كشف الحجر الصحي عن ظاهرة الفوارق الاجتماعية والمجالية بشكل مخيف يثير القلق.
هذه الظاهرة توظف أحيانا سياسيا و تعالج من منظور عاطفي ومن باب التضامن والشفقة، أحيانا أخرى عبر قوافل طبية و خيرية و حملات توزيع قفف من المواد الغذائية بحضور كاميرات التلفزة العمومية. كأن الفئات المحرومة وحدها مسؤولة عن وضعيتها وإن كل ما يمكن إمداده بها هي صدقة للتخفيف عليها ومواساتها.
في هذا الصدد يقترح مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، التعاطي مع ظاهرة الفوارق الاجتماعية والمجالية على مرحلتين متداخلتين ومتكاملتين:
المرحلة الأولى، مرحلة مؤقتة، لها طابع استعجالي الهدف منها محاصرة الظاهرة حتى لا تتفشى أكثر ولا تتعمق أكثر في انتظار أن تعطي المرحلة الثانية ثمارها فتقلص الفوارق إلى حد يمكن اعتبارها طبيعية.
يمكن تلخيص هذه المرحلة التي من المفروض أن تنطلق مباشرة بعد التخلص من جائحة "كورونا"، في مراجعة السياسات العمومية وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، لتمكينه من امتصاص اقتصاد حد الكفاف بتوسيع قدراته على استيعاب الساكنة النشيطة وتمكينها من دخل قار ومضمون ومن تغطية اجتماعية ملائمة.
وأوضح محمد شيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال "لن نتوقف عند هذه المرحلة لأنها ليست موضوع هذه الورقة مع التأكيد على أن بدون تغيير البرمجيات الحالية التي تستند عليها السياسات العمومية، وبدون إصلاحات هيكلية لتقوية الاقتصاد والرفع من أدائه لتحقيق التشغيل الكامل والرفع بالتالي من معدل النشاط إلى أقصى حد خاصة بالنسبة للإناث التي تسجل حاليا أضعف معدل على المستوى العالمي ( أقل من 25 في المائة)، فإن المرحلة الأولى لن يكون لها المفعول الهيكلي المتوخى منها وسوف يصعب تمديدها إلى ما لا نهاية".
تخصص المرحلة الأولى التي تنطلق بموازاة مع المرحلة الثانية، لإقرار دخل حد أدنى مضمون لكل الناشطين باقتصاد حد الكفاف وهو ما نعرفه في مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال بدخل الكرامة. قبل التطرق إلى كيفية احتساب هذا الدخل، لابد من الإشارة إلى السبب الذي جعلنا ننعت هذا الدخل بهذا الاسم"، يقول محمد شيكر.
هناك عوامل أساسية إذا لم تتوفر فلن تضمن الكرامة، من بين هذه العوامل هناك بالخصوص عامل الدخل. فبدون دخل قار كاف لتحقيق استقلالية الفرد سيكون من الصعب ضمان الكرامة.
هذا الدخل، يحدد انطلاقا من بحث ميداني يروم تقدير دخل متوسط شهري لكل فئة من الفئات العاملة باقتصاد حد الكفاف على أساس دخول كل واحدة منها.
من هنا يمكن احتساب دخل الكرامة إما على أساس متوسط الدخول المتوسطة لجميع الفئات أو على أساس متوسط الدخل المتوسط الأدنى و الدخل المتوسط الأقصى.
وقد يراعى في احتسابه بعض العوامل كالحالة المدنية للمستفيد.
ولضمان فعالية دخل الكرامة لابد من أن يقارب الدخل الإجمالي للمستفيد ( مجموع دخله الشخصي ودخل الكرامة) أو يساوي 3000 درهم بالنسبة لسكان المجال الحضري و 2000 درهم بالنسبة للقرويين.
ولا يصرف دخل الكرامة لكل من أصبح له دخلا قارا يتجاوز العتبتين المشار إليهما. أما من لا دخل لهم لأسباب موضوعية كالبطالة أو الإعاقة فيصرف لهم ثلث دخل الكرامة.
ودخل الكرامة هذا، الهدف منه التحفيز على تحسين أوضاع المستفيدين لإخراجهم من اقتصاد حد الكفاف وخلق مناخ يساعد على التخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية و دعم الطلب الداخلي لما له من انعكاسات ايجابية على الاقتصاد برمته.
لهذا فالاستفادة من دخل الكرامة يستوجب خلق الشروط الموضوعية لتمكين المستفيدين من امتلاكه كأداة لمحاربة الفوارق ومن استساغة فلسفته كرافعة لتعميم التقدم و تكريس المواطنة.
