كانت السيارة تشق طريقها عند منعطف طريق جماعة البخاتي بين الأراضي الخصبة بمنطقة عبدة الفلاحية، وكانت كل المؤشرات الزراعية والجوية تنبئ بفصل ربيعي متميز، خصوصا وأن تربة الحمري تغري العابرين باخضرار مزروعات الحبوب المتنوعة، وتنبعت منها رائحة الخير، لأن الفلاح العبدي لا يتردد في التعاطي مع الأرض في الزمان والمكان المحدد لإعلان فتح الزريعة. وغير بعيد عن جماعة لبخاتي في اتجاه سبيل جماعة مول البركي تستكشف هول احتياجات الساكنة العبدية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، رغم الصور التضامنية الجميلة التي ترسمها وجوه العبديين والعبديات، وهم يهشون على أبقارهم وأغنامهم ودوابهم مع تباشير يوم جديد تلامس فيه أشعة الشمس كل أطرافهم وتربتهم التي دافعو عنها بالغالي والنفيس أيام زمن السيبة و الظاهرة القايدية.
إن كان البعض يتبادل تهاني "جمعة مباركة" في هذا اليوم (الجمعة 16 دجنبر 2016) الممطر والبارد من خلال الفضاء الأزرق وهم جالسون على كراسي وثيرة، داخل مكاتب مكيفة، ومعطرين بعطر فرنسي، وألبسة فاخرة من الماركات المسجلة، بعد أن تكلف من يقل أبنائهم للمعاهد والمؤسسات الخصوصية، فهناك أطفال تلاميذ وتلميذات، ويافعين يقطعون مسافات الألف ميل من أجل الوصول لفصل دراسي يفتقد لكل مواصفات العملية التعليمية التربوية، يقطعون آلاف الأمتار وهم يلوحون بأيديهم البريئة لسيارة أو شاحنة أو عربة مجرورة لتقلهم للمدرسة العمومية تبعد عن سكنهم ب 4 كلم إلى 6 كلم. نعم لقد صادفت "أنفاس بريس" في الطريق بين حقول أراضي عبدة أطفالا متمدرسين بالمستويات الأساسية يحملون حقائب على ظهورهم، متجهين إلى المدرسة، تحت أمطار الخير، وشدة البرد القارس، في زمن يتحدث فيه رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين عن إلغاء مجانية التعليم بالمدرسة والجامعة العموميتين، بمباركة من رئيس حكومة يتباكى على طرد الدواعش من حلب سوريا، في الوقت الذي يحتاج فيه أطفالنا لوسيلة نقل مدرسية تقيهم خطورة الطريق وآفاتها المحتملة، وانكباب بلمختار وزيرنا في التعليم على إبرام صفقات بملايين الدراهم لتعزيز حضيرة النقل بوزارته البئيسة.
نموذج ضاج بالألم، التقته "أنفاس بريس" في الطريق بعد أن استعد لقطع 4 كلمترات من دوار الكواسمة بقيادة لبخاتي صوب مجموعة مدارس أمشعرن بجماعة لحضر، (تقسيم ترابي عشوائي)، طفل كبر قبل الأوان، لوح لسيارتنا بيديه الحميلتين، فتوقفنا من أجله، ومن أجل سواد عيونه الكحليتين، وجسمه النحيل، المدثر بملابس رثة وحذاء فعلت به الأمطار فعلتها، "باغي نمشي المدرسة" قال بلسان سليم مترجما فعل أمر "إقرأ"، حملناه معنا في اتجاه المدرسة العمومية التي يريد محو أثرها جهابذة الليبرالية المتوحشة، نجباء صندوق النقد الدولي، طفل بدأ مشواره الدراسي ولا يعلم بأن هناك من يتربص بمدرسته، ولا يهمه أن يتعلم ويقرأ. طفل مثل سائر الأطفال هنا بعبدة الذين يحتاجون إلى التفاتة من الجماعات الترابية، ومؤسسات اخرى تدعي أنها تعمل من أجل التنمية البشرية.
بعد أن أوصلناه لهدفه، طلب منا "درهما" لاقتناء بعض الأشياء التي يحبونها الأطفال، لم يبخل عليه مرافقي، وودعه على أمل أن يجد مقعدا دراسيا قريبا من سكناه، أو وسيلة نقل تضمن له مواكبة تحصيله الدراسي مثل أقرانه.