الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

د. الطيب حمضي: سيناريوهات الأيام المقبلة ومتطلبات رفع الحجر الصحي الآمن: 10 إجراءات ضرورية

د. الطيب حمضي: سيناريوهات الأيام المقبلة ومتطلبات رفع الحجر الصحي الآمن: 10 إجراءات ضرورية د. الطيب حمضي

يوما بعد يوم، ومع ظهور دراسات جديدة ومعطيات جديدة وتقييمات جديدة لتجارب الدول في مواجهة وباء كورونا المستجد، سواء بالنجاح او بالفشل، يتشكل راي عام عالمي بين الخبراء والمختصين والممارسين، حول أنجع السبل والسيناريوهات لوقف هذا الوباء وانتشار الفيروس المستجد، وسيناريوهات ومتطلبات رفع الحجر الصحي.

 

على ضوء هذه المعطيات والتجارب ومقترحات الخبراء، وكذا على ضوء تطور الحالة الوبائية بالمغرب، يمكن أن نتصور ونقترح بشكل مختصر ما يستوجب ان تقدم عليه بلادنا. ولإعطاء التوضيحات حول أسس هده المقترحات أرفقنا بهدا المقال  معطيات وتحليلات اكثر تفصيلا .

 

- بداية، هدا الأسبوع تم توسيع شبكة المختبرات المرخص لها بالمغرب بإجراء التحاليل من 3 مختبرات بالرباط والبيضاء فقط ال 6 مراكز جامعية جديدة متفرقة في المغرب شملت جهات جديدة: فاس، أكادير، مراكش، وجدة ..

-  هذا التوسع الجغرافي رافقه رفع عدد التحاليل اليومية التي تجريها السلطات الصحية بشكل حصري بالمختبرات المعتمدة، إذ وصل ل 500 في اليوم وسيرتفع أكثر، علما أن عدد التحاليل التي أجريت مند ظهور الفيروس الى اليوم لم يتعد عشرة آلاف تحليل.

- من المؤكد أن هذا الرفع سيؤدي إلى ارتفاع الحالات المسجلة يوميا، ليس بالضرورة بسبب ارتفاع حدة الوباء، ولكن بفضل اكتشاف الحالات التي لم يكن بالوسع اكتشافها من قبل: كلما أجرينا تحاليل كثيرة كلما اكتشفنا عددا أكبر من الإصابات. هذا التوسع سيمكننا من معرفة بشكل أكثر دقة درجة انتشار الفيروس وخريطته الحقيقية ببلادنا.

 

إذا تأكد في الأيام القليلة المقبلة التوجه العام لتطور الوباء في بلادنا نحو الاستقرار ثم الانخفاض،  وانخفاض جلي للعامل R0 (معامل انتشار الفيروس، أنظر المعطيات الداعمة) فإننا سنكون أمام إجراءات من الضروري أن تتخذها بلادنا بكل قوة واستباقية وروح تضامنية، لتهيئ رفع الحجر الصحي الآمن، على شاكلة ما سبق من إجراءات جريئة وشجاعة، علما أن احتمال موجة ثانية يبقى دائما قائما إلى حين تمنيع ثلثي المجتمع عن طريق اللقاح يوم توفره أو تمنيع طبيعي بالإصابة بالفيروس والشفاء منه:

 

1- تمديد حالة الحجر الصحي إجراء لا بد منه للتأكد من التوجه نحو الاستقرار ثم انخفاض الحالات المسجلة، وخصوصا انخفاض عدد الوفيات والحالات الصعبة بأقسام الإنعاش. تمديد الحجر الصحي لثلاث أو أربع أسابيع على الأقل، والإعلان عن ذلك من الآن، مع الإعلان عن الاحتفاظ بأسبوع أو أسبوعيين احتياطيين إضافيين بعد دلك، وهما المصادفان للنصف الثاني من شهر رمضان -حيث تصادف عادة هذه الفترة تباطؤ الحركية الإنتاجية- للشروع، إن أمكن، في الرفع التدريجي للحجر الصحي بشكل حذر وتجريبي، حسب ما يستجد من معطيات، وحسب ما يتوفر من إمكانيات الكشف والتتبع. علما أن رفع الحجر الصحي لن يكون بين ليلة وضحاها بالنسبة للمغرب بكامله وبالنسبة لكل الفئات الاجتماعية او العمرية...

