الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الأمين: الانتقائية في التعامل مع مشاريع القوانين.. مشروع قانون 22.20 نموذجا

محمد الأمين: الانتقائية في التعامل مع مشاريع القوانين.. مشروع قانون 22.20 نموذجا محمد الأمين

في الأيام الأخيرة تسربت وثيقة تحمل مشروع قانون يتعلق بتنظيم استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، خروج هذا  المشروع للعلن -وبغض النظر عن الطريقة التي خرج بها والتي لم تحترم فيها المساطر القانونية المتعارف عليها- أثار الكثير من الجدل والاستهجان لدى شريحة واسعة من الرأي العام، هذا الأخير الذي كان له الدور الفعال والحاسم في دفع الحكومة إلى التراجع عن مناقشته في هذا التوقيت  وبالصيغة التي طرح بها.

 

وبعيدا عن طريقة تسريب وثيقة مشروع شبكات التواصل الاجتماعي الغير مسؤولة والتوقيت غير المناسب والغاية غير المفهومة من ذلك والتبادل المثير للاتهامات حوله بين الأطراف الحكومية، فإن الهدف من هذه المقالة/ الرأي هو تقريب مضمونه للقارئ بصورة مبسطة تمكنه من إدراك جانب  من الانتقائية في التعامل مع بعض مشاريع القوانين أو المسودات ذات الصبغة الجنائية.

 

فمن حيث المضمون فهذا المشروع يتضمن ثلاثة أبواب كل باب يتضمن فصولا وكل فصل يتضمن مواد، بمجموع 25 مادة من بينها 13 مخصصة للتجريم والعقاب، والكل على الشكل الآتي:

 

- الباب الأول، خصصت مواده للأحكام العامة التي تتضمن مجموعة من التعاريف  التي لها صلة بالموضوع ( شبكات التواصل، شبكات البث المفتوح، المحتوى الالكتروني، الهوية الرقمية وغيرها)، لينتقل إلى نطاق التطبيق والتي تبدأ بالتنصيص على كون حرية التواصل مضمونة وفقا للدستور مع مراعاة  الشروط والضوابط المنصوص عليها في هذا المشروع. ثم يمر لتبيان من يسري عليهم هذا القانون من مزودين ومستعملين لشبكات الانترنيت، مع استثناء تلك التي المنصات التي تقدم محتوى صحفي حيث تبقى خاضعة لأحكام قانون الصحافة والنشر.( يضمن هذا الباب أربعة مواد).

 

- الباب الثاني، خصصت مواده لنظام تزويد شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات المماثلة وللمقتضيات المنظمة للهيئة الإدارية المكلفة بالإشراف على شبكات التواصل الاجتماعي، يعني أن مزودي و مستعملي شبكات التواصل  سيكونون أمام هيئة إدارية للمراقبة على شكل الهاكا في المجال السمعي البصري. كما تنظم الالتزامات الواقعة على مزودي شبكات الأنترنيت، ومن أهمها ما يتعلق بمسألة معالجة الشكايات الموجهة لها عن طريق مسطرة معدة لذلك والآثار المترتبة عنها. ويختتم هذا الباب مقتضياته بمسألة الجزاءات الإدارية التي قد يتعرض لها كل مزود لتلك الخدمات في حالة إخلاله بالالتزامات الواقعة على عاتقه. (يضم هذا الباب ثماني مواد من المادة 5 إلى المادة 12).

 

- الباب الثالث، وهو بيت القصيد، ويتضمن المقتضيات الزجرية التي تهم بالدرجة الأولى مستعملي شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، ويضم أربعة فصول على الشكل الآتي:

الفصل الأول يهم الجرائم الماسة بالأمن وبالنظام العام الاقتصادي فيه ثلاث مواد من 13 إلى 15، وتهم على التوالي ما يلي:

- جريمة نشر أو ترويج محتوى الكتروني يتضمن  كيفية صنع معدات التدمير المعدة من مواد متفجرة أو غيرها.

