الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

الحسن زهور: حركة التوحيد والإصلاح والوزير يتيم.. أسبقية الشرع على القانون!!؟

الحسن زهور: حركة التوحيد والإصلاح والوزير يتيم.. أسبقية الشرع على القانون!!؟ الأستاذ الحسن زهور (يمينا) والوزير محمد يتيم

أثارت قضية الوزير يتيم، وهو يمسك بيد "خطيبته"، في زيارة لهما لباريس، الكثير من المداد والكثير من التعليقات والآراء والكتابات.. فتجول السيد يتيم مع مدلكته يدخل ضمن حياته الشخصية وحقوقه الفردية، ما دامت لا تمس بالمصالح العامة للمغاربة، لأنها تدخل ضمن الحريات الفردية التي يعتمد عليها المجتمع المدني ويرفضها المجتمع الديني الذي يريد الإسلاميون إقامته لو أتاحت لهم الظروف السياسية ذلك.

ولتبرير ما قام به السيد يتيم التجأ المدافعون عنه من الإسلاميين إلى مبادئ المجتمع المدني التي كانوا يحاربونها، أي إلى الحريات الفردية والشخصية التي هي أساس المجتمع المدني والعلماني، وهي المبادئ نفسها التي التجأوا إليها لتبرير بعض الفضائح السابقة لبعض مسؤوليهم ومنظريهم في الأخلاق والدين.

هذا التناقض الذي يقع فيه الإسلاميون، المتمثل في الانتقال من فكر ديني سلفي إلى فكر مدني علماني لتبرير بعض الممارسات التي يقع فيها قادتهم، يوقعهم في التناقض الفكري، ويوضح مدى تأخر هذا الفكر أمام قوة مبادى الفكر المدني وتطبيقاته الاجتماعية والسياسية التي منحت للإنسان في عصرنا الحالي، مجتمعا ديموقراطيا متعددا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا..

فقضية يتيم تعيدنا إلى المربع الأول المتمثل في التساؤل عن مدى اقتناع الإسلاميين في المغرب بالمجتمع المدني، فهل تجربتهم الحالية في الحكم غيرت فكرهم الإيديولوجي والسياسي، أم أن المرجعية ما زالت كما هي؟

وهل الاحتكام لديهم سيكون إلى الشرع، أم إلى القانون، إذا ساعدتهم الظروف السياسية على ذلك؟

هذا السؤال يفضي بنا إلى التساؤل عن نوعية المجتمع المأمول عند الإسلاميين، هل هو المجتمع الديني المبني على الشرع بمفهومهم للشرع، أم على المجتمع المدني المبني على القانون والدستور؟

للإجابة عن هذه الاسئلة سنعتمد على البيان الأخير  لجمعية "التوحيد والإصلاح"، وهي الذراع الدعوي والإيديولوجي للحزب الإسلامي بالمغرب، والبيان أصدرته منشورا لتبين موقفها من قضية السيد يتيم.

يبتدئ البيان بالتوكيد على ميثاق الحركة الذي: "يعتبر المرجعية العليا لكتاب الله وسنة رسوله.."، كما عرج البيان على ذكر: "احترام تام لمقتضيات الدستور والقانون"، لذلك تدعو الحركة إلى: "مراعاة أحكام الشرع" (وليس القانون، وكان الأحرى بها إضافة عبارة "والقانون")؛ وفي الأخير تقر الحركة في بيانها: "نسجل أنه وقع (أي السيد يتيم) في بعض الأخطاء غير المقبولة، جعلته يخل ببعض ضوابط الخطبة وحدودها".

السؤال هنا، هل التزمت الجمعية في موقفها بالقانون الذي أعلنت بأنها تحترمه، أم على "الشرع" الذي طبقته على هذه القضية بدلا من القانون؟؟ الشيء الذي أسقطها في تناقض ظاهر بين الشرع الذي أرادته والقانون الذي يحكم البلد.

لنشرح الفرق بينهما في هذه القضية: الشرع الذي اعتمدت عليه جمعية الإصلاح والتوحيد يقول بجواز خطبة الرجل لامرأة أو فتاة قصد الزواج، ولا يهم هل هو متزوج أم لا، فإذا كان متزوجا يشترط أن لا يتجاوز الخاطب بهذه الخطبة أربع زوجات في ذمته، والخطبة في هذا الشأن لها ضوابطها الشرعية منها أن لا يخلو الخاطب بخطيبته إلا بعد كتابة العقد، وهذا ما قصده بيان الجمعية. في حين أن القانون المغربي يمنع الرجل المتزوج خطبة فتاة أو امرأة ما قصد الزواج، وفي عصمته زوجة، ولكن يسمح له بالزواج مرة ثانية بموافقة الزوجة الأولى، لكن بموافقة القضاء، وبشروط ومبررات يراها القاضي مبررة لهذا الزواج الثاني، أي أن التعدد يكون بموافقة القاضي، حسب القانون وليس على هوى الفرد ورغبته كما يبيحه "الشرع".

موقف جمعية الإصلاح والتوحيد موقف "شرعي" وليس قانونيا، فهل السيد يتيم التزم بالقانون (وليس بالشرع) في خطبته للفتاة وما تزال في عصمته زوجة رغم إجراءات الطلاق التي لم يتخذ القاضي بعد حكما فيه؟

وهل يسمح القانون المغربي بالخطبة لرجل متزوج بدون حكم قضائي؟ بالطبع لا.. 

فاحتكام الجمعية الذراع الدعوي والإيديولوجي للحزب الإسلامي إلى الشرع، وليس إلى القانون أوقع الجمعية في تناقض تخالف فيه القانون المغربي في هذا الشأن، لأنها أولا لم تشر إلى ما قام به السيد يتيم في مخالفته للقانون المغربي الذي يمنعه من خطبة فتاة وفي عصمته زوجة لم يقل القضاء بعد كلمته في شأن الطلاق، بل حاولت الجمعية تبرير ذلك "شرعا" وليس قانونا بذكر بعض الأخطاء التي وقع فيها أثناء خطبته للفتاة، وهي الاختلاء بها قبل كتابة العقد، مما يعكس الموقف الإيديولوجي للإسلاميين من القانون ومن الدستور. يتم القبول به والاحتكام إليه ما دامت الغلبة ليست إلى جانبهم. لكن المجتمع الديني المعتمد على الشرع وليس على القانون، يبقى ثانويا في زوايا الفكر الذي يعتمدون عليه ولا  يظهر إلا في الفلتات، كما يقول فرويد.

لذلك نقرأ في خاتمة بيان الحركة الموجه إلى الأتباع ما يلي: "وختاما، فإن المكتب التنفيذي يتوجه إلى عموم أعضاء الحركة بأن ينتصروا للقيم والمبادئ.. وأن يتمسكوا بالمنهج الذي اخترناه على بصيرة".

نعم نتفق وندعو إلى الانتصار للقيم والمبادئ، لكن القيم والمبادئ التي يتأسس عليها المجتمع المدني المبني على التعدد والاختلاف واحترام الحقوق الفردية والجماعية والثقافية والسياسية..

- الحسن زهور، باحث ومحلل سياسي