الأربعاء 1 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

سياسيون ومثقفون يصرحون: «البيجيدي» و«البام» وجهان للتعفن السياسي

سياسيون ومثقفون يصرحون: «البيجيدي» و«البام» وجهان للتعفن السياسي

لأول مرة يكتسي الاستحقاق التشريعي في بلادنا طابع الحسم الاستراتيجي قياسا إلى باقي الاستحقاقات التي شهدها المغرب منذ استقلاله سنة 1956. بهذا الخصوص يمكن التمييز في الاستحقاقات السابقة بين ثلاثة أنواع:
الأول: يهم التجربة البرلمانية لسنة 1963 التي تمت على خلفية الصراع بين القوى الوطنية فيما بينها، وبين هذه القوى والنظام الذي كان قد أسقط حكومة عبد الله إبراهيم ليستفرد مطلقا بالحكم مدعوما بحزب «الفديك» الإداري برئاسة رضى اكديرة. وليجد نفسه أمام الباب المسدود إثر انفجار مظاهرات الطلبة في 23 مارس، الأمر الذي أدى إلى إعلان حالة الاستثناء.

الثاني: يهم تجربة 1970 التي أطلقها الحكم كنوع من التنفيس السياسي إثر تصاعد الحركات الاجتماعية ومحنة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وبروز اليسار الماركسي. وقد كانت بصمة الجنرال أوفقير واضحة في التأثير على فعالية هذا البرلمان الذي سقط بعد محاولتي الانقلاب الفاشلتين.
ـ أما النوع الثالث فيتمثل في إطلاق المسلسل الديمقراطي بعد حصول الإجماع على قضية الوحدة الترابية، وبعد اقتناع الحكم بأن الإدارة المطلقة للشأن العام لا تفيد في شيء. وهو المسلسل الذي يستمر إلى اليوم محققا مكتسبات هامة على صعيد البناء الديمقراطي رغم ما يعتور التجربة من مطبات ذاتية وموضوعية.
إن أهم استنتاج يرتبط بقراءة تواصل الأنواع التشريعية الثلاث يفيد بأن الصراع كان دائما يجري على أرض الوطن حقيقة ومجازا، وبين الحكم من جهة وقوى البناء والديمقراطية. أما استحقاق اليوم فيقوم على خلفية مختلفة تستمد نسغها من تفاعلات ما سمي «الربيع العربي»، ومن بروز التيار الأصولي كرقم صعب في المعادلة السياسية المغربية.
في هذا الإطار برز طابع الحسم الاستراتيجي من خلال تصادم مشروعين متناقضين من حيث القيم والهوية، ومستقبل إدارة الشأن العام.
الأول: يقوده حزب العدالة والتنمية الذي كان يعمل في الاستحقاقات السابقة بمبدأ «التمكين والتمسكن» خاصة بعد أن خاض استحقاق (2011) بوهم «إخماد ثورة مزعومة» في المغرب، ودعوى «الإسهام في استقرار البلاد». أما اليوم، وبعد أن تمكن متمتعا بشرعية انتخابية، فهو يحاول أن يقدم نفسه كالبديل الأوحد لكل القوى، بل كالبديل الأوحد للنسق السياسي برمته، يساعده في ذلك خطابه القائم على الأخلاق، وعلى إدعاء تمثيل الله في الأرض، وعلى انضباط قياداته، وقاعدته الناخبة المغلوب على أمرها. وعلى العزوف وضعف المشاركة.
خطورة هذا المشروع ليست فقط في خطابه الاخلاقي المتعالي، ولكن أساسا في ارتباطاته مع إخوان الخارج حيث أكدت التجربة أن القواسم المشتركة ثابتة بين إخوان تركيا ومصر وتونس وليبيا وسوريا بشكل خاص. ومن هذه القواسم الفكرة الإخوانية العريقة التي تفيد أن الديمقراطية بالنسبة إلى الإخوان هي وسيلة وليست غاية، ولذلك ما أن يتمكنوا من تصدر لوائح الترشيح حتى يكشفوا عن جوهرهم المنافي للعمل الديمقراطي بالانقلاب على الديموقراطية والديموقراطيين تماما كما حدث في مصر، أو ما يحدث في تركيا اليوم.
وقبل ذلك ارتباطاته المشبوهة مع «الخلايا النائمة» للفكر الجهادي. وليس صدفة ترشيحه لشيخ الكراهية حماد القباج، ودفاعه عنه من بعد أن أبطلت وزارة الداخلية ذلك الترشيح على خلفيته أفكاره المتطرفة.
خطورة هذا المشروع فكره العتيق بخصوص المرأة وقضايا الأسرة، وبخصوص حرية التعبير وقضايا الفن والأدب أي قضايا الحياة والديمقراطية بشكل عام0
في مواجهة هذا المشروع يبقى اليسار المغربي في الواجهة متأثرا بالنكسات الموضوعية للفكر اليساري في العالم، وبانحسار تأثيراته في الدولة والمجتمع. ولقد مثل الاتحاد الاشتراكي نموذج هذا الضمور بعد انشقاق مكوناته، وعجزه عن استئناف التركة المذهبية والتنظيمية لأسلافه الكبار: المهدي بنبركة وعمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي. أمام هذا الوضع تبرز فيدرالية اليسار المتقدمة بحماس للاستحقاق التشريعي القادم، مستعيدة الآمال بإعادة تجربة الاتحاد حين تقدمه لانتخابات 1998، خاصة أنها غير متورطة في تدبير سابق للشأن العام، وأنها تزعم بتبني خيار ثالث ما بين الأصوليين، وما من تعتبرهم مندوبي المخزن في المشهد السياسي الراهن.
ومع ذلك فمشروع اليسار بالنسبة إلينا هو مشروع ائتلاف بين فدرالية اليسار والاتحاد الاشتراكي الذي نتصور أن رسالته التنويرية قائمة، برغم ما يمكن أن نكونه من قراءة خاصة لقياداته الحالية، ولأدائه السياسي الراهن. إن القيم اليسارية أمر قائم فهي مع التنوير والتحديث والدمقرطة ومع العدالة الاجتماعية في مواجهة فكر التطرف والكراهية والتفقير والتجويع والولاء الخارجي.
لهذه الاعتبارات نؤكد أن يوم السابع من أكتوبر 2016 معركة الفصل بين واقعين أساسين: أما أن ينتصر اليسار ليمنح المغاربة فكرة أن تطور المسلسل الديمقراطي ماض في بناء ذاته، وإما أن ينتصر الأصوليون الذين «سيفرعون رؤوسنا» لا قدر الله بشرعية صناديق الاقتراع ليتصدوا هذه المرة لبلورة مشاريعهم الكبرى الحقيقية والتي هي.
  ـ تطويق الدولة باسم الشرعية في مناطق قوة الدولة، ونعني بذلك أساسا التوجه هذه المرة إلى إمارة المؤمنين لإسقاطها مقابل إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
2ـ تطويق المجتمع بسلبه آلية التفكير بآلية التكفير عبر مشروع أخونة الدولة والمجتمع.
من هنا خطورة المشروع المهدد للدولة والمجتمع، ومن هنا الطابع الحاسم لاستحقاق سابع أكتوبر 2016.

علي كريمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء

اليسار مطالب باستغلال الانتعاشة الحالية لربح رهان اقتراع 2021

 

كشف علي كريمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالبيضاء، أن الثنائية القطبية التي يروج لها اليوم ونحن على أبواب الاستحقاقات التشريعية للسابع من أكتوبر القادم هي «عملة لوجه واحد، وتوجه واحد، كلاهما يميني، وهي ثنائية مصطنعة». وأضاف أن «الثنائية القطبية تبنى على  البرامج الواقعية، وعلى مطالب الحركات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والثقافية النابعة من الوسط الشعبي كمطالب حقيقية، فالحديث عن الثنائية القطبية يحيلنا على اليسار القائم الذات بعائلة سياسية حقيقية (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية / فيدرالية اليسار/ التقدم والاشتراكية /النهج الديمقراطي...) في مقابل القطب اليميني المكون من سائر الأحزاب الأخرى سواء ذات مرجعية دينية أو الليبرالية.

