الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

من أجل الشيخة عيدة.. المرأة الحرة التي صنعت أمجاد فن العيطة الحصباوية

من أجل الشيخة عيدة.. المرأة الحرة التي صنعت أمجاد فن العيطة الحصباوية الشيخة عيدة أيقونة العيطة العبدية

تسليم بعيطة "الحداويات":

"... حزموا لي قلبي راه ضرني لعزيز غدرني
أبابا، يا بابا، وعارنا على لي ما ينسانا
لي ما ينسانا نحمدوا لكريم هو مولانا
جبدي من جيبي تايبان عيبي ودحيني
والله القسم إلا بقات فيك أخيب لكيات
تانا من غيرو مانوالفوا ما يطيب عليا
نطلب العالي زرق نجوم غياث المضيوم
دادا حياني نايحة على قيدي علامي..."

 

إليك سيدتي أهدي باقة ورد من ياسمين وقرنفل وزعتر، تليق بقامتك في زمن الضياع وجفاف الضمائر، وأنت تقاومين المرض والفقر والتهميش، بعيدا عن موازين و إيقاعات موسيقى الحياة الطبيعية، بعد أن نفذت بطارية طاقة حاستك البصرية التي أهديت ضيائها ونورها للعابرات والعابرين لمسالك فننا العيطي الراقي بنداءاتك الوطنية.

 

لا بأس عليك أيتها المرأة الحرة.

أيقونة الغناء العيطي الشيخة عيدة التي تحفظ كل متون العيطة، إنها المرأة/ المدرسة التي ورثة فن العيطة من ينبوع صفاء الشيخ الدعباجي في زمننا الجميل، هي التي سطع نجمها في سماء فن العيطة بأسفي، بين دروب حاضرة المحيط ومواسمها ومهرجاناتها، ووسط عائلات مسفيوية كانت ومازالت تقدر معنى أن تحمل الشيخة من طينة "المرأة الحرة" في قلبها هموم الوطن، وتتغنى بالحرية والشجاعة والشهامة التي عكست صورها قصائد فن العيطة.

هي المرأة الحرة التي نقلت أسلحة المقاومة بين مستلزمات عدتها الفنية في زمن المقاومة وهي شابة في مقتبل العمر، وسلمتها لمن حملها بمسؤولية وطنية وسددها في وجه المستعمر الغاشم إبان "رْفودْ الخميس".

الشيخة عيدة إيقونة العيطة العبدية، هي التي حكت عنها الروايات الشفهية وقالت بأن صوتها الجهوري، "لا يحتاج إلى ميكروفون، و لا يقارن بمنطقة عبدة الساحرة"، فعلا لقد كانت عيدة تتغنى بالخيل والمقاومة، والحركات السلطانية، ورجالات الوطن، حيث حولت الأحداث التاريخية إلى مواضيع عن الوطنية تتغنى بها في زمن الاستعمار الفرنسي، وقد أكدت هذا خلال تكريمها بمهرجان العيطة من طرف وزير الثقافة الشاعر سي محمد الأشعري بقاعة الأفراح بأسفي.

يرجع الفضل للشيخة عيدة في نقل أصول أداء العيطة و الغناء واللباس التقليدي، والسلوك الرفيع، وطبائع الموسيقى التقليدية، حيث تتلمذت على يدها و تعلمت أبجديات فن العيطة كل من الشيخة خديجة مركوم، والشيخة حفيظة الحسناوية، والشيخة نعيمة والسعدية بنت الهاشمية، وبنات لوتيري ربيعة وأختها السعدية... والقائمة طويلة.

 

كل مجايليها الذين انتسبوا لعائلات المقاومة من أبناء أسفي، وشيوخ وشيخات العيطة الحصباوية يؤكدون أنها امرأة حرة، وفنانة محترفة و طباعة، امتازت بأخلاقها وسمعتها الطيبة، و أجادت أداء كل أغاني العيطة الحماسية بوطنية، وبهمة عالية، رفقة رباعة الشيخ الدعباجي رحمة الله عليه، والشيخ ميلود الداهمو (بازهار) وغيرهم منهم من قضى نحبه ومن ينتظر الذي يأتي ولا يأتي في زمن التنكر للجميل والعرفان.

