الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: كيف يمكن للمغرب الاستفادة من الأزمة بين البلدان الغربية والصين؟

يوسف لهلالي: كيف يمكن للمغرب الاستفادة من الأزمة بين البلدان الغربية والصين؟ يوسف لهلالي

دعت الصين الأسبوع الماضي إلى الوحدة الدولية في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد بعد انتقادات وجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعواصم غربية عدة حول إدارة بكين لوباء كورنا، وقال تشاو ليجيان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية إنه "من الضروري أن تتحد كل الدول لمكافحة الوباء وكسب الحرب ضد هذه الجائحة"، وذلك بعدما صرح الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون لصحيفة "فايننشال تايمز" الخميس الماضي أنه من "السذاجة" القول إن إدارة الصين للأزمة كانت أفضل من إدارة الدول الغربية".

 

وفي مقارنته لإدارة هذه الأزمة بين الأنظمة الاستبدادية وقدراتها الكبيرة في هذا النوع من الأزمات، قال ماكرون في تصريحه "من الواضح أن هناك أشياء حدثت ولا نعرفها"؛ وأضاف إلى "أنه في الديموقراطيات التي تضمن حرية المعلومات والتعبير، تكون إدارة الأزمة شفافة وتخضع للنقاش، على عكس الأنظمة السلطوية حيث يتم التحكم بالمعلومات والتعبير".

 

وتضاف تحفظات الرئيس الفرنسي على تعامل بكين مع أزمة كورونا، إلى الشكوك التي عبرت عنها لندن وواشنطن. وحذرت بريطانيا الصين الأسبوع الماضي من أن ها يجب أن تجيب على "أسئلة صعبة حول ظهور الفيروس ولماذا لم يتم وقفه قبل الآن". كما كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اتهمت بكين بأنها "أخفت" خطورة الوباء عندما بدأ في الصين.

 

هذا الجدل بين البلدان الغربية ازداد حدة الأسبوع الماضي، وبدأت واشنطن، لندن وباريس، تمارس  الضغط على بيكين من أجل إعطاء معلومات أكثر حول ظروف تكون هذا الوباء وتوقيت انطلاقه.

 

هذه الأزمة بين الطرفين، كسرت الثقة بين الجانبين، وهو ما يعني أن اعتماد البلدان الغربية على الصين كورشة لتصنيع منتجاتهم الاستهلاكية سوف يتراجع، خاصة في مجالات استراتيجية مثل صناعة الدواء والمعدات الطبية بمختلف أشكالها. وهي مجالات يتوفر فيها المغرب على قدرات كبيرة وذلك مند عدة عقود. وما يقع اليوم هو فرصة للمغرب من أجل استرجاع هذه الصناعات التي ضاعت منه في الماضي لصالح الصين التي نجحت من خلال كلفتها المتواضعة جدا وسوقها الكبير استقطاب أغلب الزبناء الغربيين وشركاتهم الكبرى التي تجري وراء الربح السريع. المغرب من أجل إعادة استقطاب هذه المقاولات الغربية هو في حاجة إلى المغرب الكبير وإفريقيا، وفي غياب المغرب الكبير بسبب سياسة الجارة الجزائر التي مازالت تائهة في مقاربة استراتيجية قديمة تعود إلى القرن الماضي والحرب الباردة، ليس إمام المغرب إلا الاعتماد على افريقيا التي تعتبر عمقه وقوته مند قرون.

 

لنعد  لتتبع أطوار هذه الأزمة بين الدول الغربية والصين على خلفية إخفاء بيكين لظهور الوباء لمدة طويلة، بالنسبة لأحد التقارير الصادرة على المخابرات المركزية الامريكية في هذا الموضوع، فإن الصينيين كانت لهم معرفة بالوباء مند شهر نوفمبر من سنة 2019 وتعمدوا إخفاءه، ومطالبة الأطباء عدم الحديث في الموضوع، حتى إلى عائلاتهم. ولم يتم إعلان الحجر الصحي بمدينة ووهان الصينية، بؤرة الوباء، إلا في 22 من يناير، وفي 18 من يناير تمت بنفس المدينة احتفالات بالشهر القمري شارك فيها 40 ألف شخص، وهو ما اعتبر قنبلة خاصة أن 5 ملايين غادروا المدينة قبل الحجر الصحي. وهي تقارير نشرتها صحف فرنسية، وكذلك صحف بالعديد من البلدان الغربية، وهي أخبار  وتقارير لا تنظر لها بكين بعين الرضى.

