إدريس شويكة، يكاد يكون المخرج الأبرز الذي يمتلك جرأة في قول ما في صدره، من غير أن يفكر في عواقب مواقفه وتصريحاته على "لقمة عيشه". فالمخرجون لا يقتاتون إلا من "التلفزيون" أو "السينما"، على الرغم من أن الدعم الذي يقدمانه "فتات" بالمقارنة مع الإنتاجات الأجنبية. حتى في القنوات العربية أرقام ميزانيات إنتاج الأفلام والمسلسلات تسيل اللعاب. شويكة الذي اختار منذ زمن مواجهة فيصل العرايشي، واختار بذلك بشجاعة أن يقطع "حبل السرة" الذي يربطه بالقطب العمومي و"مملكة" فيصل العرايشي، أضاف "عدوا" جديدا ضمن قائمة أعدائه، هو "صارم الفاسي الفهري"، مدير المركز السينمائي المغربي الذي سجلت السينما المغربية في عهده أول غياب في تاريخ مهرجان مراكش الدولي للفيلم بالمسابقة الرسمية، غياب تضاربت حوله الآراء في الصالونات المغلقة للمخرجين المغاربة وجمعياتهم.
لم يجرؤ أي مخرج أو يتجرأ على "اتهام" صارم الفاسي الفهري بأنه هو المسؤول المباشر عن هذا الغياب الكبير للسينما المغربية في مهرجان دولي، مغربي الهوية وفرنسي الإدارة، ويعتبر المركز السينمائي المغربي من أقوى شركائه ماديا ولوجيستيكيا. إدريس شويكة وهو يحرق آخر سفنه، فضّل في هذه "الخرجة" أن يواجه "صارم" بـ "صرامة"، لكنه يواجه أيضا "بارونا" من أكبر "بارونات" المنتجين المغاربة والوصي على القطاع السينمائي، دفاعا عن السينما المغربية وهوية مهرجان مراكش التي أصبحت تذوب دورة بعد أخرى.
في هذه التدوينة للمخرج إدريس شويكة قصف للعرايشي وصارم الفاسي الفهري، لكن يوجد فيها أيضا رد اعتبار لنور الدين الصايل، المدير السابق للمركز السينمائي المغربي، الذي كان يدافع عن المشاركة المغربية في أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش، بغض النظر عن القيمة الفنية للأفلام المحظوظة المنتقاة، لكن حضور فيلم مغربي أو فيلمين، كان يعني كثيرا لنور الدين الصايل، ويمثل له مسألة "وجود" و"حياة" أو "موت" للسينما الوطنية في مهرجان دولي يهيمن عليه الفرنسيون في كل جوانبه. لم يتلق معظم المخرجين "الهدية" التي كان يقدمها الصايل لهم، ولم يفهموا رسائله "المشفرة"، بعد كل سقوط "مدوّ " للفيلم المغربي داخل أركان قصر المؤتمرات، والدليل أن جميع الأفلام التي شاركت طوال دورات مهرجان مراكش كانت تخرج بلا جائزة وبلا يحزنون. سيناريو الإخفاق والخروج من "بوديوم" الجوائز تحول إلى "عادة" و"طقس سنوي"، وأصبحت المشاركة المغربية للمخرجين في حد ذاتها تعادل الفوز بالجائزة. وهذا هو "اللغز" الذي لم يعثر أحد على مفتاحه، وكان من الممكن أن يكون مهرجان مراكش "تحديا" حقيقيا للمخرجين المغاربة، وموعدا للدفاع الفعلي والعملي عن السينما المغربية، كصناعة وفرت لها الدولة تربة النجاح والعالمية. لكنّ "التباكي" على غياب السينما المغربية في النسخة الأخيرة لمهرجان مراكش لن يحل مشكلة عميقة منذ انطلاق الدورة الأولى لهذا المهرجان، هي عدم التتويج في مراكش بـ"أصغر" جوائز المهرجان. حتى نور الدين الصايل الذي كان يلبس "عباءة" المحامي "الشاطر" دفاعا عن سينما "معطوبة" أصبح في خبر "كان". فلا "العرايشي" ولا "صارم" يملكان "كاريزما" و"صرامة" نور الدين الصايل لـ"انتزاع" ما كان يعتبره الصايل "حقا" شرعيا ومشروعا وسط "أدغال" مهرجان مراكش لا مكان فيها إلا لـ "وحوش" المخرجين.
إدريس شويكة يدافع عن السينما المغربية، في تدوينته، من منطلق المبادئ التي كان يؤمن بها نور الدين الصايل، وهي الدفاع عن "وطنية" مهرجان مراكش الدولي. لكن "الفنية" مطلوبة أيضا قبل "الشوفينية".. و"الإبداع" لا "هوية" له، ولا "وطن" له.
مهرجان مراكش لا يشبه كأس العالم الذي تنظمه "فيفا"، حيث تهدي الدولة "المضيفة" بطاقة المشاركة بالمجان في النهائيات. مهرجان مراكش الذي اختار مسارا دوليا مثل "كان" و"برلين" و"فينيسيا" لا مجال فيه للبطائق "المجانية" ولـ"الهدايا" و"الصدقات".
"المخدوعون" و"المصدومون" في مهرجان مراكش الذي همش السينما المغربية، ربما كان السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يطرحوه ويكون قابلا للنقاش، لماذا لا ندافع، داخل أروقة اللجنة المنظمة لمهرجان مراكش، عن تشكيل لجنة انتقاء للفيلم أو الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية لجوائز المهرجان، مادامت المشاركة في حد ذاتها تعني للكثيرين قيمة كبرى أكبر من "الفشل" الذريع الذي يكون من نصيب الأفلام "المختارة". لأن "الصايل" الذي كان لوحده "يصارع" ضد التيار "الفرنسي" الذي تسيطر عليه مديرة المهرجان "ميليتا توسكان" ومديره الفني "برونو بارد"، انتهى زمنه. فمن الطبيعي أن تتغير قواعد اللعب، لأن "صارم" لا يمكن أن يملك ثقافة نور الدين الصايل السينمائية، ولا فلسفته في المحاججة والإقناع بنقيض الأفكار التي يؤمن بها "الخصوم"، ولا "العرايشي" كان يميل إلى "السفسطة" واقتراح "البدائل" ولفت الانتباه إلى أن الأسود "أبيض"!!
صرخة إدريس شويكة لها معناها وقيمتها وسياقها، وهي أن السينما المغربية في مهرجان مراكش أصبحت "يتيمة"، بعد أن فقدت أكبر "حليف" لها، هو نور الدين الصايل.. وهنا أتفق تماما معه وأستعير ما كتبه "السينما المغربية كان عندها مدافع صحيح -نورالدين الصايل- لأنه من عشاق السينما لكبار ومن لعلما الحقيقيين ديالها، وكيحترم السينمائيين وأغلبهم أصدقاءه، في المغرب وخارج المغرب".. ربما إذا لم نستفد من درس مهرجان مراكش اليوم، السينما المغربية ستعيش أتعس أيامها في الدورات المقبلة، لأن هذه هي بداية "النفق المظلم" للسينما المغربية التي مازالت تعيش بـ "دوبّاج" صندوق الدعم (أو التسبيق على المداخيل).
لكن إلى متى والسينما المغربية تبحث عن نهاية "النفق المظلم".. وعن نافذة الرّوح؟!