* نلاحظ خلال الزمن الانتخابي الحالي أن هناك محاولة إيهام الرأي العام بأن هناك ثنائية قطبية، في محاولة تستهدف إلغاء العائلة السياسية اليسارية، في اعتقادك من له المصلحة في الترويج لهذا الطرح ونحن على مشارف استحقاقات السابع من أكتوبر التشريعية ؟؟
- يبدو للعيان أن هناك ثنائية قطبية لتوجهين مختلفين، لكن في العمق شخصيا أعتبر أن هذان التوجهان متداخلان ، كلاهما يميني، وهما في الحقيقة توجه واحد، وهذه هي الحقيقة التي ستتأكد بعد 7 أكتوبر، بحيث إن حصل أحدهما على أغلبية المقاعد فسيتودد للحزب الآخر ويتحالف معه، قد لا يرفض العرض السياسي، من هنا أقول لك أن هذه الثنائية هي مصطنعة وليست حقيقية وتمثل عملة واحدة فالتوجهين الحقيقين اللذان أفرزهما الصراع والواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي هما توجه أحزاب الحركة الوطنية في السابق ذات المشروع المجتمعي الوطني، في مقابل توجه الأحزاب الإدارية صنيعة المخزن، وشكلا قطبية حقيقية داخل المشهد السياسي المغربي سابقا، توجهان لكل منهما مشروعه، واحد يحمل شهادة ميلاد حقيقية من صلب المجتمع والآخر خلق بإرادة الإدارة. الحقيقة يصعب علي أن أميز بين المشروع الاجتماعي لحزب العدالة والتنمية وبين مشروع الاصالة والمعاصرة، ومن هذا المنطلق أتساءل ، ماذا يمكن أم يقدمان هذان الحزبان للشعب المغربي، لأن القطبية الثنائية تبنى على البرامج الواقعية، وعلى مطالب الحركات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والثقافية النابعة من الوسط الشعبي كمطالب حقيقية، فالحديث عن الثنائية القطبية يحيلنا على اليسار القائم الذات بعائلة سياسية حقيقية ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية / فيدرالية اليسار/ التقدم والاشتراكية /النهج الديمقراطي...) في مقابل القطب اليميني المكون من سائر الأحزاب الأخرى سواء ذات مرجعية دينية أو لليبرالية.

* الشارع المغربي للاحتجاج المدني تصاعدت وثيرتها خلال السنوات الخمس الأخيرة من طرف وجوه يسارية، لكن على المستوى السياسي لا أثر لليساريين لخوض منازلة استحقاقات السابع من أكتوبر لدعم المرشحين اليساريين وتأطير الشارع المغربي للمشاركة المكثفة والتصويت لفائدتهم، كيف تقرأ هذه المعادلة المتناقضة ؟؟
- صحيح هناك قلق، وصحيح كذلك أن هناك نوع من الوعي ألمسه في العديد من المواقف للنخب التقدمية الحاملة للفكر المتنور، فدعوة عبد الله الحمودي لدعم الخط الثالث المجسد في فيدرالية اليسار الديمقراطي، كما لمسناه سابقا في العديد من الطروحات المتزنة، أقول لك من هذا المنبر أن اليسار عائد بكل قوة للساحة السياسية، لكن لا بد من توضيح بعض المواقف التي يستغرب لها المتتبع للشأن السياسي لدى بعض اليساريين فكيف لليساري أن يحمل شعارات كبرى وينادي بها في الوقت الذي تجده غير مسجل باللوائح الانتخابية، كيف لهذا اليساري أن يكون فاعلا في المشهد السياسي وهو بعيد من المؤسسات الشعبية، فالشعارات الكبرى مثل ( الشعب يريد التغيير / الملكية البرلمانية / فصل السلط / استقلال القضاء / محاربة الفساد / محاربة الريع / ...) تحتاج لمن يناضل عليها من داخل المؤسسات التشريعية ويترجمها تنفيذيا بسلطة القرار، هذا التناقض في حمل مشعل التغيير يقابله زخم حضور الشارع المغربي بقوة من خلال جمعيات المجتمع المدني المناضلة في العديد من الواجهات، الحقوقية و البيئية والتنموية ، والاجتماعية، كذلك نلمس قوة الشارع من خلال الجمعيات الوطنية التي تحارب الرشوة والفساد حيث تقودها وجوه يسارية ورموز وشخصيات معروفة بحنكتها ومقاومتها لكل أشكال التطبيع مع الريع والفساد، وجوه يسارية تحرك الشارع، لكن مع الأسف هذه الوجوه غائبة في الساحة الانتخابية، ولا تقوم بواجبها الوطني في التأطير وتحفيز المواطنين والشباب على المشاركة لقطع الطريق عن المفسدين وتجار الدين والدجالين والانتهازيين، إذا في اعتقادي أنه لا يجوز بتاتا أن نترك الساحة في محطة حاسمة لاختيار من يدبر شأننا الوطني، فإن لم يكن لك حضور داخل المؤسسات التمثيلية لا يمكن لك أن توصل تصوراتك  ومواقفك وتطلعاتك التي هي تطلعات الشعب المغربي ، فلا يمكن أن نمارس السياسة إلا من داخل هذه المؤسسات وندافع على الطبقات المتوسطة والفقيرة وعموم الشغيلة المغربية.

* هل توافق الرأي القائل بأن استحقاقات السابع من أكتوبر التشريعية ستحمل نعش اليسار وردمه إلى متواه الأخير؟؟
- اليسار المغربي قائم وموجود، وسيثبت التاريخ ذلك، لم ينتهي اليسار ولن ينتهي أبدا، أكيد هناك تحولات متسارعة استطاع اليسار أن يتأقلم معها ويجدد نظرته التاريخية للأشياء، لكن أؤكد لك أن اليسار سينهض بقوة كما هو الحال في أوربا وأمريكا0 عودة اليسار رهينة اليوم في المغرب بضرورة منجز توحيد العائلة اليسارية وتكوين جبهة موحدة، وهذا سيضخ انتعاشه في جسم فصائله السياسية، ومن خلالها أيضا انتعاشه فكره وثقافته ومواقفه في الميدان والساحة الوطنية0 وإن حصل هذا فالرهان الكبير سيكون هو أفق استحقاقات 2021 والتي سيكون لها ما بعدها.

محمد بولامي، عضو الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي

«البيجيدي» و«البام» وجهان لعملة الاستبداد

 

يكشف محمد بولامي، عضو الهيأة التنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، الآلية التي اعتمدتها الفيدرالية لتدبير ملف الترشيح المشترك والمعايير المعتمدة لتفادي الاصطدام بين مكوناتها.
كما تطرق بولامي إلى دور اليسار حاضرا ومستقبلا كجدار واقي يحمي المجتمع من الضربات الرجعية والمتوحشة

