الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

فن حمادة الرحماني.. شدو إفريقي بقول حساني

فن حمادة الرحماني.. شدو إفريقي بقول حساني الباحث عبد العالي بلقايد ...ومجموعة حمادة بوشان

الترافع عن الموروث الثقافي الشعبي بمنطقة الرحامنة في علاقة ببعده الصحراوي والإفريقي يعتبر قضية وملف آني لا يتطلب التأجيل، خصوصا لما يتعلق الأمر بلون فني نابع من الأصول وله جذور وامتدادات تاريخية وحضارية وثقافية وإنسانية. ـ هكذا يتحدث الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد ـ حينما يغوص في كنه "ذخيرة وذاكرة المغاربة" ويحول صفحات "العيطة بمختلف أنماطها" على منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر إعلامي جاد ومسؤول (صفحة العيطة الحوزية/ صفحة الحصبة ولافة/ صفحة محبي العيطة) ويسلط كشافات الضوء على جواهرنا "المنسية" و"المعرضة للإنقراض"، والتي تعكس كنوز الوطن الذي راكم الكثير من التنوع على مستوى الفنون الشعبية لتحصين وجوده/الذات/الجماعة.

في هذا السياق وارتباطا بثقافة الاعتراف يستحضر الباحث عبد العالي بلقايد بتواضع كبير، رفقة رفاقه (أمينة الرمحاوي و أمين عبد اللطيف) خلال كتاباته ونبشه، وترافعه، كل الفعاليات والأسماء (الرحامنة واليوسفية) التي تجتهد من أجل صون تراث فن حمادة وتحصينه ضد النسيان.

جريدة "أنفاس بريس" ارتأت التعاطي مع منسوب كتابات ثلة من أبناء بن جرير لتوثيق ذاكرة مجموعة حمادة الممتدة جذورها وروابطها من الرحامنة إلى القبائل الصحراوية.

 

فن حمادة شدو إفريقي بقول حساني

هذه الإشارات الغاية منها توفير قاعدة بيانات الأساس لكل عملية تأريخية، أو بحث في تراث محلي المنشأ، ولكن وطني الأبعاد والغايات. فحين تفاعلنا مع فن حمادة اعتبرناه تعبير فني لحساسية حسانية له امتداد في عمق الثقافة الصحراوية. هذا التحصيل هو عار من الصحة إذا لم يتم البرهنة عليه، والإستدلال عليه بحجج ملموسة.. إذن ما الداعي إلى اعتبار فن حمادة منسوب إلى هذا العمق؟

حتى وإن لم يوجد فن مشابه لحمادة بصحراء الساحل ،فهذا لا ينفي مساهمة الخلفية الثقافية والموسيقية للبيضان، في عملية تأسيس هذا الفن، هي ثقافة وموسيقى تخصص جزءا من إبداعها لمدح الرسول (عليه الصلاة والسلام)، شأن فن حمادة الذي يحيل إسمه على المبالغة في التحميد، والصلاة على النبي، كأنه فن يطمح إلى أن يكون فن سماعي في بيئة بدوية تتآخى مع تلك الموجودة بأرض المنشأ (الحجاز) والمهجر(الرحامنة)، (وصحراء الساحل).

إن فن حمادة اقترن كذلك بالطلبة (حفظة القرآن)، وما يتلونه من قرآن في الأعراس والمناسبات، فهذا المشترك تعزز عبر مواضعات إجتماعية ، وتصرفات ظهرت في اللغة واللباس، والتماسك الإجتماعي عبر إشهار وحدة الدم ، لفرز الأعراق والأنساب، وشيوع ثقافة حفظ الأنساب عندهم بشكل لافث. فشيوخ أهل بوشان والبحيرة المكونون من سلام، والركيبات، ويكوت العرب، وأيت ياسين، وأولاد ادليم، بدواويرهم يعرفون أنساب الساكنة بشكل دقيق. فرابطة الدم عندهم أيقونة مقدسة شأن أهل صحراء الساحل.

