الأربعاء 1 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

فاجعة الحسيمة تعيد الملف الاجتماعي للواجهة..

فاجعة الحسيمة تعيد الملف الاجتماعي للواجهة..

تأبى بعض الحوادث ذات الطابع التاريخي أن تجري في زمن زاخر بالدلالات الجارحة تماما كما هو حادث طحن الفقيد محسن فكري بالحسيمة الذي تم في الزمن البرزخ بين انتهاء عمل حكومة بنكيران الاولى وتشكيل حكومته الثانية. وربما من أبرز دلالات ما وقع أن يصبح فعل الطحن تعبيرا كنائيا عما سبق أن اقترفته حكومة 2012_2016، وعما يعدنا به الحزب الأغلبي في الخمس سنوات القادمة.
فهل كان علينا كأحزاب وكحكومة وكنخب أن ننتظر الى حين وقوع هذا الحادث المأساوي بمدينة الحسيمة لنقر بالدرجة السفلى التي انحدرت اليها كرامة المواطن، بعد أن انحدرت قدرته الشرائية إلى الدرك القاهر، وبعد أن صار اليأس سيد الأنفس والأمكنة؟
وهل سيلتقط بنكيران وحزبه وأغلبيته المنتظرة العبرة مما وقع بالحسيمة لتعديل سياسته من أجل مغرب العدالة الاجتماعية والكرامة؟ وهل سيكون بنكيران وأغلبيته في الموعد بوضع الملف الاجتماعي على رأس الأولويات في البرنامج الحكومي وترجمة ذلك في القانون المالي لإنصاف الفئات الهشة والمجالات الترابية المثقلة بالأعطاب أكانت بالريف أم بالأطلس المتوسط أم بالجنوب الشرقي أم بالأقاليم الجنوبية؟
جوابا عن هذا السؤال لا يبدو أن هناك أفقا ما يشي بعزم رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران ومن معه على إعادة النظر في اختياراتهم السابقة:
أولا: القانون المالي للسنة القادمة يحمل عناوين مضادة للطبقة المتوسطة والفقيرة ومناهض للمقاولات الصغرى والمتوسطة فضلا عن تغييبه لحلول خاصة بالاقتصاد المهيكل وبخلق الثروة لامتصاص البطالة.
ثانيا: برنامجه الانتخابي المتقدم به في الحملة الماضية حمل عنوانا واضحا: التباهي بإيجابية حصيلة المحافظة على التوازنات المالية، ومعناه أن «البيجيدي» ماض في اختياره الليبيرالي المتوحش، استنادا على تفاعله الأعمى مع إملاءات صندوق النقد الدولي.
ليس هنا فحسب. ذلك أن ما توحي به المشاورات الحالية التي  يجريها بنكيران مع الأحزاب- وهذا هو السند الثالث- لا تؤكد أن هناك اختيارا مغايرا لما سبق، لا فقط لأن المشاورات تركز فقط على مبدإ المحاصصة والكراسي، ولكن كذلك لأن المعنيين بالمشاورات من خارج حظيرة الرئيس المكلف لم يعلنوا شروطا مادية لخيارات جديدة. يكفي في هذا الإطار أن ننصت إلى التصريحات الدالة لهؤلاء: حميد شباط مثلا قال إنه في حالة مشاركة حزبه في الحكومة سيلتزم باختيارات الحزب الأغلبي، وقال بالحرف إن وعده بإعادة النظر في إجراءات التقاعد مثلا لم تعد واردة لأن «البجيدي» هو صاحب الأغلبية والقرار، الاتحادي إدريس لشكر قال إنه يترك الكرة في ملعب بنكيران، القائد التجمعي الجديد أخنوش قال إن المشاورات تتم في ظروف جيدة. أما نبيل بنعبد الله فصرح بأن مشاركته في الحكومة القادمة تتم استكمالا للأوراش الإصلاحية المدشنة انطلاقا من الولاية السابقة.
نتيجة هذه التصريحات التأكيد على استفحال النقط السوداء التي طبعت الخمس سنوات الماضية، وضمنها اللوحة التالية:
ـ تجميد الأجور بالنسبة للموظفين والمستخدمين
ـ استكمال ما سمي إجراءات «إصلاح» التقاعد.
ـ التشبث بالإيمان بما يسمى إصلاح صندوق المقاصة.
ـ استمرار العمل بتوقيف التوظيف.
ـ عدم المبادرة بإصلاح إداري حقيقي.
ـ ترك القدرة الشرائية للمغاربة في مهب أسعار البترول الدولية.
ـ تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية.
ـ تفويت قطاعي الصحة والتعليم وضرب المرفق العام.
ـ استمرار سياسة الريع والفساد.
ومعناه أن استقالة الدولة من مهامها العمومية أمر مؤكد، وأن خمس سنوات عجاف في انتظار المغاربة، فيما يبقى السؤال مفتوحا على معارضة الغد. لكن من هي هذه  المعارضة القادرة على رفع الرهان من أجل الحد من استمرار تدهور المزاج المغربي، خاصة أن المغاربة يعرفون «حزوب بلادهم»، خاصة كذلك أن المعادلة السياسية صارت مقلوبة بعد قبول حزب الاستقلال بالمشاركة بدون شروط، وبعد تلويح الاتحاد بنفس المضمون. ومن ثم لم يعد في البلاد صوت معارض وازن يضمن للسياسة المغربية اليوم التوازن المطلوب. كما أن فيدرالية اليسار الديمقراطي تظل محدودة التأثير لضعف تمثيلها النيابي، ولضعف تأثيرها في روافد المغرب العميق. وهذا ما يدفع المراقبين إلى أن يتصوروا مآلا مرا للمغرب الممتد من 2016 إلى 2021. وهي المسافة الزمنية التي سيجد المغاربة فيها انفسهم أمام قادم أسوإ مع بنكيران، خاصة في قضاياهم الحيوية الاجتماعية. والمعنى المأساوي لذلك أنهم صاروا عراة في حلبة الصراع، بلا ظهر يحميهم، وبلا وسائط قوية لا في المعارضة، ولا في عموم النخبة السياسية المغربية. فهل يستحضر المتشاورون اليوم حول تشكيل الحكومة هذا الواقع، أم أنهم يتعالون عليه باتجاه واقع استمرار طحن الوطن والمواطنين. وهنا ستصبح حالة محسن فكري مجرد بداية دموية لمسلسل لا نريده لوطننا ومواطنينا.
ولأننا في «الوطن الآن» وكمهنيين لا نشتم المستقبل ولا نصادره لصالح جهة ما، فقد حملنا السؤال إلى فعاليات اجتماعية وسياسية وفكرية لتجيب عما أعدته من عناصر استراتيجية لمواجهة مغرب بنكيران القادم الذي فرضته  على المغاربة صناديق اقتراع 7 أكتوبر.