ويقتضي صرف هذا الدخل التقيد بمجموعة من الالتزامات حتى لا ينظر إليه كريع، من هذه الالتزامات حسب كل فئة من الفئات المستفيدة:
تخصيص مدة زمنية للقيام بأشغال ذات فائدة عمومية يعود للسلطات المحلية برمجتها و تحديد مدتها.
ب- القبول بالتنظيم المجالي والحرفي مثل:
فضاءات عبارة عن أسواق تقليدية موزعة بشكل عقلاني على المجال الحضري يرتادها، من بين من يرتادها، الفراشة و الباعة المتجولون حسب برنامج يومي محدد يشرف عليه ممثلو هؤلاء بمساعدة السلطة المحلية.
- إعادة الاعتبار للموقف كنقطة التقاء بين منهم في حاجة الى من ينجز لهم أشغالا محددة في الزمن و يد عاملة يتعذر عليها اللجوء الى الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل باعتبارها من فئة "طالب معاشو".
- تنظيم الحرف الصغرى ( الرصاصي و الكهربائي و الميكانيكي...الخ)في إطار شبكات أو تعاونيات أو مقاولات في منتهى الصغر أو جد صغيرة.
القبول بالتوفر على محاسبة مبسطة لاستخلاص ما ينتج من قيمة مضافة.
تمكين أطفال المستفيدين من الجنسين من الدراسة و عدم اللجوء الى تزويج القاصرات.
في تكوين ملائم و الانضباط في محاربة الأمية بالنسبة لمن لم يحالفه الحظ في التمدرس.
لابد من أن يصاحب العمل بدخل الكرامة، حسب مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال،توسيع الخدمة العسكرية من جهة، ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الشباب المؤهل للقيام بها. و إطلاق الأشغال الاجتماعية الكبرى من جهة أخرى، لتشغيل شباب اقتصاد حد الكفاف.تروم هذه الأشغال من بين ما تروم إليه:
- فك العزلة عن العالم القروي من خلال بناء الطرق و توفير البنية التحتية الاجتماعية من مستشفيات و مدارس و ملاعب للقرب...
تأهيل المدن الصغرى و القرى مجاليا اعتمادا على اليد العاملة.
تأهيل مساكن سكان الجبال و تكييفها مع المناخ...
في الأخير، لا يمكن الختم دون طرح السؤال الذي يتبادر إلى الدهن بمجرد إثارة كلفة ما و يتعلق الأمر بإشكالية التمويل.
يعتبر مركز الدراسات و الأبحاث عزيز بلال، إن هذه المسألة,بالنسبة لدولة "محدودة الدخل" قد تحول دون الأخذ باقتراحه هذا المتمثل في دخل الكرامة إذا لم يتم الانتباه إلى أن إشكالية التمويل هي إشكالية إبداع قبل أن تكون إشكالية مالية محضة.
ويفسر ذلك محمد شيكر كالتالي: "لقد لاحظنا كيف تمكن المغرب في أيام معدودة من تعبئة أموال مهمة لصالح صندوق مكافحة الجائحة. في هذا الإطار لابد من الإسراع في إعادة النظر في تنظيم القطاع الاجتماعي ذلك لان ما يرصد له من أموال لا ينعكس على ما يحقق من نتائج. هذه العملية تفترض مراجعة أولوياته لاعتماد دخل الكرامة كأحد أولياته الأساسية وإعادة هيكلة أدواته المؤسساتية، فالفعالية لا تقاس بعدد المتدخلين. بجانب إصلاح هذا القطاع هناك مصادر أخرى لتمويل دخل الكرامة منها بالخصوص:
- تفعيل صندوق الزكاة
Fondations العمومية والخاصة.
-الهبات الخارجية والتبرعات الداخلية.
-رسم تضامني تحدد نسبته في إطار تشاوري تؤديه القطاعات الأكثر ربحية كالأبناك وشركات توزيع المحروقات.
- رسم تضامني يؤدى خارج الضريبة على الدخل عن الأجور التي تتجاوز 20 مرة سميك.
- رسم بمبلغ 20 أورو يؤديه كل سائح إما عند الحدود بالنسبة مثلا للقوافل السياحية و لأولئك الذين سيكون مقامهم خارج الفنادق و إما عند مغادرة الفندق.
- رسم بمبلغ معين يؤدى عند المشاركة في الصفقات العمومية.