* قامت فيدرالية اليسار بتغطية كافة الدوائر على الصعيد الوطني مقارنة مع أحزاب تتوفر على إمكانيات وماكينات انتخابية، علما أن فيدرالية اليسار الديمقراطي تضم مكونات كانت تقاطع الإنتخابات أصلا، كيف دبرتم هذا الملف؟
- لما قررنا المشاركة في الانتخابات الجماعية رفعنا تحدي، وهو كيف نقنع رفاقنا أولا الذي عانوا من الإحباط واليأس بعد حراك 20 فبراير وما وقع من خيانة لنضالات الجماهير وصعود حكومة يمينية. ثانيا، كيف نقنع المواطنين بأن النضال من داخل المؤسسات كذلك بإمكانه أن يقود الى تغيير الأوضاع، وبالفعل نجحنا في رفع هذا التحدي، حيث تمكن رفاقنا في تحقيق نتائج طيبة في عدة مناطق، وعلى رأسها أكدال - الرياض، أزيلال، اشتوكة أيت بها، بني ملال الفقيه بنصالح، وقد حصلنا على 15 في المائة من نتائج الانتخابات الجماعية، رغم أننا لم نغطي سوى 8 في المائة من الدوائر. إذن الانتخابات الجماعية أظهرت بأن هناك طريق آخر، غير الطريق الذي حاولت كل من الدولة والإعلام «المخدوم» حشرنا فيه: «البام» أو «البيجيدي»، وهو طريق الخط الثالث أي الخط الديمقراطي، وأن اليسار لم يمت، وأن اليسار موجود حتى وإن كنا غير راضين عن أوضاعه الحالية: يسار مشتت بين الحكومة والمعارضة وطرف ثالث ضل وجهته. إذن اليسار مازال موجود بالمغرب، ويمكن لليسار ان يلعب دوره في الساحة السياسية، في المؤسسات وخارج المؤسسات، وكان هذا هو رهاننا خلال الانتخابات الجماعية، وقد شجعتنا النتائج التي حققناها في الانتخابات الجماعية على التحضير للانتخابات التشريعية، حيث اجتمعت الهيئة التقريرية لفيدرالية اليسار وسطرت مجموعة من الأهداف : الهدف الأول وهو تغطية جميع الدوائر، الهدف الثاني هو الحصول على عتبة 6 في المائة وطبعا مع مناقشة هذا المعطى مع الدولة من أجل إلغاء العتبة، وتعيين هيئة للإشراف على الانتخابات وضع لوائح انتخابية جديدة وعدد من القضايا التي قدمنا فيها وجهة نظرنا وناضلنا من أجل الحصول على مجموعة من المكتسبات، وللأسف إن المكتسب الوحيد الذي حققناه هو  تخفيض نسبة العتبة الى 3 في المائة بدل إلغاء العتبة. وقد قررت الهيئة التقريرية الدخول إلى الانتخابات التشريعية والحصول على العتبة وعلى فريق برلماني، هكذا قسمنا الدوائر ( 92 دائرة ) الى ثلاث مستويات : المستوى الأول وهو الدوائر التي يمكن أن ننتزع فيها المقعد البرلماني وهي في حدود 20 الى 22 دائرة والمستوى الثاني وهي الدوائر التي سنحصل فيها على أصوات مهمة ولكن من الصعب أن ننتزع فيها المقعد، والمستوى الثالث وهي الدوائر التي ليس فيها حضور تنظيمي كبير مثل أسا الزاك وأوسرد ولكن سنسجل فيها عملنا التنظيمي وحضورنا0 وفيما يخص المعايير التي اعتمدناها لتعيين وكلاء اللوائح هي عدد المستشارين الجماعيين لدى كل حزب في الفيدرالية، مثلا في الجديدة يتوفر المؤتمر الوطني الاتحادي على 21 مستشار بينما يتوفر الحزب الاشتراكي الموحد على 20 مستشار وقد سلمت التزكية للمؤتمر الوطني الاتحادي لكونهم يحظون بالتسيير في أزمور، مثلا في اشتوكة أيت بها وبوعرفة التي يحضر فيها الحزب الاشتراكي الموحد تسلمنا فيها التزكية، على أساس أن يتواصل الحزب الحاصل على وكيل اللائحة مع أحزاب الفيدرالية لتحديد من سيشغل المركز الثاني والمركز الثالث، وأشير أننا داخل الهيئة التقريرية لفيدرالية اليسار واجهنا صعوبات من أجل البت في شأن توزيع التزكيات على مكونات الفيدرالية ..

* غالبا ما يثير موضوع الترشيحات وتعيين وكلاء اللوائح مشاكل وحروب أهلية داخل الحزب الواحد، فما بالك بثلاثة أحزاب داخل فيدرالية اليسار، هل كان الأمر سهلا بهذه الدرجة التي قدمتها؟
- كما قلت لك اعتمدنا معيار عدد المستشارين الجماعيين، وقد ساد بيننا نقاش حاد وليس نقاش بسيط، لكن لما اتفقنا على معايير الترشيح توصلنا الى حل الإشكال0 وأشير أننا واجهنا صعوبات فيما يخص البت في الترشيحات في المناطق التي تحضر فيها تنظيميا الأحزاب الثلاث للفيدرالية، لكن لما احتكمنا الى معيار عدد المستشارين توصلنا الى حل الإشكال، فالحزب الذي يتوفر على أكبر عدد من المستشارين سيحظى بوكيل اللائحة0 وأشير أن بعض الدوائر حصلنا عليها داخل الحزب الاشتراكي الموحد في الانتخابات الجماعية لكن لم يسجل فيها أي مجهود للحزب فانتزعناها من رفاقنا، فأخلاقيا لا يمكن التشبث بدوائر في حين أنه لم يسجل فيها أي مجهود، وهناك دوائر لاوجود فيها لمستشارين للفيدرالية، وهنا احتكمنا الى التوافق.

* الآن وقد غطيتم كل الدوائر ما هو العمل بعد 7 أكتوبر، خاصة أن القواعد المرشحة تمثل أنوية لتعبئة الناس على امتداد الولاية التشريعية أم أن فيدرالية اليسار ستدير ظهرها على غرار ما تلجأ إليه باقي الأحزاب؟
- أشير أولا أنها ليست المرة الأولى التي نخوض فيها غمار الانتخابات التشريعية سواء كأحزاب أو كفيدرالية، مثلا المؤتمر الوطني الاتحادي لديه تجربته السابقة رفقة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقد كان لحزبي المؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد حضور في البرلمان في إطار تحالف اليسار الديمقراطي، ونحن داخل الحزب الاشتراكي الموحد لدينا تجربة بهذا الخصوص، فمحمد بنسعيد أيت ايدر كان يمثل منظمة العمل الديمقراطي الشعبي داخل البرلمان، ونحن نؤمن باستراتيجية العمل داخل المؤسسات وبرنامجنا داخل المؤسسات هو إسقاط هذه القوانين المجحفة في حق المواطنين، والتي لا تخدم مصلحة الشعب ومصلحة الوطن والمطالبة بتعديل الدستور، الجانب الثاني نمتلك تجربة محمد بنسعيد أيت إيدر والذي لما كان برلماني في اشتوكة أيت بها، حيث كان له مكتب لتلقي جميع مشاكل المواطنين وبعد ذلك أصبحت فروع الحزب هي الممثلة لبنسعيد في المنطقة، وقد كان بنسعيد يجري الاتصالات بالإدارات العمومية وحل مشاكل المواطنين في المنطقة، وقد لعب دورا كبير في استقطاب عدة مشاريع للمنطقة0 فكما تعلمون نعاني في المغرب من تهريب المشاريع من بعض المناطق لصالح مناطق أخرى، تحت تأثير برلماني أو لوبي برلماني، خذ مثال مشروع الصين الذي كان من المقرر تدشينه في آسفي وتم تهريبه الى طنجة، لماذا ؟ لأنه لايوجد من سيدافع عن آسفي، وفي هذا الإطار سيحرص برلمانيو الفيدرالية على تنفيذ المشاريع المبرمجة في مناطقهم. لدينا أيضا تجربة برلماني منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أحمد السباعي في الدفاع عن بوعرفة وطرح مشاكل عمال المناجم بجرادة وجبل عوام، وعلى المستوى السياسي فأنتم تعرفون أن محمد بنسعيد هو الوحيد الذي تجرأ على طرح قضية تازمامارت داخل البرلمان في الوقت الذي كان الجميع يخشى الحديث عن الموضوع، سواء منهم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، المرحوم علي يعتة، بوستة. نفتخر أيضا بتجربة برلماني مكناس محمد زيدان الذي طرح ملف المهدي بنبركة لما كان أوجار وزير حقوق الإنسان. اذن على المستوى السياسي سنستمر في طرح القضايا الكبرى داخل البرلمان، والجانب الثاني هو أن برلمانيي الفيدرالية سيتقدمون بمقترحات سواء فيما يتعلق بتعديل قوانين المالية أو سواء فيما يخص مقترحات القوانين، وفي نفس الوقت لن نتخلى عن الشارع.

