الخميس 28 مارس 2024
خارج الحدود

يوسف لهلالي: الرئيس الفرنسي أمام تحدي احتجاجات "السترات الصفراء"

يوسف لهلالي: الرئيس الفرنسي أمام تحدي احتجاجات "السترات الصفراء" يوسف لهلالي مع جانب من احتجاجات "السترات الصفراء"

تشهد فرنسا مند السبت الماضي احتجاجات فريدة من نوعها. فبعد الاحتجاجات التي شهدتها السنة الماضية ضد تغيير قانون الشغل وإصلاح قطاع السكك الحديدة، والتي قادتها النقابات، فإن الحكومة الفرنسية اليوم تجد نفسها أمام احتجاجات انطلقت عبر الشبكات الاجتماعية، وليست لها زعامات، ودور الأحزاب فيها هو شبه منعدم، عدا بعض المبادرات الشخصية لبعض المنخرطين في الأحزاب والنقابات؛ لكن الأغلبية الساحقة لهؤلاء الغاضبين من الحكومة هم من غير المسيسين والغير المنقبين بفرنسا.. هذه الاحتجاجات وصلت دروتها يوم السبت 19 نوفمبر 2018 بمشاركة حول 300 ألف شخص في مختلف التراب الفرنسي، وخلفت قتيلين و528 جريح، واستمرت حتى كتابة هذه السطور، رغم أن عدد المحتجين تراجع؛ لكن بدا الاحتجاج يتركز حول خزانات الوقود وبعض المقاطع الطرقية المهمة أو محطات الأداء بالطرق السيارة حول المدن.

هي حركة تعتبر تصاعد الضرائب حول الوقود، خاصة "الديزيل"، هو ظلم وحيف، خاصة أن الحكومات السابقة شجعت هذا الوقود، وشجعت شراء السيارات والآليات التي تستعمله، وهو ما يجعل عددا كبيرا من الفرنسيين يعتمدون على هذا الوقود في تنقلهم وفي عملهم، خاصة في ضواحي المدن والقرى التي لا تتوفر على النقل العمومي. لهذا تركزت الاحتجاجات حول ارتفاع الضرائب وتراجع القدرة الشرائية بصفة عامة.

هذه الحركة التي تقودها "السترات الصفراء"، أصبحت تخيف الحكومة الفرنسية، خاصة أن جزءا كبيرا منها يريد احتجاجات متواصلة وبدون انقطاع.. الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون، الذي يوجد في زيارة رسمية إلى بلجيكا، علق على ذلك، في ندوة صحفية، إلى "الحوار والنقاش البناء، لإنهاء احتجاجات "السترات الصفراء"، وإيجاد الحلول الميدانية.. وطالب أعضاء حكومته شرح الإجراءات الضريبية التي يتم تطبيقها". وأضاف أن الانتقال البيئي يفترض تغيير العادات. "وهذا ليس سهلا على الاطلاق."

رئيس الحكومة من جهته عبر هو الآخر عن تفهمه للغضب والمعانات التي يعيشها بعض الفرنسيين. وتسببت هذه الاحتجاجات بفوضى في العديد من المناطق وبمدن عديدة سواء حول باريس أو بوردو؛ وهذه الاحتجاجات لم تسلم منها حتى الجزر الفرنسية، مثل جزيرة لارينيون في المحيط الهادئ، والتي فرض فيها حضر التجول في أجزاء كبيرة منها. كما أن بعض أعمال التخريب مست بعض هذه التظاهرات، كما تخللتها اصطدامات مع الشرطة أدت للعديد من الجرحى بعضها خطير.

وإذا كان الرئيس الفرنسي ورئيس الحكمة يدعوان للحوار وتفهم الغضب الذي عبرت عليه هذه التظاهرات دون التراجع عن  القرارات المتخذة، وهي ارتفاع الضرائب  على الوقود، فإن وزير الداخلية كريستوف كاستنير كان خطابه شديد اللهجة مع متظاهري السترات الصفراء، حيث صرح للقناة الثانية أنه بعد انطلاق التظاهرات بشكل هادئ يوم السبت هناك نزعة "نحو التطرف" وبسقوط  "عدد كبير من الجرحى".

هذه الحركة الاحتجاجية، والتي تعتبر سابقة لم تشهدها فرنسا من قبل، حيث خرجت شبكات التواصل الاجتماعي، تريد الاستمرار في الاحتجاج حتى تراجعت الحكومة على الضرائب وعلى الوقود الذي يستعمل في السيارات ولتسخين المنازل.

الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون مازال متشبثا بموقفه، وهو رفع الضرائب على الطاقات الأحفورية من جهة، وطرح مساعدات على دوي الدخل المحدود ومساعدتهم في شراء سيارات أقل تلويثا للبيئة؛ وتقديم تعويضات للذين يقطعون مسافات طويلة عبر السيارة من أجل العمل ودعم الذين يستخدمون الوقود لتدفئة.

اليوم لا أحد يعرف المسار الذي سوف تأخذه هذه الاحتجاجات التي  ليس لها قيادة، والتي بدأت تتوسع مطالبها من الحد من الضرائب على الوقود إلى الدفاع عن القدرات الشرائية للفرنسيين، والتي تعرف تضارب في الاستراتيجيات بين مجموعات تريد التركيز على وضع حواجز حول خزانات الوقود، وبين مجموعات تريد وقف حركات السير في الطرقات السيارة وفي  شبكات الطرق حول المدن. ورغم التراجع الذي عرفه عدد المشاركين في عدد هذه التظاهرات أيام  الاثنين، الثلاثاء والأربعاء، فإن مجموعات أخرى دعت إلى تنظيم تظاهرة كبرى بباريس، وأطلقت على نفسها "الجزء الثاني، كل فرنسا بباريس"، بمعنى الزحف في اتجاه العاصمة الفرنسية من أجل إسماع صوت هذه الفئات التي تحس بالظلم والتهميش في القرارات التي تتخذ لعاصمة دون أخذها بعين الاعتبار.

الرئيس الفرنسي إيمانييل ماكرون يجد نفسه أمام تحد حقيقي في أفق الانتخابات الأوروبية المقبلة، وهو عدم التراجع أمام ضغط السترات الصفراء، وهو ما يعرضه لغضب الشارع أو التراجع أمام الضغط الشارع التخلي عن الإصلاحات المقبلة التي وعد بها أثناء الانتخابات الرئاسية..

لقد نجح الرئيس الفرنسي في تحدي النقابات وإقرار تعديلات على  قانون الشغل وقطاع السكك الحديدية. فهل ينجح هذه المرة أمام حركة احتجاجية، فريدة من نوعها تشكلت في الشبكات الاجتماعية، ولا تتوفر على قيادة يمكن لسلطات العمومية الحوار معها؛ والآن قررت الزحف نحو باريس العاصمة من أجل احتلالها وإسماع صوتها.