الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

العمراني:أتركوا "البغرير" في الأسواق واسحبوه من المدارس !

العمراني:أتركوا "البغرير" في الأسواق واسحبوه من المدارس ! عبد الرحمان العمراني
هل تذكرون قانون سافاري loi savary في فرنساسنة1982؟
- كان يتوخى توحيد أنظمة التعليم بخلق" مرفق عام تربوي" وفق منطوق محتوياته.
- وكان من اقتراح وصياغة وزير يعرف عم يتكلم لأنه من أهل الاختصاص.
- وكان رجلا يحظى بالثقة والشرعية الكافية لأنه سليل وسط عمالي تقدمي عريق واحد أدمغة الحزب الاشتراكي زمن الرئيس ميتران.
وكان مما يزيد في شرعيته أن له سجلا حافلا في مقاومة النازية .
وكان - وهذا مهم للغاية في الموضوع لأنه يعكس العقلية الديمقراطية- يريد إدخال إصلاح حقيقي بواسطة القانون وليس بإجراءات مهربة تمرر خلسة وفي غفلة عن أهل العلم والاختصاص وعن عموم المواطنين والمواطنات في بداية الموسم الدراسي .
ومع ذلك، ومع ذلك (أكررها للتأكيد) حينما شعر الرئيس ميتران بأن الأمور غير ناضجة،وهو يلاحظ حجم الاعتراض في الشارع على مشروع سفاري، استدعى الرجل وشكره، ثم سحب مشروع القانون.
هكذا تمر الأشياء في البلدان التي تتشبث بالممارسة الديمقراطية وبالعرف الديمقراطي .
عندنا ما هي الصورة علاقة بموضوع الدارجة في التعليم والبغرير:
لا نعرف من أمر بهذا ولا نعرف مراجعه حتى نناقشه فيها بالحجة والدليل والتجارب المقارنة.
لا نفهم كيف أن الذي أمر بهذا تجاهل رأي أحسن ما يتوفر عليه البلد من علماء اللغة واللسانيات والتاريخ والأدب المقارن وأخذ برأي شخص أو أشخاص لا نعرف لهم مؤلفات في علم أو نحو أو صرف، وغير معروفين لا في سياسة ولا في مؤسسات مشهود لها بالحضور قرب اهتمامات الناس .
والأمر فيما طرح يرتبط بالهوية ويثير إشكالاتها الكبرى مما لا يجوز معه أو يحق أو يستساغ إسناد النظر فيها للمبتدئين novices أو المستهينين بما تحمله الهوية في أفئدة الناس وذاكراتهم من معان ومن قدسية .
والمؤسسات التمثيلية -على قصورها وعلاتها- تركت على الهامش لم نعرف لها رأيا أو مشورة .
ثم ماذا ؟
السؤال بسيط ولكنه ضاغط: هل يحق لوزارة التربية الوطنية أن تتذرع بالاختصاص الوظيفي لكي تقرر في مسألة تهم الأمة هوية وضميرا وانتماء ؟
لا وألف لا.
واختم بمسألة كنت شاهدا عليها لعلها توضح المقصود.
في سنة 1989 كنت أتابع دورة دراسية في جنيف حول القانون الدولي الإنساني صحبة الأخ الأستاذ فؤاد عمور.وصادف مقامنا هناك تنظيم استفتاء من طرف كانتون جنيف(مقاطعة جنيف) حول موضوع ما إذا كانت أسواق التبضع الكبيرة يمكنها أن تستمر مفتوحة إلى حدود منتصف الليل أم عليها الإبقاء على الوضع السابق والإقفال عند التاسعة ليلا.؟؟
لم يكن الأمر يتعلق بالسياسة التعليمية، ولم يكن الأمر يثير قضايا هوياتية. ومع ذلك فإن المسؤولين رأوا -لأنهم متشبعون بروح الديمقراطية الحقة تعلموها من تراث روسو ابن جنيف - أن من واجبهم استشارة الناس وفتح المجال لنقاش عمومي في الموضوع قبل اتخاذ أي قرار أو الفصل في أية أفضلية .
و لأصحاب القرار التعليمي نود أن نقول:
أتركوا "البغرير" في الأسواق فهو ومستهلكوه مرتاحون هناك، واسحبوه من المقررات فليس ذلك مكانه.
إنه لن يجدي شيئا هذا العبث بالعقول، يا سادة!