* لكن البعض يقول إن أحزاب اليسار تشكو من عطب تنظيمي، فتواجدها في الشارع، في الجمعيات، في المعامل، في الأحياء، يبقى دون المستوى المطلوب، ما الدافع الى عدم بناء جسور مع المجتمع لتعبئته بشكل يومي؟
- لا.. لا.. هذا المعطى غير صحيح من الناحية العلمية، فالحركات الاحتجاجية الموجودة في الشارع يؤطرها اليسار.. ولنبدأ بالعمل النقابي، فالعمل النقابي بالشارع تقوده الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والتي تتكون من أعضاء ينشطون باليسار، فمعظم نشطاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ينتمون للمؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي. اذن العمل النقابي يقوده نشطاء ينتمون لليسار. فيما يخص جمعيات المجتمع المدني، نجد عددا هاما من الجمعيات تضم نشطاء يساريين والذين تمكنوا من القيام بعمل تنموي ليس بالهين، ويمكن أن أعطيك أسماء عدد من الجمعيات، خذ مثال الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فمن المعروف محدودية الفروع التي يسيطر عليها النهج الديمقراطي، لكن باقي الفروع تجد فيها نشطاء ينتمون للحزب الاشتراكي الموحد أو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ولنذهب الى هيئات المحامين، من يرافع عن المظلومين؟ تجد النقيب بنعمرو أو محامين بالطليعة أو الحزب الاشتراكي الموحد. وفيما يخص الحركات الاحتجاجية بالشارع، لا توجد أي حركة احتجاجية في أي مدينة في المغرب لا نسجل فيها حضورنا، خذ مثال الاحتجاجات ضد «أمانديس» في الشمال، فرفاقنا في طنجة وتطوان كانوا من العناصر الأساسية التي تقود هذه الاحتجاجات، دعني من كلام المخزن عن كون جماعة العدل والإحسان هي التي تحرك هذه التظاهرات فهذا غير صحيح، صحيح أن العدل والإحسان حاضرة، لكن من يقود هذه التظاهرات ويحرص على عدم خروجها عن سكتها الصحيحة وتحولها الى فوضى هو اليسار، خذ مثال الاحتجاجات التي اندلعت منذ تعيين حكومة بنيكران وضمنها احتجاجات تازة والتي عرفت حضوري شخصيا رفقة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب، خذ مثال احتجاجات سيدي افني، حيث كان المناضلون يعقدون اجتماعاتهم في مقر الحزب الاشتراكي الموحد، وكان محمد مجاهد الأمين العام السابق للحزب قد واكب هذه الاحتجاجات حيث كان يتلقى اتصالات هاتفية في الخامسة صباحا تفيد بوجود اقتحامات لبيوت المواطنين..فجميع المناطق التي توجد فيها حركات احتجاجية تعرف حضور لنشطاء اليسار.

* لكن هذا لا ينفي وجود عطب تنظيمي بين قوة الحركات الاحتجاجية التي تحدثتم عنها والعضوية في أحزاب اليسار التي تبقى دون التطلعات؟
- صحيح..لكن هذا غير مطروح فقط بالنسبة لأحزاب اليسار، بل مطروح بالنسبة لجميع الأحزاب السياسية، فكما تعلم فالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية شكل قوة جماهيرية هائلة ومع ذلك كان عاجزا عن استثمار قوته الجماهيرية على المستوى التنظيمي، فليس هناك تطابق مطلق بين عدد المتعاطفين وعدد الأعضاء وهذا المعطى مطروح في جميع الأحزاب في العالم، فدائما تجد نواة حزبية مكونة من مناضلي وأعضاء الحزب ولكن يتوفر على محيط واسع جدا من المتعاطفين، وكلما كان هذا المحيط واسعا ومتنوعا كلما كان الحزب قادرا على الوجود والاستمرار، وكلما ضاق هذا المحيط كلما انعكس ذلك على الحزب، وأعطي مثال 100 شخصية من المثقفين التي بعثت رسالة الى الأمينة العام للحزب الاشتراكي الموحد، هل هم أعضاء في الحزب؟ لا.. ليسوا أعضاء بالحزب ولكنهم يشكلون قوة فكرية وأخلاقية والتي تمنحنا إمكانيات مهمة للامتداد وسط فضاء المثقفين والإعلاميين والفنانين، وأشير أن من بين أهدافنا في الانتخابات ليس هو الحصول على المقاعد فقط، بل أيضا التوسع التنظيمي سواء كبنيات أو كأفراد، وانفتاحنا على المجتمع هو الذي مكننا من الحصول على نتائج طيبة خلال الانتخابات الجماعية السابقة، وأقدم مثال المناضلة اليسارية فاطمة المغاري التي منحناها التزكية في تطوان كوكيلة اللائحة والتي لم يسبق لها الانخراط في أي تنظيم كما أن زوجها كان من ضمن المعتقلين السياسيين في زمن سنوات الجمر والرصاص، فتبنينا للانفتاح هو الذي جعلنا نمنح التزكية لهذه المناضلة رغم كونها لا تنتمي لأي حزب من أحزاب فيدرالية اليسار.

* البعض يقرأ الفنجان متوقعا اقتسام النتائج بين «البام» و«البيجيدي» في حالة ما إذا تحققت هذه النبوءة، هل ستتركون المغاربة يتعرضون للجلد على يد «البام» و «البيجيدي»؟
- لا.. نحن قوة ديمقراطية معارضة، لدينا مشروع للمجتمع الديمقراطي، فلا البام ولا البيجيدي.. إنهما وجهان لعملة واحدة وكلاهما يحملان مشروع للاستبداد، فالأول يتبنى الاستبداد باسم الديمقراطية والحديث عن الحداثة، والثاني يشرعن الاستبداد باسم الدين، ثانيا كلا الحزبان يخدمان الاستبداد وغياب الديمقراطية في البلاد، وحزب العدالة والتنمية لم يحارب الفساد كما أن مشروع «البام» لا يتضمن محاربة الفساد بل هو مشروع لدعم البورجوازية الكبرى وبورجوازية التهريب وبورجوازية الفساد وزراعة المخدرات.. إذن لدينا مشروعنا ووجهة نظرنا وهي النضال من أجل الديمقراطية وإقامة ملكية برلمانية حيث تكون للحكومة مسؤوليات وتحاسب عليها، وتكون مشكلة من صناديق الاقتراع بجميع أعضائها، وهذا الشرط غير متوفر في الحكومة الحالية، فهي مشكلة من وزراء ينتمون للأحزاب المشكلة للحكومة ووزراء تكنوقراط ووزراء للسيادة ، فكيف يمكن لرئيس الحكومة أن يحكم  في وضع كهذا...بنكيران ورغم السلط التي منحت له بمقتضى دستور 2011 كرر بشكل أسوأ تجربة عبد الرحمان اليوسفي وقد كانت لعبد الرحمان اليوسفي الشجاعة لكشف هذا الوضع في محاضرته الشهيرة ببروكسيل، بينما بنكيران لا يمتلك الشجاعة.. يتحدث عن الأشباح والتماسيح.. لكونه يفتقد للشجاعة لكشف الحقيقة، وقد عاينتم رد الديوان الملكي لما تحدث نبيل بنعبد الله عن هذه النقطة الأساسية، وهذا الإشكال الذي نعيش فيه أي وجود حكومة هنا وحكومة هناك.. سلطة دستورية واضحة مقابل سلط أخرى تمارس يتطلب تعديل دستوري حيث يتم تركيز كل السلط التنفيذية في يد الحكومة، وحيث يكون البرلمان سلطة تشريعية وتقريرية ومراقبة لجميع المسؤولين مدنيين وعسكريين.. وما نتحدث عنه الآن سبق للمهدي بنبركة أن تطرق له منذ عام 1963 في كتابه «الاختيار الثوري» وقد ذكرنا به في إطار الكتلة الديمقراطية عام 1992 وعام 1996 وللأسف فعبد الرحمان اليوسفي تغافل هذا المعطى بقبوله تولي رئاسة حكومة التناوب وتغليب منطق «الثقة»، لكنه سرعان ما اصطدم مع الواقع.. وها هو الآن بنكيران قد اصطدم بنفس الواقع رغم أنه قدم جميع التنازلات، ورغم أنهم أصدروا قانون «ما للملك وما لبنيكران» ومع ذلك فالسلطة ليست في يد بنكيران0 وبالتالي لايمكن إقرار الديمقراطية في غياب فصل حقيقي للسلط مع أهمية إقرار المحاسبة.. ومادامت هذه الضبابية موجودة فلا يمكن أبدا القضاء على الفساد، ومحاربة الفساد يحتاج الى قوانين واضحة، فلحد الساعة ليس لدينا في المغرب قانون «من أين لك هذا؟» وهو الشعار الذي رفعته الكتلة الوطنية منذ السبعينيات من القرن الماضي..موضوع «الأرض لمن يحرثها» فعدد من الأشخاص لا علاقة لهم بالأرض استولوا على أراضي تعود في الأصل الى فلاحين جردت منهم من قبل الاستعمار ولما غادر الاستعمار لم يتسلموا الأراضي التي سلبت منهم.. لهذا فالمعركة مازالت طويلة، ونحن لم نبدأ لحد الآن خطوات الديمقراطية، وبالتالي فمعركة الانتخابات لا تعني تغيير فلان بفلان وحكومة بحكومة أخرى بل عمق المعركة هو هل سنحقق خطوة نحو الديمقراطية أي الانتقال الديمقراطي الحقيقي كما تم في اسبانيا و البرتغال وكما تم في اليونان وجنوب إفريقيا وكما يتم الآن في بعض بلدان أمريكا الجنوبية أم سنظل نعيش مرحلة ما قبل الديمقراطية والتي مازلنا نعيشها؟

