الجمعة 1 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

فاطمة المدرعي: زيارة عمتي "الفارقة".. وخبر تسجيل البنات بالمدرسة

فاطمة المدرعي: زيارة عمتي "الفارقة".. وخبر تسجيل البنات بالمدرسة فاطمة المدرعي

لا أدري لماذا استعملت الفارقة؟ فعمتي اسمها طامو !

كثيرا ما تعجبني بعض الكلمات، فأريد توظيفها. ربما لكي أبدو "قارية"!

 

جاءت عمتي تلتحف "طلميطها"، جرينا أنا وإخواني الصغار لاستقبالها... كنت الطفلة الكبيرة والبنت الوحيدة.

تعلقنا في عنق عمتي وتحسسنا "شونها" أو "عبونها" أو صدرها، بحثا عن نتوءات "كواغط " الحمص أو الكاوكاو والفانيد .

قالت عمتي دون انتظار: "فطيمة  هاذ العام غاديين يقيدو البنات ف السكويلة !"

 

كنا نسكن بضيعة على بعد ثلاث كيلومترات من المجمع السكني الصغير، وكانت عمتي هي مراسلتنا... دخلنا البيت في جوقة حول عمتي... سلمت على أمي وجلست.

كان الخبر الرئيس، هو أن رشيدة بنت النصراني تسجلت في المدرسة، وأن المقدم "داز" وأخبر الناس بالسماح بتسجيل البنات هاذ العام.

 

عاد أبي من العرصة يحمل "عتلته" على كتفه، جريت لاستقباله، كنت متخصصة في الاستقبال كما ترون !

ـ أبا أبا بغيت ندخل للسكويلة...

 

كان أبي هادئ الطبع "كالم". فرد علي

ـ أنت تذهبين للجامع... وبحال بحال.. المهم تقراي...

 

زدت من الإلحاح، وأخرجت السلاح الأخير، دموعي الغالية على أبي... فانتزعت منه، (واخا واخا دابا نشوف...)، "واخا": من منكم يعرف من أين جاءت هاذ "واخا" الجميلة؟

 

استمر الإلحاح، والصمود والاعتصام حوالي ثلاثة أيام، قبل أن يأخذ والدي دراجته الهوائية "البشكليط"، (لماذا هوائية فهي لا تطير في الهواء ولا يدفعها الهواء بل العضلات و"الركابي"!).

 

توجه أبي إلى القيادة الموجودة بمدينة فضالة البعيدة عن قريتنا بحوالي سبع كيلومترات، كان الناس كثيري التهيب والخوف من ارتياد الإدارات العمومية الموروثة عن الاستعمار والشبيهة بمخافر الشرطة...

بعد الانتظار لساعات أمام القيادة، ظفر أبي بعقد الازدياد، وتوجه مباشرة إلى المدرسة.

 

كانت مدرسة القرية إرث عن الاستعمار، صغيرة وجميلة محاطة بالأشجار والأسلاك الشائكة.. لها باب كبير وأسوار من الحجر. في البداية كانت خاصة بأبناء الفرنسيين أصحاب "الفيرمات"، وبعض أبناء الأعيان أو المتعاونين، وبعد الاستقلال فتحت لعموم الأطفال دون الطفلات إلى أن زفت الخبر عمتي ذلك اليوم !

 

وقف أبي ضمن طابور صف طويل من الناس، أمام طاولة وسط ساحة المدرسة يجلس بجانبها معلم مكلف بعملية التسجيل... ولما وصل دور أبي، تسلم منه المعلم عقد الازدياد، وقال بصوت مرتفع متوجها للمصطفين أمام طاولته:

"الصلاة على النبي، المدرسة عمرات، لآخرين العام الجاي"!

 

فاطمة المدرعي، فاعلة تربوية وجمعوية