألم تعدم الدولة وخدامها المخلصين صورة الأستاذ والمعلم، وجعلت من سيرته نكتا تضحك الأهالي؟؟

ألم تعلق الدولة الدرس الفلسفي، وتضيق على الدارسين في شعب الفكر والعقل، وفتحت تخصصات الشعوذة والأساطير والطلاسم؟؟

ألم يبعث في مدارسنا وكلياتنا وإعلامنا ومجالسنا، ابن تيمية، نبيا مجددا لديننا وفكرنا، نزل كي يقوم ردتنا وبدعة العقل، ويعلمنا طقوس شرب الدم وتعاليم الإرهاب المقدس؟؟

ألم تلق المدارس كعلب الكرطون في مداخل المقابر ومخارجها وحواشيها حتى يصير المعلم جارا للموتى؟؟

 أفلا تعلمون؟؟

وهل فعلا سيتم إنصاف كل المعلمين وكل الأساتذة بعد توقيف البلطجي السمين، واعتقاله، ومحاكمته، وحتى بإعدامه جدلا؟؟

وهل المشكل فقط هو إسقاط معلم يحتج سلميا؟؟

أفلا تعقلون؟؟

 

فلا تهتموا كثيرا لنهاية الشريط الذي لن تصوره كاميرات اللايف الهاوية.

ولا تحزنوا كثيرا على الأساتذة الذين عنفوا وأسقطوا وعذبوا وسجنوا وعادوا وناضلوا وصمدوا...والذين صاروا أرقاما للقراءة من كل اتجاه: من حكومة إلى حكومة إلى بنك دولي إلى مانح إلى مشروع مستعجل إلى نقابات صدئت أعينها ومفاصلها إلى تنسيقيات نزقة وجاحدة إلى مغامرين وفق الظرفية والموضة السياسية ...

 

فلا تحزنوا كثيرا يا ثوار الفايسبوك الافتراضيين، وإلى سقوط أستاذ جديد في محفل جديد أمام بوليس سيتفرج في هدوء على صولة وجولة بلطجي جديد.