الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

عبر شهادات أصدقائه.. "مدارات" التهاني تكرم الكاتب والمثقف العضوي أحمد طليمات

عبر شهادات أصدقائه.. "مدارات" التهاني تكرم الكاتب والمثقف العضوي أحمد طليمات الراحل أحمد طليمات (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

في تقديمه لحلقة "مدارات"، التي خصصها الزميل عبد الإله التهاني، يوم السبت 28 نوفمبر 2020 عبر أثير الإذاعة الوطنية من الرباط، لمسار الفقيد الراحل الكاتب والأديب أحمد طليمات؛ قال معد ومقدم برنامج حوار في الثقافة والمجتمع: "تشاء الأقدار أن نعيش على إيقاع حزين في المشهد الثقافي والإنساني، ونحن نفتقد وجوها ثقافية على التوالي". وبأسى أضاف "يغادرنا في غفلة منا وجه عرفته الساحة الثقافية منذ نهاية الستينيات بقراءاته النقدية وتأملاته الشعرية وفعله التربوي والجمعوي". مؤكدا في تقديمه على أن الراحل أحمد طليمات كان "يتمتع بثقافة واسعة، وإلمام متنوع المشارب بالزاد الفكري والتاريخي والفني..."

"لقد عاش الرجل بأفق فكري متفتح ومنفتح، يغترف من ينابيع الثقافة الإنسانية المعاصرة، وكان يفعل ذلك بكثير من التردد والحرص والدقة في الوصف، لأنه لم يكن يستسهل الكتابة، ولم يكن يستعجل النشر"، يقول معد برنامج "مدارات"، الذي وصف الراحل بأنه "كان متأملا في طبعه، وظلت النزاهة بصمة حياته".

 

وعن إصداراته الشعرية قدم الزميل التهاني للشاعر الفقيد أحمد طليمات ديوان "وثني المطر"، وديوان "لحاءات حليمة وللحروف شمائل"؛ فضلا عن روايته "المختصر من مقامات الأنفاق"، وراوية "المختصر من تخرصات الكوارثي وترخصاته أو: وجدناها"، بالإضافة إلى مجموعتيه القصصيتين "السيد لينين والسيد فرويد والسيد تحفة"، و "مخلوقات منذورة للمهانة".

 

ولاستحضار مساره الفكري وتأملاته الإبداعية استضاف "مدارات" التهاني ثلة ممن واكبوا الراحل أحمد طليمات، وتابعوا أنشطته وتقاسموا معه انشغالاته الفكرية والتنويرية. حيث توزعت الشهادات بين الكاتب القصصي والناقد محمد زهير، والكاتب والإعلامي طالع سعود الأطلسي، وصديقه رئيس مركز تانسيفت أحمد شهبون، علاوة على شهادة الباحث فاضل الغوالي.

 

الكاتب محمد زهير: طليمات المثقف والمربي الصادق والمخلص والمناضل الصلب

بنبرة حزينة قدم محمد زهير شهادته المؤثرة في الراحل قائلا: "جرح عميق فقدان أحمد طليمات، ينضاف لجرح ما زال ينزف لفقدان المسرحي حسن لمنيعي"؛ وعدد صفاته الرجل "الصديق العزيز، المخلص لصداقاته، المناضل الصلب الذي لم يكف يوما عن فعله الثقافي والتنويري.. الفاعل الجمعوي الدؤوب، المربي الذي يرى في العمل التربوي عمل محبة وعشق".

رحم الله الفقيد أحمد طليمات "المثقف، والكاتب، والشاعر، الذي تعددت فيه الكثير من الخصال والصفات"؛ وعن الجانب الإنساني أكد الكاتب محمد زهير أن طليمات "كان الإنسان، عميق الإنسانية بمواقفه وحضوره الثقافي والإبداعي والاجتماعي"، لأنه حسب نفس المتحدث "لم ينقطع أبدا عن حركيته الفاعلة أبدا منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي حتى لحظة وفاته".

وبالنسبة لمحمد زهير فإن "الحديث عن طليمات واسع ومتشعب وشاسع"؛ واختصره نظرا لضيق الوقت في "محطات سردياته القصصية والروائية التي كتبها بسخرية انتقادية محببة، لا تهادن الأعطاب في التعبير عن الانتكاسات والانكسارات والإحباطات على جميع المستويات"، بحيث كان "ينفذ إلى الذاكرة المسترجعة لأحداث وأماكن وشخوص لهم أثر قوي على شخصيته، ويرصدها بدقة وذكاء"، وفي سردياته "ّتتقاطع لغات المقروءات الغزيرة عند الكاتب أحمد طليمات، القديم منها والحديث"، يؤكد محمد زهير.