شعيب حليفي، كاتب وروائي

حان الوقت للقطع مع اعتبار الانتخابات كلعبة قذرة

 

* عاش المغرب العديد من المحطات الانتخابية منذ الاستقلال إلى اليوم، غير أن محطة 7 أكتوبر 2016 تعد الأكثر إثارة. ما السبب في كون رهانات هذه المحطة تتميز عن سابقاتها؟
- تتميز الانتخابات الحالية عن سابقاتها، لكون كل مرحلة مغربية تختلف عن الأخرى لأن الوعي في تحول دائم كما أشكال التحايل والكذب والتزوير. لكن الجديد في هذه اللحظة هو أن الشعب المغربي وصل إلى الحافة مع تجارب سياسوية أنهكت ودمرت أحلامه في العيش الكريم، وبعد تفتيت جبهة الفكر التقدمي الذي كان أملا أخيرا للمغاربة. ففي هذه الانتخابات استفاق الأمل في التغيير في اللحظة التي اعتقدت بعض الأحزاب «الرجعية» أو تلك التي ترتدي جلباب الحداثة وهي في عمقها تمثل الوجه البشع للانتهازية السياسية.. أن الشعب المغربي لم تعد له المناعة وهو أمام اختيارين أحلاهما مُرّ. الجديد أن ملامح الفينق الذي ينهض من رماده يعود من فضاء الفكر اليساري المؤمن بآمالنا لنبدأ رحلة أخرى من الصراع وتجديد الأمل والحياة التي نحبها ولن نفقد أبدا الأمل في تحقيقها. وتأتي لحظات عليّ -  في اللحظات التي يغمر فيها المغرب مدّ من التيئييس - أقنعُ نفسي فيها أن أرواحنا وأجسامنا هي من طين اسمه الانتصار .. يمكنه أن يمرض ويموت ويحيا ولكنه لن يتحول إلى هزيمة أبدية. الخيال والتاريخ، مع النظر بصفاء إلى المرحلة، هو ما يمنحنا المناعة التي لن تدمرها كل الآليات والأساليب القاتلة.

* منذ الإعلان عن الحملة الانتخابية وقبلها بقليل عاش الرأي العام على تسويق إعلامي مفاده أن المغرب يعرف قطبية بين البيجيدي والبام. هل هذه الثنائية في نظرك حقيقية أم وهمية؟
-  هذه واحدة من الخدع التي يتم ترسيخها، ليس في أذهان الشعب المغرب بمختلف شرائحه، وإنما في أذهان أغلب الأحزاب السياسية الأخرى التي دخلت السباق لتكون مثل الكومبارس ضمانا لمساحة في المشهد القادم. إن الانتخابات كانت وما زالت، لدى الحاكمين، ليست مجالا لترسيخ وممارسة الديمقراطية والانتصار على التخلف، بل هي محطة للعب القذر الذي يهدف إلى ترسيخ الخنوع والشطط السياسي.
وأعتقد أن السحر، في هذه الحالة، ينقلب على السحرة. هناك فئات واسعة من المثقفين والشعب المغربي الذي أدرك أن هذا الخيار المطروح هو خيار سيجر البلاد والعباد إلى تيه جديد وسيعرف معه المغرب احتقانا بأشكال أخرى. لا أعرف لمَ كل هذه الحرب علينا. نحن نريد أن نحيا في سلم وسلام ونعيش بكرامة وعز وشموخ. لا نملك بترولا ولا ذهبا ولكننا نملك هذه الأرض بتاريخها الذي لم يستسلم يوما للظلم، ونملك حلما بشكل حياة فيها حياتنا وأحلامنا.. لماذا يريدوننا أن نكون عبيدا وقطيعا؟

*  معظم مبحري الفضاء الأزرق (الفيسبوك) يشيرون في تدويناتهم إلى أن المد الأصولي المتطرف اكتسح عقول وأذهان العديد من المغاربة حتى صرنا نعتقد أننا نعيش في القرون الوسطى مما نشاهده من مظاهر لا تمت بأي صلة للمجتمع المغربي. كيف تقرأ من وجهة نظرك هذا المد الأصولي؟
-  من علامات التخلف والتقهقر والاستسلام هو سيادة الجو الخرافي الذي هو جزء من الظلام والظلامية.  وهذا التخلف والظلامية لا توجد فيما ينشره الأصوليون المتطرفون، بل فيما يترتب عن ذلك من تنوع أشكال التطرف والانحراف. وأرى أن مهمة المثقف المغربي اليوم، والمجتمع المدني ونخبته المتنورة التي تعرضت للضربات القوية في قُوتِها ومبادئها، تزداد مسؤولية للاصطفاف ومواجهة كل هذا التخلف الذي يمكننا الانتصار عليه ... لأن هذه الظواهر في مجتمعنا هي طارئة وتبقى على السطح فقط تقتات من مساحات اليأس والفقر والنفوس المحبطة.  

* الملاحظ أن المثقفين بالمغرب يريدون «القبة» (أي الوجاهة الاجتماعية) دون أن يتحملوا كلفة الاصطفاف وراء هذا المشروع أو ذاك. كيف تفسر في نظرك استقالة المثقف المغربي في لعب دوره كموجه ومرشد للنقاش العمومي بالمغرب؟
- إن الضربات التي كالها الحاكمون وجهات كثيرة منذ سنوات طويلة، توجّهت أساسا للمثقف الذي أسس للعمل السياسي والنقابي والجمعوي المدني وحقق مكتسبات كثيرة. هذه الضربات أتت أكلها بأشكال مختلفة، أولها شراء جزء مهم من النخبة المثقفة، ثم دفع جزء آخر إلى الاستسلام والصمت بالإضافة إلى تشجيع مجال الانتهازية وتبرير الأفعال مهما كانت دنيئة بوسائلها. ولكنني لا أذهب - بهذا التوصيف المبسط - إلى الاستسلام بغياب واستقالة المثقف المغربي، ولكنني مؤمن بأن المثقف الحقيقي يولد يوميا وحاضر وإن كان لا يملك الآن القوة الكافية للتأثير من خلال كتاباته في مجالات التعبير والفكر والخطاب. هناك جبهة من خيرة المثقفين ولكنها مشتتة لم تجد بعدُ سبيلا لالتحامها بعد كل الضربات التي طالت المنظمات الثقافية والجامعة والأحزاب. التفكير اليوم كيف نعيد تشخيص وضعية المثقف ونحدد أدواره ووسائل مساهماته والإطار ... إننا نعمل في جزر متفرقة لا تمنحنا القوة الكافية في جو يستمر فيه عدم الثقة وربما اليأس والاستسلام أن التغيير في المغرب مستحيل.والدليل هو صدور بيانات من المثقفين من حين لآخر تدق ناقوس الخطر وتصرخ في وجه الذي اعتقدوا أن المغاربة أصبحوا قطيعا، فهناك أصوات تنهض من الرماد نارا حارقة تطهر ثوبنا من المتجبرين الذين فقدوا  الإحساس بمغربيتهم.

