الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والحوزية بشكل خاص (3)

دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والحوزية بشكل خاص (3) من روافد الثقافة الشعبية الوطنية

 

كيف عالجت مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد موضوع دلالات الجذور التاريخية للعيطة المغربية بشكل عام والعيطة الحوزية بشكل خاص؟ هذا السؤال تجيب عليه ثلاثة حلقات تنشرها جريدة "أنفاس بريس".. نستنتج من خلالها إلى أن العيطة الحوزية رافدا من روافد ثقافتنا الشعبية الوطنية التي تحيل على الذاكرة على اعتبار أن "من لا ذاكرة له لا حاضر ولا مستقبل له".

لقد سجلنا في الحلقتين السابقتين ملاحظة أساسية مفادها أن "كل قراءة للفن الشعبي تنطلق من مرتكز واحد ووحيد لن تفهم "العيط" المغربي بشكل عام، والحوزي بشكل خاص. فالقراءة التي تنطلق من المتن الشعري لن تصل إلى كنهه، والتي تعتبره وثيقة لا تسبر غوره، إنه شيء آخر أوسع وأعمق، لا يمكن أن تحيط به إلا مقاربة دينامية تستند إلى الكثير من المقاربات".

 

تبعا للحلقة السابقة من المقال فإن الأستاذ اليحياوي يقر بالطابع الملحمي للعيطة الحوزية وهذا اجتهاد يلامس خصيصة من خصائصها، وهو في ذلك يعتمد على قرائن الأسماء الواردة في العيطة، والتي يعتبرها من المقاومين والمقاومات مثل "أولاد حليمة"، و"ربوحة" حسب اعتقاد هذا الأخير، وإن كانت عيطة "خالي ياخويلي" (الحوزية) هي الوحيدة التي تشير إلى فترة الإستعمار ومواجهة الهيبة ماء العينين في منطقة سيدي بوعثمان له .

(فين إيامك يا لاربعاء كان موسم ولا حركة / فين إيامك يابنكرير غير الغبرا والكور إطير/ فين إيامك أبو عثمان غير الطرابش بلعمان / ياك صاكونا صاكونا للزيتون في الزناقي ناض الرتول....)

 

كيف بالإمكان تقديم تفسير للطابع الملحمي الذي جعل العيط الحوزي ينحو هذا المنحى؟

ألا يمكن الارتكاز على البنية الثقافية التي تطبع مجال الحوز لتقديم تفسيرات للطابع الملحمي إياه؟

ألا يمكن اعتبار سلوك الشهادة و الإستشهاد الذي لف المجرى التاريخي لقبائل بني معقل انطلاقا من شبه الجزيرة العربية مرورا بالمغرب العربي والصحراء المغربية واستقرارا في الحوز هو الذي جعل العيط الحوزي يتميز بهذه الخاصية؟

ألا يمكن اعتبار الطابع الأسطوري الذي ميزه، والذي جعله عالم غزير الدلالات والمعاني لم يبق منحصرا في فترة بعينها بل يكاد يلامس تاريخا عميقا ينطلق من نبع الإنطلاقة مرورا بمجال السفر الملحمي إلى مجال الإستقرار بالحوز؟

ما علاقة قبائل بني معقل بجعفر ابن عم الرسول (صلعم)  وشقيق علي ابن أبي طالب؟

هل العلاقة هي علاقة دم؟ بمعنى أن جعفر هو أحد الأصول التي تنحدر منه قبائل بني معقل؟

لماذا استحضار هذا الأصل لتفسير النفس الملحمي بالعيط الحوزي؟

ألا يمكن اعتبار الإستشهاد الملحمي لجعفر حضور ضمني في العيط الحوزي، يجعله صعود صوفي بكائي نحيبي يتسامى على الواقع رغم الرسوخ فيه؟

هل من علاقة محتملة بين الواقعة التي تروى عن محمد بن عزوز الذي تقدمه الرواية بالمنطقة على أنه قدم نفسه قربانا لافتداء أرواح سكان الحوز؟

ما هي العلاقة بين الشهادة عند جعفر وعند ابن عزوز؟ الأول ذهب إلى الشهادة طوعا في سبيل رسالة والتالي قدمها في سبيل الأبناء لتمتد الفروع.