- جريمة  الدعوة أو التحريض على مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات. (عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها).

- جريمة الدعوة أو التحريض على سحب الأموال من وسائل الائتمان. (عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها).

في كل هذه الجرائم العقوبة قد تصل حسب نوع الجريمة إلى خمس سنوات حبسا  والغرامة  إلى 100 الف درهم أو بإحداهما فقط.

الفصل الثاني يهم الجرائم التي تتعلق بنشر الأخبار الزائفة وفيه أربع مواد من المادة 16 إلى المادة 19، وتهم على التوالي ما يلي:

- نشر أو ترويج محتوى الكتروني يتضمن خبرا زائفا مع تشديد العقوبة عندما يكون من شأن الخبر إثارة الفزع بين الناس.

- نشر أو ترويج خبر زائف من شأنه المساس بالنظام العام وبأمن الدولة واستقراراها وبسير المؤسسات العمومية.

- نشر أو ترويج خبر زائف من شأنه التشكيك بسلامة المنتوجات وتقديمها على اساس أنها مضرة بالصحة العامة وبالأمن البيئي.

- نشر أو ترويج خبر زائف من شأنه الإضرار بشخص ذاتي أو معنوي.

العقوبة يمكن أن تصل في أقصى الحالات خمس سنوات والغرامة 30 الف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

الفصل الثالث يهم الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار الشخصي يتضمن ثلاثة مواد من المادة 20 إلى 22 منه، وتهم على التوالي الجرائم الآتية:

- جريمة انتحال هوية رقمية للغير واستعمال معطياته من أجل النيل من شرفه والاعتبار الواجب له.

- الابتزاز عن طريق التهديد بنشر صور أو حوارات ذات طابع جنسي سواء كان الحصوص عنها بطريقة رضائية أو غير رضائية.

- نشر محتوى يتضمن عنفا أو اعتداء جسديا على شخص.

العقوبة في هذه الجرائم قد تصل إلى خمس سنوات في أقصى الحالات والغرامة ل 50 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين.

الفصل الرابع يتعلق بالجرائم الواقع على القاصرين ويضم ثلاث مواد من 23 إلى 25 منه، وتهم على التوالي الجرائم الآتية:

- نشر أو بث محتوى الكتروني من شأنه المساس بالسلامة النفسية والجسدية للقاصرين أو ذوي الإعاقات العقلية.

- نشر أو بث محتوى الكتروني ذي طابع إباحي.

- نشر أو بث أو ترويج أو تقاسم رابط الكتروني يتضمن ألعابا الكترونية خطيرة من شأنها أن تعرض سلامة القاصر النفسية أو الجسدية للخطر، مع مراعاة العقوبات الأشد إذا نتج عن ذلك مشاركة القاصر في تلك الألعاب أو حصلت له إعاقة نتيجة لتلك المشاركة.

العقوبة في هذه الجرائم يصل حدها الاقصى إلى خمس سنوات والغرامة ل 100 الف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

انطلاقا من مضامين هذا المشروع سنحاول أن نبين بشكل موجز جانبا من الانتقائية في التعامل مع المواضيع ذات الصبغة الجنائية في مغرب ما بعد دستور يوليوز 2011؛ هذه الانتقائية التي تظهر سواء من خلال ازدواجية التعامل الحكومي أو حتى ازدواجية الخطاب الجنائي لها واللذين يتضحان من خلال مقارنة مشروع شبكات التواصل الاجتماعي مع بعض مشاريع القوانين الجنائية الأخرى.

 

فازدواجية التعامل الحكومي تتجلى في السرعة في إعداد و إخراج هذا المشروع إلى الوجود  مقارنة مع غيره من المشاريع الأخرى بل و مسودات القوانين الأخرى، وأخص هنا بالذكر مسودة القانون الجنائي التي طرحت للنقاش منذ 2015 فبالرغم من كونها تتضمن مقتضيات في غاية الأهمية و بالخصوص ما يتعلق بمقتضيات الهدف منها أنسنة القانون الجنائي ( العقوبات البديلة، التقليص من عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، إعادة النظر في عقوبة المحاولة وغيرها)، إلا أنها لا تزال تراوح مكانها وقد استكملت منذ مارس 2020 عامها الخامس.