عبد الرحيم تافنوت، عضو فيدرالية اليسار الديمقراطي

الخيار الثالث.. تذكرة الولوج لتحديث السلطة والمجتمع بالمغرب

 

* انتخابات السابع من أكتوبر يراها البعض صراعا بين مشروعين وتدافع بين قطبي التيار الأصولي الديني والأصولي المخزني ما هو موقفك من هذا التصنيف المتداول وكيف ترى تموقع اليسار الديمقراطي في هذا المشهد؟
- للتصحيح يجب القول أولا بأن المغرب اليوم أمام اقتراح لثلاثة مشاريع، وقد تأكد لنا ذلك قبل وبعد مجيء حركة 20 فبراير، وسجلناه في وثيقة اشتغلنا عليها في المؤتمر الأخير للحزب الاشتراكي الموحد، وبالتالي فهناك المشروع الأصولي الديني لحركة الإسلام السياسي والمشروع الأصولي المخزني المحافظ الذي يريد إبقاء الأمور كما كانت عليه في عهد الراحل الحسن الثاني، والمشروع أو الخيار الثالث الذي نمثله ونتبناه وهو خيار نعني به الخط الذي يلتقي فيه كل الديمقراطيين المغاربة الذين يؤمنون بالحداثة والتي هي من جهة مواجهة الاستبداد والدعوة إلى فصل السلط حتى يتضح الأمر بين المجال الديني والمجال الدنيوي وحتى لا يستعمل الدين في قضايا السياسة، كما تعني الحداثة من جهة ثانية ليس فقط تحديث السلطة السياسية بل تحديث المجتمع أيضا وتغيير العقليات. وهذا التحديث المأمول يمر عبر تدشين نهضة أو ثورة ثقافية تشمل المجتمع برمته عن طريق الأدوات الرئيسية لإنتاج المعرفة والتي هي المدرسة بكافة أسلاكها و المعاهد والمدارس الكبرى والجامعات في كافة المجالات من العلوم الإنسانية والعلوم الحقة؟

* انطلاقا من هذا المنظور أين تحددون شعب اليسار الذي تستندون عليه؟
- سأجيبك بما أجابت به «مارتين أوبري» الكاتبة العامة للحزب الاشتراكي الفرنسي وكانت تقود الحملة الانتخابية لجوسبان ذات سنة عندما طرح عليها نفس السؤال فردت بأن شعب اليسار موجود في كل مكان، في المؤسسات والمقاولات في قطاعات رأس المال وموجود في الكنيسة وفي المسجد والمدرسة في الشارع والمقاهي والحانات، فشعب اليسار هو في كل مكان.

* لكن كيف يمكن أن يصل خطاب اليسار إلى الشعب الموجود في كل مكان خاصة وما يعاب على اليسار عندنا أنه يتحرك متأخرا وفي الغالب عندما لا تبقى على موعد الانتخابات إلا بضعة الأشهر كما لا نراه حاضرا إلا في المجتمع المدني في الجمعيات والتظاهرات الثقافية في وقت ينبغي أن يثبت حضوره سياسيا أيضا؟
- بالنسبة لي منذ صغري اقتنعت بالفكر اليساري الذي ينادي بالعدالة الاجتماعية الكبرى في المجتمع وأنا أعرف بالممارسة أن المناضلين اليساريين الآخرين يشتغلون مثلي طيلة السنة، والحزب الاشتراكي الموحد الذي ارتبط به من الأحزاب الأولى في المغرب الذي يقوم بشكل مستمر بدورته التنظيمية العادية، وبالتالي فالأحزاب اليسارية في المغرب هي التي تشتغل على طول العام وتشتغل في المجتمع المدني ولا تشتغل لخدمة أغراضها الخاصة، و بالتالي فالأحزاب الأخرى هي التي ينبغي وصفها بالأحزاب الانتخابية التي لا تظهر إلا في موسم الاستحقاقات، أما مسألة تواجد اليسار في المجتمع المدني خاصة فأفسر ذلك بعاملين، العامل الأول يتمثل في أن الدولة المخزنية تحاربنا بقوة ولم تترك لنا إمكانية التطور الطبيعي لأننا نزعجها حيث نطرح مشروعا واضحا اسمه الملكية البرلمانية التي يسود فيها الملك ولا يحكم، وهذه الأطروحة جعلتنا دائما نتلقى الضربات تلو الضربات والحصار الكبير هذا في الوقت الذي أعطي فيه للحركة الإسلامية كل الهوامش الكبرى لكي تنتعش وتتقوى حتى أصبحت لها اليوم مواقف مضادة للدولة نفسها والعامل الثاني أنهم يضايقوننا بكل ما في وسعهم وبكل الأدوات فكيف تريد لقوة اليسار أن تكون بارزة وكيف يمكن قياس ميزان القوة في مثل هذه الظروف؟ نحن نقول أن المخزن إذا التزم الحياد الحقيقي و«هز يدو» و«الداخلية ما بقاتش تتدخل »سنكون في انتخابات 7 أكتوبر من أكبر القوى السياسية الانتخابية، وأنا متيقن من ذلك لأنه بحكم احتكاكنا مع المواطنين لمسنا تجاوبهم معنا ومع خطابنا الواضح والصريح والجريء ومع برنامج 100 تدبير نقترحه وغير مكلف للدولة يقدمه مرشحو اليسار الممثل في فدرالية اليسار الديمقراطي وبه نراهن على تحقيق أفضل نتيجة، ونحن من أجل ذلك لا نطالب منهم «باش يعاونوننا بل ياخدو فلوسهم ما عندنا ما نديرو بيها، نطلب منهم فقط يعطونا غير التيساع!؟

الشاعر حسن نجمي، الرئيس الأسبق لاتحاد كتاب المغرب

شيطنة لشكر  كانت خيارا واضحا لإقصاء الاتحاد الاشتراكي من أي معادلة

 