لحسن صابر، فاعل مدني

عبد الإلاه بنكيران: «كياكل من البردعة» بعدما فشل في خلق الثروة

* هناك من يعتبر القانون المالي الجديد نذير شؤم فهو يروم خفض عجز الميزانية عبر التركيز على التوازنات الماكرواقتصادية على حسب السلم الإجتماعي من خلال تدشين عدة إصلاحات (رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات، إصلاح صندوق التقاعد)، فمارأيك؟
- لا يخرج قانون المالية لسنة 2017 عن سابقه لهيمنة الرؤية التقنومالية على حساب الرؤية السياسية والرسالة التأطيرية لإعداد المشروع من قبل رئيس الحكومة تبرز ان هاجس التوازنات الماكرو اقتصادية هو المهيمن، لذا سيكون من الوهم المراهنة على سياسات مالية مختلفة في غياب رؤية اقتصادية واجتماعية مختلفة تجعل من خلق الحركية الاقتصادية الخدماتية والانتاجية كرافعة نمو اجتماعي بل سنظل كما كنا خلال هذه الولاية - وأنا أحبذ المقولات الشعبية  البليغة كما درج عليها أستاذنا المرحوم كسوس  «كاناكلو من البردعة»، بدل خلق الثروة بإطلاق ديناميات اقتصادية متزامنة ومتنوعة وتركيز العبء الضريبي على الأرباح وما يراكم من ثرواث بدل تضريب الاستثمار أو تركيز العبء على دخول الإجراء، وهي نظير خدمة وعمل وليست بالأرباح الصافية ، فضلا عن تشجيع الادخار وإقرار عدالة جبائية وسياسة وطنية لشفافية الأسعار والإدماج الجريء والكلي لإمبراطوريات الاقتصاد غير المهيكل (الاقتصاد اللاشكلي) وغيرها من الأوراش التي تؤدي التقائيتها لخلق مناخات مغايرة غير المناخات التي لا تهتم إلا بتوطين الرأسمال الاجنبي فقط، أو البحث عن مواطن توطين خارجي للفرص الاستثمارية المتاحة. فمع ما للأمرين من أهمية لكنهما لا يعوضان الحاجة لتطوير القدرات الذاتية والسوق الوطنية الضامنة لصمامات امان تجاه التقلبات الخارجية.
لذا لا يرتقب أن يؤدي تشكيل حكومي ائتلافي أن يغير مما تم ترسيمه في المجلس الوزاري، إذ كل المعطيات تسير في اتجاه سياسة «التقشف» أو «التقويم الهيكلي الصموت» مع الإمعان في تعميق المديونيتين الداخلية والخارجية، والتي للإشارة ستلتهم تحملات استحقاقاتها 20 بالمائة من موارد الدولة ان لم يكن أكثر. فضلا عن الاستمرار، وفق الالتزامات الجارية مع صندوق النقد الدولي. في نفس النهج الضاغط على «الكتلة الأجرية» بدخول مبدأ تسقيف الاعتمادات الأجرية انطلاقا من هذه السنة، ويكفي أن نشير لحالة توصية صندوق النقد الدولي للسلطات المصرية التي تجتاز أزمة تمويل، بعدم الاهتمام بالاضطرابات والتململات الاجتماعية ضد «إصلاحاته» نظير استمراره في التمويل، لنلحظ كيف أن الجهات الممولة لا تلقي بالا لاستقرار المجتمعات ولا لتنميتها، بل كل همها ضمان أقساط ديونها وعوائدها الربحية والباقي إلى الجحيم.

