الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

"مدارات" التهاني: محمد العربي المساري إيقونة العمل الصحفي .. المثقف المفرد المتعدد

"مدارات" التهاني: محمد العربي المساري إيقونة العمل الصحفي .. المثقف المفرد المتعدد محمد العربي المساري (يمينا) و عبد الإله التهاني(يسارا)

يستمر برنامج "مدارات" في تقديم سلسلته التعريفية برواد وأعلام الحركة الفكرية والثقافية والإعلامية بالمغرب، حيث خصص الزميل عبد الإله التهاني في حوار "الثقافة والمجتمع"، حلقة  ليلة الثلاثاء 9 فبراير 2021، للحديث عن بعض لمحات من سيرة الراحل الكاتب الإعلامي الكبير المرحوم محمد العربي المساري الذي وصفه معد ومقدم البرنامج بـ "المفرد المتعدد".

لقد كان الأستاذ محمد العربي المساري الذي رأى النور بمسقط رأسه بمدينة تطوان سنة 1936 ، بشمال المغرب في ذروة الاحتلال الإسباني للشمال المغربي، والتي كانت حينئذ مهد الصحافة الوطنية والنهضة الثقافية منذ نهاية الأربعينيات من القرن الماضي (كان) يمثل "حالة فريدة بين أبناء جيله" يقول الزميل التهاني على اعتبار أنه "جاء للصحافة من الثقافة..وأريد له أن يقتحم مجال السياسة.. ويلج عالم الديبلوماسية الذي خبر دروبها".

استحضار سيرة الرجل على ضفاف "حوار في الثقافة والمجتمع" بلسان معد ومقدم البرنامج، فتح نافذة برنامج "مدارات" على "مسار طويل وغني بالتراكمات"..هو الكاتب والصحفي والأديب والمؤرخ والنقيب "الذي تمرس في الصحافة، و اشتغل من أجل ترسيخ الأهداف النبيلة للإعلام، والدبلوماسي الذي استثمر الثقافة والفكر في هذه الواجهة الترافعية على الوطن وتاريخه، والمؤرخ الذي أفرد للتاريخ السياسي المغربي عدة مؤلفات بأسلوبه المتفرد ".

حيث يؤكد عبد الإله التهاني على أن محمد العربي المساري "كان باحثا عصاميا، و كان مؤرخا برؤية السياسي، وسياسيا بخلفية ثقافية".

إنه القادم من الحقل الإعلامي والسياسي، وهو الذي تنوعت عطاءاته بين الإبداع الأدبي وكتابة التاريخ السياسي والدبلوماسي للمغرب، والممارسة الصحفية. وتوج هذا المسار بتحمله مسؤوليات كثيرة على رأسها وزارة الاتصال في حكومة التناوب عام 1998، وسفيرا لبلاده في البرازيل ، فضلا عن موقعه السياسي قياديا في حزب الاستقلال.

راكم الراحل العديد من المؤلفات والإصدارات، و مئات من المقالات والافتتاحيات على امتداد 50 سنة، وأغنى الخزانة المغربية بكتبه المتميزة ذكر منها عبد الإله التهاني "جدل حول العرب" و المغرب إسبانيا في آخر مواجهة" و " صباح الخير أيتها الديمقراطية" و "إسلاميات أدباء المهجر" و "المغرب بأصوات متعددة"

صدر للمرحوم المساري مؤلفات مرجعية في التاريخ السياسي للمغرب وخصوصا تاريخ الحركة الوطنية والمقاومة والعلاقات المغربية الإسبانية وقضية الصحراء والتعددية الثقافية. ومن عناوينه المهمة "المغرب ومحيطه" و "قصف الواد الناشف" و "علاقات صعبة" و "محمد الخامس من سلطان إلى ملك" و "المغرب خارج سياج الحماية" و "ريح الشمال"

وعلى واجهة الإبداع الأدبي والتأليف التاريخي والسياسي، كان محمد العربي المساري من الرواد المؤسسين لاتحاد كتاب المغرب الذي تولى رئاسته لثلاث ولايات شكلت محطات حاسمة لتكريس الوضعية الاعتبارية والرمزية للكاتب المغربي ودور المثقف في المجتمع.

يقول عبد الإله التهاني "كان متعددة المواهب، أبدع في كتابة قصتين قصيرتين وهما "عائد" و "في المدينة"، فضلا عن اهتمامه بالمسرح" وفي هذا السياق يستشهد بموقف عبد الرفيع الجواهري الذي قال: "كان صاحب فكرة إنشاء مجلة تعنى بالقصة والمسرح" حيث كتب للإذاعة سنة 1962 "مسرحية (إمرأة سقراط) التي أخرجها المبدع عبد الله شقرون، كما أنجز ترجمات لأعمال مسرحية وقصصية وخصوصا تلك المكتوبة باللغة الإسبانية " على اعتبار أن "الميكرفون كانت له وظيفة تربوية وثقافية واجتماعية ودينية، وكان الجمهور ميال للإستماع لما تقدمه الإذاعة الوطنية بالرباط"

كان شغوفا بمهنة الصحافة والإعلام منذ سنة 1958 ، حين التحق بالإذاعة الوطنية التي عمل بها إلى حدود سنة 1964، تاريخ انضمامه إلى جريدة العلم، الناطقة باسم حزب الاستقلال، التي تدرج فيها من صحفي إلى رئيس تحرير إلى مدير سنة 1982. و " مارس العمل الصحفي لسنوات طويلة بجانب كل من الأستاذ عبد الكريم غلاب وعبد الجبار السحيمي ومصطفى الصباغ..".

