الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

بلعطار: رقصة "خوت بوجمعة" بالبنادق تعكس شهامة الفارس الحمري المهووس بالطريقة الناصرية (مع فيديو)

بلعطار: رقصة "خوت بوجمعة" بالبنادق تعكس شهامة الفارس الحمري المهووس بالطريقة الناصرية (مع فيديو) الزميل أحمد فردوس (يسارا) رفقة الشاعر الزجال ادريس بلعطار مع صورة المقدم جغيدر الحمري

لا يمكن نهائيا لرقصة البنادق المعروفة تاريخيا وتراثيا بمنطقة النواصر بقبيلة أحمر (إقليم اليوسفية)، والتي تسمى بلغة الفرسان بـ "التسكويطة" أن تؤدى إلا برفع نداء "الصلاة على النبي، والتكبير باسم الله"، وتستتبعها النساء بزغاريدهن احتفاء بشهامة رجال أحمر... إنها لحظة مفعمة بعشق الانتماء للأرض وملحها المشترك. لحظة تشرئب لها الأعناق استثناء في حضرة مجموعات عبيدات الرمى الحمريين (فرسان القبيلة أبناء المدرسة الحربية).

في الفيديو رفقته يستهل الشيخ الستاتي افتتاح "رقصة التسكويطة" مع شيخات مجموعته الغنائية وهو في بداية مشواره الفني (يستهله) بالنداء على "النبي والتكبير باسم الله".

هذه الرقصة "الرهيبة" التي تجسد معاني الشهامة والبطولة وشجاعة الفارس الحمري سليل "مدرسة الأمراء" يكاد يطالها النسيان والاندثار بفعل التهميش واللامبالاة وعدم النبش في تاريخها ومجالات تواجد روادها (منهم من وافته المنية ومنهم من ينتظر)، في الوقت الذي يعتبرها العارفون أصعب رقصة وأجملها تعبيرا، بحركاتها المنتسبة لفعل الرماية و ركوب الخيل بمنطقة أحمر وفق الطريقة الناصرية على صهوة الخيول الجامحة.

حينما ننبش في ذاكرة "رقصة التسكويطة" التي عرفت بها مدرسة النواصر الحمريين، لا بد من ذكر اسم "خوت بوجمعة"... في هذا الحوار الذي تتفرد به "أنفاس بريس"، والتي نبشت في هذا الموروث التراثي الشعبي مستعينة بالشاعر الحمري الباحث في تراث المنطقة الغني بخصوصيته والمتعدد بروافده، سيتحدث إدريس بلعطار عن مجموعات عبيدات الرمى بقبيلة أحمر، وإسهامات فرسان "خوت بوجمعة" في إبداع هذه الرقصة الحربية التي سنرفقها بفيديو (قديم) من أرشيف الشيخ الفنان محمد الستاتي وهو في بداية مشواره الفني.

تجدر الإشارة إلى أن رقصة "خوت بوجمعة" لا يمكن مرافقتها إلا بالعزف على الآلة النفخية (الغيطة) التي يتفنن في العزف عليها ثلة من شيوخ أحمر رفقة أمهر ضابطي الإيقاع السريع الذي يناسب سرعة حركة البنادق التي يستعملها الراقصون أثناء الاحتفاء بموروثهم الثقافي الشعبي المرتبط بالرماية وركوب الخيل.

 

+ الجيل الحالي لا يسمع عن "خوت بوجمعة" ولا يعرف الشيء الكثير عن مجموعات عبيدات الرمى الحمريين ومواضيعهم الغنائية ورقصاتهم التعبيرية، المطلوب منك تقريب المتلقي لهذا الشكل التعبيري والغنائي بمنطقة أحمر؟

- "خوت بوجمعة" يصنفون تاريخيا ضمن مجموعات عبيدات الرمى بمنطقة أحمر، وهي المجموعة التي تستعمل الآلة النفخية (الغيطة) والآلات الإيقاعية الرعوية (الطبل /المقص/ الطعريجة/ الدف..) مع تواجد راقصين بالبنادق وهذا هو الاستثناء الذي يميز هذا اللون التراثي الشعبي المرتبط تاريخيا بالرماية وركوب الخيل والفروسية.

هذا اللون عند عبيدات الرمى الحمريين معروف بتعدد أشكاله الفنية التراثية، إذ نجد مجموعة أولاد ابراهيم التي ترتكز على الآلة النفخية والطبل والآلات الإيقاعية الأخرى التي ذكرت، وعلى شاكلتها نجد فرقة لمصابيح، ومجموعة أولاد لمني المعروفين بمتونهم المرتبطة بالمجتمع الرعوي وبمواضيع اجتماعية ساخرة، ويؤدون أيضا أغانيهم بتشخيص أدوار ساخر تعتمد على التمثيل ونقل الواقع المغربي بشكل سهل وممتنع على مستوى الأداء وسط الحلقة، دون أن ننسى فن لهوير الموجود في منطقة إيغوذ معقل أقدم إنسان بإقليم اليوسفية.

