الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بكار السباعي: التحدي الحقوقي والمحاكمة الرقمية في ظل جائحة كوفيد 19

الحسين بكار السباعي: التحدي الحقوقي والمحاكمة الرقمية في ظل جائحة كوفيد 19 الحسين بكار السباعي
لم يترك فيروس كورونا ، مساحة في التفكير و الحديث و الحوار، في مختلف الفضاءات ، وأهمها الفضاء العام الافتراضي او ما يطلق عليه عموما بالفضاء الأزرق، وعن ما يتم تداوله في الفيسبوك أو الواتساب أو غيرهما من وسائل التواص الاجتماعي، إلا وكانت موضوعا لأخبار وأحداث و صور وتسجيلات عن هذا الوباء القاتل. فأعاد الحديث عن قيم التضامن والتآزر ونشر الوعي بخطورة الفيروس وضرورة الإلتزام بتعليمات و أوامر السلطات العمومية وإلتزام البيوت ومحاربة التفاهة و الإشاعات والأخبار الكاذبة ، أمور فرضتها القيم الإنسانية والدينية وأوجبها القانون بصيغة الإلزام.
كما لم يكتفي الحوار الكوروني عند هذه المستويات، بل تجاوزها إلى ظهور حديث استشرافي ومستقبلي عن مصير العالم بعد القضاء على كوفيد 19 .
تساؤلات لم تتغافل الخوض في مصير قضايا وحقوق المواطنين أمام القضاء و كيفية تدبيرها أمام القضاء ، ماقبل الجائحة وأثناءها وما بعد القضاء على الفيروس .
خاصة أن هناك العديد من الملفات توقف استكمال إجراءاتها وأخرى جاهزة لم يتم البت فيها ، لتصادف الجلسات المدرجة فيها ،صدور مذكرة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتعليق الجلسات والنظر في الملفات إلى أجل غير مسمى، مع الإبقاء على العمل للإداري بالمحاكم، واستمرار جلسات الاستعجالي وقضايا المعتقلين احتياطيا (الجنحي التلبسي والجنايات ).
الأمر الذي ألزمت معه جائحة كوفيد 19 المحامين، باعتبارهم أحد أهم أركان العدالة، بإيقاف العمل بمكاتبهم حماية لمستخديهم ومساعديهم وكذلك لموكليهم من تفشي هذا الفيروس . وكذلك بالتزام إجراءات الطوارئ الصحية وعدم الانتقال إلى مكاتبهم أو إلى المحاكم ، إلا لحضور القضايا المذكورة أعلاه أو تتبع بعض الإجراءات المستعجلة والضرورية .
الأمر الذي طفى معه للسطح نقاش حول منظومة العدالة الرقمية بجناحيها القضاء والمحاماة ومختلف باقي مكوناتها .
ومن اجل الرفع من النجاعة القضائية و لضمان محاكمة عادلة ، خصوصا في الوقت الراهن، و ما يعرفه بلدنا من تغيرات في كل القطاعات.
ومع انتشار فيروس كورونا تم الاعتماد على المحاكم الرقمية كسبيل من سبل التقاضي عن بعد، و تسهيل سير نظام العدالة ، و بالتالي تسهيل الولوج إلى القضاء و التواصل بين مختلف الفاعلين في الميدان القانوني و القضائي وتبسيط الإجراءات و المساطر القانونية و التقليل من فرص الإصابة و انتقال العدوى بين المتقاضين داخل أسوار المحاكم وخارجها .
غير أن الحديث عن المساطر الجنائية يفرض الحديث عن إجراءات مسطرية يؤطرها قانون الشكل وعن ضرورة حضور المتهم والاستماع إليه واستجوابه بشكل مباشر، ومواجهته بالضحية أو الضحايا والشهود وأن تعرض عليه أدوات الإثبات، من أجل ضمان محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الشروط ، من خلال تمكين الحامي من المخابرة مع موكله بالمؤسسة السجنية قبل عرض القضية للمناقشة وكذلك الإدلاء بمذكراته ودفوعاته لتمكين القاضي من تكوين قناعته قبل إصدار الحكم . إن فيروس كورونا، كان له الأثر الكبير على قطاع العدلة، من خلال تعطيل سير مرافقها وتراكم الملفات وإيقاف إجراءاتها . أمر يفرض على كل المتدخلين ، ضرورة النهوض بهذا القطاع بالاعتماد على منظومة العدالة الالكترونية المتكاملة ، واعتبارها السبيل الوحيد لضمان سير هذا المرفق لعدم هدر حقوق المتقاضين و ضياعها أثناء مرحلة التصدي لوباء كورونا وبعدها.