السنوات الطويلة التي قضاها بالصحافة قبل الإلتحاق بالدبلوماسية منتصف الثمانينات نحثث صورة الصحافي والإعلامي، "التحق بقسم البرامج وتولى الإشراف على إعداد برنامج أحداث ورجال، وبرنامج موسيقى الشعوب"، لقد كان برنامج "أحداث ورجال" في شكل مجلة تعتمد في صياغة المادة الإعلامية على "الحديث والمشهد والاستجواب والشهادة المباشرة..". في هذه الفترة (من 2 أكتوبر 1960 إلى غشت 1963 ) تعرف على الشاعر والكاتب والإعلامي الأستاذ عبد الرفيع الجواهري

ومن الأوصاف التي تناولها معد البرنامج والتي نعته بها بعض المفكرين المغاربة قولهم أن المساري تميز في أسلوبه بـ "الاختصار في الكلمة وكأن الكلمات غالية السعر.. سطر أو سطران يحملان مضمونا قويا..كان يكتفي بالفقرة القصيرة والجملة المركزة..". وأستشهد بقولة عبد الكريم غلاب في هذا السياق حيث قال: "ميله إلى جعل المادة التاريخية حاضرة في إنتاجه الصحفي..عالج موضوعات ربما أغفلها التاريخ وهي جزء أساسي منه" على اعتبار أن قيمة ما أنتج الراحل " تأتي من قيمة المصادر والوثائق المعتمدة والمستثمرة في بحثه للكتابة في مجال التاريخي..".

وعن سيرته الدبلوماسية قال" رجل موهوب، جال في كثير من البلدان، كان رسولا هناك، بوطنية حقيقية، لا يفكر إلا في بلده والتذكير بأمجاد وطنه، وجلب الخير إليه"، لقد كان "من بين أكبر المتخصصين في الشؤون الإسبانية، الضابط لمراحل مفصلية في تاريخ كفاح المغرب و واقع العلاقات الإسبانية وما عارفه تاريخ البلدين من توترات ومد وجزر..رغم أنه كان يعي صعوبة العلاقات الإسبانية المغربية، وكان لا يستغرب من فترات التوتر في هذه العلاقات". الشيء الذي جعله يطرح سؤال البحث في "تاريخنا وتاريخ الآخر؟، وهل "الأندلس جزء من تاريخنا؟ وكيف نشأ مصطلح الفردوس المفقود في ثقافتنا؟".

في سياق متصل استشهد أيضا عبد الإله التهاني بما كتبه الباحث الأكاديمي عبد الواحد أكمير حول الرجل على مستوى خصوصية المنهجية التي سلكها والتي "تكتسي أبعادا مختلفة" ساعده فيها "مسار حياته المتميز إعلاميا وفكريا وأدبيا " هذا المسار الهائل جعله "يوظف الصحافة في كتابة التاريخ، وتوظيف السياسة في كتابة التاريخ، وتوظيف الدبلوماسية في كتابة التاريخ، وتوظيف الذاكرة في تدوين التاريخ.."، بحكم أن التاريخ "الراهن الذي شكل مجرد الخوض فيه حرجا للمؤرخ المغربي" بل أنه "وظف التاريخ الوسيط والحديث والمعاصر في كتاباته".

وبخصوص شهادة الكاتب والأديب رضوان حدادو أورد الزميل التهاني ما معناه أنه "للإحاطة الشاملة بدقائق هذه الشخصية، التي تعددت مسؤولياتها ومجالاتها واهتماماتها، تجد نفسك أمام نموذج متفرد، يشكل علامة دالة لها تفردها، توحد فيها ما تفرق في غيرها".

إن محمد العربي المساري عرف بخصلة "الأخلاق كقيمة مثلى طبعت حياته، قيمة جوهرية لم تكن أبدا محل مساومة، ظل يحافظ على موقعه كمركز تلاق ويجد نفسه طرفا معنيا عند كل شرخ أو صراع"، لذلك فخصال وعلامات الرجل "ميزت مساره ككاتب و صحفي وإعلامي ومؤرخ ودبلوماسي عبر مراحل تطوره الفكري ومساره المهني، رجل آمن بالوطن وظل وفيا لرسالته الإعلامية والفكرية والتاريخية...إنه المثقف المتعدد في اهتماماته".