الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

مقاربة "المشيخة" في الثقافة الشعبية عموما و العيطة بشكل خاص (4)

مقاربة "المشيخة" في الثقافة الشعبية عموما و العيطة بشكل خاص (4) مجموعة لمخاليف الحوز

نزولا عند رغبة عشاق الموروث الثقافي الشعبي على مستوى تراث فن الطرب والإيقاع، بتعدد أنماطه العيطية، إرتأينا في " أنفاس بريس" نشر سلسلة من المقالات في هذا الشأن في علاقة مع مفهوم "المشيخة" كموقف تعبيري عن الذات .

مقالات قامت بصياغة مضمونها مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، انطلاقا من قاعدة أن "العيطة لا تشير إلى الواحد، بل هي متعددة بتعدد صيغ القول والغناء التي تتعدد بتعدد صيغ القول والأداء، التي تتعدد وتتنوع بتنوع أمكنة القول والطرب".

في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة (المشيخة: تعبير عن موقف في فن العيطة)، نقدم لقراء الموقع مقاربة تيمة "المشيخة" في الثقافة الشعبية عموما و العيطة بشكل خاص، من خلال نمط "المخاليف" و"لبرابيش" و "سلام". على اعتبار أن "سلام" كناس حازوا لقب "الرما" وإن كانوا مارسوا الذكر تحت خيمتهم السوداء موطن "الرما" لممارسة طقس الغناء.

 

 من بين الأشياء المميزة لمزاولة فن العيط والغناء الشعبي عموما هو إحاطة الناس المزاولين لهذا الفن بكثير من الصلاح والوقار، فهم حسب التنسيب الشعبي المتداول "عبيدات الرما، أو رما".


و من بين المقاصد التي نستشفها من الإسم (الرما) هو أنهم يرمون : أي يقصدون، فالشيء المرمي به يقصد هدفا معينا، أي يتجه إلى مقصد محدد. سواء كان الرمي بآلة حربية، فما يرمى به يذهب إلى هدف معين، وكذلك الرمي بآلة موسيقية/غنائية يتغي غاية محددة وهدف.

إذن كلام الرامي له وظيفة معينة بحياة الناس وأحوالهم، فهو كفعالية ليس القصد منه المتعة، التي هي مقصد من بين الكثير من المقاصد. لأن المقاصد تتحدد حسب الشرط الحياتي، والحاجة المفروضة من تفاعلات العمران.


تحت سقف الخيام السوداء مورست فعاليات الرمي، وبركات "عبيدات الرما" بصيغ مختلفة، بين "رما" المخاليف المنتسبين إلى سيدي مخلوف ، وبين "رما" سلام المنتسبين إلى زاوية ماء العينين بالصحراء المغربية، وكما تسميها الذائقة الثقافية الرحمانية ( صحراء الساحل) لقرب الكثير من مراكزها من البحر، ولتمييزها عن صحراء (أهل القبلة) والمقصود بها صحراء زاكورة، تافيلالت.


وكل من البرابيش وسلام هم فرسان ورماة، فكما المخاليف، وسلام "رما"، يرمون بكلامهم، فهم كذلك "رما" تحت خيمتهما السوداء، فالمخاليف بالغناء الحوزي، كغناء لا يشذ عن الذوق، وسلام بالذكر الذي يمجد الذات الإلهية وصفات الرسول.

نسعى لمقاربة تيمة "المشيخة" في الثقافة الشعبية عموما و العيطة بشكل خاص، من خلال النمطين المشار إليهما أعلاه. وعطفا على إشارة أن "سلام" كناس حازوا لقب "الرما" وإن كانوا مارسوا الذكر تحت خيمتهم السوداء موطن الرما لممارسة طقس الغناء.

فسلام أهل ذكر، وعشاق للقنص، و ما ارتبط به من فنون الرماية التي كانوا يجيدونها، والمصرون على نصب خيمتهم بموسم سيدي "بو يحيا" سنويا، حالما يأتي أبناء الولي الصالح لإحياء موسمه السنوي، وهو موسم لتلاوة القرآن والأمداح. وكان رجال سلام، مختصين في الأذكار والأمداح النبوية. (بالمناسبة فموسم سيدي "بو يحيا" هو موسم بأرض السراغنة بنزالت فاتح، يحتفي به ناس دكالة في فصل الربيع).