* عرف المغرب العديد من المحطات الانتخابية منذ الاستقلال إلى اليوم، لكن محطة 7 أكتوبر 2016 تعد الأكثر إثارة. ما الذي جعل هذه المحطة تتميز عن سابقاتها؟
- إنها ثاني محطة انتخابية تشريعية في إطار دستور2011.وكانت المحطة السابقة قد أعطت المركز الأول لحزب العدالة والتنمية وأكدت على تقهقر قوى اليسار في المغرب، خصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
الانتخابات الحالية تميزت حتى الآن ببرود في الحماسة الانتخابية، وبإيقاع بطيء في تجاوبات الناس، وبنوع من الحذر المتبادل شبيه بحذر فريقين لكرة القدم على أرضية الملعب. وككل الانتخابات السابقة، على الأقل منذ تشريعية 1993 وحتى الآن، هناك استثمار ملموس لوسائل وتقنيات الماركتينغ السياسي وأساليب الإشهار الانتخابي الحديثة في تزامن واضح مع أساليب الدعاية التقليدية.
وما أثر انتباهي أكثر هو نوعية الخطاب التعبوي المهيمن في الساحة إذ جرى التأكيد والإلحاح على أن هناك تقاطبا سياسيا وتنظيميا بين حزب العدالة والتنمية من جهة، وحزب الأصالة والمعاصرة من جهة أخرى في تجاهل شبه تام لمختلف القوى الأخرى، ما سمح لبعض مكونات اليسار بالحديث عن خط ثالث في هذه المعركة الانتخابية.
في تقديري، كان هذا التشخيص نتيجة للتسخينات الإعلامية المخدومة أكثر منه تعبيرا عن واقع الحال. ولو سمحت لنفسي بإبداء وجهة نظري غي هذا الإطار، لقلت إن هناك- إن كان لابد من الحديث بمنطق القطبية في هذه الانتخابات التشريعية (7أكتوبر2016)- تقاطبا بين حقل المحافظة والتقليدانية والتراجع والردة، أقصد على مستوى الثقافة السياسة والخطاب والطقوس والتصرفات والعلائق .. وحقل التحديث والمأسسة والبناء الديمقراظي.
والمؤسف أن قوى اليسار لم تنجح في إعادة بناء ذاتها ضمن استراتيجية وحدوية متكاملة العناصر والخطاب. فبينما ظل حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي) في علاقة لصيقة بحزب العدالة والتنمية (الإسلامي) وهو تحالف ارتقى إلى مستوى وجودي بالنسبة لفرقنا تحرك الإخوة والرفاق في فدرالية اليسار التي تضم ثلاثة أحزاب (المؤتمر الوطني الاتحادي، الحزب الاشتراكي الموحد، الطليعة) بمعزل عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وحدث ذلك بعد ندوة وطنية شاركت فيها مختلف مكونات اليسار وجرى الحوار والحديث عن وحدة ممكنة، وأين؟ داخل مقر الاتحاد الاشتراكي في الرباط، مما كان قد أعطى بعض الأمل. ولكن الظاهر أن ذلك الحوار تمت إعاقته فلم ينتج عنه أي شيء مثمر للأسف. والنتيجة، هذا التشرد بين حزبنا الشيوعي المغربي الذي ربط مصيره عمليا بالعدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي الذي تقدم ببرنامج يجعله جاهزا للمشاركة في التسيير، وفيدرالية اليسار التي تقدمت عمليا ببرنامج غير انتخابي، وإنما ببرنامج يكتفي بدور معارض فحسب في حالة ما إذا توفق بعض إفراده. وظل حزب النهج الديموقراطي خارج العملية الانتخابية برغبة منه في النأي بنفسه عن المشاركة والاكتفاء بخيار المقاطعة.
كنت أتمنى أن تكون المواجهة الانتخابية الحقيقية بين قوى اليسار وقوى المحافظة للمزيد من الفرز، والمزيد من تحديث الخطاب والممارسة السياسيين. الواقع الحالي لم يساعد على أن نتقدم في حياتنا السياسية الوطنية في المغرب، بكل أسف.

* هناك مفارقة تتمثل في الربط بين «شيطنة» الاتحاد الاشتراكي و»شيطنة» إدريس لشكر بالخصوص، مما أثر على الكتلة الناخبة المتعاطفة مع حزب الوردة. ما الذي في نظرك أدى إلى هذا الالتباس؟
- كما أشرت فعلا، كنت ولا أزال ضد أي ربط بين الأشخاص والحركات السياسية رغم إدراكي العميق لحجم وثقل الفاعلين الأفراد في صياغة بعض أوجه الممارسة السياسية، في المغرب وخارجه. وكنت أتصور أن شيطنة المسؤول الأول الجديد عن الاتحاد الاشتراكي هي مجرد رد فعل سريع عقب انتخابه في المؤتمر الاخير للاتحاد الاشتراكي ككاتب أول. ولكن التطورات جعلت الأمر شبه خيار واضح لإقصاء الاتحاد الاشتراكي من أي معادلة، بما فيها الإجماع بأنه خارج اليسار طالما أن هناك تقاطبا، وأن هناك خطا ثالثا... وما إلى ذلك. وهذا مجحف في حق قاعدة واسعة من الاتحاديات والاتحاديين في المغرب غير مهتمين بتوجه انتخابي يساري يدخل الانتخابات من أجل المشاركة، وإذا «جاب الله» من أجل المعرضة!
الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي مجرد شخص له حدوده، وله نقصه الخاص، وهو عابر في النهاية. لكن ينبغي أن يستمر الاتحاد الاشتراكي بمن فيه وما فيهن وبما له من رصيد تاريخي، وبما أسهم به تضحيات. الاتحاد الاشتراكي ليس ملكية عقارية ينبغي أن تكتب في اسم شخص إلى الأبد، وبالتالي ينبغي شيطنته على الأساس. صحيح، الاختلاف السياسي قائم بين مكونات اليسار المغربي، ولكنه اختلاف كان قابلا ولا يزال للترتيب.
على أن أؤكد أيضا أنني ضد منطق التشخيص في الصراع السياسي، لأن الحوار يتوقف ومستوى النقاش ينحط. كما أنني ضد شيطنة الفاعلين السياسيين سواء تعلق الأمر بإدريس لشكر أو بعبد الاله بن كيران أو بإلياس العماري. هذا منطق مرفوض. وقد عبرت عن وجهة النظر هذه سنة 2011 في حوار مع هذه الجريدة بالذات. ويمكن الرجوع إليه لاختبار ما كنت قلته.

* مؤخرا وقعت إشارة ذات دلالة سياسية كبرى تتمثل في إطلاق اسم عبد الرحمان اليوسفي على شارع بطنجة. ما هي قراءتك لهذا الحدث، وكيف يمكن استثماره من طرف كل الديمقراطيين في المغرب؟
- لقد كان إطلاق اسم سي عبد الرحمن اليوسفي على أحد شوارع مسقط رأسه طنجة حدثا رمزيا وطنيا كبيرا. ومثلما أثار هذا الحدث الانتباه والاهتمام بل وإكبار الشعب المغربي لهذه الالتفاتة الملكية، أساء به البعض الظن لاعتبارات تستهدف الذات الاتحادية أساسا، إذ كنا مقربة من الموعد الانتخابي.
اليوسفي قائد وطني كبير وأحد رموز المغرب المعاصر، وهو من الذين لا يسعون إلى تمجيد الذات، ولا البحث عن نياشين يعلقها على صدره. وكون ملك البلاد يقرر هذه الرمزية، معناه أن المغرب ما زال بخير، وينتبه إلى تاريخه وأبنائه وبناته من الذين كان لهم حضور في هذا التاريخ، إن تعلق الأمر بالمواجهة من أجل الاستقلال الوطني أو بالمواجهة من أجل البناء الديمقراطي.
ولكن الأمر يقف عند هذه الرمزية فحسب. وأن تسمي، أي أن تطلق اسما على شيء أو على أحد، هو أن تعطي معنى. وقد التقط الشعب المغربي هذا المعنى.  وها هو اسم عبد الرحمن اليوسفي ينضاف إلى أسمائنا الوطنية الشامخة في شوارع البلاد، إلى أسماء محمد بن عبد الكريم الخطابي، علال الفاسي، محمد بن الحسن الوزاني، اليزيدي، المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبييد، علي يعتة، عمر بن جلون، وكذا أسماء رموز المقاومة المغربية المسلحة ضد الاستعمار الأجنبي من أمثال شهدانا محمد الزرقطوني، علال بن عبد الله، إبراهيم الروداني، الرشيدي، الحريزي، أحمد الصباغ، الطاهر السبتي، عبد الرحمان الصحراوي، الشفشاوني.. إلخ.
هي مجرد رمزية، كما قلت، لها أهميتها التاريخية والثقافية، لكن أغلب الفاعلين السياسيين في المغرب لا يستغلون بالرمزيات ولا يستثمرونها. ولا يفوتني هنا تحديدا أن ألفت الانتباه إلى تلك الإشارة الثمينة من جانب الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، حين استقبل بعض مرشحي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذه الانتخابات التشريعية (الرباط، من طنجة، من الدار البيضاء.... ومن مختلف القطاعات الاجتماعية). فقد سمح لنفسه باستقبالهم متمنيا لهم النجاح، والتقط معهم الصور، وقال بضع عبارات وجمل أذن لضيوفه باستعمالها إعلاميا. ومعناه أن القائد الاتحادي الكبير غادر الحياة السياسي الوطنية، لكنه لم يغادر تاريخه ولا انتسابه إلى حركته ورصيدها وأفقها.

