الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

سناء بلحسن: عالم ما بعد جائحة كورونا

سناء بلحسن: عالم ما بعد جائحة كورونا سناء بلحسن

يحتاج زمن ما بعد "كورونا" إلى آليات جديدة في الخطاب، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، خطاب يتسم بالواقعية والشفافية. كما قد تحتاج مرحلة ما بعد الوباء لأشكال جديدة من التواصل الاجتماعي من شأنها أن تغير العديد من الصور النمطية وعادات الحياة اليومية، وسياسات عمومية من شأنها تعميق مفهوم المواطنة ومفهوم التضامن الاجتماعي والعمل الإحساني، وأيضا سياسة إعلامية مجالية تغطي احتياجات كل الجهات المغربية.

 

ويستعد المغرب مثل باقي دول العالم للدخول إلى مرحلة ما بعد زمن "الجائحة"، وهي فترة قد تطول أو تقصر حسب استعداد وقدرة كل دولة على احتواء الوباء، لهذا فإن مرحلة ما بعد كورونا، ستكون مختلفة جذريا عما عهدناه في السابق. إننا أمام تشكل عالم جديد بكل ما تعني الكلمة من معنى، عالم لكي نلج إيله علينا أن نتخلى تصورتنا الكلاسيكية، حتى يكون لنا مكان في هذا الوجود، يتعين على كل جماعة أن تدرك حدود ذاتيتها.

 

إن العالم الجديد الذي ستصنعه كورونا سيشكل براديغم جديد، على غرار ما حدث بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، يجب أن نتخلى تصوراتنا القديمة للاقتصاد والسياسة، حيث ملامح العالم الجديد ستكون مختلفة من حيث البنية والنسق.

 

بنظر البعض، فإن هذا الوباء سيقوي الدولة ويعزز القومية، حيث ستتبنى الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيكره الكثيرون التخلي عن هذه السلطات الجديدة عند انتهاء الأزمة. كما سوف يسرع الفيروس أيضا من تحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق، وقد استجابت كوريا الجنوبية وسنغافورة بشكل أفضل، وكان رد فعل الصين جيدا بعد أخطاءها المبكرة. كانت الاستجابة في أوروبا وأمريكا بطيئة وعشوائية بالمقارنة، مما زاد من تشويه النموذج الغربي.

 

لهذا سوف نشهد تراجعاً إضافيا عن العولمة، حيث يتطلع المواطنون إلى الحكومات الوطنية لحمايتهم، بينما تسعى الدول والشركات للحد من نقاط الضعف في المستقبل، وسيخلق فيروس كورونا عالمًا أقل انفتاحا وأقل ازدهارا وأقل حرية، لم يكن الأمر كذلك بهذه الطريقة، لكن الجمع بين فيروس قاتل وتخطيط غير ملائم وقيادة غير كفؤة وضع البشرية على مسار جديد ومثير للقلق.

 

وهكذا سيصير فيروس كورونا هو القشة التي ستقسم ظهر البعير، خاصة بالنسبة للعولمة الاقتصادية الحكومات والشركات التي ستعزز مستقبلا قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية، لهذا فإن كل من فشل في إدارة الأزمة سوف لن يتوانى على إلقاء اللوم على الآخرين.

 

إن الضغط العام والسياسي المتزايد لتحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون قد أثار بالفعل تساؤلات حول اعتماد العديد من الشركات على سلاسل الإمداد لمسافات طويلة، الآن، يجبر فيروس كورونا الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية. لهذا يبدو من غير المحتمل إلى حد كبير في هذا السياق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي حددت أوائل القرن الحادي والعشرين، وبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة من التكامل الاقتصادي العالمي، فإن بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين ستتدهور بسرعة، وسيتطلب الأمر عندئذٍ انضباطًا هائلاً للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.

 

سيعمل فيروس كورونا على تقويض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمي بحيث تقوم الشركات الآن، بإعادة التفكير في تقليص سلاسل التوريد المرتبطة بعدة بلدان، فيما ستتدخل الحكومات لتوفير سلاسل توريد محلية. لقد كسرت جائحة كوفيد19 العديد من هذه الروابط، فقد أغلقت المصانع، بالإضافة إلى أن المستشفيات والصيدليات ومحلات الماركات العالمية، كما أن ومحلات البيع بالتجزئة أصبحت محرومة من المخزونات والمنتجات. وعلى الجانب الآخر من الوباء، ستطلب المزيد من الشركات معرفة المزيد عن مصدر إمداداتها، وستتدخل الحكومات كذلك، مما يجبر ما تعتبره الصناعات الاستراتيجية على خطط احتياطيات محلية كما أن الاحتياطيات الربحية ستنخفض.

 

ويرى أحد المتفائلين أن هذه الأزمة ليست نهاية العالم المترابط، أو الاعتماد الدولي، إن الوباء نفسه دليل على تكافلنا، لكن في جميع الأنظمة السياسية، هناك بالفعل اتجاه داخلي، بحث عن الاستقلال الذاتي والسيطرة على مصير الشعوب، نحن متجهون نحو عالم أكثر فقرا وبخلا، عالم صغيرا. مادامت هذه الجائحة مستمرة في خفض النشاط الاقتصادي وزيادة التوتر بين البلدان على المدى الطويل. ويقول، جون ألين، هو رئيس معهد بروكنجز، "كما كان الحال دائما، سيكتب المنتصرون على أزمة فيروس كورونا التاريخ". لهذا يتنبأ ابعض بأن التنين الصيني هو المرشح الأول لقيادة العالم، حيث تعاني كل دولة، من دول العالم وبشكل متزايد من الإجهاد المجتمعي لهذا المرض بطرق جديدة وقوية. وحتما، ستدعي تلك الدول المثابرة -سواء من خلال أنظمتها السياسية والاقتصادية الفريدة، أو من منظور الصحة العامة- النجاح على أولئك الذين يعانون من نتائج مختلفة وأكثر تدميراً. بالنسبة للبعض، سيظهر ذلك على أنه انتصار كبير ونهائي للديمقراطية والتعددية والرعاية الصحية الشاملة، للعالم الغربي، فيما يرى البعض بأن نجاح الصين في التحكم في الجائحة من شأنه أن يبرز الفوائد الواضحة للحكم الاستبدادي الحاسم.

 

الأمر الذي سينتج عنه تغيير في ملامح النظريات الفكرية والإيديولوجية، بميلاد مقولات جديدة في السياسة والاقتصاد، تكون بديلة عن الأفكار التي حكمت العالم لفترة ما بعد الحداثة، نظريات ستخرج من رحم المعاناة، وهكذا وبقدر ما انتصرت العولمة، بقدر ما جعلتها جائحة كورونا تستنفد قوتها المحررة.

لا مفر من أن الانهاك الذي أصاب فكرة العولمة مادامت تتحدد، ليس كنظام جديد، بل كحركة، كتدمير خلاق لبناء عالم جديد، عالم سترسم خريطة جائحة كورونا.

 

- سناء بلحسن، أستاذة التعليم العالي، جامعة مولاي إسماعيل/ مكناس