الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

خديجة جنان: مدى مشروعية تنازل أهل الطفل المغتصب

خديجة جنان: مدى مشروعية تنازل أهل الطفل المغتصب خديجة جنان

بين شهر فبراير وشهر ماي من نفس السنة، يحدث أن يتمتع مغتصبون لقاصرات بالسراح المؤقت مقابل كفالات مالية، وفي الحالتين يكون السند في منح السراح هو تنازل أهل الضحية.

 

الواقعة الأولى: كانت تتعلق بفتاة في ربيعها الرابع عشر (14)، تم اغتصابها من طرف رجل أجنبي من دولة الكويت، ليتم منحه السراح المؤقت مقابل كفالة مالية، فيستغل عدم إغلاق الحدود في وجهه ليقوم بالفرار إلى بلده تاركا وراءه معاناة شعب بأكمله.

وسند منحه السراح هو تنازل أهل الضحية على الشكاية أو الملف.

 

الواقعة الثانية: تتعلق بفتاة في ربيعها السادس (6) لا تعرف معنى آخر للأمان سوى كلمة ماما وبابا. يتم اغتصابها من طرف رجل في سن والدها، ليتم تمتيعه بالسراح بناء على تنازل والد الطفلة (رغم أن قرار السراح تم إلغاؤه من طرف غرفة المشورة).

 

- الواقعتان لم يمر بينهما 3 أشهر كاملة، بل أن الواقعة الثانية تمت في ظل وضع استثنائي يعرفه المغرب، وهو ظرف حالة الطوارئ وما نتج عنه من حجر صحي والبقاء في المنازل خوفا من انتشار عدوى فيروس كورونا (كوفيد 19).

 

- فبالعودة لقرارات منح السراح المؤقت في حالة اغتصاب قاصرين بناء على تنازل أهلهم أو أوليائهم، يجعلنا نطرح التساؤل التالي: هل تنازل أهل الضحية القاصر في جرائم الاغتصاب له مشروعية قانونية أم أنه في حد ذاته يشكل جريمة أخرى ترتكب في حق هؤلاء القاصرين؟

 

هذا ما سنحاول ملامسته في هذا المقال و مقاربته من الناحية القانونية.

 

قبل ذلك، فإنني أنبه أن هذا الموضوع لن تناول فيه جوانب الفقر الذي تعيشه بعض الأسر وما له من دوافع و تأثيرات في قرارات تتخذها بعض الأسر والتي تكون سلبية في أحيان كثيرة، كذلك لن نتناول مسألة الضغوطات التي قد تمارس على بعض الأهل للضغط عليهم ودفعهم للتنازل عن حقوق أطفالهم... وقد تكون هذه الضغوطات من جهات متعددة وبأساليب مختلفة.

 

سوف أبدأ مقالي بمدى الحماية القانونية للطفل. (سنكتفي بالفصول و البنود التي لديها علاقة بموضوع المقال فقط دون باقي المكتسبات الأخرى).

 

أولا: الدستور

دستور المغرب جعل من المواثيق الدولية التي تعنى بالطفل أسمى من قوانينه الوطنية، وهذا ما أكده في الديباجة التي تعد جزء لا يتجزأ من الدستور وهذا بشهادة ملك البلاد وفي خطابات عديدة عندما اعتبر أن ديباجة دستور 2011 جزء لا يتجزأ من بنوده و فصوله.

- الفصل 22 من الدستور :

والذي لا يجيز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أية جهة كانت خاصة أو عامة...الخ.

هذا الفصل يؤكد على أن السلامة الجسدية والمعنوية كل لا يتجزأ ولا يجوز المس بها من أي كان.

- الفصل 32 من الدستور :

الذي يؤكد على سعي الدولة للحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية... وحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة.

إذا هذا الفصل يؤكد على الحماية القانونية -الاعتبار الاجتماعي، الاعتبار المعنوي- المساواة بالنسبة لكافة الأطفال دون تمييز.

 

ثانيا: مدونة الأسرة

المادة 54 التي تبرز حقوق الأطفال على الأبوين بدءا من الحماية لحياتهم وصحتهم منذ الحمل حتى بلوغهم سن الرشد. كما يؤكد على الحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل.

كما أكد على مسؤولية الدولة من خلال اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها، دون أن ننسى الدور الذي أعطاه هذا الفصل للنيابة العامة كي تسهر على مراقبة تنفيذ أحكام هذا الفصل و غيره من فصول القانون...الخ.

- هذا الفصل الذي أكد على حماية الطفل من كل استغلال يضر بمصالحه، وطبعا الاستغلال الجنسي يضر بمصالحه الصحية (في حالة الاغتصاب بسن صغيرة خصوصا) ومصالحه النفسية والمعنوية في تلك المرحلة أو بالمستقبل.

والنيابة العامة لها دور السهر على مدى هذه الحماية من كل استغلال.

 

القانون الجنائي :

جميعنا نعلم الدور الذي يلعبه الطفل في بلورة القوانين والتعاطي الإيجابي مع الاتفاقيات الدولية التي تعنى بالطفولة والتي كان المغرب من المنخرطين فيها، ولا أدل على ذلك بزوغ فصول قانونية تعطي للطفل أهمية وحماية من طرف الدولة، منها ما تم ذكره سابقا كالفصل 22 و32 من الدستور، وكذلك الفصل 54 من مدونة الأسرة الذي حدد لنا الحماية التي يجب أن تعطى للطفل ومدى تدخل النيابة العامة في مراقبة هذه الحماية.