كانت للراحل المحتفى به أحمد طليمات على ضفاف برنامج مدارات "قدرة خاصة على نحت صيغ لغوية خاصة"، ولم يكن للفقيد "مسافة بين سلوكه الإنساني والروابط العميقة مع كل شرائح المجتمع، امتاز بدماثة الخلق وانفتاح السريرة، كان بشوشا ومحدثا بارعا يجتذبك إلى أحاديثه وإلى سلوكه"، حسب شهادة محمد زهير.

ويستحضر ضيف مدارات علاقة الراحل المربي أحمد طليمات مع تلامذته "كانت علاقة خاصة، علاقة حب"، لأنه كان يؤمن بأن "التربية عمقها المحبة"، بدليل أنه كان يؤمن بقولة المفكر جون جاك روسو "كيف أعلمه وهو لا يحبني؟" لذلك فمبدأ المحبة "كان عماد التربية عند المرحوم طليمات، وكان أبا يعرف كيف يربي، وكيف يكون أبا لتلامذته"، يوضح الكاتب محمد زهير الذي أكد على أن أحمد طليمات "كان يعرف كيف يكون صديقا مخلصا ومحبا لكل محيطه، كان يجب المكان، ويحب الطبيعة، والإنسان، ويحب الحياة".

وعن كتاباته وتأملاته الشعرية قال: "في شعره تأكيد على عمق إنسانيته، وعمق محبته للحياة، فهو يستحضر في شعره أعز الناس عنده، ويحتفي بقيم الجمال والحياة والطبيعة والفن..."، دواوينه الشعرية "مليئة بالمحبة والشجن وبالحميمية، وتقف من خلالها على هذا العشق للطبيعة وتستشف منها الدروس البليغة"، لقد كان المرحوم "يكتب السرد والمقالة والعشر بنفس العمق الإنساني، ولم يكن أبدا مجرد عابر في هذه الحياة التي كان يحبها" فهو بإنسانيته وبآثاره وبما ربط من علاقات طيبة وبفعله الثقافي والنضالي "لا يمكن أن تذهل عنه الذاكرة، فهو حاضر بكل تركيز".

 

الإعلامي طالع سعود الأطلسي: صنع في شقته البسيطة عالما من المثل

حيا الكاتب والإعلامي سعود الأطلسي معد ومقدم برنامج مدارات على مبادرته والتفاعل السريع مع فقدان أحمد طليمات، وقال في سياق شهادته على الراحل موجها كلامه للزميل عبد الإله التهاني: "تأثرك أنت، هو نفس تأثر عشرات المئات من رفاق دربه، وأصدقائه وزملائه، الكل له نفس الشعور والإحساس، أنه شعور الأسى والحزن".

نحن جميعا اليوم، ومن خلال لحظة الوفاء والتكريم للرجل "نجدد ولادته، نسترجع المخزون الهائل من الذكريات التي تعيد تشكيل شخصيته كمثقف ومناضل.. نجدد ولادته فينا، وفي ذاكرتنا، ومن خلال ما ترك لنا يكفي أن يبقيه حيا فينا".

وقال سعود الأطلسي في شهادته "الرجل كان متعددا" وعاش البساطة في حياته، ولم يكن يعير للماديات أي اهتمام "سكن في شقة، دخلتها في بداية السبعينيات، هي نفس الشقة التي استمر يعيش فيها ببساطتها، ورفض قطعا الانتقال إلى سكن آخر (فيلا)"؛ على اعتبار يضيف سعود الأطلسي أن تلك "الشقة صنع فيها عالما من المثل، وحشر فيها العديد من الكتاب والمبدعين، وكان لا يشعر فيها بالوحدة، كان يملأها بذلك التعدد في شخصيته"، الراحل أحمد طليمات لم "يكن يهتم سوى بالثقافة والتنوير ونقاش المثقفين، كان يعيش محلقا فوق الماديات"، يؤكد ضيف مدارات.

في كل لحظة "تحس به يسترجع قصيدة، أو يحاول تركيبها، لم يكن بحب الوحدة إطلاقا، كان يملأ حياته بالقراءة و مع كتبه يدخل لعوالم متعددة".

على مستوى مهنة التعليم "أعطى للمهنة بعد الرسالة، وليس بهدف أكل العيش، لأن الثقافة سكنته وشغلته كثيرا"، ويضيف الأطلسي في شهادته بأنه "كان متنوعا، وكان ضليعا في الفقه واللغة، رغم أنه كانت له ميول وجودية، وكان يتنفس الوجودية" وشرب من ينبوع "أمهات الكتب الماركسية، وكان منفتحا على كل الرؤى، وكان همه أن يستزيد الثقافة".

وعن جانبه الإنساني يقول الأطلسي في شهادته "كان مفراحا ومرحا، ينتج الفكاهة بطابع ثقافي وغالبا ما تكون فكاهته مستوحاة من قراءته ومشاهداته.. يحب الفرح بجميع تجلياته، رجل مبتسم على طول"، مع العلم أنه "كان صارما في نقاشاته كمثقف يدافع عن رأيه".

