الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: النجاح المغربي في برنامج اللقاح وتهديد المنافسة الدولية

يوسف لهلالي: النجاح المغربي في برنامج اللقاح وتهديد المنافسة الدولية يوسف لهلالي

النجاح المغربي  الكبير في  حملة التلقيح، والذي اشادت به منظمة الصحة العالمية والإعلام الدولي بعد أن تجاوزت نسبة الحاصلين عليه 4 مليون مواطن حتى الآن، يمكن أن  يتأثر بحرب  اللقاح الدولي التي تجري الآن بين العديد من دول العالم الكبرى، والتي تستحوذ مختبراتها على تصنيع اللقاح أو تقوم بإنتاجه في الخارج، وكذلك باستعمال بعض البلدان الكبرى أو الصاعدة للقاح كسلاح في العلاقات الدولية. وكانت أزمة الأقنعة الطبية التي شهدها العالم في بداية الجائحة سنة 2020 هي دليل على الغياب التام لمبدأ المساواة والتضامن بين الأمم في مواجهة الوباء، والتي دخلت في حرب منافسة استعملت فيها كل الوسائل المشروعة والغير المشروعة للحصول على الأقنعة الطبية، بل تم أحيانا تحويل وجهة الشحنات أو حجزها حتى لا تصل لأصحابها؛ وهو ما يحدث اليوم على التسابق من أجل الوصول إلى اللقاح، لتنتظر البلدان الفقيرة حصتها من  برنامج كوفاكس.. هذا الصراع والمنافسة العالمية يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على إمدادات المغرب من اللقاح بعد أن نجح في تلقيح 11 في المائة من سكانه.

 

المغرب اعتمد حتى الآن على اللقاح البريطاني استرازنيكا المصنع بالهند بشكل أساسي، وبشكل أقل على اللقاح الصيني سينوفارم، الذي تستعمله بيكين في ديبلوماسيتها إلى اقصى الحدود، من خلال توزيع كميات قليلة وعلى أكبر عدد من الدول. الشحنات التي وصلت إلى المغرب من الصين كانت محدودة، ومن حسن الحظ أن المغرب هو زبون أيضا لاسترازنيكا التي كانت حتى الآن، أكثر فعالية وانتظاما في تزويده باللقاح. لكن إمداداتها يمكن أن تتعرض لتعثر حسب العديد من المعطيات الدولية حول التزود بالمواد الأولية للمختبرات. لكن التصريحات الأخيرة للإدارة الأميركية وتوفير اللقاح للحلفاء ربما تغير المعطيات على أرض الواقع.

 

وحسب الأرقام التي توفرها وزارة الصحة المغربية، وصل إلى الرباط حتى الآن حولي 8.5 ملايين جرعة لقاح من الصين ومن الهند، منها 7 ملايين ونصف من استرازنيكا، ومليون ونصف من لقاح سينوفارم. وهذا التسليم وفعالية الفرق الطبية جعلت حملة اللقاح ناجحة بالمغرب، حيث يوجد بين العشر الأوائل في العالم من حيث تلقي الجرعة الأولى والثانية، والأول إفريقيا، وقد اقبل المغاربة على التلقيح بعد أن كان العاهل المغربي محمد السادس هو أول الملقحين في هذه العملية.

 

لكن هل ستستمر هذه الوضعية وهذا النجاح المغربي، الذي يمكن أن يهدده التقلب الدولي والصراع الحاد من أجل الحصول على اللقاح. مؤخرا رخصت العديد من الدول الاوربية بتطعيم كل السكان بلقاح استرازنيكا الذي تعتبر المزود الأساسي للمغرب. بهذا اللقاح الذي كانت هذه البلدان تمنعه في السابق على الذين يبلغون أكثر 65 سنة. رفع هذا المنع سوف يزيد من الطلب على هذا اللقاح بشكل كبير الذي يمكن أن يتأثر بنقص في المواد الأولية من جهة وتزايد الطلب عليه من جهة أخرى. وهو ما جعل اللجنة التقنية والعلمية المكلفة بالتطعيم في المغرب أن تقترح على الحكومة استيراد لقاح سبوتنيك الروسي الذي أبان عن فعاليته بعد أن أصبح الحصول على لقاح جونسون أند جونسن الأميركي صعب المنال..

 

وتعاقد المغرب مع بلدان ومختبرات أخرى من أجل سداد النقص المنتظر في لقاحات استرازنيكا، وكذلك النقص الكبير في لقاح سينوفارم يبقى هو الحل، وسرعة اتخاذ القرار السياسي وهي أساسية في هذه المنافسة العالمية.

 

أصبح واضحا أنه لا يمكن  للمغرب التعويل على اللقاح الصيني سينوفارم الذي وصلت منه كميات جد محدودة رغم مشاركة المغرب في التجارب الإكلينيكية. هذا اللقاح الذي تستعمله الصين كوسيلة للاستقطاب خاصة بإفريقيا. يبدو أن مشروع تصنيعه في المغرب كان مجرد وعد لا أكثر.

 

الحرب من أجل الحصول على اللقاح على المستوى الدولي انطلقت من أوروبا، وكانت أول أزمة بين أوروبا وبريطانيا. وتم تفتيش مختبر صنع اللقاح استرازنيكا ببلجيكا، ومحاولة أأوروبا معرفة سبب إعطاء الأسبقية لبريطانيا في الحصول على اللقاحات. وتطورت التهديدات بين الجانبين إلى حدود تجميد بعض بنود اتفاق البريكسيت، قبل التراجع عن هذه الخطوات التهديدية بين الجانبين.