ليأتي دور القانون الجنائي في حماية الطفل والطفولة من كل ما يمكن أن يمسه جسديا نفسيا معنويا وجنسيا، فنجد فصول القانون الجنائي التي تجرم الاغتصاب والاعتداءات بكل ألوانها وأشكالها سواء الجسدية أو المعنوية أو الجنسية، هنالك أيضا مناهضة العنف والتعذيب من طرف أية جهة، ولم يستثن الأسرة والعائلة، هنالك أيضا قانون مناهضة العنف ضد الأطفال والنساء، وقانون محاربة الاتجار بالبشر، وهنالك قوانين تتعلق بالأطفال الجانحين وقانون خدمة المنازل، وغيرها من القوانين التي تجعل المصلحة الفضلى للطفل فوق كل اعتبار.

كل هذا لن يجعل مقالي كافيا للتأكيد على عدم كفاية القوانين أو على الأقل تحسين القوانين الموجودة حتى ترتقي للمزيد من الحماية للطفولة من كل حيف وظلم.

 

لم يعد مسموحا للوالدين التنازل لمغتصبي الأطفال :

إذا كان المشرع المغربي قد جعل في القوانين المدنية مصلحة الطفل المتعلقة بحقوقه المالية والاقتصادية بين يدي قاضي التوثيق (قاضي المحاجير)، وذلك حتى لا يتجاوز المقربون الحدود المسموح بها في تصرفاتهم في أموال الأطفال الذين تحت رعايتهم القانونية.

فإن المشرع كذلك أولى حماية مصلحة الطفل المتعلقة بالقانون الجنائي بين يدي النيابة العامة فهي التي تسهر على مدى احترام المقربين لمصلحة أطفالهم، وكذلك مؤسسات الدولة، مؤسسات الرعاية والحماية و كذا القضاء.

فإذا تعرض أي طفل لأي اعتداء جسدي أو نفسي أو جنسي، فإن حماية الأطفال من آثار هذا الاعتداء لا يقتصر على الوالدين والأهل وحدهم، بل أن الدولة و النيابة العامة أو المؤسسات المدنية والحقوقية لها حق ودور في حماية الطفل، وأن أي إجراء يقوم به الأهل للتسامح مع من يعتدي على طفلهم أو أطفالهم يخندق في خانة الاعتداء نفسها وليس في خانة الحماية، ولا يمكن السماح به من طرف النيابة العامة، أو من طرف الدولة ومؤسساتها، فكل مس بالسلامة الجسدية والنفسية والمعنوية للطفل يجب أن يخضع بشكل تلقائي وأوتوماتيكي لمراقبة النيابة العامة ولا يمكن أن يكون للوالدين أي دور مباشر للتفاوض أو التصالح مع المعتدين على الإطلاق إلى حين عرض الأمر على النيابة العامة والموافقة عليه، لما فيه حماية ومصلحة فضلى لذلك الطفل، أو في حالة عدم الرضى بقرار النيابة العامة عرض الأمر على القضاء ليحسم في القرار المتعلق بالتصالح (وهذا سيجعل الصلح ليس بقرار الوالدين مباشرة).

- لأن الطفل القاصر حتى وإن كان تحت كنف والديه و رعايتهم و تربيتهم و توجيههم، إلا أنه في آخر المطاف ابن للمجتمع بكامله، فهو الراعي الأول لكل طفل بما يضمن الحماية لأطفال المغرب على قدم المساواة ودون أدنى اعتبار لوضعيتهم الاجتماعية، هذا هو مغزى الحماية التي ينص عليها الدستور المغربي والقوانين الوطنية وكذا كل المواثيق الدولية التي تعنى بالطفولة.

- وأن القضاء المغربي الذي ألغى السراح الذي منح لمغتصب الطفلة ذات 6 سنوات من طرف السيد قاضي التحقيق (الذي اعتبر تنازل الأب عبارة عن تنازل للضحية) كان قد أكد فعلا أن تنازل الأب لا قيمة له إذا لم يحقق المصلحة الفضلى للطفلة (العنف الجنسي-الجسدي والنفسي)، وأن تلك الطفلة لها من يحميها أكثر من والدها ويحمي حقوقها ومصالحها، كما يؤكد أن هنالك مراقبة أقوى من الأب.

 

خلاصة القول:

- لم يعد اليوم أي مجال للتلاعب بحقوق الطفولة من طرف أي كان، وأن القوانين المغربية تتضمن مقتضيات تجعل الدولة والنيابة العامة مراقبتين لمدى حماية الطفل من كل اعتداء جسدي أو معنوي أو جنسي أو حتى اقتصادي، ومن طرف أي كان.

- ورغم ذلك فأملنا أن يزيد المشرع من تعديلات قانونية لتدقيق المفاهيم والمعاني، وأن يضيف مقتضيات تكثف من الحماية القانونية للطفل أكثر مما هي عليه اليوم، وتوسع من مفاهيم المعتدين عليه بدون استثناء المقربين، وإعطاء النيابة العامة دورا للتدخل أوسع من الذي لديها اليوم.

 

خديجة جنان، فاعلة جمعوية وحقوقية