الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد العزيز نداء : سؤال الجماهيرية وبناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الجديد

عبد العزيز نداء : سؤال الجماهيرية وبناء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الجديد عبد العزيز نداء

في مساهمة أولى كتبت في موضوع الحاجة لعقد مؤتمر اندماجي هنا والآن، بعدها كتبت في موضوع العودة الممكنة للقوى الديمقراطية التقدمية، واليوم اقترح تناول أحد أهم الإشكالات التي يطرحها هذا المشروع الحزبي المرتقب.

يتعلق الأمر بسؤال الجماهيرية، و المقصود هنا بالجماهيرية ليس البعد العددي فقط بل الأساس هو عدم السقوط النخبوي في تحديد مطامح وأهداف الناس في غيبتهم وبالتالي اغتصاب إرادتهم . فكيف ونحن نتحدث عن بناء حزب اشتراكي ديمقراطي جديد سنوفر شرط الجماهيرية بتفرد وتميز عن كل ما سبق في هذا المجال؟.

 

بناء الجماهيرية له مدخلين رئيسيين: الاقتصاد والفكر. إلا أننا في هذه المساهمة سنتوقف عند المدخل الثاني فقط على أن نعود للمدخل الاقتصادي لاحقا..نظرا لأولوية وأهمية العامل الفكري والثقافي في سؤال الجماهيرية فنقترح الصياغة التالية :

كيف نجعل من التثقيف الجماهيري لبنة أساسية في كل مراحل بناء وحياة هذا الحزب الديمقراطي الاشتراكي المنشود أو على الأقل كيف نجعل البعد الفكري حقيقة ملموسة في مسار هذا الحزب الذي نتمناه مسارا طويلا وناجحا؟.

 

طرحت الثقافة الجماهيرية في التاريخ منذ بداية ثورة الطباعة في أوروبا واتسعت مع النظام الرأسمالي الليبرالي. لكنها أصبحت اختيار دولة في التجارب الاشتراكية على مختلف أصنافها. كيف نتصوّر المسألة ونحن في مرحلة التبشير بهذا المشروع الحزبي ؟ كيف يطرح اليوم سؤال التثقيف الجماهيري فيما نحن منخرطون فيه ؟

 

كمهتم ومشارك في هذا المشروع أرى أننا لسنا لا نظام اقتصادي قائم ومهيمن ولا دول قائمة و مقتدرة. هذا يعني أننا بحاجة لتفكير عميق في منظورنا المستقبلي سواء للدولة أو للنظام الاقتصادي للمسالة الثقافية عامة وللثقافة الجماهيرية بصفة عامة .كما أن المعنيين بأمر هذا المشروع نكاد نغيب كلية عن كل أدوات الهيمنة الأيديولوجية للدولة، فلا يبقى لنا سوى مدى حضورنا الفعلي في فضاء و أعماق المجتمع.

 

فما هي اختياراتنا في هذا المجال ؟

 

ـ الأداة الحزبية

 

عودة لتجربة الحركة الاتحادية سنجد، حتى وأن حضر الوعي بأهمية التكوين الثقافي لأعضاء الحزب، غياب وعي بوظيفة ثقافية بهياكل وآليات وموارد بشرية ومالية متميزة وحاضرة سواء القانون الأساسي وبالأخص في القانون الداخلي للحزب. و لقد حاول بعض القياديين تأسيس تجربة مدرسة تكوين الأطر الحزبية لكنها لم ترى النور أبدا. قد تكون الظروف السياسية هي السبب في ذلك.. لكن اليوم لا يمكن التفكير في مشروع حزبي جديد من دون أن يبرز الدور التثقيفي للحزب في قوانينه وآليات و أدوات اشتغاله. وظيفة يمكن تسميتها اليوم بالوظيفة التواصلية الحوارية ضمن شبكة متكاملة من الوظائف من منظور مقاربة وظيفية للأداة الحزبية. يمكن العودة لهذه المقاربة الوظيفية في مساهمة لاحقة.

 

ـ ثورة التواصل والانترنيت

 

كانت الوظيفة التواصلية داخل التجربة الحزبية حاضرة بقوة عند الجميع وكانت تستنزف الوقت والمال بل وحتى الخيال. لكن اليوم ومع ثورة الاتصال والانترنيت يمكن القول على أن الوظيفة التواصلية الحزبية بل الوظيفة التواصلية لكل الكيانات المؤسسية قد تغيرت شروطها رأسا على عقب ووصلت مع أزمة الوباء "كوفيد 19" مستويات غير مسبوقة.

 

كيف يمكن اندماج هذه "الثورة المستمرة " في المشروع الحزبي ؟

 

في هذا المقام نكتفي بالقول على أن الأمر سيتطلب وضع إستراتيجية عامة للحزب وخط سياسي واضح قابل للترجمة على شكل أهداف وبرامج مدققة وكذلك التوفر على إستراتيجية تواصلية بمساعدة لجنة خبراء متعددي للتخصصات بما هي جزء مهم من الإستراتيجية العامة للحزب المنشود.