 

الأزمة الثانية وقعت بين إيطاليا التي فقدت 100 ألف مواطن بسبب وباء  كورونا، والتي منعت تصدير شحنة لقاح استرازنيكا إلى أستراليا بدعوى عدم وجود عدد كافي  منها لسكانها أولا. وذلك في ضرب لكل المواثيق الدولية في مجال التعاقد.

 

هذه الحرب، كما نرى ونسمع، هي لبلدان حليفة على المستوى السياسي، وينتمي أغلبها إلى المنظومة الأطلسية. لكن كل بلد يسعى للحصول على لقاح كافي لسكانه أولا قبل تصديره إلى الخارج رغم وجود عقود واتفاقات التي تعطي الأسبقية لهذه البلدان التي قامت بطلبات بشكل مبكر، حتى قبل البلدان الاوربية التي توجد بعض الصناعات الصيدلية فوق ترابها. خاصة أن هذه البلدان وعدت سكانها بتعميم التلقيح على أغلب السكان قبل حلول الصيف المقبل، فرنسا بدورها وهي  المقبلة على انتخابات مهمة السنة المقبلة  تقوم بتسريع وثيرة اللقاح فوق ترابها.

 

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين "ننتظر الحصول على حوالي مئة مليون جرعة في الشهر في الفصل الثاني، وفي المجمل 300 مليون بحلول نهاية يونيو"، متحدثة عن زيادة وتيرة عمليات التسليم واحتمال الترخيص قريبا للقاحات جديدة في حديثها لأحد وسائل الإعلام الأوروبية.

وحذرت فون دير لايين من أن دولا أخرى في الاتحاد الأوروبي قد تعمد إلى منع صادرات اللقاحات المضادة لفيروس كورونا كما فعلت إيطاليا مع شحنة من لقاح أسترازينيكا كانت موجهة لأستراليا. وكانت إيطاليا التي تجاوز عدد الوفيات فيها جراء الوباء عتبة المائة ألف، بررت قرارها بنقص للقاحات في اوروبا وانتفاء وجود ضرورة ملحة في أستراليا.

 

من جهة أخرى، منحت إيطاليا الاثنين 15 مارس 2021 الضوء الأخضر لاستخدام لقاح استرازينيكا لمن هم فوق سن الخامسة والستين. في المقابل نصحت مسؤولة في الوكالة الأوروبية للأدوية الاثنين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعدم الترخيص للقاح سبوتنيك - الروسي بشكل عاجل، مشددة على عدم توافر بيانات كافية حتى الساعة مأخوذة من أشخاص تلقوا هذا اللقاح في حين باشرت المجر إعطاء هذا اللقاح الشهر الماضي وهي عضو بالاتحاد الأوروبي.

 

في فرنسا زاد عدد المرضى في قسم الإنعاش بالمستشفيات بشكل ملحوظ الأسبوع الماضي مع تفاقم الوضع الوبائي في منطقة باريس. وشهد جزء من شمال البلاد عطلة نهاية أسبوع كانت الأولى في ظل تدابير الاحتواء، في إجراء مدته أربعة أسابيع يهدف إلى مكافحة انتشار النسخة البريطانية من فيروس كورونا الشديدة العدوى خصوصا في هذه المنطقة.

 

لنعد إلى حالة المغرب والنجاح الكبير الذي حققه في هذا المجال، هو نجاح سوف يقترن في الأسابيع المقبلة في قدرته على التفاوض على لقاحات جديدة، سواء من البلدان الحليفة أو من بلدان مثل روسيا والتي تسعى الى تصنيع لقاحها في بلدان أخرى، والمغرب يتوفر على بنية تحتية في هذا المجال يمكن أن تساعد روسيا التي ينقصها التمويل والعديد من التكنولوجيات بسبب الحصار الأمريكي والأوروبي. وهي ورقة يمكن أن يستعملها المغرب لضغط على حلفائه الغربيين من أجل الحصول على نصيبه من اللقاح.

 

وتجاوز عدد الجرعات التي أعطيت في العالم حوالي 310 ملايين إلا أن هذا الرقم يخفي تباينات كثيرة. فأفقر دول العالم تعتمد على آلية كوفاكس التي تشرف عليها الأمم المتحدة للحصول على اللقاحات؛ والتي بفضلها بدا اللقاح في عدد من الدول الإفريقية مثل غانا والكوت ديفوار، وتبلغ حصة المغرب من هذا البرنامج مليون ونصف مليون جرعة التي لم يتوصل بها بعد.

 

وأغلب البلدان تسعى إلى الخروج من كل اشكال الحجر الصحي التي تشكل  ضغطا على الحكومات التي تجد نفسها أمام الحاجة إلى احتواء الوباء وإرضاء المواطنين في الوقت ذاته.. المغرب ربح المعارك الأولى في هذه الحرب ضد الوباء ولقح 10 في المائة من سكانه، لكن الاستمرار في هذا النجاح هو رهين بقدرة الديبلوماسية المغربية على تنويع المصادر اللقاحات والضغط على الحلفاء  لإعطائه الأسبقية واللجوء إلى بلدان أخرى كروسيا للحصول على اللقاح.