الأربعاء 1 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

هل سيلبي المغاربة نداء المشاركة في التصويت لقطع الطريق على اللصوص و«الشنّاقة»؟

هل سيلبي المغاربة نداء المشاركة في التصويت لقطع الطريق على اللصوص و«الشنّاقة»؟

إن مقاطعة الانتخابات استجابة لـ«دعوة للمقاطعة» أو  انسجاما مع موقف شخصي من الوضع السياسي العام، لن يخدم بأي شكل من الأشكال البلاد، بل يترك المجال فارغا لسماسرة الانتخابات وعديمي الضمير للعبث بمصير الوطن،

 

إن أول ما ستكشف عنه انتخابات يوم السابع من أكتوبر 2016، هو نطقها بالحكم بين طرفي النزاع السياسي الأكبر في البلاد، اللذين هما المشاركة في الانتخابات والعزوف عنها، ولصالح أي منهما ستكون كفة هذه الانتخابات راجحة، وأي من الكتلتين ستسحق الأخرى؟
فإذا كانت الديمقراطية، التي يتطلع إليها أغلب المغاربة، تقتضي مشاركة المواطن في تدبير الشأن العام، عبر الترشح أو التصويت لاختيار من يمثله في البرلمان، أو عبر غيرها من الوسائل التي تخولها له القوانين، فإن محطة 7 أكتوبر ستكون حاسمة في سد الطريق على المتاجرين بالأصوات والمستفيدين من العزوف، الذين يجندون أتباعهم ويعبئونهم من أجل تحقيق الفارق، وإحكام الطوق على مصائرنا، وعلى تدبير شؤوننا، حتى أصبحنا أمام لعبة ديمقراطية يتحكم فيها لاعب واحد، وبكلفة انتخابية صغيرة جدا، حيث أثبتت التجربة أن حزب العازفين هو الفائز الأكبر، بينما الخاسر الأكبر هو الوطن، ما دام العزوف يعني في ما يعنيه تسليم رقاب المغاربة لجماعة أصولية أدركت أن سر نجاحها الانتخابي يكمن في تجييش الأتباع وتحريك الأذرع الموازية، إن على مستوى المنابر الدينية أو الجمعيات الإحسانية أو الصناديق السرية التي تملأ بالهبات القادمة من التنظيم الإخواني العالمي.. ولهذا، فإنها على مستوى الانتخابات، تظهر كقوة ضاربة، والحال أن الذي منحها هذه القوة هو معطى ترجيح العزوف على المشاركة، ومعطى ضعف التأطير الحزبي وترهل بعض الإطارات الحزبية التقليدية التي لم تستطع الحفاظ على كتلتها الناخبة، فضلا عن الالتباس الإيديولوجي والسياسي الذي أدى إلى انصراف شريحة واسعة من المواطنين عن «واجب الإدلاء بالصوت»، حتى وإن كان بالأوراق الملغاة.
إن المشاركة في الانتخابات في أي بلد ينشد الديمقراطية هي الأصل، أما العزوف فهو غصن يابس في شجرة المشاركة، قد تجد ذرائعها في مبدأ «حرية الاختيار» بين المشاركة والعزوف، أو في اليأس من التصويت لهذا الحزب أو ذاك (ما دام الإطار الانتخابي لا يسمح بظهور فاعل سياسي حقيقي يرتبط بالمواطنين على أساس برنامج تعاقدي) أو في ميولات ذاتية كنهها اللامبالاة وعدم الاكتراث بما سيقع، وبمن سيحكم، وبمن سيعارض، وعلى أي أساس سيصوت أم لا. ولذلك يكون العزوف عن التصويت مجرد موقف عدمي لا ينشد سوى الفراغ، ولا يُؤَمِّن سوى بالفراغ، ولا يزرع سوى المزيد من اليأس، ولا يبني أي شيء، ولا يسمن ولا يغني من جوع، و يضر أكثر مما ينفع، ولا يزكي ويغذي في النهاية سوى ذيول وتلابيب ما استحكم من عزوف سابق.
