الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

بهجاجي: رحم الله العزيز سعد الله.. كانت الشاشات تحبه، وكذلك الخشبات

بهجاجي: رحم الله العزيز سعد الله.. كانت الشاشات تحبه، وكذلك الخشبات الكاتب محمد بهجاجي (يمينا) والراحل الفنان سعد الله عزيز

تمثل سيرة الفقيد العزيز نموذجا للفنان العفيف الراقي الذي كان يحرص دائما على إعطاء صورة طيبة عن المبدع في المغرب، وعلى أن يبث في زملائه دائما طاقة إيجابية تفيد أن العمل والمبادرة والمثابرة هي طريق النجاح باحتراف، لا احتراف الاستجداء والوقوف على العتبات.

 

تمثل السيرة بالنسبة لي كذلك، والتي تقاسمها منذ البدء مع رفيقة دربه الفنانة الأصيلة والصديقة الغالية خديجة أسد، نموذج المبدع الذي كان واعيا بدوره الفني. ولذلك كنت أراهما دائما يقفان على الخط الرفيع الواصل بين التوجه نحو الجمهور الواسع دون أن يسقطهما ذلك في التفاهة والابتذال، ولذلك كانت أعمالهما في المسرح والتلفزيون، وفي التنشيط، عميقة بقوة رسائلها الانتقادية، وبسخريتها المرة التي تتقدم نحونا بسلاسة، وبلا صخب أو ادعاء. وبذلك كان إنتاجهما من الأعمال  التي ساهمت في أن تكون الجسر الذي نقل الإبداع التلفزيوني على الخصوص نحو الاحتراف.

 

في نفس السياق تنوعت مضامين خطابهما الفني. يلتقطان موضوعاتها وحالاتها الاجتماعية من كل جغرافيا المغرب، القروية والحضرية،  تماما مثلما كانت شخصياتهما تنبض بقلق كل الفئات، من النساء والشباب والشيوخ وعموم المهمشين، إلى تصدع الحيوات الشخصية لموظفي الإدارات، ومختلف مكونات الفئات الوسطى وما فوقها.

 

أستحضر بهذا الخصوص إطلالتهما الأولى، في بداية السبعينيات، عبر خريجي المعهد البلدي للمسرح وبعض فرق الهواة بالدار البيضاء ومسرح الطيب الصديقي، ثم تحقق لهما المنعطف الأساسي من خلال تأسيس فرقة "مسرح 80" التي دشنا العمل فيها بمسرحية "سعدك يا مسعود" التي كتبها سعد الله عزيز وأخرجها حميد الزوغي بمشاركة الكبار محمد مفتاح وسعاد صابر والمرحومين عائد موهوب وثريا جبران. ومن ثم تواصل أداء الفرقة عبر عقدي الثمانينيات والتسعينيات من خلال "النخوة على الخوا"، "خلي بالك من مدام"، "فكاك الوحايل"، "برق ما تقشع"، "كوسطة يا وطن"...

 

تحقق المنعطف الثاني عبر التلفزيون حيث قدما عددا من الأفلام والبرامج ذات المضمون الاجتماعي والترفيهي في الثمانينيات مثل "ت ف 3" التي كان يخرجها المرحوم الرائد حميد بن الشريف، و"صور ضاحكة" التي وقعها المخرج الشاعر حسن المفتي... ثم كان "التتويج" الشعبي حين تم عرض "للا فاطمة" خلال ثلاثة مواسم (من 2001 إلى 2003). ولقد تلتها "ماشي بحالهم" و"بنت البلاد" و"دور بها يا الشيباني". ومع ذلك ظل ضوء "للا فاطمة" أقوى. في نفس السياق أستحضر على الخصوص مشاركة عزيز ومحمد مفتاح في الفيلم التلفزيوني "اثنان ناقص واحد" لمصطفى الدرقاوي (1979).

 

بجوار ذلك شارك المرحوم في عدد من الأعمال السينمائية المحدودة، لكن الراسخة بأثرها العميق مثل المشاركة في عدد من التجارب ضمنها "ساعي البريد" لحكيم نوري و"باديس" محمد عبد الرحمان التازي و"عرس الآخرين" لحسن بنجلون، ثم في "بيضاوة" لعبد القادر لقطع و"نامبر وان" لزكية الطاهري... في سنة 2013 يخرج فيلم "زمن الإرهاب".

 

أما المنعطف الثالث في هذا المسار فقد تحمل خلاله الراحل مسؤولية قيادة النقابة الوطنية لمحترفي المسرح التي أسسها الجسم المسرحي في مطلع التسعينيات. ولقد كانت فترة رئاسته موفقة باشر فيها، مع رفاقه المؤسسين، تركيز أسس البناء الأول، وفتح جبهات التفاوض مع المحيط، وتعزيز الهياكل التنظيمية.

لدي مع المرحوم ذكريات طيبة، وحوارات نشرتها بجريدة "الاتحاد الاشتراكي، وأسمار كانت في كازا وخارجها، وكان آخرها في مدينة العيون دون أن يعرف احد أنها الأخيرة، وذلك قدر الله.

 

في المجمل: أعمال العزيز سعد الله رحمه الله والفاضلة خديجة حفظها الله تشبه سيرتهما تماما.