* الملاحظ أن المثقفين بالمغرب يريدون «القبة» (أي الوجاهة الاجتماعية) بدون أن يتحملوا كلفة الاصطفاف وراء هذا المشروع أو ذاك. في نظرك كيف تفسر استقالة المثقف المغربي في لعب دوره طموحه ومرشد للنقاش العمومي بالمغرب؟
- شخصيا، لا أومن بأن هناك استقالة مثقفين في المغرب لأنني -على عكس -أرى مثقفين يدلون بآرائهم كل يوم في الصحف والفايسبوك. وهي آراء تتفاوت من حيث القيمة والجدية. كما أرى مثقفين يخطبون ويترأسون تجمعات ويقودون حملات انتخابية، بل وهناك وفرة من المثقفين الذين رشحوا أنفسهم باسم أحزاب وطنية وإسلامية وتقدمية وإدارية.
إن هذا الانطباع لا يعكس حقيقة الواقع. وأظن أن الالتباس ينبثق من مفهوم المثقف وما نقصده بذلك. وغالبا، ما يحدث بعض الإخوة عن «غياب المثقف» و»صمت المثقف» و»عزوف المثقف» وفي أذهانهم صورة معينة لمثقف يتأبط محفظة ويطلق لحية ويجلس في المقهى أو الخمارة، ويكتب الشعر والقصة القصيرة ... والحال أن المثقف كمفهوم أوسع من مثل هذه الصورة المحدودة، على الأقل بالمعنى الذي يمنحه غرامشي للمثقف بوصفه خبيرا في مجاله المعرفي والروحي والفني والتقني، ويعبر عن وجهة نظر تعكس ارتباطه العضوي بطبقة اجتماعية ومصالحها ورهاناتها وآفاقها.
وبهذا المعنى، المثقفون ? كما نرى-يترأسون أحزابا، ويعطون أو يبيعون تزكيات، أو يتسلمون أو يشترون تزكيات. هناك مثقفون بالعشرات مرشحون، أو يدعمون مرشحين، أو يتحدثون باسم أحزابهم في التجمعات والتلفزات والإذاعات والصحف كل يوم... إلخ.
طبعا، هناك مثقفون آخرون ينتظرهم شعبهم ويريد منهم إنتاج الأفكار والمقاربات لتأطير وتوجيه الرأي العام، وهؤلاء يوثرون الصمت الذي يقتضيه الموقف النظري ومسؤولية البحث العلمي. فهم يحرصون على جمع المعطيات، وتتبع أفعال ومواقف وخطابات الفاعلين السياسيين ? أفرادا وجماعات-وتتبع أفعال ومواقف وخطابات الفاعلين السياسيين ? أفراد وجماعات- قبل أن يقدموا قراءاتهم وتأويلاتهم للعملية الانتخابية، وللممارسة السياسية ككل. وأفكر هنا مثلا في بعض المفكرين، وفي بعض الباحثين المتخصصين في مجالات العلوم السياسية والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، والذين لهم الحق في الصمت قبل بلورة فكرة أو رؤية سرعان ما تصبح مشاعا فكريا تتداوله الناس وتتماهى به.
في الاتجاه نفسه، لاحظت أن هناك تململا إيجابيا في وسط أسرة الفنانين المغاربة، وهذا شيء جديد وإن كان الحجم محدودا جدا. فقد بادر بعض الممثلين والمغنين إلى التعبير علانية عن التزامهم بالتصويت لفائدة بعض مكونات اليسار، وذلك عبر الفايسبوك في إشارة دعم واضحة أكثر منها التزاما حزبيا. والمؤسف أن عددا وافرا من المثقفين والشباب والفنانين الذين عبروا عن موقفهم الانتخابي غير مسجل في لوائح التصويت، ومن سجل نفسه في الغالب يعزف عن الذهاب إلى مكاتب التصويت. وهذا ما لا أتمناه هذه المرة.

يزيد بركة، عضو الهيأة التنفيذية لفيدرالية اليسار، عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة

اسمعوني أنتم.. أنا لا أريد أن أسمع أحدا

 

لم تبق إلا ثلاثة أيام على توقف الحملة، ويمكن القول من الآن وبدون مبالغة أن الحكومة بقيادة رئيسها، نجحت في إفشال النقاش العام حول أهداف وخطط البرامج الانتخابية. طوال مساري السياسي سواء لما كنت أقاطع الانتخابات أو لما أشارك فيها كان من يتولى الشأن العام ولو كان غارقا في يمينيته يتحلى بشيء من الخجل ورد من خلال خطبه وتدخلاته وتصريحاته على الكثير من النقاط التي تشغل الرأي العام في التشغيل والتعليم والصحة.. كانت الزرواطة هي سيدة الموقف ولكن كان شيء من النقاش، اليوم لا أرى اليوم من طرف الحكومة إلا الزرواطة وهناك إرادة واضحة حتى يتم إقبار النقاش العام العلني.
لا أقصد طبعا شرح وتبليغ المواطنات والمواطنين ما يحتويه برنامج كل حزب من حي إلى حي ومن دوار إلى دوار ولا ما تحمله الخطب والمهرجانات، لأن هذا ليس نقاشا حيث يغلب عليه الإنصات. بل أقصد بالنقاش العام العلني المناظرات عبر الإعلام العمومي والجدال حول الأرقام في الشغل وفي التمويل وفي المديونية وفي التعليم وفي الصحة... وحول تدقيق بوصلة التنمية، وحول التربة السياسية التي نتحرك فيها... وحتى الشرح والتبليغ فلم ينجح فيه إلا من كان يحمل هم الحاضر والمستقبل وقادر على أن يشرح البرنامج لأنه ساهم في بلورته وليس من يوزع الأوراق من منطلق القيام بخدمة مؤدى عنها.
لقد حاول رئيس الحكومة أن يشق طريقا خاصا به يشغل به الناس طوال أيام الحملة، وهو أن المشكل الكبير هو مجموعة من الموظفين في الديوان الملكي مدفوعا بأطراف من الدولة نفسها تنافس الموظفين وتنعتهم بأنهم صغار لا يفهمون شيئا في السياسة وقد أفقدوا للدولة هيبتها.. أي بصريح العبارة سياسة طاغية في الحملة وهذا جيد ولكن سياسة تفيد فقط من يريد أن يغير موظفين بآخرين ويبقى الهيكل المخزني كما هو. وأنا أعتقد أن الهيكل الذي يريده رئيس الحكومة هيكل أكثر استبدادا وغلوا. لما فشلت المحاولة لم يجد رئيس الحكومة إلا أن يفشل النقاش. لقد كانت هناك فرصة ولكن أضاعها ليس كما يقول لأنه لا يريد أن يرى وجوها، بل لأنه لا يريد أن يناقش قضايا محددة. لا تريدون أن أتحدث في السياسية التي أريدها، فليكن أنا أيضا لن أرد عن أي سؤال من الأسئلة الملحة المطروحة. إن الوجوه التي سيتوجه إليها والتي ستراه هي وجوه المواطنين والمواطنات والصحافيين والمثقفين... وليس فلان أو علان يريد أن يشغلنا بهم. ولهذا اختار أن يتكلم لوحده لأن وسيلة الخطاب من مهرجان ليس إلا كلاما من جانب واحد.. اسمعوني فقط.. أنا لا أريد أن أسمع أحدا.. ما ترفضونه لن أتكلم فيه الآن.. سأتكلم بعد الانتخابات إذا فزت وأقول لكم أيها المغرضون تقولون إن الشعب لا يريد سياسة الأسعار في الشغل والتعليم والصحة والمالية والمديونية... ها هو الشعب أيدني وقال لي سر على بركة الله.. إنها طريقة كل عتاة الدكتاتوريين في فهم الديمقراطية وتصريفها وممارستها.