إن التصويت الحر والنزيه يعني الوقوف كحصن منيع أمام سماسرة الانتخابات الذين يستعملون المال الحرام من أجل التحكم في الرقاب، ويعني الوقوف أمام كل المسوخ التي تحاول أن تفرض نفسها على المغاربة بالشرعية الانتخابية.
إن الانتخابات التي ستجري في 7 أكتوبر 2016 تعتبر هي الثانية بعد دستور يوليوز 2011؛ ولا ينبغي أن ننسى أنها تجرى في ظل متغيرات كبيرة جدا مقارنة مع سياق ما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي عزز الحضور «الإخواني» في المشهد السياسي العربي. وهو ما يحتم تعبئة كل الجهود من أجل السير في الاتجاه المعاكس لـ«أخونة الدولة» الذي تنتهجه الجماعة الأصولية «حركة التوحيد والإصلاح» عبر ذراعها السياسي (العدالة والتنمية).
إن مقاطعة الانتخابات استجابة لـ«دعوة للمقاطعة» أو  انسجاما مع موقف شخصي من الوضع السياسي العام، لن يخدم بأي شكل من الأشكال البلاد، بل يترك المجال فارغا لسماسرة الانتخابات وعديمي الضمير للعبث بمصير الوطن، ومن جهة أخرى، فهو تنازل عن حق دستوري إما بسبب اللامبالاة وإما عن اختيار. وفي كلتا الحالتين، فإن الأمر يكتسي خطورة بالغة على مستقبل البلاد. ويكفي أن نتذكر كيف أوصلت تجارب العزوف بلدانا ديمقراطية إلى حافة الانهيار، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا التي كادت، قبل سنوات، أن توقع عن صعود اليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبين.
وكيف ما كان الحال، لقد أثبتت تجربة 2011، أن المغرب دخل مرحلة جديدة، غير تلك التي كانت فيها وزارة الداخلية تصنع الخرائط السياسية والأغلبيات البرلمانية، وأن المغرب وصل إلى مرحلة من النضج يسمح بالتعاطي الإيجابي مع الواقع الذي أفرزته صناديق الاقتراع، حيث كان قد تم الإعلان، بكل شفافية، عن الجهة التي تبوأت المرتبة الأولى والتي يخول لها الدستور الجديد قيادة الحكومة المقبلة، أما الآن- وبعد مرور 5 سنوات عن تسلم الحكومة الملتحية زمام الأمر- يتعين على الكتلة الناخبة أن تشارك بكثافة من أجل ردع هؤلاء الذين أغرقونا في الديون الخارجية، وفي غلاء الأسعار، وفي مختلف أشكال الفقر والتخلف والأمية.. ينبغي أن نهرع جميعا من أجل التصويت العقابي على هؤلاء الذين يجروننا إلى ما قبل ألف سنة.. ينبغي أن نصوت بكثافة من أجل ردع المتاجرين بالدين، وضد هؤلاء الذين يدينون بالولاء إلى «الأردوغانية» والأممية الإخوانية العالمية..
إن المشاركة في الانتخابات مسؤولية جماعية، مسؤولية الدولة والأحزاب والمجتمع المدني، والمطلوب هو أن يتوفر المناخ السياسي الملائم الذي يخرج المواطن من عدم الاكتراث واللامبالاة الى موقع المشاركة والمساهمة الفعلية في اختيار ممثليه، بعيدا عن الاستعمال الديني أو المال أو أي استعمال آخر يرهن مستقبل شعب بأيدي اللصوص والمحتالين والشناقة.

