الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل غاب التضامن بين الأوربيين في مواجهة وباء كورنا؟

يوسف لهلالي: هل غاب التضامن بين الأوربيين في مواجهة وباء كورنا؟ يوسف لهلالي
" بدون تضامن، وروابط بين الأوربيين، فان مبررات التواجد المشترك تسقط في الماء."؛ قال رئيس البرلمان الأوربي دافيد ساسولي، فبدون قيم التضامن يغيب الاتحاد الأوربي الذي بني بعد الحرب الكبرى لنشر قيم السلم والازدهار بدل قيم الحرب والدمار التي تسببت فيها أوربا وأدت إلى حربيين عالمتين، فقدت خلالها فرنسا وبريطانيا مكانة الريادة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة هبوط طائرات العديد من البلدان لتقديم المساعدة إلى إيطاليا التي تفشى بها الوباء بشكل خطير في غياب المساعدات الأوربية، هل غابت هذه المساعدات أم وسائل الإعلام لم تتحدث عنها؟
الجميع احتفظ بصور طائرات من الصين، روسيا، وكوبا وبعض الدول العربية بما فيها التي تعاني من التفشي الكبير للمرض وتنقصها الإمكانيات.
لكن لا صورة أو حديث عن المساعدات الأوربية، وكل ما احتفظ به العالم والإعلام هو صورة الخلافات الاوربية حول قيمة المساعدات أو الديون التي تقدمها المفوضية الأوربية للبلدان المتضررة من أعضائه والخلاف الكبير حول الديون الجديدة والشروط التي يجب ان تقدمها البلدان المثقلة بالديون من بين أعضائه وهي إيطاليا.
اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية الإيطالية على الخصوص استغلت هذه الأزمة السياسية وهذه المفاوضات الطويلة بين أعضاء الاتحاد، للهجوم على بروكسيل ولتنفي عن أوربا غياب قيم التضامن، بل إن بعض أعضاء هذا اليمين زايدوا وطالبوا بمغادرة إيطاليا للاتحاد ومؤسساته.
وقارنوا بين مساعدات بعض الدول التي لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولار والتي لا تفي لحاجات إيطاليا ليوم واحد وبين النقاش الأوربي حول الديون أوالسندات التي تمس مئات الملايير من اليورو.
وهي ديون ضخمة ومبالغها لها تأثير على مستقبل اقتصاد إيطاليا وباقي البلدان الاوربية.
ونجح اليمين المتطرف الإيطالي وحلفاءه بأوربا إلى إثارة الرأي العام بأوربا والعالم حول هذه المساعدات الهامشية وتسويق صورة سلبية عن بلدان الاتحاد.
في حين أن النقاش الأوربي هو حول ديون تبلغ مئات الملايير وليس طائرة من الكمامات الواقية والمعدات الطبية. طبعا ما احتفظ به العالم هو الخلافات الاوربية حول الديون ومبلغ المساعدات، وصراع الدول الاوربية نفسها من اجل الحصول على اكبر عدد من الكمامات لسكانها والمعدات الطبية، لتغيب قيم التضامن خاصة مع إيطاليا اكبر متضرر من هذا الوباء.
لنعد إلى متابعة هذه العلاقة بين مؤسسات الاتحاد وأعضائه، والحديث عن المساعدات التي تقدمها المفوضة الأوربية لكل بلد على حدى من أعضائه وكذلك الى بلدان الجوار الأوربي وباقي العالم.
وتعتبر أوربا من اكبر الداعمين للمغرب وقدمت دعما أوليا لصندوق جائحة كورونا وصل الى 150 مليون يورو.
بلدان الاتحاد الأوربي اعترفت بغياب أي تعاون في المجال الصحي، وهي احد نقط ضعف أوربا والتي أغفلت في مجال التعاون بين الأعضاء وهي وضعية يمكن أن تتغير بعد الأزمة.
فكل بلد من البلدان الأعضاء يحتفظ بسيادته المطلقة في مجال الصحة شريطة احترام مقتضيات الموازنة العامة.
لهذا فان التعاون في هذا المجال كان بشكل ثنائي، وفي هذا الاطار فتحت المانيا وفرنسا والليكسمبورغ والنمسا مستشفياتها لاستقبال العديد من المرضى الايطاليين بوباء كورونا، وهو امر تم بشكل ثنائي بين هذه البلدان وهي نفس المساعدة تلقتها فرنسا في مستشفيات جيرانها.
لكن ما احتفظ به المتتبعون للعلاقات الأوربية هو التنافس للحصول على الكمامات الواقية والأدوات الطبية وكذلك المفاوضات الطويلة الماراطونية لوزارء المالية الاوربيين حول المساعدات ودعم الاقتصادي الاوربي والتي تسببت في خلافات عميقة، ذكرت الجميع بخلافات 2010 حول الديون الأوربية وانقاد اليونان من الإفلاس. وهي مفاوضات كانت طويلة وعسيرة والتي فرقت بين الشمال الاوربي بزعامة المانيا والجنوب بزعامة فرنسا، ليتم إيجاد حل صعب مكن في الأخير من انقاد اليونان من الإفلاس ومن تعافي اقتصادها والاقتصاد الأوربي من جديد.
بعد ازمة كورنا طرحت نفس الخلافات بين الشمال والجنوب، خاصة أن ايطاليا المثقلة بالديون تعتبر الرجل المريض لأوربا، وإنقاذها من الإفلاس يتطلب مئات الملايير وتم الاتفاق على خطة إنقاذ ضخمة بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضررا جراء تفشي وباء فيروس كورونا المستجد. ولم يتم الاتفاق حول إصدار سندات. "كورونا بوند" لتشارك الديون بين دول الاتحاد لمجابهة الأزمة.
 