* ما هو المطلوب من القوى الديمقراطية والتقدمية لمواجهة التراجعات المسجلة عبر قانون المالية والذي لا يعكس هموم الموظفين وهموم المقاولات الصغرى وهموم المواطنين بشكل عام؟
- ما هي أصلا هذه القوى التي يمكن ان نضعها في خانة «الوطنية» و«التقدمية» التي يمكننا المراهنة عليها كخط دفاع مجتمعي وصمام امان ايضا في وجه الانفجارات العشوائية؟ فالنقابات بلغت من الضعف مبلغه، خاصة وأن كل سياسة الحكومة في الولاية المنصرمة انصبت على تجريدها مما تبقى لها من مصداقية إزاء منخرطيها، على قلتهم قياسا بكتلة الأجراء، بشل الحوار الاجتماعي وادوار هذه الهياكل في الوساطة وهي سياسات مقصودة تنتمي لجيل السياسات «التاتشرية» و«الريغانية» المرتبطة بالراسمالية المتوحشة.
وما يدخل في حكم الأحزاب الوطنية، مرشحة للتحول إلى «شاهد زور»، فهل يكفي ترافع نائبين عن فيدرالية اليسار بقبة البرلمان عبر الفضح -هذا إن أتقنوا التمكن من أدواته عبر تملك المعرفة الضرورية للنقد النزيه والموضوعي للسياسات المالية الحكومية وبالأرقام والإجراءات المقرونة بالقوة الاقتراحية- وهل سيكون «البام» في الموعد للعب هذا الدور بمبدئية واقتناع وبعيدا عن الانجرار لمتاهات السياسيوية المدمرة للوعي الاجتماعي؟ وماذا سيكون عليه موقف الفرقاء الاجتماعيين سواء ممثلي «الباطرونا» أو النقابات أم سيسلك بعض ممثلي هذه الاخيرة مسلك احزابهم المفترض انخراطها في التشكيلة الحكومية مدللين مرة أخرى على مفعول «النزعة الإلحاقية»؟
أخاف أمام الحالة هاته من مؤشرات الفراغ، أمام القوة التدميرية للسياسات الحكومية، خاصة في المجال الاجتماعي والمزيد من قصف القوة الشرائية عبر التضخم وجدولة اقتطاعات التقاعد وما هو مرتقب بخصوص ما تبقى من «مقاصة»، فضلا عن ميل الأسعار الدولية للمحروقات للصعود (مع أن في الأمر احتيالا كبيرا).. قلت، أخاف أن تظل الكلمة للشارع، مع ما يحبل به هذا الاخير من «قراصنة الفرص»، وهذا هو الأخطر في الأمر: أن تغدو السياسات الحكومية عدوا أول لـ«الاستقرار المجتمعي» و«السلم الاهلي» ومخربا واعيا لهما.

كمال السعدي، عضو المكتب السياسي لحزب الاشتراكي الموحد

هذه وصفتي لوقف المد النيوليبرالي الزاحف على المكتسبات الاجتماعية

في المغرب هناك قاعدة شبه قارة وهي أن تعاقب الحكومات لا يغير في الواقع الشيء الكثير على مستوى البرنامج العام والاختيارات الكبرى للدولة التي تنحو في مجملها في اتجاه تقوية الاختيار الليبرالي ومزيد من السياسات النيوليبرالية، تطبيقا لتوصيات المؤسسات المالية الدولية.. ولم تشذ حكومة عبد الاله بنكيران عن هذه القاعدة وهي التي لم تفعل أكثر من السعي إلى أن تكون أنجب الحكومات المغربية في تطبيق التوصيات الصارمة لصندوق النقد الدولي الذي وافق على منحها خطوطا ائتمانية بمليارات الدولارات مقابل تفكيك صندوق المقاصة وإصلاح صناديق التقاعد وتحرير أسعار العديد من السلع وعلى رأسها المحروقات مع ما استتبع من ضرب وإضعاف للقدرة الشرائية لعموم المواطنين تحت يافطة «الإصلاحات الهيكلية»!!..
