تؤكد الزيارات الحالية التي يقوم بها الملك محمد السادس إلى عدد من البلدان الإفريقية المتنوعة جغرافيا ولغويا واثنيا وسياسيا أن للمغرب وصفته الخاصة لتطويق المعضلات التي تعيق بثاني أكبر القارات، سواء التي تتعلق بتحديات التنمية الشاملة، أو تلك التي يفرضها معجم السلم والحرب على عالم اليوم. ويتم هذا التأكيد على خلفية أن هذه الزيارات تتم بالنسبة للمغرب داخل سياق متعدد الأبعاد فهو قد خرج، من جهة، منتشيا بنجاح "الكوب 22" الذي بوأ إفريقيا مكانة خاصة قياسا إلى قراراته وهو، من جهة ثانية، يواصل اليوم دفاعه عن استعادة مكانته داخل الاتحاد الإفريقي بعد تثبيتها كأمر واقع سياسيا ودبلوماسيا. ومع ذلك فالمغرب، إذ يستحضر حدة وأهمية هذا السياق، يعرف بأن وصفته في التعاطي مع ذلك تسير أبعد مما هو ظرفي وعابر.
إنها الوصفة الناعمة التي تتجه نحو حل المعضلات القائمة عبر الرهان على ما هو مستدام وثابت في العلاقات الدولية، والإفريقية على نحو خاص. في هذا الأفق تنطبع كل تلك الزيارات بنفس استثماري يسعى إلى تحويل القارة إلى ورش تنموي مفتوح على أساس علاقات تعاون وشراكة مع الأقطاب الصناعية والمالية الناشئة هناك. وضمن نفس الأفق تتسم الزيارات بفكرة دعم الأمن الروحي للأفارقة من خلال تثبيت الإسلام المالكي الوسطي. وليس صدفة أن تكون أكبر إشارات أمير المؤمنين الرمزية حرصه على أداء ركن الصلاة بمساجد تلك البلدان، وأن أثمن هداياه لمقرري الشأن الديني هناك كتاب الله الكريم بقراءة ورش عن نافع.
رئيس جمهورية مدغشقر هيري راجاوناريمامبيانينا، و الملك محمد السادس
هنا تتأكد مرة أخرى أن استراتيجية المغرب تجاه إفريقيا هي السلامة الروحية والمذهبية التي وحدها تقوي اسمنت الهوية المنشودة لإفريقيا، وبعدها فقط تأتي الاختيارات السياسية كفن الممكن المتغير بحسب أهواء السياسيين، على اعتبار أن أسس التعاون التي يرسيها المغرب مع شركائه الأفارقة لا تنظر إلى الدول الإفريقية كورقة يناصيب قد تكون رابحة مرة وخاسرة مرة أخرى، ولكنها تقوم على منظور استراتيجي ثابت.
من هنا أهمية وصفتنا الناعمة في مخاطبة إفريقيا باعتبارها المفتاح الدائم، سواء ضمن شق الدول التي تؤازر قضيتنا الوطنية، أو تلك التي تنصب لنا العداء. إن نيجيريا التي كانت أقوى خصومنا في المحيط الانكلوساكسوني، وفي القارة عموما هي البلد الذي نتقاسم معه ثوابت العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف. وهو ما يعطي الدليل على أن الموقف السياسي يشتغل دائما في إطار العابر، بحيث ما كان لنا أن نكسب هذا البلد الكبير اقتصاديا وديموغرافيا إلى جانبنا لولا وعي القادة الأفارقة بأهمية استراتيجية المغرب القائمة أساسا على الاستثمار في ما هو جوهري ومستدام، أي على الاستثمار في المستقبل.