في واقع الأمر سواء الهياكل الحزبية أو التكنولوجيات المختلفة لها تأثيرها الذاتي المرتبط بطبيعتها في محتوى الثقافة التي تتداولها أو تروِّجها. لكن يبقى المجتمع هو المصدر الأساسي للمحتوى الثقافي لكل هذه الإطارات. هنا سيطرح سؤال الثقافة الشعبية، الثقافة العلمية ، الثقافة السائدة أدوات الهيمنة الأيديولوجية ، نمط الإنتاج ودوره في المجال الثقافي، الصراع الثقافي في بعده الكوني....

 

ليس الحزب و التكنولوجيا وحدهما فقط من سيجيب عن سؤال الثقافة الجماهيرية . يمكننا هنا الإشارة تباعا للأسرة والمقاولة و الجمعية .

 

ـ الأسرة

 

يسجل على القوى التقدمية أنها اتخذت موقفا سلبيا من مؤسسة الأسرة، لأنها بطبيعتها "محافظة". لكن تبين فيما بعد، أي عندما اكتسحت الدولة والتيارات الإسلامية تماما مؤسسة الأسرة ، على أن هذا الموقف كان على غير صواب. وبأن المنطق كان يقتضي من القوى التقدمية جعل الأسرة ضمن اهتماماتها الرئيسية ولو من باب الحد من هذا الطابع المحافظ و منعه من أن يتحول لعائق رئيسي أمام التطور الديمقراطي و الحداثي.

 

إن دور الأسرة أساسي جدا في إعادة إنتاج الثقافة السائدة وأنماط السيطرة و بالتالي في صناعة المستقبل ككل. من هذا المنطلق ولنشر ثقافة جماهيرية جديدة لا بد من مغادرة المواقف السابقة و الانخراط الواعي في عمل كبير مع وإلى جانب الأسرة، خاصة وأنها اليوم مؤسسة مأزومة وتحتاج لكل أنواع الدعم والمساندة التربوية والنفسية والقانونية والاقتصادية والثقافية والرياضية والترفيهية. فالوقوف المنظم لجانب الأسرة قد يدعمها وقد يساعدها على فهم أفضل لواقعها و تحديد آفاق أفرادها .

إن أسرنا بحاجة لإعادة بناء ثقافة التضامن و التعاون والاحترام المتعدد الأشكال و القيم الأخلاقية والجمالية النبيلة . وبهذا التوجه الجديد الذي لن يكون أبدا سهلا ستصحح الحركة التقدمية موقفها من أقدم وأهم مؤسسة مجتمعية.

 

ـ المقاولة

 

لا شك أن الكثيرين سيتساءلون، وما دور المقاولة في حركة التثقيف الجماهيري ؟ المقاولة المغربية اليوم هي بأشكال متفاوتة تحت سيطرة الريع وثقافته الإتكالية و الاستسلامية. المقاولة هي الشكل الرئيسي لإنتاج الثروة اليوم وغدا. فهل لدينا ثقافة إنتاجية وما تقوم عليه من ثقة في فكرة التطور والتقدم و قيم العمل والعلم و الابتكار والتنظيم ؟

 

بالنسبة للقوى التقدمية فهي أقرب بكثير إلى المقاولة التضامنية والعمومية. وهذا يتطلب قيما و مقومات لن تتوفر إلا مع وجود حركة علمية ومعرفية وثقافية قوية تؤطر العاملين في هذين النوعين من المقاولة سواء تعلق الأمر بالمقاولة العمومية أو المقاولة التضامنية . إن الحاجة ماسة ومستعجلة لإعادة بناء فكرة المصلحة العامة و المرفق والخدمة العموميين و التعاون و التضامن. فكل ما يقال عن وجود هكذا أفكار وقيم هو من باب اجترار ماض ولّى وانتهى وبأنه لا بد من اشتغال قوى لإنتاج هذه القيم والأفكار مجددا على نطاق واسع.

 

قبل أن نختتم الحديث عن المقاولة لا بد من الحديث عن المقاولة الثقافية كفاعل مهم جدا في هذا التصوّر. إن المقاولات الربحية لا يهمها من الثقافة سوى الربح الشخصي ولقد أتبثت التجربة انجراف المقاولات الخاصة نحو السطحية والتفاهة في إنتاجاتها نموذج سينما وغناء ومسرح "الجمهور عاوز كذا". لذا نقترح إيلاء اهتمام خاص بالمقاولة التعاونية التضامنية كفاعل مركزي في الصناعات الثقافية ولما لا في قطاع التربية والتكوين كذلك.

 

ـ الجمعية

 

إذا كان من نجاح نسبي في المجال الثقافي فهو يعود أساسا للجمعيات. لكن يطرح اليوم سؤال كيف ستحل الجمعيات إشكالية تأقلمها مع التحولات المجتمعية الهائلة ؟ كيف ستحل إشكالية تمويلها المستقل ؟ .وبالنسبة للحزب كيف سيغير من فلسفته في علاقته بالجمعيات والمجتمع المدني عموما ؟ كيف تستطيع الأحزاب ضمان استقلال فعلي للجمعيات المدنية؟

نكتفي هنا بالقول على أن الشفافية من جهة ، شفافية المؤسسة الحزبية وشفافية الجمعيات، وكذا التعاقد العَلني وفق دفاتر تحملات واضحة من جهة ثانية يمكن أن يشكل تحولا نوعيا في هذا المجال.

 

عبد العزيز نداء عضو لجنة التنسيق الوطنية لمجموعة البديل