لقد كانت الكلفة الاجتماعية للتدبير الحكومي على امتداد السنوات الخمس الماضية مرتفعة وحجم الإنجازات ضعيف قياسا إلى الوعود الواردة في التصريح الحكومي. وللأسف لم يأخذ هذا الملف حقه في النقاش العمومي قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة لتوضيح الإخفاقات الكثيرة والتدبير الكارثي للملف الاجتماعي خصوصا في ما يتعلق بعجز الحكومة عن تخفيض نسبة البطالة و توفير فرص الشغل بالنسبة لفئات واسعة من الشباب العاطل والحامل للشهادات العليا بل بالعكس تماما أصبحت الحكومة من خلال منطق رفع اليد عن التشغيل في الوظيفة العمومية، تعمل على إعداد جيش من الخريجين والمتدربين ومنحهم للقطاع الخاص في شروط غالبا ما لا تحترم كرامتهم و لا تضمن لهم الاستقرار في العمل أو في أحسن الأحوال تشغيلهم في القطاع العام عبر عقود مؤقتة.
كما يمكن القول أن الحكومة فشلت في الحد من ظاهرة الفقر بحيث عوض أن يتم تخفيض نسبته بشكل ملحوظ، كما كان مأمولا نجد أن العكس هو الدي حصل وذلك بسبب فشلها في اعتماد تدابير واضحة وفعالة لمحاربة الظاهرة ولرفع الحيف عن الفئات المتضررة وللحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، مقابل تقديمها للهدايا الضريبية والإجراءات والتسهيلات التي تخدم مصالح الفئات والطبقات الغنية..
كما أن تخلي الحكومة عن التزاماتها الاجتماعية وتلويح رئيس الحكومة بأن الوقت قد حان كي ترفع الدولة يدها عن عدد من القطاعات، مع الإشارة على سبيل التخصيص إلى التعليم والصحة، مع استمرار تردي الخدمات العمومية بشكل مخيف وغير مسبوق داخل هذين القطاعين الاستراتيجيين، أصبح يدفع بالأسر في غياب تعميم التغطية الصحية وجدواها بالنسبة للكثيرين وفي غياب تعليم عمومي جيد ومنتج وبنيات تحتية في المستوى إلى تحمل نفقات إضافية بالإتجاه إلى طلب تلك الخدمات من القطاع الخاص و الذي يحركه في الغالب هاجس الربح ..
وربما أن نظرة سريعة على مشروع قانون المالية لسنة 2017 يؤشر على هذه الاستمرارية إن لم يكن على المزيد من التراجع..
لم يكن بإمكان الحكومة أن تمارس كل هذا الحيف الاجتماعي ضد فئات واسعة من الطبقات الوسطى والفقيرة، لولا الضعف الدي اعترى أحزاب اليسار والمنظمات النقابية وغياب التأطير الجيد للحركات الاجتماعية في مواجهة الهجمة الشرسة للحكومة ولرأس المال على مكتسبات وحقوق الفئات المستضعفة، وبالتالي فإن الحل يبدأ أولا بفضح الطبيعة اللاشعبية للسياسات التي انتهجتها الحكومة وعلاقتها بوصفات المؤسسات المالية الدولية التي تفرضها فرضا على الشعوب وعلاقة الحزب المتدثر بالدين بالعقيدة النيوليبرالية، ثم بتوحيد جهود وطاقات كل المتضررين من هذه السياسات الحكومية للوقوف في وجهها، في أفق تشكيل جبهة واسعة لمقاومة المد النيوليبرالي المهدد للمكتسبات الاجتماعية للمغاربة.