 

في شهادة مؤثرة للشيخة خديجة مركوم عن المرأة الحرة "عيدة" استهلتها بنداء عيطة "الحصبة" بإحساس حزين، وهي تقاوم دموعها وغنت منشدة بصوتها العذب:

"رجانا في العالي يا أبا

غريب أو براني يا سيدي

تعالى تعالى

حتى نتوادعو

راك عزيز أو غالي

را لفراق صعيب....."

 

"عيدة الأم، عيدة الحبيبة ذات القلب الكبير، عيدة الفنانة القديمة والتحفة، هي التي لم تكن تعطي أهمية للجانب المادي، كان هدفها إسماع لعيوط للمتلقي في الحفلات والمواسم والمهرجانات بلا حساب، تعطف على المجموعة بسخاء قبل نفسها" تقول خديجة مركوم"...

وشددت مركوم في تصريحها لـ "أنفاس بريس" على أن عيدة "هي شيختي (المشيخة) التي تعلمت منها أصول الغناء، والأداء واستثمار الصوت والحركة، و الإنتقال بين عتوب وحطات العيطة، بحزنها وألمها وفرحها وانتصاراتها وانكساراتها"؛ موضحة بأنه خلال قساوة فترة الحجر الصحي في زمن كورونا "زرتها مرتين، واسترجعت معها ذاكرة العيطة، ولمة الخير مع وجوه الخير، وتحدثنا عن أزليات سهراتنا وحفلاتنا التي كنا نقدم فيها فن العيطة رفقة رباعة الشيخ الدعباجي"، على اعتبار أن خديجة مركوم اشتغلت "مع الراحل الدعباجي وعيدة سنة كاملة قبل وفاته، حيث سيستمر المشوار مع الشيخ امحمد أطال الله في عمره".

 

واستحضرت في لقائها مع الجريدة، شيوخ العيطة الذين رافقوها والشيخة عيدة، واغترفت من معينهم الفني الراقي في الزمن الجميل، من أمثال "الشيخ الجيلالي بلبيض، والشيخ الخماري سي محمد، وضابط الإيقاع الشيخ أبا عيوش.."، فضلا عن حديثها عن نوستالجيا "الإشتغال مع رباعة الشيخة الحامونية، وإيقونة العيطة فاطنة بنت الحسين".

 

وختمت تصريحها بالقول: "أتمنى أن تلتفت الجهات المسؤولة لأوضاع الشيخة عيدة، التي تعيش الكفاف والعفاف، رفقة ابنتها التي ترعاها وتخدمها بكل حب واحترام وتقدير".

 

المرأة الحرة الشيخة عيدة، تعاني اليوم في صمت، مثلها مثل باقي شيخات وشيوخ العيطة بأسفي خاصة ومنطقة عبدة عامة، ويحتاجون إلى التفاتة من القائمين على شأننا الثقافي والفني والتراثي، حيث يرى العديد من الفعاليات أنه من الواجب على من يهمه الأمر فتح ورش ثقافة الإعتراف من خلال إطلاق أسماء إيقونات شيخات وشيوخ العيطة على شوارع وحدائق وقاعات و فضاءات مؤسساتنا العمومية بإقليم أسفي.

أصوات أخرى تنادي بفكرة إقامة ورش مفتوح على الطاقات المبدعة، لإنجاز لوحات تشكيلية وتخليد صورهم(ن) بشكل ينخرط فيه المبدع الفنان التشكيلي بشراكة مع مؤسساتنا المنتخبة (تخصيص ميزانية لهذا الغرض)، توزع مداخيل بيعها للمؤسسات العمومية (قطاعات حكومية ذات الصلة) على من هم في حاجة ماسة للتضامن بشكل راقي.

 

كم هو جميل أن نطلق أسماء شيخات وشيوخ العيطة على قاعاتنا بدور الشباب والثقافة، وقاعات اجتماعات المؤسسات العمومية وشوارعنا وفضاءاتنا العمومية (حديقة فاطنة بنت الحسين، قاعة الحامونية، شارع الدعباجي.... ملعب العيطة).