 

2- توسيع شبكة المختبرات المرخصة لإجراء التحاليل للكشف عن الإصابات لتشمل كامل جهات المملكة، والرفع من عددها بأضعاف أضعاف ما هي عليه اليوم. هده ضرورة لا محيد عنها لإنجاح محاصرة الوباء ورفع الحجر الصحي بشكل آمن.

 

3- تعميم العزل الصحي لكل المصابين واستفادتهم من العلاج المبكر بغض النظر عن درجة الخطورة لتجنب  الحالات المستعصية من جهة، وكسر سلسلة العدوى من جهة أخرى. وهم ما شرعت فيه فعلا بلادنا ومستشفياتنا.

 

4- تعميم العزل الصحي على كل الحالات المخالطة والمشتبه بها داخل المؤسسات الغير الاستشفائية، كالفنادق الفارغة أصلا، عوض العزل داخل منازل المصابين، والتي تبين في تجارب دول أخرى مساهمتها في تفشي الفيروس عوض وقفه، حين يتعلق العزل بمنازل صغيرة المساحة أو داخل أسر متعددة الافراد أو مستوى اقتصادي واجتماعي هش.

 

5- اعتماد نظام التتبع الإلكتروني للحالات المؤكدة والمشتبه بها والحالات المخالطة، وتتبعهم إلكترونيا عن طريق تطبيقات في الهاتف المحمول تسمح بإخطار كل المخالطين بضرورة الفحص، وتتبع مسارات المصابين، وأخذ صورة حقيقية عن خريطة تفشي الفيروس، ناهيك عن عقلنة وترشيد استعمال فحوصات الكشف عن الحالات المحتملة كأولوية قصوى.

 

6- توفير وسائل الحماية لكل مهنيي الصحة في جميع القطاعات لتثبيتهم في أماكن عملهم وضمان حمايتهم، مما يجنب ضياع طاقات بشرية في العزل أو المرض، مع التوفير الواسع لعدة الكشف عن اصابتهم من خلوها.

 

7- توفير الكمامات بالكميات الكافية لكافة المواطنين مع محلول المطهرات الكحولية وبأثمنة في المتناول خلال ما تبقى من فترة الحجز وما سيليها من أسابيع عدة تستمر خلالها إجراءات الوقاية: الكمامات، غسل اليدين بالماء والصابون أو المطهرات الكحولية، التباعد الاجتماعي في الشارع وفي أماكن العمل... مع توفير مخزون استراتيجي كبير وكبير جدا من الكمامات، حيث سيكون كل المغاربة مطالبين باستعمالها في الشارع وأماكن العمل لعدة أسابيع بعد رفع الحجر، وليس فقط بعض المغاربة الذين يخرجون اليوم للشارع والباقي داخل المنازل.

 

8- اعتماد النوع الاخر من تحاليل الدم، Recherche des anticorps/Immunité  ليس بحثا عن المصابين، بل هذه المرة لتحديد الأشخاص الذين تعافوا وحصلوا على المناعة، لمعرفة وتتبع درجة المناعة داخل المجتمع، والسماح لهؤلاء المعافين الممنعين personnes immunisées باستئناف أعمالهم وتحركاتهم بكل حرية مهما كان تطور الوباء، والاعتماد عليهم بجانب الأشخاص الأقل تعرضا للحالات الخطرة من أجل إعادة انطلاق الحركة الاقتصادية ودورة الإنتاج.

 

9- الرفع التدريجي للحجر الصحي حسب المعطيات الوبائية وتوفر أجهزة الانعاش والمشافي لاستقبال الحالات الحرجة، مع استمرار حمل الكمامات والتباعد الاجتماعي لأسابيع عدة أخرى، وتهيئ المواطنين لهده الإجراءات، ومنها عطلة صيفية حدرة وبدون تجمعات وتنقلات كبيرة.

 

10- متابعة تطور مستجدات العلاج وتوفيرها بشكل مبكر للحد من الوفيات والحالات الخطرة، وكذا لكسر سلسلة تفشي الوباء، ومتابعة إمكانية العلاجات الوقائية لصالح المهنيين وكل ما يستجد فيها لوقف تفشي الوباء، مع التتبع المستمر والاستعداد للتزود بالكميات المطلوبة من اللقاحات عند توفرها...

 

المعطيات الإضافية

اليوم هناك اتفاق عام على أن الخروج من الحجر الصحي لن يكون عملية بسيطة، إذا ما أردنا تجنب تفشي المرض أو الوقوع ضحية موجة ثانية ولربما ثالثة أو أكثر للوباء.

لذا سأتقاسم معكم بعض المعطيات والمقترحات والأفكار حول الموضوع.

- هناك قناعة اليوم بأن مواجهة الوباء بنجاح يتطلب عدة إجراءات أهمها: 1 الحجر الصحي، 2 إجراء اكبر عدد ممكن من التحاليل للكشف عن المرضTests de dépistage ، 3 عزل المرضى والمشكوك فيهم،  4 استعمال الكمامات على نطاق واسع، 5 غسل اليدين بالماء والصبون أو بالمطهرات الكحولية و6 التباعد الاجتماعي.

- هل كان الحجر الصحي ضروريا؟ لمواجهة الوباء وإخماده تؤكد الدراسات أن الفيروسات تستمر في الانتشار إلى أن تصل إلى حدود 60 أو 70% من الناس الذين يحصلون على مناعة ضد الفيروس، وهنا تضمحل فرص الفيروس في الانتشار بفعل سلسلة الحماية التي يشكلها الممنعون personnes immunisées   الـ 60 في المائة في وجه الفيروس. وللحصول على المناعة هناك وسيلتان: إما أن يصاب الشخص بالمرض ويتعافى منه أو يستفيد من تلقيح ضد الفيروس. بما أننا في حالة كورونا المستجد ليس بين أيدينا لقاح ولن يكون متوفرا قبل منتصف 2021، فإن الوسيلة الوحيدة لتشكيل مناعة جماعية أي 60% هي إصابة كل هدا العدد بالفيروس.

- إذا استحضرنا أن نسبة الإصابة بهذا الفيروس في غياب أي وقاية قد تصل إلى 70% حسب المعطيات العلمية (عدد الإصابات يمكن احتسابه إجمالا وبطريقة جد تقريبية فقط بقسمة واحد على العامل R0 أي 1/R0  وهدا العامل يساوي ثلاثة بالنسبة لكورونا المستجد، (انظر تحت)..

- إذا استحضرنا أن نسبة الوفيات بسبب الفيروس الحالي هي 2% (والحقيقة أنه غالبا ما سيكون أقل من ذلك إن أحصينا كل المصابين سواء الذين اكتشف عندهم المرض أو لم يكتشف بسبب نقص الكشوفات، علما أن هذه النسبة تجعل كوفيد مرضا قاتلا عشر مرات أكثر من الأنفلونزا الموسمية حسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية)، فإننا سنكون في أقل السيناريوهات تشاؤما -في غياب وسائل الوقاية والحجر الصحي-  أمام أكثر من عشرات الالاف من الموتى في بلد كالمغرب مثلا.

- في المغرب لحد الساعة التحاليل التي أجريت قليلة جدا، لا تتعدى العشرة آلاف من اليوم الأول ولحدود الساعة، وكانت موجهة بشكل محدود جدا لترشيد المخزون. هذا الأسبوع تم توسيع شبكة المختبرات التي مرخص لها بإجراء التحاليل من 3 مختبرات بالرباط والبيضاء الـ 6 مراكز جامعية متفرقة في المغرب شملت جهات جديدة: فاس، أكادير، مراكش، وجدة..

- يلخص الخبير الأمريكي هيرفي فاينبرغ  في افتتاحية نشرتها المجلة الطبية الشهيرة المرجع العالمي في ميدان الطب The New England Journal of Medicine NEJM  الوصفة الناجحة برأيه للقضاء على الوباء في 10 أسابيع بالنسبة لبلاده الولايات المتحدة الامريكية في 6 إجراءات: 1- قيادة واحدة للازمة الصحية (في المغرب هناك الاشراف والتتبع الملكي المباشر للموضوع)؛ 2 - توسيع الكشوفات لكل الدين تظهر عليهم الاعراض مهما كانت؛ 3- توفير وسائل الحماية لكل مهنيي الصحة والمتدخلين؛ 4- فرز المواطنين الى فئات حسب وضعها بالنسبة للمرض كوفيد؛ 5- المشاركة الفعالة للجمهور؛ 6- البحث العلمي (اللقاح، الأدوية المعالجة، الأدوية الوقائية، في المغرب هناك ابتكار أجهزة طبية للإنعاش).

- توزيع الناس إلى 5 فئات: 1- الممنعون personnes immunisées (أشخاص أصيبوا بالمرض وتشافوا منه)؛ 2 - المرضى المصابون وهم ينشرون الفيروس؛ 3- المشتبه فيهم جدا بسبب العلامات رغم تحاليلهم السلبية؛ 4- الأشخاص المعرضون Personnes exposées  5- الأشخاص الغير معرضين، والهدف هو:

-  عزل المرضى المصابين وكذا المشتبه بهم كثيرا وعلاج الحالات المعقدة داخل المستشفيات، بينما الحالات المتوسطة والبسيطة داخل مراكز أخرى كالفنادق الفارغة، وعزل الفئات المعرضة داخل مؤسسات غير استشفائية كالفنادق إذا صعب عزلها في منازلهم لصغر المساحة أو وجود أفراد آخرين كثيرين. (هذه استراتيجية أصبح عليها شبه إجماع من آسيا لأروبا وامريكا). والهدف الآخر هو السماح للناس الدين تكونت لهم مناعة من الخروج والعمل بشكل عادي.

 

للخروج من الحجر الصحي هناك متطلبات أساسية:

- التأكد من خفوت انتشار الفيروس من خلال انحدار عدد الحالات المؤكدة يوميا، وخصوصا نقص الوفيات والحالات المعقدة داخل اقسام الإنعاش التي هي الأرقام المؤكدة عن تفشي المرض.

- يجب ان يصبح عامل  R0 أقل من واحد أو تقريبا. عامل  R0 هو عامل انتشار الفيروس أي كم عدد من الناس يمكن ان ينقل لهم مريض العدوى. بالنسبة لكورونا المستجد هدا العامل هو 3، أي كل مصاب له قدرة على نقل الفيروس الى ثلاث اشخاص في المعدل. مقارنة مع واحد ونصف للأنفلونزا الموسمية مثلا. هدا العامل يتم خفضه بالحجر الصحي والإجراءات الوقائية الأخرى.

- توفر وسائل الحماية للمهنيين ولعموم المواطنين ومعالجة المرضى للحد من الحالات الخطيرة والوفيات وتخفيف الضغط على المستشفيات وكذا نقص قدرة المرضى على تفشي الفيروس.

- استرجاع المستشفيات القدرة على التحمل.

- إجراء التحاليل على أوسع نطاق.

- القدرة على عزل المرضى والمشتبه فيهم داخل المستشفيات والمؤسسات المشابهة وليس بالمنازل حيث ينشرون العدوى أكثر.

 

ما هي السيناريوهات العامة واستراتيجيات الخروج من الحجر الصحي  Déconfinement؟

- استراتيجية: تعتمد وقف الحجر الصحي كل ما تباطء انتشار الفيروس لاستعادة الحياة الاجتماعية والدورة الاقتصادية، ثم الدخول في حجر جديد عند ظهور بوادر موجة ثانية، ثم ثالثة... إلى أن يحصل المجتمع على 60 في المائة من المناعة أو ما يسمى بالمناعة الجماعية أو مناعة القطيع، بواسطة المرض والشفاء منه، مع حماية الأشخاص الأكثر عرضة للخطورة، او الى حين توفر تلقيح والحصول عليه لتمنيع المجتمع. هذه استراتيجية كانت الولايات المتحدة وبريطانيا يتبعانها ثم تراجعا بفعل خطورة الضغط على المستشفيات والوفيات.

- استراتيجية الحجر الصحي الجهوي: رفع الحجر الصحي عن الجهات التي انخفض فيها تفشي الفيروس وقل الضغط على مستشفياتها وأطبائها، والإبقاء عليه في الجهات التي مازالت تحت ضغط المرض، مع إمكانية نقل المعدات والاطر الطبية بين الجهات.

- استراتيجية العزل الموجه Confinement ciblé: ويروم من جهة وضع كل المرضى تحت الحجر الصحي لمنع تفشي المرض، وكذا كل الناس الدين ينتمون للفئات الهشة لحمايتهم من اخطار الإصابات المعقدة التي تتهددهم بشكل أكبر، والسماح من جهة أخرى بخروج الناس التي تم تمنيعها بسبب أو بفضل  المرض، وكذا الفئات التي لا يشكل عليها المرض خطرا كبيرا (؟؟) إلى حين الحصول على المناعة الجماعية أو مناعة القطيع أو الحصول على التلقيح.

- استراتيجية الكشف الواسع عن المرض (بالملايين) وتتبع المخالطين والعزل (استراتيجية كوريا الجنوبية): الكشف الواسع يسمح بعزل المصابين لوقف العدوى، وعزل الفئات الهشة لحمايتها والسماح للممنعين والفئات الأقل عرضة باستئناف دورة الإنتاج والعمل.

- أربع أعمدة: الكشف الموسع، عزل المصابين، تتبع المخالطين الكترونيا والحفاظ على التدابير الوقائية لأطول فترة ممكنة حتى بعد رفع الحجر الصحي.