د.عبد اللطيف شهبون، فاعل حقوقي

الإصلاح لا يقوم به إلا المصلحون ومسؤولية الديمقراطيين تعاظمت أكثر مع انتخاب بنكيران

أكد الدكتور عبد اللطيف شهبون، فاعل حقوقي، أن حكومة بنكيران فشلت في تدبير الكثير من الملفات، وعلى رأسها ملف التعليم بجميع أسلاكه. وأوضح الدكتور شهبون، في حوار خاص مع «الوطن الآن»، أن معضلة الفساد تشوه سلطة القانون، وتقضي على حوافز الاستثمار، وتعيق بناء التنمية

* في ظل اتساع نطاق النقاش العمومي حول الحصيلة الحكومية.. كيف ترى، من وجهة نظرك، الأداء الحكومي للعدالة والتنمية؟
- في نظري نقد الأداء الحكومي يتعين أن يحتكم إلى الموضوعية، بمعنى تسجيل النقاط الحسنة في الأداء والإنجاز. ونقد ما يجب نقده بوضوح وجدية ومسؤولية. أما غالب ما نسمع ونقرأ ففيه تحايل على الرأي العام، من هذه الجهة أو تلك، لأن الحكومة الحالية ورثت تركة ثقيلة من الأخطاء والإخفاقات يصعب التغلب عليها بين عشية وضحاها..!!

* هل هذا يعني تبرئتها من الفشل في التعاطي مع عدة قطاعات؟!
- إن حكومة العدالة والتنمية فشلت في تدبير كثير من الملفات.. وعلى رأسها ملف التعليم بجميع أسلاكه.

