Monday 7 July 2025
مجتمع

العلامة الريسوني: المغرب يحتفل بالمولد النبوي، ولينطح الصخرة الناطحون

العلامة الريسوني: المغرب يحتفل بالمولد النبوي، ولينطح الصخرة الناطحون

ورد في كتاب الشفا للقاضي عياض اعلم أن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقا في حبه، وكان مدعيا. فالصادق في حب النبي، من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، وإتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه. وشاهد هذا قوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم اللهال عمران.

المولد النبوي عيد من أعياد المسلمين، وذكرى طيبة من ذكريات تاريخ نبيهم الأمين عليه الصلاة والسلام، وقد اتخذه أسلافنا وأجدادنا في هذا الوطن العزيز، مناسبة تتكرر كل سنة لإظهار المحبة الكامنة في أعماق وجدانهم نحو شخص أشرف المرسلين.

هذا وإن الفرح بمولده عليه أفضل الصلاة والسلام، شيء مغروس في قلب كل مسلم صادق في محبته للجناب النبوي، وليس في الاحتفال به، حسب الدكتور عبد المغيث بصير، أي منكر وأي ضلال، بل فيه إظهار لشعائر الإسلام ورايته وهو جائز، ومرغب فيه وسنة حسنة من أحياها كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. وبالتالي فإن علماء المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة، مجمعون على استحباب الاحتفال بالمولد النبوي، ولم يخالف في ذلك سوى العلماء المحسوبين على التيارات السلفية الجديدة، وهم قلة لايلتفت لأقوالهم. "أنفاس بريس" طرحت موضوع الإحتفال بعيد المولد الشريف الذي يأبى بعض المتنطعين إلا إثارته واعتباره بدعة منكرة على "العلامة علي بن احمد بن الامين الريسونيفأمدنا مشكورا بالورقة التالية تحت عنوانالمغرب يحتفل بالمولد النبوي، ولينطح الصخرة الناطحون:

"المولد النبوي عيد من أعياد المسلمين، وذكرى طيبة من ذكريات تاريخ نبيهم الأمين عليه الصلاة والسلام، وقد اتخذه أسلافنا وأجدادنا في هذا الوطن العزيز، مناسبة تتكرر كل سنة لإظهار المحبة الكامنة في أعماق وجدانهم نحو شخص أشرف المرسلين، الذي ما ولدت أنثى مثله، حيث إن السلف والخلف من المغاربة وسائر المسلمين أرادوا من خلال الاحتفال بذكرى مولده عليه السلام، تخصيص شخصه الشريف بهذه الفترة من العام الهجري للتذكير بما حباه الله به من معجزات ومناقب، وما أوحاه إليه من الكتاب المجيد، وما نطق به لسانه الذي لا ينطق عن الهوى من الأحاديث القدسية والنبوية، وكل ذلك يشكل الأصل للملة الغراء والشريعة.

وإذا كان الصحابة لم يحتفلوا بمولده، فلأنه كان حاضراً معهم بشخصه عليه السلام، وذلك لم يحتفل بالذكرى الأجيال القريبة من النبوة لطراوة العهد، ولانتفاء الدواعي، إذ كانت فترة تلك الأجيال مطبوعة على حبه واحترام شرعه واقتباس نوره، دون الحاجة إلى إحداث حفلات خاصة، لكن بعد اختلاط المسلمين بغيرهم، وظهور احتفالات النصارى في الأندلس بميلاد سيدنا عيسى بزعمهم، وكذلك بالبلاد المشرقية، واندراس كثير من معالم الدين بذهاب أساطين العلم وأئمة الأمة، والخوف من تغلغل التفرنج، اقتضت مصلحة القائمين على الشأن الديني من علماء وحكام وعامة الناس، أن يخصوا هذا الوقت الأيام الأولى من ربيع الأول وما يحتف به، للحديث عن مولده عليه السلام وقراءة سيرته العطرة ودراسة شمائله المنيفة وإنشاد بعض ما قيل في حقه من منظوم ومنثور، حتى يشب النشأ الجديد على هذا التقليد الحميد في إظهار هذه المشاعر النبيلة نحو سيد المرسلين، وذلك يقترن يقينا بالابتعاد عن البدع القادحة في الدين، والتبرء من الأهواء والزيغ، ونشدان رضوان الله بالتعبد بالتلاوة والأذكار المسنونة، والإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا طه الرفيع الشأن، وكذا الترضي عن أصحابه كلهم تبرء من الفرق الضالة التي أفحشت بإساءة الأدب مع أصحابه عليهم الرضوان.

