الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الباحث بلقايد يقارب العيطة الزعرية من خلال عيطة "اوحيدة"(1/5)

الباحث بلقايد يقارب العيطة الزعرية من خلال عيطة "اوحيدة"(1/5) عبد العالي بلقايد (يمينا) ومايسترو العيطة الزعرية الشيخ ولد أمبارك لخريبكي

تعتبر العيطة الزعرية في نظر العديد من الباحثين بأنها عيطة تحريضية ثورية حماسية، على اعتبار أن نصوصها الشعرية الغنائية تعج بمواضيع متنوعة، تؤرخ لشجاعة الفرسان وحماسهم ومواجهتهم للمستعمر، وتوثق أيضا لأحداث التصدي ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن...

في هذا السياق تنشر "أنفاس بريس" هذه الورقة لمجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد كمقدمة لـ "مقاربة العيطة الزعرية بشكل عام والخريبكية بشكل خاص من خلال عيطة (اوحيدة)".

 

إن الشجن والنوستالجيا في العيطة الزعرية "يربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها، كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض".

 

لماذا ألهمت العيطة الزعرية ساحة الغناء الشعبي؟

هل حل زمن التعاطي مع العيطة الزعرية،  وإخراجها من دائرة المنسي إلى دائرة المفكر فيه، وبالتالي انتشالها من الغميس إلى المتداول والمستعمل.

طبيعة السحر المتأصل في بنية العيطة الزعرية جعل شذراتها أكثر استعمالا ورواجا سواء من طرف شيوخ مشهود لهم بإتقان فن العيطة، أو مغنون شعبيون لهم باع طويل في مجال الغناء الشعبي. رغم التهميش الذي عوملت به طيلة زمن طويل .

 

منْ من ناس العيطة لم يقترب من اللون الزعري، ويستعمله ضمن ما يغني؟ فكل الأسماء التي نحتت اسمها ضمن نمط الغناء الشعبي، أو العيطة المغربية متحت منه وفق القدر الذي تريد، انطلاقا من الفنان حجيب، والفنان الشعبي عبد الله الداودي... وغيرهم كثير.

 

هناك نصوص مؤسسة في فن العيطة الزعرية، أو الخريبكية، وعيطة "اوحيدة"، وحيدة من تلك النصوص الغنائية، التي رسمت خطا فنيا فرض نفسه في الساحة الفنية، وكان ملهما للكثيرين، وخاصة على مستوى العزف المتميز بشجن جميل، ونوستالجيا بها رقة ومسوحات روحية، وخاصة إذا كان العزف من طرف المايسترو ولد مبارك الذي أضحى مرجعا في هذا اللون الذي به الكثير من التزويق والتنميق، والذي يمكن اعتباره "تواشي" لا تختلف عن تلك "تواشي" الموجودة بالأندلسي، لأنه لا يخلو من صنعة تقتضي حنكة وخبرة في العزف لا يقوى عليه إلا الموسيقيين الكبار .

 

الشجن والنوستالجيا تربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها،  كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض.

 

وإذا كانت عيطة "اوحيدة" لا تشير إليها إلا حين نعي "بن نبيكة" كواحد من أعيان المنطقة، والذي كانت له مكانة متميزة عند ناس خريبكة: "مات بن نبيكة/ تروعت خريبكة".

 

في التعاطي مع بلاغة العنوان:

العنوان هو عتبة النص والمفتاح الأساسي له،  ومادام الأمر كذلك، فما دلالة "اوحيدة"؟

إن الشاعر(ة) لا يـ(تـ)سميها بل تشير إليها بصفة من صفاتها، وهي "اوحيدة" كدلالة على التفرد والتميز. فبماذا تتفرد وتتميز؟

تشير الروايات المتداولة أنها امرأة كانت تتبنى أحد الشباب، وعند دخول الاستعمار دفعت بولدها بالتبني لمواجهة الغاصب للأرض، حيث سيستشهد أثناء المواجهة مع الغاصب، فكتبت (نظمت) البعض من هذه القصيدة ترثي فيها وحيدها، ولا تشير إلى الإبن إلا بصفة الفارس:

"العاود أمولاه

امشاو في يد الله"...

 

وهنا تلميح إلى مصير الفارس الذي يبقى مفتوحا على الكثير من الاحتمالات، والتي تبقى مقبولة ومستحبة من طرفه. ويظهر هذا بوضوح في العيطة الحوزية وخاصة في سوسة شدي وعدك شديه:

"شدي وعدك شديه

انا وعدي نصرفوا

حتى إحن لكريم".

 

وهي وإن كانت تعرف مصيره، فإنها تسأل "اخويلي"، أو خالي الذي لم يكن إلا فارسا مرافقا لوحيدها:

"أخويلي أشريفي

كي جرى لو".

 

فالفارس المرافق لوحيدها لا تشير إليه بالاسم، بل تشير إليه بأحد صفاته وهي خالي الذي يحيل على القرابة من جهة الأم.. تلك الأم التي ترتبط كذلك بالوحيد على مستوى قيم الشجاعة، وخاصة الفروسية المواجهة للآخر الغاصب للأرض. لذلك تطلب "اوحيدة" من الفرسان بركوب الخيل للمواجهة كفارسة:

"مالين الخيل

سرجوا ركبوا".

 

ووحيدها الموجود زمن المواجهة:

"نهار البارود

كنت موجود".

 

إن "اوحيدة" على وئام مع كل من كان اختياره الفروسية، لأنه هو الاختيار الذي يخلق التفرد والتميز.

 

تفرد بالانتماء إلى بنية ثقافية مؤسسة على البدل والعطاء والتضحية:

"... إذا كان علينا أن نوضح بعض ملامح القيم التقليدية للحضارة المغربية، فإننا سنقول بأنها تتسم بطابع عشائري قوي، لا يصدر عن سلوك ديني فقط، بل يصدر أيضا عن خصال التضحية التي تسمى بالقدرية أو التفاني ، وهي التي نحددها في روح المعاناة والوفاء للذات..." (عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج ص: 15 فبراير 2000).

 

إن القيم المشكلة للحضارة المغربية تشكلت عبر التفاعل مع الكثير من الحضارات والثقافات، ومنها ما هو طبيعي على علاقة حتى مع الوثنية. الحضارة المغربية لم تتشكل في مجملها عبر النصوص سواء كانت مشرقية، أو كانت غربية، بل إن الكثير من عناصرها تشكل عبر تمظهرات تتجلى في الغناء وفي الرقص، وفي اللباس، فالكثير منها كان يريد أن يبرزها عبر المحسوس، لا عبر المرموز؛ فكانت الفروسية هي إحدى تمظهرات هذه الحضارة، وخاصة حين تكون الغاية منها دفع الآخر وعدوانه عن الأرض.