* هذا ينقلنا إلى معضلة الفساد في بلادنا.. كيف تحلل اتساع ظاهرة الفساد السياسي والمالي؟!
- اتساع دائرة الفساد أمر لا ريب فيه. ومعاينة ذلك لا يحتاج إلى جهد واستقراء كبيرين. معضلة الفساد تشوه سلطة القانون. وتقضي على حوافز الاستثمار. وتعيق بنا وإعمال التنمية. وتسيء إلى سمعة المؤسسات. وتساهم في نقل الثروة والنفوذ إلى غير مستحقيها. لا يحتاج النهار إلى دليل. فانظر تجد..

* كيف ترى اتساع الهوة بين خطاب الإصلاح والواقع السياسي النقيض؟
- كثر الحديث عن الإصلاح إلى حد أوهن دلالة الإصلاح.. من الوجهة التاريخية كان الإصلاح هاجس النخبة العالمة والمثقفة.. وبعد الاستقلال السياسي للبلاد تطور هذا الإصلاح إلى فعل ملموس بقيادة القوى الديمقراطية التي ووجهت بالعسف.. وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي أقام المغرب هدنته السياسية على جوهر إصلاح قاده المرحوم الحسن الثاني.. وحقق المغرب مكتسبات بادية على أكثر من صعيد. لكن هذه المكتسبات بحاجة إلى تعزيز. ومسؤولية الديمقراطيين تتعاظم. لأن بلدنا مستهدف بالتطرف والإرهاب. وباختصار إن الإصلاح لا يقوم به إلا المصلحون.

* هل لدينا هذه العينة من المسؤولين المتصفين بشيم الإصلاح؟
- للأسف الشديد كثير من المسؤولين لا يملكون مثقال ذرة من هذه الفكرة..!!!

* تعتبر من الأصوات التي تنتقد بشدة فكرة المناصفة، هل يمكن إضاءة وجهة نظرك هذه؟
- النص الدستوري الحالي حقوقي بامتياز. ومن هذا الجانب يقر باعترافه بكل المدونات الحقوقية العالمية، والاتفاقيات الدولية بشأن الحقوق السياسية للمرأة، حقها في التصويت والانتخاب وتقلد المناصب العامة بمقتضى التشريعات الوطنية وبشروط تتساوى بينهن وبين الرجال. والمغرب صادق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحقها في التصويت والمشاركة في صياغة سياسة الحكومة والاشتراك في المنظمات غير الحكومية المهتمة بالحياة العامة والسياسية. والدستور الجديد ينص على أن الرجال والنساء متساويان في التمتع بالحقوق.

* ما حصيلة ذلك على أرض الواقع؟
- المواطن يمكن أن يلاحظ ضعف نسبة مشاركة النساء وخضوعهن إلى ابتزازات داخل المنظمات السياسية..!! الأحزاب تحول الاختلاف في الجنس إلى منبع اللامساوة بدل اعتباره عنصر ثراء قيمي وإنساني. انظر إلى البنية الهرمية للتنظيمات الحزبية - طبعا الاستثناء ليس قاعدة - حيث تكشف بجلاء عن ضمور لافت..!! انظر إلى التنظيمات النسائية الموازية لهذه الأحزاب تجدها ?لية لتلميع صورة المؤسسة الحزبية، او لتنفيذ القرارات الفئوية للرجال.