وهكذا قرونا وقرونا، عرفت أرجاء العالم الإسلامي مجالس الإنشاد ومجالس التذكير والوعظ والإرشاد ومجامع الخير، وبساتين التلاوة والترتيل بكتاب الله المنزل، مع صلة الأرحام وأعمال البر والإحسان والسعي في البر والمعروف والتنادي إلى الأعمال الصالحة، ومنها حفظ حرمة آل البيت النبوي الشريف، وهم من اصطلح عليهم بالأشراف الحسنيين والحسينيين من أبناء فاطمة البتول بنت سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

وكان لملوك الدولة العلوية، النصيب الأوفر في ضرب الأمثلة للأمة على الاعتناء بهذا الشأن، فتحكي دفاتر التاريخ عن السلطان سيدي محمد بن عبد الله وولده مولاي سليمان، إلى الملك الراحل محمد الخامس وسواهم، مآثر ومفاخر يسجلها القلم بمداد من الفخر، إذ عُنوا بهذا العيد الذي كان المغاربة يدأبون فيه على القدوم للحضرة السلطانية لتقديم التهاني للسلاطين المبجلين رحمة الله عليهم، وظل ذلك هو الشأن إلى زماننا، حيث لا يخفى على أحد العناية المولوية السامية لأمير المومنين بهذه العادة الحميدة، إذ يرأس حفظه الله اقتداء بآبائه الطاهرين حفل المولد النبوي شخصيا، جزاه الله خيرا وأكرم مثوبته وأيده بتوفيقه وإعانته.

أما الذين يدعون أن العيد في الإسلام لا يخرج عن عيد الفطر وعيد الأضحى، فهذا نحن لا نخالفهم فيه إذا أرادوا معنى العيد المقترن بصلاة العيد في اليوم الأول من شوال وفي العاشر من الحجة، فالصلاة المخصوصة لليومين لا يشاركهما فيه ذكرى المولد، الذي لا تمنع الشريعة من استعمال لفظ العيد في حقه، باعتبار الاستعمال اللغوي الواسع الفضفاض لكلمة العيد التي تعني في العرف واللغة: يوم الفرح والسرور، وهو ما لم يحرم الإسلام على المسلمين التوسع فيه ليشمل كل الأفراح والمناسبات التي يراها المسلمين حقيقة وجديرة بأن تتخذ صبغة الاحتفال.

وكأني بالفئة البليدة التي تمنع المسلمين من الاحتفال بعيد المولد، كأني بهذه الطائفة من حيث تشعر أو لا تشعر تسعى إلى تكبيل مشاعر الإنسان الفطرية والطبيعية التي تنفجر فيه، فيعبر عنها بالصوت والقلم والحركة، من غير أن يحرم الله على هذا الإنسان المكلف، إلا ما نص الشرع على تحريمه بالدلالة الصحيحة الصريحة.

فهل أفراح الإنسان وحبوره وسروره وجذله بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وتمييزه عن عشرات الآلاف من الاحتفالات المقامة في الكرة الأرضية، بمزيد التعظيم، هل هذا مما يُعقل أن تهنى عنه الشريعة؟ حاشا لله، أو أنه من جملة مقاصد الشريعة في هذا الزمان، الذي صرنا نشاهد فيه ونقرأ عن التطرف الفكري البليد والغبي، هذه الترهات التي تتدخل حتى في المشاعر الإنسانية والأحاسيس البشرية والوجدانيات الآدمية، التي تعتمل في صدور المومنين تجاه نبي الرحمة بأبي أفديه وأمي.

إن مذهبنا المالكي وعقيدتنا الأشعرية وتصوفنا السني وتقاليدنا المرعية وثقافتنا الحضارية وأعرافنا العريقة، كل ذلك يجعلنا متحمسين لإحياء ذكرى مولد نبينا، وليخسئ الخاسئون ولينطح الصخرة الناطحون وليمت بغيظهم البلداء الأغبياء الغليظة طباعهم والسقيمة أفهامهم.

مغربنا بإذن الله سيظل وفيا لرسالة المغرب الحضارية، التي تقوم على أساس الاعتدال والاتزان والحكمة والبصيرة، في بعد تام عن التشدد والتعصب المقيت والجمود على التفسيرات القديمة المصادمة لروح العصر والمناقضة لمقاصد الشرع والحمد لله رب العالمين.".