 

وسيرا على نهج الورع فقد أحيا ناس سلام وباقي الفخذات الصحراوية موسما للقرآن والأذكار بأرض بوشان ( موسم الطلبة) للإحتفاء بالقرآن و الأمداح.

إن "الرما" أهل صلاح حسب التمثل الشعبي، وكلامهم يرمون به ويصيبون به أهدافهم، لذلك كان عامة الناس تقول: "صاحب سلام لا يسلم، وإذا سلم أصيب بالجدام". وهناك العديد من الروايات التي تبرز كرامات ناس سلام.

ومعناه أن من انتقص من صلحاء سلام فإن أدنى ما يصاب به هو الجدام، ما يؤكد بأن من خاصمهم لا يمكن أن يحوز طوق النجاة. وكذلك من يقصد كاور/ لمة "الرما" لحاجة ما، فإنه سينالها، جراء دعواتهم، وجراء استعدادات الطالب، أي الذي يطلب حاجته.

طابع الصلاح الذي كان ميزة ارتبطت بالرما، و جعلت تمثلات الناس تضفي عليهم التبجيل والتوقير، فلأن كلامهم، أو بالأحرى غناءهم لم يكن في أغلبه إلا في إظهار صفات صلاح صلحاء المجال الذي ازدهرت فيه العيطة. "الحداويات المرساوية (الفيلالية،) السبتي مولى باب الخميس الحصباوية (الفيلالية)، ورجال لبلاد الحوزية التي يرجح أن تكون كذلك (فيلالية) ولو أنها من العيوط الميتة بالمتن الحوزي".

 

معالجة تيمة "المشيخة" كتيمة محورية في الثقافة الشعبية بشكل عام و العيطة بشكل خاص. واعتبرنا بأن مشيخة المخاليف هي الركيزة الأساسية للعيطة الحوزية، فمنهم تنطلق العيطة الحوزية و إليهم ترجع، باعتراف شيوخ تساوت المكونين من أولاد الخبشة ، وأحمد كرتال، وعبد الكبير الصنهاجي. فالأولون يعترفون بأنهم أخذوا العيوط الحوزية من "المخاليف" بحلقتهم بجامع الفناء التي تعتبر من أقدم حلقات جامع الفنون كما يحب المراكشيون تسميتها،
كذلك شيوخ ابن جرير الذين قدموا إليها في الغالب من الرحامنة الجنوبية فجلهم من أولاد غنام من دائرة بوعثمان، وأمهر شيوخ بن جرير تعلموا وأخذوا هذا الفن عن "المخاليف"، وهم بذلك حساسية فنية تحاول أن تسير على النهج الفني للمخاليف.

وقد حاولنا تفسير أسباب انتقال شيوخ الحوزي من مراكش إلى بن جرير، وربطنا هذا الإنتقال بالتضييق الذي مارسته إدارة الكلاوي على هؤلاء الفنانين. وهذا سبب من أسباب أخرى، دفعتهم إلى الإنتقال إلى هناك.

لكن شيوخ الحوزي، وخاصة المخاليف لا يعتبرون ما يغني شيوخ العيطة بابن جرير، أو بقلعة السراغنة عيطة حوزية ويحصرونها بمراكش والويدان.

صحيح أن العيطة الحوزية للمخاليف تبقى هي الصيغة الماجور المهيمنة على باقي صيغ الأداء الأخرى التي تنتشر بتساوت أو بن جرير، ولكن هذا لا ينفي بأن العيطة الحوزية لم تنتشر بهذه المناطق من الحوز.

من المؤكد شيوخ المخاليف قد تميزوا بصيغة الميزان "الحدادي"، وهو ميزان لا يوجد إلا عندهم، لذلك فلا يمكن أن يجيده أي فنان، فضلا عن الميزان "البو"، وهو ميزان تكون به الندهات، والركز بالأيدي، والأرجل،. أما الميازين الفرعية، فكل انتقال موسيقي يصاحبه ميزان فرعي، يكمل تلك الموازين الأخرى..