الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

التمثيل مهنة "حرّة" أسمى من اختزاله في لعبة "قمار" أو "حظ"!!

التمثيل مهنة "حرّة" أسمى من اختزاله في لعبة "قمار" أو "حظ"!! الممثلة عائشة ماهماه
لو صرخ مواطن طالبا الاستغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من غزو الفئران والعناكب لبيته، هل من حقنا التفاعل مع استغاثته، والتسلح بخراطيش المبيدات والأسلحة الكيماوية لطرد الفئران والعناكب من ببته؟
الواجب الإنساني يدفعنا أولا وأخيرا لتقديم يد المساعدة، قبل واجب الوطنية.
كم نشاهد من استغاثة على مواقع التواصل الاجتماعي.. مسلسل يومي ودراما موغلة في السواد نعيشها مع أول نقرة على أزرار الهاتف أو اللوحات والحواسيب الإلكترونية. من فرط الإدمان على مشاهدة مثل هذه المقاطع نكتفي بالفرجة فقط، بل هناك من يستمتع بهذه الفرجة.
الممثلة عائشة ماهماه رمت "طعما" في الفايسبوك وانسحبت إلى الخلف، وحمّلت المجتمع مسؤولية الحرب بالنيابة عنها ضد غزو الفئران!! ماهماه مواطنة أوّلا قبل أن تكون محترفة للتمثيل. والتمثيل مهنة لا يمنح امتيازا في المواطنة، وهو اختيار شخصي يشبه أي مهنة أخرى لا يتحمل المجتمع نهاياتها غير السعيدة وانعكاساتها الاجتماعية وخيباتها وانكساراتها. هناك ممثلون قد يجنون ثروات طائلة من هذه المهنة، وهناك من لا يحصد غير الأشواك. المجتمع الذي لا يطالب الممثل (ة) بدفع الضرائب عن الأجور الباهظة التي يتقاضاها في مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أو كبسولة إعلانية، لا يُطالَب (أي المجتمع) أيضا بدفع ضريبة فشل ممثل (ة) آخر في البحث عن نصف فرصة في إنتاج درامي ومهنة محفوفة بالمخاطر والدسائس والعلاقات المشبوهة والزبونية، خارج سياقات الإبداع والموهبة.. مهنة تتحكم فيها "حيتان" كبيرة، ربما قانون دفتر تحملات وزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي قدّم "الطعم" لها لاصطياد طرائدها التلفزيونية.
عائشة ماهماه لا تطلب دورا تلفزيونيا لتحارب بطالتها الفنية، بل منزلا محميا من غزو الفئران، لتنضم إلى قافلة الممثلات المقصيات والمنبوذات من "جنة" الدراما. ماهماه تجردت من شخصية الفنانة لتلعب دور مواطنة أكسرها الفقر، وكم تؤوي مدينتنا من المهمّشين والمستضعفين والمحتاجين إلى جرعة أمل في الحياة. 
ماهماه أخطأت حين اختارت أن تطلّ عبر نافذة الفايسبوك، وتبعث رسالة "S.O.S" من أجل طلب صغير كان يمكن أن تحلّه مع جيرانها، إلا إذا كانت هناك شجرة تخفي غابة من المطالب "المضمرة"!! 
حتى كبرياء الفنان لا يدفعه إلى ببع وجهه مقابل "مقايضة" زهيدة الثمن. الكبرياء نفسه جعل من ممثلات وممثلين بقامات سامقة ترفض الانحناء والأنين لعضات الزمن وطعنات الدهر الغادرة!!
مهنة التمثيل ليست استحقاقا وطنيا وامتيازا واستثناء طبقيا، بل تتقاطع مع مهن حرة أخرى، من شروطها أن تكون بقلب "مغامر" يمشي فوق حقول "ديناميت".
فلا تختار أن تكون ممثلا(ة) والمجتمع من يدفع ثمن "فشل" هذا الاختيار.. فالتمثيل أسمى من اختزاله في لعبة "قمار" أو "حظ"!!