الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان".. "أبا حماد" يقضي بدهاء على ثورة الفتان "الطَّاهر بن سليمان" في الرحامنة (9)

"المغرب الذي كان".. "أبا حماد" يقضي بدهاء على ثورة الفتان "الطَّاهر بن سليمان" في الرحامنة (9) هشام بنعمر بالله وصورتان توثيقيتان للسلطان مولاي عبد العزيز وللمجلس الوزاري على عهد السلطان الحسن الأول رفقة أبا حماد
اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
الكاتب صحفي بريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.
كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية و الفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. و خلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و 1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر و المؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، و شيوخ القبائل و الزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص و قطاع الطرق، وعموم الناس ...)
الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه و مظاهره بأسى شديد". و نشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان) .
عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :
Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)
وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.
 
ظهر مثير الفتنة الطاهر بن سليمان ، وهيَّج قبائل (الرحامنة) حيث تمَّ قتل أو طرد زعماء القبائل المحلية فصارت الفتنة عامة. استدع إخماد هذا التمرُّد زمناً طويلاً، وكلف الكثير من الأرواح و الأموال.
في إحدى المناسبات تمكن المتمردون من (الاقتراب) من أسوار المدينة، و تمكنوا من الاستيلاء على الحي الشمالي من مراكش لكن تم صدهم، فقد أظهر الوزير "أبا احماد" مهارة كبيرة في مقاومة المتمردين ليس فقط لأن طاقته لا تفتر، بل لأنه عرف كيف يستفيد من التَّحاسد و الخلافات القائمة بين المتمردين.
ضَربَ القبائل والعشائر بعضها ببعض، وتمكن المخزن في النهاية من الانتصار، بسبب التَّنظيم الجيد، وكذلك الوسائل التي كانت مُتاحةً له للتزود بالأسلحة. تَمَّ قمع انتفاضة (قبائل) الرحامنة، و أضرمت النار في مئة ميل مربع من الأراضي، وأعمل القتل في القبيلة.
تمت إبادة القبيلة تقريباً، و لقي المئات من الرجال حتفهم في السجن. وأضحت النساء و الأطفال فريسة للجنود، وبيع البعض الآخر منهم وقضى الباقي من الجوع بعيداً عن الديار. كان الخراب شاملاً.
سنوات قليلة بعد ذلك عبرت بلاد الرحامنة، كانت لا تزال مهجورة حيث الحقُول تكسوها الأعشاب الضَّارة و الأحراش. لم أرى سوى بعض الخيام السوداء الحقيرة يخرج منها بعض(المُعدمين) الجيَّاع. كان كل هذا ما تبقى من قبيلة "الرحامنة" المزدهرة.
أُلقي القبض على "الطاهر بنسليمان"، ووُضِعَ في قفص جُعلت قضبانه من حديد فُوهات (المكاحل) التي (تمت حيازتها من المتمردين). كان القفص ضيقاً للغاية لدرجة أنه لم يكن يقدر على الحركة. عرض في الساحة (العمومية) بمراكش يُغطِّيه البصق و تنهالُ عليه (الشتائم).
طيلة حياة الوزير "أبَّا احماد" ظلَّ السلطان الشاب (مولاي عبد العزيز) معزولاً داخل قصره، صحيح أنه يظهر في الاحتفالات بالأعياد الدينية، لكنه غير موجود (معدُوم)، وحده "أبَّا احماد" يحكم المغرب.