ولن يتم هذا الأمر إلا من خلال التنسيق والتعاون بين كل الفاعلين الأساسيين في هذه المنظومة من قضاة وكتاب ضبط ومحامين تيسيرا للإجراءات و ضمانا للحقوق بأفضل و أنجع الطرق .
و بالرغم من المجهودات التي قامت بها وزارة العدل ، ورئاسة النيابة العامة ،من إحداث بوابات الكترونية قضائية، تسهل على المتقاضين والسادة المحامين الولوج إلى الملفات وتتبعها ، ووضع الشكايات ومراقبة إجراءاتها ، إلا أن الحديث عن مفهوم العدالة الالكترونية، لن يتم من خلال إعفاء المحامي من الحضور إلى المحكمة لوضع المقالات والمذكرات و الأداء عنها الكترونيا، بل لابد لنجاعة وحكامة النهوض بهذا المرفق الحيوي ( العدالة ) في ظل جائحة كورونا ، وجود برامج وأنظمة معلوماتية قادرة على التخزين و حفظ المعلومات و معالجتها وتبادلها .
و اكثر من ذلك يتطلب وجود مهندسين وتقنيين متخصصين و مكونين على اعلى المستويات ووسائل تقنية للتفشير من أجل حماية سرية المعلومات والمعطيات وحماية الوثائق والمستندات المدعمة للمقالات والمذكرات من القرصنة والاختراق و التنسيق بين القضاة و المحامين من أجل تمكين مراقبة سير الدعاوى بل والعمل على الرفع من تكوينهم في هذا المجال، لضمان الأمن القضائي للمواطنين باعتبار القضاء الضامن الوحيد للحقوق والحريات .
ففي ظل هذه المرحلة الإستعجالية لكوفيد 19، و في إطار تصريف العمل القضائي الذي تتداخل فيه كافة مكونات العدالة من قضاة و كتاب الضبط و محامون وجميع الشركاء المعنيين و الممثلين للمؤسسات العمومية وعلى الخصوص السلطة الحكومية المكلفة بالعدل و المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين . هذا الإستعجال الذي لا بد له من معايير وضوابط رصينة لتوفير ضمانات المحاكمة العادلة وعلى الخصوص قضايا المتهمين المعتقلين احتياطيا والمتابعين في قضايا جنحية تلبسية وقضايا جنائية.
فالأمر يحتاج لعمل تشاركي وتشاور جماعي لإجتياز المعيقات العملية التي لابد من تدارسها قبل و أثناء وبعد تصريف العدالة حتى لا نصطدم بواقعية صعوبة تنزيل ٱلية التقاضي عن بعد ،فضلا على توفير النص الإجرائي المستعجل السلس الكفيل بضمان محاكمة عادلة للمتهم وتمتيعه بما أقره قانون المسطرة الجنائية اجراءات وما صادق عليه المغرب من اتفاقيات و مواثيق دولية.
فضلا على ضرورة تعميم الوسائل اللوجستيكية من منصات رقمية وأجهزة إلكترونية وربطها بالشبكة العنكبوتية. واعتمادها بدون استثناء في قاعات الجلسات و القاعة المخصصة لاستنطاق المتهم عن بعد بالمؤسسة السجنية مع حضور كاتب الضبط في عين المكان لتحرير محضر الجلسة مع الحرص على تظمينه كل ما يروج داخل قاعة استنطاقه عن بعد من تصريحات وملاحظات.
خلاصة القول، لا يمكن تحقيق محاكمة عادلة، في ضل محكمة رقمية إلا بتوحيد الرؤية التشاركية لمكونات العدالة وبضرورة منح زمن تشاوري قبلي بإعداد منصة رقمية يشارك فيها المحامون، عماد العدالة برأيهم ومواقفهم، ودون تغييب لدورهم الاساسي وتقزيم لرسالتهم الإنسانية.
 
ذ/الحسين بكار السباعي، محام بهيئة المحامين بأكادير والعيون