الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد التومي: دور الأبناك في محاربة كورونا (2)

أحمد التومي: دور الأبناك في محاربة كورونا (2) أحمد التومي

ما يعيبه الكثير من الناس على الأبناك أنها، في نظرهم، تربح أموالا كثيرة. ألا، لا بد من التذكير أن البنك هو شركة تتوخى من أنشطتها تحقيق أرباح للمساهمين في رأسمالها، وقد يكون هؤلاء إما أشخاص ذاتيين أو معنويين أو عامة الناس الحاملين لأسهم البنك المدرجة في بورصة القيم بالدار البيضاء. في السنة المحاسبية 2018 وصلت أرباح البنوك  إلى 14 مليار درهم وذلك بمعدل مردودية (RoE) لرأسمال المساهمين في حدود 8.7%.

 

وبالمقارنة مع الأبناك الأوروبية مثلا، فمتوسط المردودية في حدود 5.8% ولكنه يرتفع في السويد 13% نتيجة الرقمنة المتقدمة للخدمات البنكية وفِي هولندا وبلجيكا إلى 8.8% وفِي الدانمارك وفنلندا إلى 10.8%، اما في الولايات المتحدة فيرتفع إلى 12-14%. من هذه المقارنات نستنتج أن مردودية الأبناك المغربية هي في المتوسط العالمي. لكن إذا ما قارنا ربحية الأبناك مع القطاعات الصناعية والخدماتية الوطنية الأخرى، نجدها من الأدنى! وهكذا ترتفع ربحية قطاع الاتصالات إلى 38.4% والطاقة إلى 24% والصناعات الغذائية إلى 24% والإسمنت إلى 17.6% والشركات العقارية إلى 16% وشركات صناعة الأدوية الى 16% وخدمات الإعلاميات إلى 23% وغيرها. وهذه القطاعات تعتمد على الأبناك في تمويلها.

 

لا بد من الإشارة كذلك أن أكثر من 50% من أرباح الأبناك، بعد أداء 37% منها للضريبة على الشركات (النسبة الأعلى في سلم الضرائب) يعاد ضخها أساسا لتعبئة وتوزيع قروض جديدة للاقتصاد الوطني ورقمنة الخدمات وتقوية النظام المعلوماتي وحماية المعطيات. كذلك في توسيع شبكاتها لتقريب الخدمات البنكية من المواطنين عبر إحداث وكالات بنكية وشبابيك جديدة خاصة في المناطق الشبه القروية، والحال أن نسبة الاندماج المالي عرفت قفزة كبيرة في العهد الجديد لتصل إلى 60%، رغم أن الطريق، في هذا الباب، ما زال طويلا لاندماج مالي كامل (هذا الهدف تم تسطيره في القانون الأساسي الجديد لبنك المغرب).

 

إضافة الى توسيع أنشطتها كما سلف، فإن الأبناك المغربية تحول جزءا مهما من أرباحها إلى تقوية رأسمالها وهذا ما يمكنها من الرفع من حجم قروضها للاقتصاد الوطني. إذ أن إضافة درهم واحد إلى الرأسمال يمكن من تعبئة 9 درهم كقروض إضافية، بمعنى أنه كلما رفعت الأبناك من قيمة رأسمالها إلا ازدادت قدرتها على توفير القروض. لا داعي هنا للقول إن متانة الأصول هي التي تقوي مناعة النظام المالي لمواجهة الصدمات، كما وقع إبان أزمة القروض الرهنية الامريكية سنة 2008 والتي أثرت لفترة في اقتصاديات العالم.

 

وحتى نكون أكثر إنصافا في قياس نجاعة الأبناك المغربية، لابد من إلقاء نظرة على مردودية أصول الأبناك (RoA) أي ما ينتجه كل درهم استثمر في أصول الشركة. وهنا نجد أن هذه المردودية تقترب من 1%، ما يعني الحصول على عائد سنتيم واحد لكل درهم. في حين أن المعدل في الاتحاد الأوروبي هو 0.4%، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير يدل على أن الأبناك المغربية تجيد استعمال أصولها. وللعلم فالمؤشر المغربي يقترب من نظيره الأمريكي 1.20%.