 

أحمد الشهبوني: فقدنا مثقفا عضويا ملتزما

بدوره قدم رئيس مركز تانسيفت الأستاذ أحمد الشهبوني شهادته في صديقه الراحل أحمد طليمات بحكم أنه كان عضوا في مجلسه الإداري وصانعا لحركية ذات المركز، حيث قال بتأثر كبير "لقد فقدنا أحد رموز الثقافة في مدينة مراكش، ذهب عنا ونحن في أمس الحاجة إليه".

الفقيد الكاتب والأديب أحمد طليمات "عرفته منذ سنة 1973، كان مناضلا، وسياسيا ومربيا وجمعويا ومثقفا.. كل الصفات اجتمعت في شخصيته الوازنة، كان رمزا بالنسبة لنا، لأنه كان مثقفا عصويا، كان يملأ الفضاءات بفكره في كل الندوات والملتقيات والمحاضرات"، يقول أحمد الشهبوني في شهادته.

وأشار بأن الراحل "كان نموذجا للمثقف العضوي الذي يعطي الأهمية للسلوك وبنساء الإنسان، وينتصر للمثقف قبل السياسي، لأن الإلتزام سلوك قبل أن يكون رأي" حسب رئيس مركز تانسيفت.

وفي سياق متصل بمواقف الرجل قال: "كان الراحل يكره المتملقين، والانتهازيين والوصوليين، مقابل محبته للإنسان الصادق، لأنه كان طهورا متعبدا ناسكا في الأخلاق، كان معتدلا، وكانت صرامته في تفتحه" وشدد على أنه كان يؤمن بقولة "كن صادقا وقل ما شئت". وأضاف قائلا: "كان الرجل يلح على أننا في حاجة ماسة إلى إنسان متشبع بمبادئ حقوق الإنسان، ومؤمن بقين الحداثة والمواطنة سلوكا وممارسة".. ويرجع له الفضل في "تكريم عدد هائل من المثقفين بمختلف مشاربهم وتعاطيهم مع الأجناس الأدبية" لأنه كان "إنسانا معطاء ومنفتحا وكريما"، حسب شهادة الأستاذ الشهبوني.

 

فاضل الغوالي: كان يساير التطور في جل المجالات

أستاذ اللسانيات وأحد مؤسسي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية الأستاذ فاضل الغوالي، قال في شهادته بأنه رافق الفقيد في حياته مدة نصف قرن من الزمن، ليخلص بأنه كان "يساير التطور في جل المجالات" وكان يؤمن بأن "الأنظمة السياسية "نفسها قد تشرق مع بزوغ فجر الشعوب وتزول..، وتبقى الأخلاق وحدها ثابتة".

وأفاد في شهادته بأن الرجل "تكون في أحضان جامعة بن يوسف بمراكش وفق طرق تدريسها آنذاك، واستطاع أن يتأقلم مع اللسانيات ومذاهب علوم التربية الحديثة"؛ مستحضرا بأن الفقيد "استطاع أن يحقق بفضل تثقيفه الذاتي العصامي مرتبة مهمة في المشهد الثقافي المغربي، لقد ساهم في تكوين نفسه بنسفه، وكانت حياته كلها تثقيف ذاتي متواصل".. من هنا يؤكد ضيف مدارات بأن أحمد طليمات "استطاع أن ينتقل من المدرسة الوجودية في مطلع الستينيات إلى المدرسة الماركسية في مطلع السبعينيات، وقرأ مختلف نظريات المعرفة والفنون والثقافة".

كان الفقيد "يسير عبر كل هذه التحولات بخطى ثابتة مع الحفاظ على مبنى مقام الاستقامة" (مقام الرصد في الموسيقى) من باب الاستعارة يقول فاضل الغوالي الذي أكد على  أن الراحل أحمد طليمات كان "يبشر بالمستقبل الواعد من خلال مقام الإستقامة الخلقية" ويفسر استعارته لمقام الرصد أن "من مميزات مقام الاستقامة الخلقي في حياته، أن الموسيقى لا تقبل النشاز وتخلف الإيقاع"، لذلك فمقام الاستقامة عند أحمد طليمات "كان مقامه يتسع لكل الأصدقاء على اختلاف ميولاتهم ومشاعرهم وتكوينهم الثقافي على عكس ما هو سائد".

وختم شهادته قائلا: "كان الرجل عاشقا لنشيد الحرية والحداثة والتنمية لهذا الوطن على قاعدة المقام الخلقي".

فسلام عليه يوم ولد، وسلام عليه يوم يبعث، وسلام على روحه الطاهرة من قبل ومن بعد، كان رحمة الله عليه من الوجوه الثقافية البارزة في مدينة مراكش.