الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

المصطفى الفارح: المغرب مؤهل أكثر من غيره للقيام بدور الوساطة من أجل نزع فتيل الأزمة الليبية

المصطفى الفارح: المغرب مؤهل أكثر من غيره للقيام بدور الوساطة من أجل نزع فتيل الأزمة الليبية المصطفى الفارح

تشابك خيوط المسألة الليبية بسبب تعدد أطراف الصراع وتعدد المتدخلين وما يعتبره بعضهم تهديدا لمصالحهم الحيوية أو تهديدا للأمن القومي بالنسبة لآخرين، دون إغفال حسابات القوى العظمى في تشكيل النظام العالمي الجديد.

إذا كانت تركيا العنصر الرئيسي في الصراع القائم تجعل من هذا الأخير مواجهة بين الشرق والغرب وتعطيه بعدا دينيا لأجل حشد الشعوب الإسلامية إلى جانبها فإن ساستها ونخبها لا يخفون أطماعهم بما يسمونه حقوق تركيا التاريخية التي ضاعت بفعل معاهدات دولية غير منصفة تمت في زمن كانت فيه تركيا مريضة في بداية القرن العشرين، بل إنهم يعتبرون ما تبديه بعض شعوب الشرق الأوسط من احترام لتركيا، هو في حقيقته حنين إلى الماضي وإلى أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة زهاء أربعة قرون .

تغيرت الأوضاع كثيرا منذ 1917، منذ وعد بلفور ومنذ قيام دولة إسرائيل التي ساهم الأتراك في وجودها وهم يعرفون جيدا بأن كل عودة إلى الشرق الأوسط من بوابات الشام والحجاز وفلسطين مستحيلة. لقد تحولت هذه المناطق من الحماية العثمانية إلى الحماية الأمريكية الإسرائيلية وبدور روسي لا يمكن إغفاله، يخلق بعض التوازن. الأنظمة التي شكلت جبهة الرفض تم الإجهاز عليها وكانت نهاية زعماءها مؤلمة جدا، وقد كان هذا مقصودا، من أجل بث الرعب في القلوب والانصياع للإملاءات. العبرة من مصير صدام حسين ومعمر القذافي والوضع في اليمن وفي سوريا وأحداث ما سمي بالربيع العربي التي تعيش جل الدول العربية تبعاتها وآثارها على كل المستويات سياسية واجتماعية واقتصادية ونفسية وهذه الأخيرة هي الأهم بفعل الشعور بالإحباط الذي أصبح يسيطر على مواطني الدول المسماة عربية بسبب فشل الحراكات عن تحقيق أهدافها وبسبب سطو جماعات سياسية منظمة على هذه الحراكات وإفراغها من مضامينها والخروج بها عن الدرب المضيء لتحشرها في ظلام الرجعية والسلفية والليبرالية المتوحشة .

في ظل هذه الأجواء المتوترة ينقسم الشارع العربي بخصوص الموقف من التدخل التركي في الشؤون العربية، في سوريا والعراق في البداية وبعدها في ليبيا حيث التدخل مباشر ولا يتورع الأتراك عن الحديث عن حقوق تاريخية لهم في ليبيا التي طردها منهم الإيطاليون في بداية القرن العشرين، بين مؤيد ومعارض تصنف تركيا الفئة الأخيرة ضمن الناقمين الباحثين عن تصفية حساب قديم مع الإمبراطورية العثمانية البلد الأم في شخص دولة تركيا الحديثة الحالية. من هذه المنطلقات ومن هذا المنظور تبدو المملكة المغربية الدولة المؤهلة لجمع كل الفرقاء على طاولة المفاوضات من أجل حل سلمي متوافق عليه وبضمانات أممية.

لماذا المغرب؟

1- المغرب لا يحمل ضغينة تاريخية ضد أي جهة من الجهات بما فيها تركيا، لأنه لم يكن في يوم من الأيام جزءا من الإمبراطورية العثمانية كما كان عليه وضع العالم العربي ولم يكن تحت نفوذها أو حمايتها .

2- علاقات المغرب بليبيا رسميا وشعبيا يسودها الود والاحترام.

3- علاقات المغرب مع أطراف الصراع الأخرى :

- المغرب شريك رئيسي للاتحاد الأوروبي اقتصادي وسياسي ويحظى بالاحترام وبالثقة والمصداقية.

-علاقات المغرب مع محور مصر والتحالف العربي الخليجي متميزة والتحالف الاستراتيجي معها لن تؤثر فيه أحداث عابرة تعتبر عادية في حياة الدول والشعوب.

- العلاقات المغربية التركية تعرف تطورا مطردا في السنوات الأخيرة وتصنف ممتازة على سلم العلاقات الدولية.

4- المغرب شريك متميز لحلف الناتو.

5- المغرب شريك رئيسي لمنظمة الأمم المتحدة في عمليات السلام الدولية التي أوكلت إليه في بؤر توتر شديدة الحساسية من كوسوفو إلى أدغال إفريقيا ودول الساحل الإفريقي.

لقد كانت مبادرة "الصخيرات" خطوة في الاتجاه الصحيح حاولت إجهاضها حسابات سياسية إقليمية ضيقة، لكن المستجدات على الساحة الليبية وإقليميا ودوليا تفرض على المغرب استعادة المبادرة وطرح "الصخيرات الثانية" لأن له من المؤهلات ما يجعل منه المرشح الأقوى والأوفر حظا لوضع حد لقضية قد تتحول لمأساة إقليمية وقد تجر العالم إلى حرب عالمية جديدة وإلى وضع تقسيم شبيه بـ "سايكس بيكو" لكن بطعم الغاز والبترول هذه المرة.