السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

عبد العالي بلقايد يتساءل: هل تشكل العيطة بعدا وأفقا للتفكير؟

عبد العالي بلقايد يتساءل: هل تشكل العيطة بعدا وأفقا للتفكير؟ عبد العالي بلقايد والشيخ ولد قدور رفقة الشيخ ولد الصوبة والشريف

معالجة العيطة إذا لم تكن محفزا للتفكير، فما الفائدة منها؛ بمعنى أن نتجاوز التشخيص إلى إنتاج الفكر بمعنى إنتاج النقد، ولكن ليس النقد من أجل النقد، بل بما يفيد في تشكيل دعائم التنمية. فكل عمليات النقد التي عرفتها البشرية هي لغايات نفعية.

 

حسب المفكر عبد الكبير الخطيبي، في كتابه "النقد المزدوج"، كل تراث هو لغة الموتى. والعيطة هي تراثية، ولكن لغتها ليست بلغة مقدسة، لأنها ليست منحوتة على شاكلة اللغة العربية الكلاسيكية المخصوصة بالقداسة، المتميزة عن اللغات المحلية بتشكيلها اللفظي، وبصوتياتها، الشيء غير المتوفر في اللغات المشكلة للمتن العيطي.

 

العيطة لا تشير إلى الواحد، بل هي متعددة بتعدد صيغ القول والغناء التي تتعدد بتعدد صيغ القول والأداء، التي تتعدد وتتنوع بتنوع أمكنة القول والطرب.

 

هذا التعدد حين يكون خارج الموديل الثقافي والفني، لا تقبله نخبة لا تحب التعدد، بل تهوى أن تكون كل التجارب الفنية نسخا كاربونية للنموذج، ورجع صدى للموديل الثقافي والفني.

 

موديل يستهوي بورجوازية كومبرادورية، والفئات العليا من البورجوازية الصغيرة المهووسة بالفكر القومي القائم على الوحدة والتوحيد، والذي ينظر بريبة للثقافات المحلية كتهديد لهذه الوحدة.

 

هذا كان مستساغا إبان الاستعمار، ولكن هل يستقيم الأمر والمغرب قد حاز استقلاله؟

بعد الاستقلال كنا نستورد ألحاننا من المشرق، كما نستورد الكثير من الأفكار والمفاهيم. في حين بقي تراثنا ضمن الغميس، واللامفكر فيه.

 

"المغرب البديع هذا آخذ في الزوال، تغطي اللامبالاة ذاكرته، إننا بمعنى ما نتابع التهديم الذي بدأه الاستعمار وعلم الأجناس، وليكن مفهوما، نحن لا ندعو إلى الحنين الساذج إلى الأصل القديم"النقد المزدوج" ص: 40، عبد الكبير الخطيبي.

 

هي دعوة صريحة لصيانة مخزون تراثي من المحو، وهي العملية التي بدأها الاستعمار الفرنسي، في محاولة منه لتفكيك كل أسباب القوة المعنوية التي وقفت وتقف أمام كل محاولة تسعى إلى غصب الأرض ومن عليها.

لم تكن العيطة غناء فقط، ولم تكن نداء، ولم تكن إيقاعا لوحده، هي هذه الأشياء كلها، وأشياء أخرى من صميم الحضارة المغربية.

 

ولكن هل تقدم لنا العيطة بعض أسباب التقدم مستقبلا؟

العيط المغربي بتعبير لغة النقاد هو (نص ثان) يعطي إمكانية لنهوض فكر نقدي، على جميع المستويات الفكرية، وهذا يتطلب نهوض العلوم الإنسانية التي تحتاج مناخا فيه الكثير من مساحات الحرية للنهوض، لكي تتعاطي مع زخم حضاري متنوع سواء على مستوى الدلالة الثقافية، أو الفنية.

أليست مجموعة من العيوط هي ملاحم شعبية ، بها الكثير من الحكي الشعبي، والصراع الملحمي، تحتاج تواصلا منتجا معها كأشكال برعمية للدراما، والسرد.

 

النخبة كانت دائما متجهة إما للشرق، وإما للغرب، ولكن، هل يمكن صياغة مستقبلنا خارج ما كناها، وما سنكونه، وما نحن به موجودون؟

 

أجوبة لا يمكن التفاعل معها إلا في إطار تفكير ينتج النقد، وهل التأريخ للعيطة نقدا؟ هل بالفعل وبكل صراحة استطاعت النخبة أن تنتج نقدا حول تراثنا، ومنه العيطة؟ ماذا فعلت النخبة لحد الساعة تجاه العيطة، وكل المؤسسات ذات الصلة؟

 

هي أسئلة تظل تتناسل لوضع الإشكالية في كادرها الصحيح، وما لم توضع في إطارها الصحيح، فإننا لا ننتج إلا شذرات نقدية بعيدة عن النقد، قريبة من الانطباعات، مع بعض الاستثناءات القليلة.