إن العيط الحوزي هو طقس أسطوري، احتفالي، بكائي، يتغنى بملاحم في التاريخ العميق والمعاش المحلي منه والوطني. (تتعجبني .. تتعجبني / تتعجبني الراية الحمراء/ تتعجبني زينة النظرة) .

 

المرأة في العيطة الحوزية، ليست كائنا محنطا ومركز إغراء وغواية، يتغنى بمفاتنها ومحاسنها، لاستفزاز اللواعج الداخلية، وتحريك الدوافع الطبيعية، إنها مركز حركي ينبض بالفعل، ينادي ويدعو إليه، بل يحرض عليه لصناعة وإبداع الملاحم الشعبية، بل هي طرف فيه.

(كالت ليكم، كالت ليكم النيرية/ ياك عزبة ودريرية/ ياك ماضربتو ما قلتونا/ لتهرس ها لكرارس / لتفرما يبقا تما/ كالت ليكم النيرية/ لتحفى ها شربيلي...).

 

إسم النيرية، نسبة إلى النيرة التي تعتبر الناظم والجامع لكل خيوط النسيج، منه الإبتداء وإليه المنتهى. بناء عليه ألا يمكن أن نعتبر "النيرية" رمزا يلعب دورا أساسيا في صناعة الحدث ومنتج له بامتياز؟ لماذا "النيرية" هي عزبة ودريرية؟ هل هي من جهة ترمز إلى العذرية التي تومئ إلى الطهارة التي تلتقي مع كونها طفلة؟ أم بكونها ترتفع المواقع وتلج الأسطوري لتلعب دور الدعوة لصناعة الملاحم الشعبية لكي تحيي الجماعة وتستمر الحياة والشغف للمجد؟

إن هذا النفس البطولي نكاد نلمسه في جميع العيط المغربي بدء من الحصبة التي قاومت فيه "خربوشة" استبداد القائد عيسى بن عمر، وتحدته بالشهادة ليتكرر الإسم في العيطة المرساوية باسم "خربوشة منانة".

واسم النيرية، يحيل إلى النور الذي يقود الفاعلين لإنتاج الملاحم الشعبية، إنها أكبر من أن تتصف بصفة من الصفات، فهي مركز فعلي والتحريض عليه في نماذج أخرى من العيط الحوزي تكون هي العقل والمنطق موزع القرارات وخاصة في نموذج عيطة " الرويضية"

(كاع بغيتو رويضية / ياك كاع بغيتو مو العيون / ياك تحت الكرمة مفرقة كيسان / ياك كاع بغيتو رويضية / ياك تحت الكرمة مفرقة ديوان...)

 

 الرويضية، هي تصغير، لإسم راضية، للتحبيب والمحبة التي يلقاها المسمى من طرف المحيط، وهي كذلك محط رضا من طرفه، فالمحبة والرضا مبعثه جمالها "أم العيون" ورجحان رأيها "مفرقة ديوان".

وهكذا نجد أن المثال الواقي خصيصتان ميزت المرأة في العيط الحوزي، فكيف السبيل لتفسير ذلك؟

إن البنية الثقافية، أو النظام الحضاري لم يكن يسلك مسلكيات إلغاء المرأة، والتعامل معها بدونية وازدراء، بل كانت فاعلة مؤثرة في صناعة الحدث، ومتميزة برجحان العقل والروية. ولعل الدور البطولي الذي لعبته "سحابة الرحمانية" له دلالة واضحة في معركة واد المخازن، وهو خير نموذج يوضح الدور الذي لعبته المرأة الحوزية في صناعة الحدث والمكانة التي تبوأته في المجتمع أنذاك.       

 انتهى