الجمعة 26 ديسمبر 2025
اقتصاد

الذكاء الاصطناعي بين السيادة والعدالة الاجتماعية.. نزار بركة يحذر من قطيعة بلا بوصلة إنسانية

الذكاء الاصطناعي بين السيادة والعدالة الاجتماعية.. نزار بركة يحذر من قطيعة بلا بوصلة إنسانية الأمين العام لحزب الاستقلال ، نزار بركة، خلال مشاركته في الجلسة

شارك الأمين العام لحزب الاستقلال،  نزار بركة، بمدينة الدار البيضاء، في جلسة نقاشية فكرية رفيعة المستوى حول موضوع «الذكاء الاصطناعي: تحول واسع النطاق وقطيعة حضارية»، نظّمتها رابطة المهندسين الاستقلاليين بشراكة مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، في سياق عالمي يتجاوز فيه الذكاء الاصطناعي حدود الابتكار التقني ليغدو فاعلًا مركزيًا في إعادة تشكيل الدولة والمجتمع والاقتصاد.

 

في مداخلته، قدّم نزار بركة قراءة سياسية وحضارية عميقة لهذا التحول، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد تكنولوجيا مستقبلية، بل واقعًا يوميًا يترك أثره المباشر على السياسات العمومية، وأنماط اتخاذ القرار، وعلاقة المواطن بالمؤسسات. إنها، بحسب تعبيره، ثورة صامتة تعيد صياغة سوق الشغل، وتوازنات الاقتصاد، بل وحتى منظومة القيم.

 

غير أن هذه الثورة، على ما تحمله من وعود، تطرح إشكاليات كبرى، في مقدمتها إشكالية التشغيل. فقد حذر الأمين العام من التحولات الجذرية التي تطال عدداً من المهن، واختفاء أخرى، مقابل بروز وظائف جديدة تتطلب مهارات غير مسبوقة. والسؤال الجوهري، في نظره، لا يتعلق فقط بعدد فرص الشغل التي قد يخلقها الذكاء الاصطناعي، بل بقدرة المجتمع على مواكبة هذا التحول دون تعميق الفوارق الاجتماعية والمجالية.

 

ومن هذا المنطلق، أثار نزار بركة تساؤلات حاسمة حول العدالة في الانتقال الرقمي: من يتحكم في الابتكار والقيمة المضافة؟ ومن يقرر اتجاهات استخدام الذكاء الاصطناعي؟ وهل سيؤدي هذا التحول إلى توسيع الفجوة بين الفئات الاجتماعية؟ مؤكداً أن النجاعة التقنية، مهما بلغت، تفقد معناها إن لم تُؤطر بمنظومة أخلاقية تضمن بقاء الإنسان في قلب القرار.

 

وشدد الأمين العام على أن الذكاء الاصطناعي يفرض نقاشًا وطنيًا مسؤولًا حول الحكامة والرقابة: من يراقب الخوارزميات؟ ومن يحدد استعمالاتها؟ ومن يستفيد من عوائدها؟ فالانتقال الرقمي، كما أكد، لا يمكن أن يكون عادلاً وناجعًا دون حوار اجتماعي حقيقي داخل المقاولات، يُهيّئ العاملات والعمال لتحولات المستقبل ويقي المجتمع من الصدمات الاجتماعية.

 

وفي السياق ذاته، اعتبر نزار بركة أن التكوين يشكل الدعامة الأساسية لأي استراتيجية وطنية في مجال الذكاء الاصطناعي. فتعزيز أبجديات الرقمنة، وتعميم المعرفة بأساسيات الذكاء الاصطناعي، وتنمية الحس النقدي لدى المواطنات والمواطنين، باتت شروطًا ضرورية لحماية المجتمع من الأخبار الزائفة والتضليل، وضمان مشاركة واعية في العصر الرقمي، إلى جانب ترسيخ ثقافة التكوين المستمر لمواكبة تحولات سوق الشغل.

 

وفي مقابل هذه التحديات، توقف الأمين العام عند الإمكانات الهائلة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الخدمات العمومية، خاصة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. فالتطبيب عن بعد، والجراحات الدقيقة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتعليم المكيف مع حاجيات المتعلمين، تمثل فرصًا حقيقية لتقليص الكلفة وتعظيم الأثر الاجتماعي، إذا ما أُدرجت ضمن رؤية وطنية واضحة.

 

كما أكد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول إلى رافعة استراتيجية لخدمة التشغيل، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وترسيخ السيادة المغربية، شريطة تملكه ومواءمته مع القيم الوطنية والخصوصيات الثقافية، بما يرسخ الهوية الوطنية ويساهم في بناء مغرب المستقبل.

 

وفي ختام مداخلته، شدد نزار بركة على أن الرهان الحقيقي يتمثل في السيادة بمفهومها الشامل: السيادة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والسيادة الغذائية والمائية والطاقية والصحية. وأكد أن السيادة الرقمية ليست شعارًا ظرفيًا، بل خيارًا استراتيجيًا يقتضي تطوير تكنولوجيا وطنية، والاحتفاظ بالحق السيادي في اختيار النماذج التقنية المنسجمة مع القيم والأخلاق المغربية الأصيلة، بما يخدم مغرب “السرعة الواحدة” ويعزز ثقة الشباب في المستقبل.

 

وقد شكل هذا اللقاء، بمشاركة نخبة من الخبراء، فضاءً غنيًا لتبادل الرؤى حول آفاق الذكاء الاصطناعي في مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمي والتصنيع، مع التأكيد على ضرورة تحديث الإطار القانوني، وتقوية المقاولات الصغرى والمتوسطة، وحماية حرية التعبير، والتصدي للأخبار المضللة، واستشراف التحولات العميقة المقبلة في سوق الشغل.