الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

"المشيخة" تعبير عن موقف في فن العيطة المغربية (3)

"المشيخة" تعبير عن موقف في فن العيطة المغربية (3) مجموعة أولاد البوعزاوي و الأستاذ عبد العالي بلقايد

نزولا عند رغبة عشاق الموروث الثقافي الشعبي على مستوى تراث فن الطرب والإيقاع، بتعدد أنماطه العيطية، قررنا في جريدة "أنفاس بريس" نشر سلسلة من المقالات في هذا الشأن في علاقة مع مفهوم "المشيخة" كموقف تعبيري عن الذات .

مقالات قامت بصياغة مضمونها مجموعة البحث بتنسيق مع الأستاذ عبد العالي بلقايد، انطلاقا من قاعدة أن "العيطة لا تشير إلى الواحد، بل هي متعددة بتعدد صيغ القول والغناء التي تتعدد بتعدد صيغ القول والأداء، التي تتعدد وتتنوع بتنوع أمكنة القول والطرب".

 

في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة نقدم لقراء الجريدة تحليلا في علاقة الفن بالمنزع الصوفي وما يمور بالعمران البشري انطلاقا من عنوان الورقة الثالثة "المشيخة : تعبير عن موقف في فن العيطة"

 

نعتقد أن مجموعة أولاد البوعزاوي، تمثل امتدادا لكل من المارشال قيبو، و الفنان بوشعيب البيضاوي، الذين يشكلون المشيخة في فن العيطة المرساوية، وهذه "المشيخة" التي نحثوها انطلاقا من محددات، شكلت الإتجاه الذي تنحوه كل فعالية غنائية أرادت أن تسير في هذا الإتجاه، الذي يدمج بشكل عجيب بين الفن، وبين المنزع الصوفي، من جهة، وبين الفن وما يحدث بالعمران البشري.

إن الفنان ينتج تصرفات اتجاه ما يمور بالعمران البشري، فحضور موقف "المشيخة" الفنية ضروري، عكس المشيخة الطرقية التي غالبا ما تسلك الحياد السلبي حول ما يكتنف الحياة الإجتماعية.
المنزع الصوفي لا يتحدد فقط في ذكر الصلحاء الموجودين بالمجال، ولكن يمكن أن نتلمسه في الترتيب الذي تخضع له العيوط حسب تتابع زمني طيلة الليلة، مع تحديد العيطة الماجور التي يحب أن تبدأ بها الفرجة.

المنزع الصوفي لا يقتصر على ما ذكرنا، بل يشمل كذلك الملبس الذي يتلاءم مع العيطة، و الذي يستحضر الصلاح والموقف، وخاصة في فترة الصراع مع الآخر الذي يريد أن يطمس الذاتية الوطنية.

إننا حين نسعى إلى بسط هذه التيمة، فغايتنا أن نوضح قدر الإمكان بأن "المشيخة" ليست فعلا فرديا، أو أسلوبا في العزف يختص به هذا العازف دون داك، بل هي تصرف شامل يتبنين من خلال البعد الفني، والتصرف المهني، وأخلاقية المهنة/الصنعة التي تعتبر أساسية وضرورية، لتأكيد الإنتماء إلى مشيخة ما.

نحاول أن نعالج تيمة "المشيخة" في العيطة، والتي نرى بأنها تظهر من خلال عدة تمظهرات يعتبر العزف عنصرا واحدا ضمن مجموعة من العناصر التي تكونها، وليس العنصر الوحيد المشكل لها، وفي تقديرنا فمن عناصرها الأساسية الإنتصار للذاتية المغربية من خلال: الزي الذي يبرز تميز الذات المغربية عن باقي الذوات الأخرى، وخاصة أن الزمن هو زمن غصب الآخر للأرض وسعيه أن يفرض قيمه من خلال لباسه، لذلك نجد أن جل رجال "المشيخة" المرساوية، و "المشيخة" الحصباوية، يتزينون بالطربوش الوطني، والجلباب والبلغة المغربية، تماهيا مع فناني الملحون والأندلسي، الفن الذي كان يؤديه العلماء والفقهاء على الأقل في بدايته.

المشيخة الحوزية هي كذلك تبرز الذات ولكن من خلال الجلباب والبلغة، والقبعة (الطاكية) وليس الطربوش.

المشيخة موقف: لعل الموقف اخترق جميع مشيخات العيطة، فلا يمكن التصرف خارج مطامح الذات المغربية، فكان رفض الآخر من خلال أبعاد عديدة، وبذلك جعلت الفن في خدمة قضايا المجتمع، لا خارج قضاياه ومطامحه.

العيطة المرساوية: كانت كوكبة المارشال قيبو، والفنان بوشعيب البيضاوي باعتبارهما شيوخ البيضاء هم أقطاب هذه المشيخة ، وباقي شيوخ المناطق الأخرى التي أدت العيطة المرساوية امتدادا لهذه المشيخة ( سطات، واد زم....)

العيطة الحوزية: تعتبر كوكبة بن حمامة، والشيخ العروشي، وحسن الدريوكي، ولد العبد..، هم أصل المشيخة، وباقي شيوخ المناطق الأخرى امتدادا لهم ( القلعة، ابن جرير، سيدي رحال، لمنابهة...). فلا يمكن أن يصل الفرع إلى مستوى الأصل في الأداء، أو أي عنصر يتصل بالصنعة.

إبراز الذات يتم كذلك من خلال إظهار أحاسيسها، فالعيطة هي إحساس، وبالتالي تكون العيطة المرساوية تعبيرا راقيا عن حالة شعورية ووجدانية راقية، يتم التعبير عنها بمتن شعري به الكثير من الشفافية، سواء أثناء تشكيل صورة الصلحاء، أو العشق، أو الفروسية.

هذه المضامين الراقية لا يمكن التعبير عنها إلا بتنوع آلات العزف، وبذلك وجب حضور الكمان، والعود، بالإضافة إلى الآلات الإيقاعية، الدربوكة، و الطعريجة...، مع دراية معرفية بالمقامات، و...

مشيخة المخاليف: تبقى أقوى وأبرز "مشيخة"، ومرجعا في الفن الحوزي، وفي العيطة المغربية، لكونها تسعى إلى إرفاق الإنتقالات الموسيقية بالميازين، التي يكون بالركز المؤسس على أول آلة موسيقية استعملها الإنسان في التاريخ وهي اليد والرجل.