 الإمتدادات الثقافية تمتد إلى تخوم إفريقيا كذلك عبر انتشار موسيقى كناوة ، والتي وإن لم تتجلى كظاهرة بارزة ، فإنها مورست من طرف مجموعة من الفنانين الذين سيعطون لفن حمادة دينامية وانتشارا واسعا. يتعلق الأمر بشيخ بلال الذي كان طبالا بارعا (طبل كناوة).

وولد الشوافة الذي كان ماهرا في القراقيب (قراقب)، ومبارك ولد غزيل الذي اشتهر بالألات النفخية (الغيطة). قد يكون الثلاثي من بقايا مجموعة من الفنانين الذين تعاطوا كناوة بالرحامنة، شأن الكثير من الفنون التي اشتهرت بها المنطقة ولكنها طالها المحو خاصة الكيفان، ورقصة الكدرة التي كانت تقام في اليوم السابع من أيام العرس ، وفي الغالب تكون من جلد الذبيحة التي تشد بإحكام على قدر ليتم بواسطتها بناء إيقاع ترقص عليه إحدى قريبات العروسة، داخل دائرة من الشباب والشابات الذين عبر تصفيقاتهم يكملون الإيقاع.

 

فن حمادة الإمتدادات في عمق الثقافة الصحراوية


تأتي هذه الشذرات لتعزيز المجهودات التي ذكرنا (التراكم في الكتابة والتعريف) لغاية الشروع في طرد المنسي واللامفكر فيه الذي يهدف إلى جعل مكون ثقافي أساسي ضمن الغميس. هذا المكون الثقافي يعزز حضور التاريخ والجغرافيا عبر امتداده الإفريقي والصحراوي.

إن فن حمادة يتآخى مع موسيقى البيضان التي انتشرت بالأخص بموريتانيا والصحراء المغربية، والتي سجلت حضورها وامتدادها من درعة إلى المحيط الأطلسي، إلى نهر السينغال والكثير من المناطق الإفريقية.

 الرجل المسمى بالبيضان يشمل العربي والزنجي اللذان يتكلمان الحسانية دون رطانة وخاصة الزنجي. فهي موسيقى عملت على المزج بسلاسة بين العنصر العربي والإفريقي، والبربري والعربي القادم من الحجاز، ومنهم قبائل بنو حسان الذين عمروا كل هذه المناطق من درعة إلى المحيط الأطلسي، فالتخوم الإفريقية إلى مالي والنيجر والسنغال. ومنطقة سوس التي انطلقوا منها إلى هذه الإتجاهات ليعودوا إليها في الحركة الجهادية التي قادها السعديون ضد المحتل البرتغالي، الذي احتل الكثير من الثغور المغربية ومنها أكادير.

دخل بنو حسان الحوز مع الحركة الجهادية للسعديين، وهم بذلك سيعمرون هذا المجال عبر فترات، ولعل أهمها لما احتلت إسبانيا الصحراء المغربية، فقد هاجرت الكثير من العائلات ليلتحقوا بإخوانهم سواء بالحوز أو باقي مناطق المغرب.

هذه الهجرات لم تكن دون فائدة، بل كانت مؤسسة لكثير من التقاليد الاجتماعية  والروحية والثقافية.. ومنها اللباس، وخاصة الوشاح الأسود الذي كان يضعه الكثير من الحسانيين، وهو رمز ـ يخص اللباس ـ يعرف به رجل البيضان والذي شمل جل المناطق التي يسكنها الحسانيون سواء من صحراء القبلة ، أو الساحل كما تم نقل الموسيقى الكناوية عبر قبيلة الجوابر التي كانت تضم الغالبية العظمى من الزنوج، الوافدين إلى الرحامنة من تخوم إفريقيا سواء من السينغال، أو مالي، أو النيجر.. فالشيخ "بْلالْ" كان يطوف الكثير من الدواوير بطبل يعزف عليه الموسيقى الكناوية وهو الزنجي من دوار الجوابر، ومن أكبر شيوخ حمادة ببوشان .