 

 الازدواجية أيضا تظهر من خلال كون تلك المسودة قد عرضت للنقاش العموم ونظمت حولهما العديد من الندوات و كتب حولهما العديد من المقالات، وشارك الرأي العام في النقاش حولها، مما يعتبر إيجابيا ويدل على الأهمية القصوى التي يجب أن تحظى بها القوانين الجنائية. في حين أن هذا المشروع والذي يجرم أمورا تختلط فيها حرية التعبير مع غيرها من الأفعال المنافية للقيم المشتركة والذي يجعل من مسألة فتح نقاش عميق حوله لرسم الحدود الفاصلة بين حرية التعبير وغيرها من الأمور البديهية، لكن الذي حصل غير ذلك  فلولا الرأي العام لكان هذا المشروع  في البرلمان.  مما يجعنا نتساءل عن السبب الذي جعل الحكومة لم تنهج المقاربة التشاركية حول هذا الموضوع المثير للجدل إسوة بما فعلته مع غيره مسودة القانون الجنائي و قانون المسطرة الجنائية مثلا؟

 

أما ازدواجية الخطاب الجنائي -إن صح القول به- فيكمن في مضمون مقتضيات هذا المشروع والذي له حمولة جنائية، سواء من خلال عدد الجرائم الواردة فيه (حوالي 13 جريمة)، أو من خلال طبيعة العقوبات فكلها جنح (المدة القصوى في أربع جرائم منها هو خمس سنوات، وثلاث سنوات في ثماني جرائم وسنتين في جريمة واحدة)، مما يجعلنا نتساءل في بعض منها عن الجدوى منها وفي البعض الآخر عن مدى نفعيتها وفي البعض الآخر عن المعيار والمنهج المعتمد في وضع تلك العقوبات سواء السالبة للحرية أو المالية.

 

ثم إن مقارنة مضامين هذا المشروع مع مشروع قانون الإثراء غير المشروع الذي يهم تجريم كل إثراء لم يستطع المسؤول العمومي الملزم قانونيا بتقديم التصريح بالممتلكات أثناء مزاولته لمهامه سواء كانت سياسية أو قضائية أو إدارية  تبريريه –للإشارة هذا التجريم يعتبر إحدى أهم المداخل التي من شأنها معالجة ظاهرة الكسب غير المشروع الذي يتحقق من خلال مزاولة مهمة أو مسؤولية عمومية- والذي لا توجد فيه أي عقوبة سالبة للحرية بل فقط عقوبة مالية تصل إلى مائة ألف درهم، يجعلنا نتساءل عما إذا كنا أمام نوعين من المقتضيات الجنائية إحداهما تهم العامة والأخرى تهم الخاصة.

 

قبل أن أنهي ما يتعلق بتبيان الازدواجية في الخطاب الجنائي -ولو أن مقالتي لم يكن هدفها الغوص في مقتضيات المشروع بالتفصيل ما دام أنه تأجل- من خلال مقارنة العقوبة التي يقررها هذا المشروع لجريمة نشر الخبر الزائف والتي أفرد لها أربع جرائم تتضمن كلها عقوبات سالبة للحرية مع تلك الواردة في قانون الصحافة والنشر والتي ليس فيها أي عقوبة سالبة للحرية.

 

وفي الختام يمكن القول بأن المشروع له ما له لكن دون الإطالة في مد ألف الميم وعليه ما عليه مع وضع سطرين تحتها وتكرارها على الأقل ثلاث مرات.

 

- محمد الأمين، أستاذ باحث الكلية متعددة التخصصات تازة/ جامعة سيدي محمد بن عبد الله