مولاي علي الراشدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس

بنكيران سيبقى وفيا لنهج استهداف الطبقة المتوسطة والفقيرة

حكومة بنكيران ماهي إلا استمرار للحكومات التي تنصاع بشكل تلقائي لتوصيات المؤسسات الدولية، فمنذ عشر سنوات ونحن نعيش ما يسمى برنامج التقويم الهيكلي، والذي يعد ضبط التوازنات الماكرواقتصادية من أهم أوراشه وهذا هو الخطير، إذ لم يتم الاقتصار فقط على خوصصة القطاعات الاقتصادية، بل الأمر شمل أيضا ضرب القطاعات الاجتماعية وهذا أمر غير مفاجئ، لأن هذه الحكومات لما تلج سدة الحكم تكون مطالبة بتطبيق توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكما هو معلوم فصندوق النقد الدولي يعتبر بنكيران تلميذا مجتهدا في علاقته بهذه المؤسسة. ومن المعلوم أن توصيات البنك الدولي تقوم على ضبط كتلة الأجور، وعندما نقول ضبط كتلة الأجور فالضحية الأولى من هذا الإجراء هو العامل، ولما نتحدث عن ضبط التوازنات الماكرواقتصادية فهذا سيكون على حساب القطاعات والمرافق الاجتماعية، يتوهمون في مشروع القانون المالي 2017 نسبة نمو تصل إلى 4.5 في المائة، وهذا يذكرني بوعود بنكيران منذ خمس سنوات حيث كان يطرح نسبة نمو تصل إلى 5 في المائة. ولكن الواقع كشف أن هذه النسبة لن تتجاوز في أحسن الأحوال 2 في المائة، وبنكيران ظل وفيا لنهجه باستهداف الطبقات المتوسطة والطبقات الفقيرة بمبرر العجز في الميزانية، وهو المشكل الذي يمكن معالجته بقرارات لا تتطلب ميزانيات خاصة، بل قرارات شجاعة لهذه الحكومة، مثلا حجم التهرب الضريبي يساوي حاليا 30 مليار درهم، حجم الإعفاءات الضرورية التي تكون في بعض الأحيان غير مبررة تصل إلى 34 مليار درهم. إذن إذا تمت متابعة المتهربين من الأداء الضريبي، وإذا تم وقف الامتيازات الضريبية التي أعتبرها ريعا لفائدة «الطبقات الرأسمالية» سنصل إلى حقيقة مفادها أن الهدف من حكومة بنكيران ودور حكومة بنكيران هو التنفيذ الحرفي لتوصيات المؤسسات الدولية، وما مشروع القانون المالي سوى مؤشر يثبت بالملموس طريقة تدبير الشأن العام من طرف هذه الحكومة.
وفي ما يخص دور القوى الحية في مواجهة هذه الإجراءات التعسفية لحكومة بنكيران، فللأسف المسؤولية مشتركة، المسؤولية الأولى ملقاة على هذه الحكومة. ففي غياب نص قانوني تنظيمي يؤطر الإضراب نجدها تتدخل بعنف لمواجهة كل حركة احتجاجية هذا جانب. والجانب الثاني، صحيح أن الفئات المتنورة في البلاد تعيش حالة من التشرذم، لذلك ففيدرالية اليسار الديمقراطي كمكون تحاول أن تعطي جوابا لجمع الشتات الذي تعرفه هذه القوى، ولحسن الحظ أن شرعت في العمل وما النتائج التي حصلت عليها إلا تأكيد أن فيدرالية اليسار الديمقراطي يمكن أن تشكل قوة مضادة لقوى مجموعة التحكم. صحيح أن الطبقات العاملة والطبقات المتنورة تراجعت شيئا ما إلى الوراء، ولكن هناك رهان حقيقي الآن على استعادتها لدورها لأنها مست في كرامتها، مست في حريتها، مست في قوتها اليومي، وأخشى على المغرب من خلال هذه السياسات التي تتبعها حكومة بنكيران فالقادم من المؤكد أنه سيكون أسوأ.

محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام

ليست هناك مؤشرات دالة على أن الحكومة جادة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي

أعتقد أن الملف الاجتماعي سيظل مطروحا وبأكثر حدة من التجربة السابقة لأن كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تدل على أنه ليست هناك برامج وتصورات حقيقية ذات أبعاد تنموية واقتصادية واجتماعية كفيلة بإخراج المجتمع والاقتصاد من الأزمة، ففي الفترة السابقة شاهدنا كيف تصاعدت وتيرة الاحتقان الاجتماعي بين المركزيات النقابية والحكومة وكيف تصاعدت المطالب الفئوية وكيف تضررت العديد من شرائح المجتمع من سياسة الحكومة السابقة رغم أن الحكومة لا تتوانى عن القول إنها بصدد مباشرة الإصلاحات الهيكلية، وأنه لابد أن تكون للإصلاح ضريبة، وحقيقة الأمر أن ما تقوم به الحكومة لا يخرج عن نطاق تنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية هذا من جهة، ومن جهة ثانية ليست هناك مؤشرات دالة على أن الحكومة جادة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بدليل عدم تنزيل المقتضيات الدستورية بشكل ديمقراطي، الى جانب كون الحكومة لم تتوانى في الرفع من الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين والمساس أيضا بالاستقرار الاجتماعي رغم تأكيد الحكومة أنه جاءت من أجل ضمان الاستقرار أو الإصلاح في ظل الاستقطاب، وحتى المقاولة لم تسلم من الأزمة التي مست الاقتصاد الوطني، بحيث أنه ليس هناك مناخ إيجابي للاستثمار وهو ما تؤكده التقارير الدولية التي صدرت في هذا الاتجاه بسبب تعمق الفساد وتفشي الرشوة وبيروقراطية الإدارة وضعف وعدم نجاعة القضاء، وظل الاستثمار يراوح مكانه عوض أن يساهم في رفع نسبة التشغيل وفي تشجيع التنافسية وهو الوقع الذي ظل قائما الى اليوم. تم ضرب صندوق التقاعد، صندوق المقاصة، موضوع الفساد الذي تغنت به الحكومة وحمله حزب العدالة والتنمية كشعار أساسي في حملته الانتخابية مازال مطروحا ولم تقم الحكومة بأي دور لمحاربته على الإطلاق باستثناء بعض الملفات البسيطة والتي لازالت تراوح مكانها، حيث يمكن أن نشير الى ملف التهرب الضريبي، ففي الوقت الذي يتم فيه التغاضي عن الشركات الكبرى في دفع الضرائب يتم الضغط على المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل أداء كل المستحقات الضريبية والتسجيل في الضمان الاجتماعي وغيرها من الالتزامات القانونية الأخرى، هناك ضغط ضريبي مرتفع في المقابل المقاولات الصغرى والمتوسطة لم تستفد من أية اجراءات تحفيزية من أجل ولوج عالم السوق وولوج الاستثمار، فيما يتعلق بنظام الصفقات العمومية لازالت المحسوبية والزبونية والفساد والرشوة سائد، وبشكل عام مناخ الأعمال ومناخ الاستثمار غير مشجع في هذا الجانب، مؤشرات الرشوة تتفاقم، تبييض الأموال في تزايد ، نهب المال العام مستمر واقتصاد الريع مازال قائما، بل إن الفساد ازداد مع هذه الحكومة ولم نشهد أي تغيير في هذا الجانب، فعلى القوى الديمقراطية والنقابية والحقوقية المرتبطة بقضايا وانشغالات وهموم الشرائح الاجتماعية المقهورة والفئات المتضررة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية أن ترسم تصورا من أجل النضال لتغيير موازين القوى ومن أجل الاستجابة للمطالب الحيوية للمجتمع في الحرية والكرامة ومن أجل بناء اقتصاد وطني مستقل بعيد عن توجيهات المؤسسات المالية الدولية، ومن أجل رسم نموذج تنموي مغربي حقيقي قائم على توازن الجهات وعلى الديمقراطية المحلية وعلى جهوية مندمجة قادرة على استيعاب الكفاءات والنخب المحلية التي بإمكانها أن ترسم سياسة تنموية حقيقية، والضغط من أجل أن يكون هناك ربط للمسؤولية بالمحاسبة، لأنه بدون ربط المسؤولية بالمحاسبة سيظل منطق التسيب ومنطق الفوضى هو السائد وسيظل الإفلات من العقاب هو عنوان المرحلة.