السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

مريد الكُلاّب : من فجَّر بيروت ؟!

مريد الكُلاّب : من فجَّر بيروت ؟! مريد الكُلاّب
فزِع العالم إثر انفجار بيروت، ذاك الانفجار الذي ضرب دخانه عنان السماء .
إنه انفجار وثقته الكاميرات وزعم الراصدون للحدث أنه الأكبر والأعنف، والحقيقة أن هذا الحادث الأليم ليس إلا حدثاً ضئيلاً أمام انفجارات كثيرة كُرَثت بها لبنان ولم تتمكن الكاميرات من رصدها لأنها كانت من غير  نار ودخان !!
إن الإنفجارات الأعنف كانت سابقة وممهدة لهذا الانفجار .. انفجارات الفساد الإداري والمالي، وانفجارات الطائفية ، وانفجارات انتهاك حقوق الإنسان وخنق الديمقراطية . 
وإن قلت لي : ( قُل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )، فسأضرب لك مثالاً واحداً بالإشارة إلى التقرير الصادر من منظمة الشفافية الدولية
والذي أظهر  بأن 47 بالمئة من المشاركين اللبنانيين في الانتخابات عرضت عليهم رشوة مقابل أصواتهم.
كما قال بأن 28 بالمئة من المشاركين اللبنانيين  تعرّضوا لتهديدات بغرض دفعهم إلى التصويت لجهة ما.
ومن جهة الفساد الإداري أشار التقرير إلى أن قطاع  الشرطة أكثر القطاعات تلقيًا للرشوة  إذ دفع 36 بالمئة من اللبنانيين الذين شملهم المسح الرشوة مقابل خدمات الشرطة.
وعلى صعيد خدمات المرافق العامة قال 51 بالمئة ممن شملهم  المسح الذي اعتمدعليه التقرير بأنهم استعانوا بوسطاء لتسهيل الحصول على الخدمات العامة، كالكهرباء والمياه، .
أليست هذه انفجارات من غير دخان ؟!! لقد وصل الفساد إلى أن يكون شعار اللبناني :(إذا مازبطت وضعك بتكون أهبل )
ومما يزيد الطين بِلة أنه لا يوجد فريق سياسي وحيد مسؤول عن الفساد. ذلك أن الفساد في لبنان مستشرٍ لدى جميع القوى السياسية وجميع الطوائف من دون إستثناء.
وهذا ما أدى إلى سلسلة انفجارات قتلت اللبنانيين في أمنهم وخبزهم وكرامتهم قبل أن يأتي انفجار المرفأ الذي مزق الأجساد .
انفجارات كان وقودها حكومات متعاقبة أسست لدولة سيادتها هباء وإدارتها فاشلة بشهادة الرئيس الفرنسي (وشهد شاهد من أهلها ) نعم إن الرئيس ماكرون من أهلها لأنه ومن سبقوه شركاء أصيلون مع تلك الحكومات الضالة المُضلة .
زيارة الرئيس الفرنسي لبيروت تذكرنا بمن يقتل القتيل ويمشي في جنازته لأن المراقب لتشريعات الفساد شريك فيها وفرنسا لم تكن تخفى عليها خافيه .
أسفت لما رأيته من تهافت لبعض اخوتنا في لبنان على الرئيس الفرنسي كتهافت الحشرات على ضوء النار وإن أحرقها . أليس المستعمر الفرس من حفر بئر الفساد لكي يبقى لبنان نهباً سهلاً لهم .
إن علينا أن نكون أكثر وعياً وفهماً للكارثة وأسبابها وأبعادها لكي نتمكن من إعادة الإصلاح والبناء وإن لم نحقق ذالك فسوف نكون أداة في يد أعدائنا من غير أن ندري !!
علينا أن ننكفئ على أنفسنا لمحاسبتها لأننا لسنا بريؤون من دم يوسف ..!
أليس الشعب اللبناني مسؤولاً عن  إستمرار الفساد ، لأن المواطن يعرف من هو الفاسد ويعيد انتخابه أوالتمديد له.
المواطن يعرف من هو الفاسد و"المافيوي"، وهو يعيد انتخابه استجابة لضغوط أو  لمصالح معيّنة، من هنا المواطن يشجّع على الفساد.
وما نشاهده اليوم من ثورة عارمة في لبنان هو الاحتراق الطبيعي الناتج عن الانفجارات الغير المصحوبة بدخان وما الإنفجار المرئي الأخير إلا الشعرة التي قصمت ظهر البعير . هذه الثورة تعلن توقف الشعب عن دعم الفساد ولكن المؤمن لايلدغ من جحر مرتين ، فالثورات العربية اشتعلت لنفس الأسباب ثم خرجت عن مسارها لأنها كانت شعبوية لاتملكُ بوصلة، مما جعل اقتناصها سهلاً من قِبل تيارات مؤدلجة تمتلك مؤسسات حزبية عتيقة والحكمة تقول : إذا لم تمتلك هدفاً كنت هدفاً للآخرين .
إن سلمت الثورة اللبنانية من استحواذ الطائفية عليها فإنها ستسلك بلبنان طريق الرشاد. 

د.مريد الكُلاّب ، باحث في شؤون الجماعات الإسلامية