 

يتبين من خلال هذه الأرقام والمقارنات الوطنية والدولية أن ربحية الأبناك المغربية أو غناها ليست بالمستوى الذي يتصوره الناس. ولكن أين يكمن المشكل؟ وما سر هذه السلبية تجاه الأبناك والمؤسسات المالية بصفة عامة في هذا الظرف بالذات؟

 

 

للمواطن كامل الحق في أن يتم استقباله استقبالا لائقا في أية وكالة بنكية وان يسمع اليه وأن تعطى له الشروحات بكل شفافية، بل ويتم نصحه، بغض النظر عن رصيده البنكي. من حقه أن يحصل على الخدمات المتوفرة في آجال معقولة وبجميع الوسائل المتاحة من دون أن يلجأ المواطن على التردد إلى الوكالة أو استعطاف المستخدم أو المسؤول. الشركات الكبرى والمتوسطة تحظى بتعامل خاص من طرف الأبناك، لماذا لا تحظى الشركات الصغرى والصغرى جدا بنفس المعاملة؟ قد تكون طلبات القروض لهذه الشركات الصغيرة لا تتناسب مع إمكانياتها أو أن برنامج عملها (plan d’affaires) لا يستجيب للمعايير المعتمدة من طرف المؤسسة البنكية من حيث المخاطرة والقدرة على استرداد الدين، إذ أن المؤسسة تبقى المؤمن على ودائع الزبناء ولا يحق لها أن تتصرف كيفما شاءت فيها. لماذا، في هذه الحالة، لا يتم تقديم النصح للشركة وتعليل الرفض؟ نعم هذا يتطلب جهدا وموارد بشرية إضافية، ولكن هذا هو ما تقتضيه علاقة الشراكة بين الطرفين، فلا نشاط بنكي بدون قروض ولا شركات بدون أبناك. نفس العلاقة بالنسبة للمواطن الذي يودع امواله في البنك والأخير يحوّله إلى قروض مربحة. حتى نبنى علاقة ثقة مع المواطن، في نظري، يجب على البنك أن يكون سباقا في تعامله مع المواطن من موقع أن مهنة البنك معقدة بمساطيرها وآلياتها والقوانين التي تخضع لها، والمواطن لا يمكنه أن يستوعب كل هذا، لذا من الواجب عليه أن يبسط المفاهيم المعقدة ويترجمها إلى اُسلوب يفهمه المواطن ويساعده على أخذ قراره. فالمواطن غالبا ما يشتكي أنه، تحت ضغط الحاجة إلى القرض، يوقع على عقود لا يفهمها. فكم من مواطن حاصل على شهادات جامعية وتنقصه الثقافة المالية الأساسية.

 

الدولة تقوم بمراقبة وتقنين القطاع البنكي من خلال بنك المغرب ووزارة المالية التان تسهران، على الخصوص، على تقوية النظام البنكي وجعله قادرًا على مواكبة المسيرة التنموية للوطن. لكن كم من قوانين وقرارات ومذكرات توضيحية تخص جانبا ماليا معينا يهم المواطن في تعامله من البنك ولا يعلم عنها المواطن أي شيء؟ مما يخلق اللاتوازن في النفاذ إلى المعلومة. قوانين ثورية متعددة، ساهمت، الى حد كبير، في تقدم تصنيف المغرب في مناخ الأعمال (doing business)، من قبيل قانون تسنيد الأصول وقانون القيم المنقولة، والتي من شأنها تيسير الحصول على القروض البنكية من طرف الشركات الصغرى والمتوسطة دون الحاجة إلى تقديم الضمانات الكلاسيكية كالعقارات، أقول تعرف بعض البطء في تنزيلها على أرض الواقع، لدرجة أن الكثير من مهنيي الابناك والشركات وحتى المحاسبين لا يعلمون حتى بوجودها.

 

- أحمد التومي، نائب برلماني وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية