الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

البدالي : دروس "كورونا "من قبل ومن بعد

البدالي : دروس "كورونا "من قبل ومن بعد البدالي صافي
أقدمت السلطات المغربية على مجموعة من الخطوات العملية والعلمية منأجل حماية المواطنين والمواطنات من فيروس كورونا، الذي فاجأ العالم بانتشاره السريع وغير المسبوق، وبخطورته على البشرية .
إذ أصاب أغلب الدول حتى المتقدمة منها، مخلفا آلاف الضحايا كل يوم.
إن الخطوات التي اتخذتها السلطات المغربية من خلال تجنيد كل الإمكانيات البشرية من سلطات محلية وإقليمية ومن رؤساء مصالح خارجية وأطر طبية وممرضين ومن رجال القوات المسلحة الملكية ورجال الأمن والوقاية المدنية والقوات المساعدة وأيضا إغلاق المدارس والجامعات ومدارس التكوين والمعاهد على أساس متابعة الدروس عن يغد باعتماد تقنيات الاتصال الحديثة التي اعتمدتها الأطر التعليمية في جميع الأسلاك لضمان استمرار الدراسة بالمنازل تفاديا للتجمعات التلاميذية والطلابية التي تساعد على انتشار الفيروس بسرعة، وكذلك إغلاق المساجد والمعاهد الدينية إلى حين، وإحداث صندوق للتضامن الاجتماعي لمواجهة الكارثة التي ليست لها حدود .
هذا الصندوق الذي ساهمت فيه عدة جهات بمساهمة تعد بالمليارات. ودعوة الشعب إلى الانخراط الفعلي في البرنامج الوقائي الذي يتطلب عدم الاختلاط أو التجمعات بل المكوث في المنازل واعتماد صيغة حالة الطوارئ الصحية ، كلها إجراءات من أجل إنقاذ أرواح المواطن والمواطنات لا يمكن إلا تقديرها حق قدرها . لكن يبقى السؤال المطروح هو :
ماذا قبل فيروس كورونا و ماذا بعده ؟
إن الانتصار على فيروس كرونا سيتحقق حتما بفعل الاستجابة العامة والفعلية للمواطنين والمواطنات والمنظمات السياسية والنقابية والحقوقية للقرارات التي اتخذتها السلطات الحكومية والالتزام بالتوجيهات الطبية وبنصائح العلماء والباحثين والمختصين في التواصل الاجتماعي وغيرهم ,إننا الآن أمام وضعية اجتماعية وسياسية واقتصادية فرضها علينا فيروس كورونا ، وضعية تتطلب الوقوف عندها إنها وضعية نشأت عنها علاقة متكافئة بين الدولة و المجتمع، لأنها نتجت عن مبادلة داخلية متكافئة ومتعدية ، متكافئة لأن المجتمع استجاب لقرارات الدولة والدولة وفرت شروط تنفيذ هذه القرارات على مستوى الأمن الاجتماعي والغذائي، وهي متعدية لأنها امتدت إلى كل شرائح المجتمع. هذه العلاقة التي تأسست لمواجهة خطر هذا الفيروس.
ولم تكن هذه هي الأولى في تاريخ المغرب، بل كانت هناك مثيلاتها قبل وبعد الاستقلال يظل الشعب وفيا بعهده ألذي عاهده، لكن الدولة تنقض ذلك العهد حتى انعدمت الثقة بين الشعب والدولة ونستحضر بالمناسبة استجابة الشعب المغربي للمساهمة في بناء سد واد "زيز" في بداية الستينات من القرن الماضي، حيث بتحمل المواطن زيادة في سعر مادة السكر على أن يتم إلغاءها بعد إتمام عملية بناء السد . استجاب الشعب ولم تستجب الدولة.
ونفس الشيء بالنسبة للمساهمة من أجل تنمية الأقاليم الصحراوية المسترجعة. لكن كلما استجاب الشعب لنداء الدولة لبناء علاقة ثقة والمضي نحو بناء دولة حديثة إلا وتأتي بعض الجهات لتكسيرها خوفا من الالتفاف الشعبي حولها.
هذه العلاقة التي ما هي إلا إحدى قواعد البناء الديمقراطي ، فالذين خرجوا، مؤخرا، في مظاهرات ليلا في بعض المدن في خرق سافر لميثاق وطني/مجتمعي لمواجهة العدو، إنما هم من صنع النظام السياسي نفسه الذي فتح لهم الباب ليبثوا في صفوف المجتمع المغربي الجهل والأمية الدينية والضلالة و يحاربوا اليسار وكل حركة مطالبة بالديمقراطية و العدالة الاجتماعية، حتى لا يتحقق المطلب الشعبي واليسار وكل القوى الديمقراطية الرامي إلى بناء الدولة الحديثة قوامها الديمقراطية الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والتوزيع العادل للثروات وفصل حقيقي للسلط وفصل الدين عن السياسة وقضاء كفء ومستقل . هم الآن يخرجون عن الطوع لأنهم أحسوا بخطورة الوعي الشعبي عليهم، ذلك الوعي المبني على الحقائق والقناعات العلمية والفكرية السليمة تاركا وراءه الفكر الخرافي /الظلامي والتكفيري/ المرتد..هؤلاء الذين لم تجد أصواتهم سبيلا لأولي الألباب من الشعب المغربي حينما أفتوا في الدولة لإثارة الفتنة عند إغلاقها المساجد، وما إغلاقها إلا حماية وخوفا على المواطن والمواطنة من الهلاك انطلاقا من حقائق علمية ومن النتائج التي توصل إليها علماؤنا في الطب وفي البحوث البيولوجية. هؤلاء لم تجد أبواقهم سبيلا لصفوف الشعب حينما أفتوا بان هذا الفيروس هو " جند من الله على الكفار " لتضليل الشعب المغربي الذي يعرف بان طهوره في الصين "الكافرة" بحسبهم، قد تغلبت عليه بفضل العلم و الثقة بين الشعب و الدولة، هل انتصرت الصين على جند الله ؟
لقد كفر هؤلاء بقولهم هذا و نسوا أن التاريخ كشاف وأن ركوب الوهم ضلالة وأن الدين لله وليس لأحد وأن كل بني أدم خليفة الله في أرضه كما جاء في القرءان الكريم "، وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " (سورة البقرة ).
إن هؤلاء يخافون من العلم و من الوعي به والاقتناع به، يخافون من بناء الدولة العلمانية لأنها تحمي الديانات كلها ولا تمنعها ولأنها تحمي الحقوق في شموليتها. ولأنها كذلك تحقق العدالة الاجتماعية، بتصرفهم هذا يكونون قد انقلبوا على الدولة كما ينقلب الذئب على من كسبه ظنا منه أنه يساعده على رعاية غنمه لكنه عاد لأصله ليفتك بصاحبه وبغنمه.
إننا سننتصر والدولة في إطار تلك العلاقة المتكافئة على فيروس كورونا، فهل ستعمل الدولة على تطوير هذه العلاقة في إطار الثقة المتبادلة بينها وبين الشعب بالسعي إلى بناء الدولة الحديثة قوامها الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية وسيادة المساواة في الحقوق والواجبات ؟
هل الدولة ستتخذ هذا الفيروس كعبرة للمصالحة مع الشعب ومع التاريخ ومحاربة الفساد والمفسدين والرشوة واقتصاد الريع وربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ أم ستعود حليمة لعادتها القديمة ؟
 
البدالي صافي، الدين فاعل حقوقي وسياسي