السبت 18 مايو 2024
فن وثقافة

كيف أبدع وحافظ شيوخ فن العيطة على مقاماتها وموازينها ؟

 
 
كيف أبدع وحافظ شيوخ  فن العيطة على  مقاماتها وموازينها ؟ عبد العالي بلقايد، ومشهد لفن لوتار

من المؤكد أن الشيوخ و المهتمون بفن العيطة كانوا ومازلوا يحوزون ثقافة موسيقية كبيرة استطاعوا من خلالها إبداع قاموس متنوع و مصطلحات خاصة بحقلهم الفني لفهم مغالق العيطة، مما أتمر هذا الفن بطبيعته المركبة والذي يضارع الموسيقى الأندلسية، وفن الملحون.. في هذا السياق تقدم جريدة "أنفاس بريس" ورقة في موضوع "المقامات والموازين والإيقاعات"، أعدتها لجنة البحث (رحيمة مهدي وهشام متصدق) بتنسيق مع الباحث عبد العالي بلقايد...

إن المصطلحات المتداولة بين شيوخ العيطة، هي ضمن المتداول لدى الموسيقيين الذين يتعاطون مع الموسيقى التقليدية، مما يشي بأنهم في ممارستهم الموسيقية يصدرون عن معرفة، وإن كانت ليست بالأكاديمية فهي تحصل بالمصاحبة، وبالتمرين ، وبالسماع عن طريق النقل شأن كل ثقافة شفوية التي ترتكز على الذاكرة.

إننا نسعى لبسط بعض المصطلحات، التي أمدنا بها مجموعة من الشيوخ بمدينة ابن جرير، أو مدينة مراكش ، والتي نعتبرها مداخيل أساسية لفهم مغالق العيطة، وهؤلاء الشيوخ هم محور كل بحث فيها، بل هم ملحه الذي يعطيه نكهة متميزة، فهم العارفون بخبايا العيطة، والعائشين في كنفها، والحافظين لمتونها، والضامنين لاستمرارها، لإتقانهم لميازينها ومقاماتها، والحارسين على استمرار أعرافها، على الأقل ضمن حلقة ضيقة، أمام الإستخدام المبتذل، والتجاري لها، ضمن الشرط التاريخي الحالي. ومن بين هذه المصطلحات نقدم التالي:

المقامات : لعل المتداول من طرف الممارسين أن المقام المهيمن على الإستعمال العيطي، يتحدد فيما يطلقون عليه الشيوخ بـ "البياتي العروبي"، فتوصيف هذا المقام بالعروبي. يجعلنا نفترض كون هذا المقام الشرقي، جعله الشيوخ يخضع لتحويرات معطيات الحضارة المغربية، المطبوعة بطابع الفروسية، والصلاح الصوفي، والبذل والعطاء، الذي تقتضيه البنيات العشائرية.

الثابت تاريخيا، أن كل ما له علاقة بالبنيات الإبراهيمية، توظف هذا المقام في الإنشاد. حتى أن كبار المجودين للقرآن الكريم، يبدؤون في ترتيلهم بهذا المقام.

المقام الحكازي: هو المقام الحجازي .

فالراجح أن الغناء العيطي في بعض العيوط يتم بالمقام البياتي على درجة حجازي. هو مقام لا يخلو من نفحات صوفية.

المقام المقنش: "التقنيشة" في اللغة الدارجة التي دأبنا على استعمالها في حياتنا اليومية لا تعدو أن تكون : رفع الرأس إلى الأعلى مع الشد على الحنجرة، مما يعطي للصوت حدة، والرفع منه. وهذا يتفق مع مقام الكرد، أو البياتي على درجة كوردان. وهو مقام دأب الأكراد على استعماله في تأدية أغانيهم التي ترسم بطولاتهم التاريخية.

الموازين: حين نتحدث عن الميازين، سواء تعلق الأمر بالإيقاع، الذي يكون بالآلات الإيقاعية في حالة العيطة، الذي يتم بالطعريجة، يطلق عليه الشيوخ "الثلثي"، بمعنى أنه وتري impair والراجح أنه 5\8 والمسمى في الموسيقى الشرقية، بالثريا، والذي أدخل عليه الشيوخ الكثير من التشكيل، والتنميق، لجعله ذو طبيعة مغربية. ويوجد بالأطلس الكبير والصغير، وحتى المتوسط حسب المنبهي المدلاوي، وموسيقى الروايس، وأغاني كناوة، وفي النوبة الأندلسية،(الرصد الاندلسي)

الميزان الحضاري : وهو ميزان يكتسح في الغالب الموسيقى الجيلانية، المشهورة في فاس، وسلا، ومكناس، والمناطق التي توجد بها الزوايا، و التي تعتمد الطرقية، وقد يأخذ طابع الساكن كما في منطقة الشاوية.

ميزان 55 : هو ميزان معروف بكثرة لدى الأجواق العصرية، يكون بالآلات الوترية، وحتى الكهربائية .

الميزان لمسرح : في اعتقادنا أنه يسود في المقاطع الغنائية الطويلة التي يطغى عليها الطابع القصصي.

هذه المصطلحات هي ضمن المتداول لدى الموسيقيين الذين يتعاطون مع الموسيقى التقليدية، مما يشي بأنهم في ممارستهم الموسيقية يصدرون عن معرفة، وإن كانت ليست بالأكاديمية فهي تحصل بالمصاحبة، وبالتمرين ، وبالسماع عن طريق النقل شأن كل ثقافة شفوية التي ترتكز على الذاكرة.

المصاحبة : والتي كانت تتم إما بالساحات العمومية ، أو بمجالس الأعيان .

فجل المدن التقليدية كانت بها ساحات بمثابة مسارح بالهواء الطلق، مع تميزها بحلقات لتمرير تعلمات أساسية مرتبطة بأمور الحياة من زواج، وزكاة، وسير مرتبطة بالصحابة، وسير الرحال.

أما بالنسبة للعيطة، وخاصة بجامع الفناء كان جل الموسيقيين لفن العيطة يجتمعون بحلقة واحدة من أجل الكسب، ومن اجل البحث عن فرصة عمل مع زبون منتظر، وضمن الجمهور كان حضور من يريد التعلم ضروريا لأجل الإستفادة من العروض المقدمة وحفظ المتون.

بمجالس الأعيان كان منهم من هو على دراية كبيرة بالموسيقى، فالقائد عيسى بن عمر كثيرا ما قدم ملاحظات للموسيقيين عن طريقة العزف، التي لا تكون صحيحة. وحسب رواية للمرحوم أبو حميد، فعيسى بن عمر هو من أمر الشيخ بلكادة (شيخ من شيوخ الإيقاع) بأن يضع مقدمة وختما لعيطة برغالة، بعد أن لاحظ تميزها بإحساس جميل، لكن تفتقد لهذه المقومات الفنية . وكان ذلك بعد أن حل شيوخ الشاوية بعبدة، وجرت العادة أن يؤدوا واحدة من أغانيهم التي كانت (برغالة) قبل أن يترجلوا عن مطاياهم، فإن انتزعوا الإعجاب من المضيفين أمرهم بالنزول واستضافوهم. وقد أعجب بن عمر بهذه العيطة، ولكن أحس بأنها تفتقد لما قدمناه...والشيوخ و المهتمون كانوا يحوزون ثقافة موسيقية كبيرة مما أتمر هذا الفن بطبيعته المركبة والذي يضارع الموسيقى الأندلسية، وفن الملحون.

 

يتبع