وحصل تراضي على استعمال أموال صندوق خطة إنقاذ لمنطقة اليورو بقيمة 500 مليارات يورو. وذلك من خلال استعمال آلية الاستقرار المالي الأوروبية والتي تم وضعها في عام 2012 خلال أزمة الديون في منطقة اليورو، بهدف مساعدة الدول التي تفقد القدرة على الاقتراض من الأسواق العالمية. خاصة ايطاليا التي كانت لها مشاكل اقتصادية بسبب ارتفاع ديونها وهو الوضع الذي تفاقم مع انتشار جائحة كورونا التي تسببت في عدد كبير من الضحايا بايطاليا كما كان لها وقع جد سيئ على الاقتصاد الايطالي..

وتبدو الاستجابة الموحدة للأزمة ضرورية أكثر من أي وقت مضى للاقتصاد الأوروبي الذي يتجه في 2020 نحو ركود عميق. ويعتبر صندوق النقد الدولي أن أزمة فيروس كورونا قد تؤدي على المستوى العالمي إلى "نتائج اقتصادية أسوأ من نتائج الكساد الكبير" في عام 1929

 
وهذا الخلاف التقني حول عمليات التمويل والقروض بين الاعضاء الأوربيون، استغله المتطرفون والمحافظون من أجل شن حملة قوية في ايطاليا والعالم حول جدوى أوربا وجدوى الاتحاد. وهي الحملة التي لقت صدى عالمي، خاصة من طرف القوى التي يزعجها الاتحاد الاوربي وينافسها.
الاتحاد الاوربي يضمن كذلك ازيد من 20 مليار يورو لمساعدة شركائه عبر العالم في مكافحة فيروس كورونا، وفي هذا الاطار قالت رئيسة المفوضية الاوربية فون دير لا ين فإن هذا الفيروس "الذي كان لانتشاره السريع وقع عميق على النظم الصحية والمجتمعات والاقتصاديات في جميع أنحاء العالم"، لا يمكن التغلب عليه إلا "من خلال الوحدة ومساعدة بعضنا البعض."
وتستفد إفريقيا من هذا الدعم الأوربي الذي وصل إلى مليار ونصف. المغرب يعتبر من البلدان الاكثر استفادة من هذا الدعم أيضا، فقد حصل صندوق مواجهة جائحة كورونا على 150 مليون يور، وفي اتفاق بين الجانبين سوف توجه 300 مليون المتبقية للمغرب نحو مجهود مواجهة مخلفات وباء كورنا.
الاتحاد الاوربي تعرض لانتقادات كثيرة ولكن دائما من نفس الأطراف كما أنه رغم المساعدات المهمة التي يقدمها لشركائه وبلدان الجوار، فانه لا يرافق ذلك بالدعاية الإعلامية الكبيرة ولا يستغل المساعدات الإنسانية أو الاقتصادية للقيام بذلك، كما فعلت قوى ودول اخرى التي قامت بتوزيع الآلاف الكمامات الواقية وبعض المعدات الصحية والتي لا تبلغ قيمتها حتى مليون يورو، وما صرفته من ميزانية عليها من أجل الدعاية الإعلامية كان أكبر أحيانا من المساعدات المقدمة.