 

هذه المناوشات الديبلوماسية بين الجانبين وصلت إلى مستوى مرتفع من الحدة بين باريس وبيكين الأسبوع الماضي، وقبل تصريحات ماكرون إلى جريدة "فايننشال تايمز". ذلك على خلفية مقال مثير للجدل تم نشره على موقع السفارة الصينية بباريس، والذي يقدم تعليقات مثيرة حول الوضع بفرنسا، وهو ما اعتبرته أمرا لا يتماشى مع "نوعية العلاقات الثنائية". وقالت وزارة الخارجية الفرنسية الثلاثاء، إنها استدعت السفير الصيني احتجاجا على سلسلة من التعليقات المثيرة للجدل من قبل سفارة بكين في باريس بشأن وباء كورونا.

 

وقال وزير الخارجية جان إيف لودريان، في بيان صادر عن الوزارة، "أوضحت رفضي لبعض التعليقات الأخيرة عندما تم استدعاء السفير... هذا الصباح"، مضيفا أن التصريحات لا تتماشى مع "نوعية العلاقات الثنائية"، في إشارة الى الحملة التي شنتها السفارة الصينية للإشادة "بنجاح" الحكومة الصينية في مكافحة فيروس كورونا المستجد وانتقاد الطريقة التي استجابت بها البلدان الغربية للجائحة.

 

الأسبوع الماضي نشرت السفارة الصينية في فرنسا على موقعها الإلكتروني نصا مطولا بعنوان "استعادة الحقائق المشوهة، مشاهدات دبلوماسي صيني في باريس".

ويتهم النص الغربيين بتشويه صورة الصين على نحو غير عادل بعدما صنفت مرض كوفيد-19 بأنه "انفلونزا طفيفة" في بدايات تفشي الوباء، كما ينتقد الأميركيين بسبب إقالة قبطان حاملة طائرات أصيب قسم كبير من طاقمها بالفيروس.

ويتهم النص، من دون إعطاء أي دليل، الطواقم الطبية الفرنسية في دور رعاية المسنين بأنهم "تخلوا عن مهامهم بين ليلة وضحاها وتركوا المسنين يموتون من الجوع والمرض".

 

الحرب الكلامية بين الصين والبلدان الغربية لم تتوقف مند انتشار هذا الوباء، والعديد من المقالات بفرنسا والدول الغربية تنتقد تدبير الصين لهذا الوباء ومحاولة السلطات اخفائه في البداية، خاصة أن الوباء حسب تقرير الاستخبارات الأمريكية بدأ الحديث عنه في الصين مند شهر نوفمبر من سنة 2019 ومنعت سلطات بيكين أطبائها ومسئوليها الحديث عن هذا الوباء إلى العموم.

 

والصين بعد أن تحكمت في الأزمة الصحية ببلادها تعطي اليوم دروسا للغربيين في تدبيرهم لهذه الجائحة، سواء تدبير الحجر الصحي أو المراكز الخاصة بالمسنين التي عرفت عددا كبيرا من الوفيات، بسبب عدم إغلاقها على الزوار بسرعة.

 

ولم تخف فرنسا رفضها لهذا السلوك الصيني، واتهمت الصين باستعمال المساعدات التي تقدمها لبعض الدول بما فيها الأوروبية في الدعاية، خاصة أن هذه المساعدات هي رد على ما قدمته فرنسا وأوروبا إلى الصين في بداية هذه الأزمة من اقنعة ومعدات طبية، يقول المسؤولون الفرنسيون.