 

+ لماذا أطلق اسم "خوت بوجمعة" على مبدعي الرقصة الحربية "التسكويطة"؟

- "خوت بوجمعة"، تطلق على أصحاب الرقص بالبنادق، والتي تسمى في مدلولها التاريخي بحركة "التسكويطة" وهم يتواجدون بمنطقة النواصر الجنادغة بجماعة لخوالقة بإقليم اليوسفية، هم يمارسون فنهم المرتبط بترسيخ ذاكرة الفروسية صحية فرقة أولاد ابراهيم أو فرقة لمصابيح، نظرا لامتيازهم بسرعة الإيقاع (شدان الميزان) المطلوب أثناء أداء "رقصة البنادق" التي أشرنا إليها في قاموس فرسان أحمر ارتباطا بالمدرسة الناصرية. لأن هذه الرقصة تتطلب السرعة في الإيقاع (أنظر نموذج الفيديو).

وبالرجوع إلى أرشيف تسجيل الشيخ السي محمد الستاتي نلاحظ بأنه يقوم بمجهود كبير على مستوى السرعة الفائقة في العزف والإيقاع لمسايرة حركات رقص "خوت بوجمعة".

 

+ كيف يستحضر سي ادريس ذاكرة "خوت بوجمعة" وعلو كعبهم مع مجموعات عبيدات الرمى بمنطقة أحمر الغنية بتراثها وأشكال تعابيرها الفنية والتراثية؟

- في زمن السبعينات كانت الفرقة مكونة من منتخب شيوخ عبيدات الرمى الحمريين، وتتكون من تمثيلية عدة فرق ومجموعات تنحدر من المنطقة، إذ نجد حينئذ الشيخ لهديلي بعزفه الممتاز والجيد على آلة الغيطة، والشيخ عياد بألعابه البهلوانية الساحرة وهو ينقر على آلة الطعرجية، والشيخ العربي الذي يبهر المتلقي بإيقاعه المتمزي على آلة المقص، وشويخ آخرين من أمهر ضابطي الإيقاع والميزان الذي يحيل على سرعة ركض وعدو الحصان. هذا المنتخب الموسيقي والغنائي مثل منطقة أحمر بكنوزها التراثية في أكثر من محفل ومهرجان وطني وعالمي (فرنسا والولايات الأمريكية المتحدة).

 

+ أين هم اليوم "خوت بوجمعة" ومع من يشتغلون؟

- "خوت بوجمعة" قبل انتشار جائحة وباء كورونا، كانوا يمارسون فنهم بفن الحلقة، بساحة جامع الفنا، ويستقطبون جمهورهم من مختلف مناطق المغرب، ويقومون بجولات عبر مواسم ومهرجانات المغرب، لضمان قوت يومهم، برئاسة لمقدم الباجي، والشيخ صالح العازف على آلة الغيطة.

 

+ لماذا اختار "خوت بوجمعة" الاشتغال على تراث رقصة البنادق "التسكويطة" الناصري؟

- سؤال مهم جدا، لأن الحديث عن تراث فن عبيدات الرمى ونقاش رقص البنادق، يدل فعلا على أن منطقة أحمر كانت مختبرا للغناء العيطي وتنوعه، وفضاء لتعليم الرماية وركوب الخيل على يد أشياخ رجال أحمر، ولأن النواصر في رأي الحمريين هم من يهبون "البركة" لطالب "الحرفة" (الرماية وركوب الخيل)... والنواصر موجودين ومنتشرين في ربوع منطقة أحمر حيث نجد نواصر الخنوفة، ونواصر الباز، ونواصر لقبب، ونواصر الزيتونة... يعني أن زوايا مدرسة النواصر منتشرة بالقبيلة.

 

+ حدثنا عن حركات "رقصة التسكويطة" ارتباطا بتاريخ الرماية وركوب الخيل؟

- رقصة "خوت بوجمعة" المتداولة باسم "التسكويطة" هي ليست ألعابا بهلوانية بقدر ما هي استرجاع لصورة الفارس المجاهد والشجاع الذي يبهر العدو بحركاته على متن صهوة الجواد، وهي تجسدي لملاحم البطولات، وللطريقة الحمرية في التعاطي مع ركوب الخيل بكل حمولتها الرمزية والدلالية، وحيثياتها وتفاصيلها، انطلاقا من حركات الرفعة (رفع المكحلة) والتشويرة (تدبيبة الخيل) والخرطة (التحكم في اللجام والصرع) والكرنة (وضع راية المكلحة على الصدر) وصولا إلى التخريجة (إطلاق البارود).

وقد نلاحظ تناغم تلك الحركات الحربية خلال "التسكويطة" دون تنفيذ حركة إطلاق البارود/ التخريجة، لأن البنادق تكون غير معبأة بمادة البارود خلال تقديم الرقصة أمام الجمهور، حيث يكتفي "خوت بوجمعة" بضع الراية (قاعدة المكحلة) على الأرض في إشارة إلى دك البارود وسط المساورة بـ "المدك" القضيب الحديدي.

 

+ ما هي انتظاراتك في شأن تثمين هذا الموروث الثقافي الشعبي المتفرد؟

- شكرا لجريدة "أنفاس بريس" التي عودتنا على النبش في ذاكرة موروثنا الثقافي الشعبي.. وأود أن أغتنم الفرصة لأوجه نداء إلى كل المسؤولين والمهتمين بالشأن الثقافي والتراثي على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي لرد الاعتبار لموروثنا التراثي بمنطقة أحمر، لأنه يعتبر شكلا تراثيا جماعيا نابعا من أصالة الإنسان المغربي ويتطلب مجهودا من أجل تثمينه وتحصينه ضد النسيان والاندثار.