 

وبالنسبة لصحافة الفرنسي فإن سفير الصين بباريس، لي شاي، معروف أنه من الصقور، وكان سفيرا سابقا لبلده في كندا، وسبق أن قدمت له الخارجية الفرنسية ملاحظات حول تصريحاته الغير الملائمة فيما يخص شركة واواي، وتابع إصدار تعليقاته تحت اسم "ملاحظات ديبلوماسي صيني بباريس". ورغم ذلك فإن باريس تتجنب إغضاب السلطات الصينية لأن ذلك يمكن أن يؤثر سلبا على الجسر الجوي الذي أقامته فرنسا مع الصين من أجل سد العجز في الكمامات الواقية، فباريس تستورد ثلاثة أرباع حاجياتها في اليوم، من هذه الكمامات، رغم المجهود الكبير لصناعتها، فهي لا توفر إلا على ربع ما تستهلكه، وحاجياتها سوف تزداد بسبب إنهاء الحجر الصحي في 11 من ماي المقبل. لهذا فإن أي توثر كبير بين الطرفين سوف يكون له تأثير سلبي على  تزود فرنسا بحاجياتها. كما أن فرنسا في حاجة الى بكين من أجل تلبية نداء الرئيس الفرنسي حول التخفيفي من ديون الدول الإفريقية.

 

الصين لم تستعمل ورقة الكمامات والمعدات الطبية ضد الدول الغربية، لأن ذلك سيكسر الثقة، وسيزيد من ابتعاد الدول الغربية عنها وسيكسر دور الصين العالمي كورشة عالمية لتصنيع وتوفير حاجيات المستهلكين الغربيين بأقل تكلفة، وسيقوض مشروعها لطريق الحرير الذي تراهن عليه من أجل بسط نفوذها على أسيا والبحر المتوسط، وهو ما تقاومه فرنسا وألمانيا حتى الآن.

 

هذه الأزمة هي فرصة للمغرب وإفريقيا من أجل استرجاع الروابط القوية في السابق مع البلدان الأوروبية. والنسيج الصناعي المغربي قادر على توفير حاجة الغربيين من الكمامات والمعدات الطبية التي اعتادوا على طلبها من الصين.. واليوم هذه الأزمة، وهذا الخوف من الصين لدى هذه البلدان هو فرصة من أجل استرجاع عدد من الصناعات الى المغرب، مثل صناعة الدواء التي تحتكرها اليوم الصين وأسيا. الغربيون اكتشفوا اليوم خطأهم الاستراتيجي، وهو انتداب تصنيع كل حاجياتهم إلى الورشة الصينية وإلى بلد وحيد فقط لضعف تكلفته. والاعتماد عليه كمصدر وحيد لحاجياتهم وتعرض هو الآخر لشلل بسبب وباء كورنا.

 

المغرب اليوم مؤهل في العديد من القطاعات من أجل استرجاع بعض الصناعات الخفيفة التي احتكرتها الصين في السنوات الأخيرة، سواء في قطاع الملابس، قطاع الإلكترونيك، وقطاع الادوية وقطاع السيارات والطيران. بل ان بعض هذه القطاعات كانت تصنع في السابق  بالمغرب.

 

هذه الأزمة هي فرصة من أجل استرجاع العديد من القطاعات في شركائه وجيرانه التاريخيين بأوروبا. هذه الأزمة الصحية العالمية كانت درسا كبيرا لشركاء الغربيين الأوروبيين، وأهم هذه الدروس هي تنويع الشركاء والاعتماد على القرب، وهذه كلها معطيات لصالح المغرب ولصناعته.

 

هذا القرب وهذه العلاقة المغربية بأوروبا ليست جديدة، بل تعود إلى قرون وإلى عصر "القوافل التجارية" القادمة من إفريقيا عبر سيجلماسة، والتي جعلت من المغرب نقطة وصل استراتيجية بين إفريقيا وأوروبا. وإذا كان البعض يريد إحياء طريق الحرير، فإن المغرب هو الآخر يمكن أن يحيي طريق القوافل التجارية بين إفريقيا وأوروبا.

 

هذا الوباء العالمي أعطى للعالم والغربيين دروسا جديدة في العلاقات الجيو-استرتيجية، وهذه التوجهات الجديدة هي في صالح المغرب إذا عرف كيف يقطف تمارها من أجل تعزيز قدراته الصناعية ومكانته بأفريقيا وأوروبا.