محمد الهيني، قاضي سابق

مقاطعة الانتخابات تقوي الانتهازية والديكتاتورية

 

نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه «لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بكل حرية.... وأن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ،ويجب أن تتجلى هذه الارادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت».
وفق نفس الاتجاه نصت المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه «لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز، الحق في:
(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية،
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين..»

وانسجاما مع هذه الصكوك الدولية نص الفصل 30 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أنه««لكل مواطن أو مواطنة، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
التصويت حق شخصي وواجب وطني».
إن أهمية المشاركة السياسية يكمن في اعتبارها آلية للاختيار الديمقراطي ولدولة الحق والقانون ،لأن الحكومة أو البرلمان تكون نتاج إرادة الشعب التي أفرزت عنها صناديق الاقتراع، مما يجعل المؤسسات التمثيلية والتنفيذية المنبتقة عن الاحزاب السياسية  أقرب لهموم الشعب وتطلعاته، مما يجعله مؤهلا لمحاسبتها عن كل تقصير في تبليغ تصوراته عند الانتخابات الموالية.
أما حينما تكون المقاطعة عن المشاركة السياسية والمشاركة في الانتخابات ،فتكون أي أغلبية مغشوشة، لأنها لا تعبر تعبيرا حقيقيا عن مختلف فئات الشعب، فتنتج عن ذلك مؤسسات تمثيلية وتنفيذية مفصولة عن الضمير الجمعي للشعب وقواه الحية،فيضعف التأطير السياسي للمواطنين ومتابعة قضايا الشأن العام ،وتخلق قيادات حزبية وحكومية ضعيفة لأن التنافس السياسي القوي يحتاج دائما لمشاركة سياسية شعبية عريضة واعية ومؤطرة ،تبدع في البرامج والأطروحات وفي منهج التنفيذ. كما أن مبدأ المحاسبة يضيق لأن الفراغ السياسي بالمقاطعة يقوي من الانتهازية والديكتاتورية والشطط في استعمال السلطة، مما يترتب عنه عدم الثقة في الحياة السياسية ومخاطرها على الامن والاستقرار والحقوق والحريات.
ومن المهم الإشارة إلى أن القوى المحافظة تنتعش من خيار المقاطعة، لأن لها جيشا من الأتباع والمريدين ملتزمين دينيا أو فكريا يتبعون منطق الزعامة وقادرين على تجميع أصواتهم وعدم تشتيتها مما يقوي حظوط نجاحهم.
وختاما، كما يقول بعض الفقه، إن الحياة العامة واليومية بكل تفصيلاتها الصغيرة والخطيرة تقوم على الثقة، الأمن والغذاء والدواء والنظام العام والأسعار والمرور والعلاقات والمعاملات والضرائب والمطاعم والمحلات التجارية والمدارس والمساجد والمستشفيات، واهتزاز الثقة بأي عملية سياسية أو اقتصادية يؤدي إلى متوالية هندسية من الكوارث والاحتقان، وقد يكون من الصعب والمكلف احتواؤها، ولا يجوز بحال من الأحوال الاستهانة بها.

أحمد الشراك، باحث في علم الاجتماع

المقاطعة لا تفيد.. لأن حسابها غير مبرهن عليه

 

الكاتب الأستاذ الجامعي الدكتور أحمد الشراك اسم بارز في عالم السوسيولوجيا، باحث متخصص في الإعلام الثقافي له عدة إصدارات في مجال تخصصه، طرحنا عليه في «الوطن الآن» قضية مقاطعة الانتخابات كموقف يمارسه البعض ويدعو إليه ضدا على المشاركة في الاستحقاقات التشريعية من منابر المقاهي، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، فكانت معه هذه الدرشة.


أوضح ضيف «الوطن الآن» الدكتور أحمد الشراك، أن سلوك المقاطعة «يدخل في إطار الدفاع عن وجود الحزب الذي يدعو إليها، لضمان استمرارية خطه، ولابد له أن يرفع من السقف و يذهب إلى حد المقاطعة»، وهذا طبيعي في اعتقاد محمد الشراك الذي قال «إنه لا غرابة في هذا الموقف المريح الذي أسميه بلاغة معارضة السهل، تعارض مواقف وانتظارات بأقل تكلفة من خلال إصدار بيان أو موقف». وكشف بعمق تحليله الموضوعي كيف اقتنعت بعض الأحزاب الصغرى بأهمية المشاركة السياسية والخروج عن الموقف الثابت للمقاطعة، مثمنا تحالف فيدرالية اليسار الذي أضحى اليوم معادلة مهمة في المشهد السياسي بزعامة  القيادية نبيلة منيب.
وأكد محمد الشراك أن «هؤلاء الذين يدعون للمقاطعةفهم أحرار في اختيارهم، ونحترم مواقفهم»، وأضاف قائلا «بالعكس نطالب بكل ما يمكن أن يوصل موقفهم للناس... وفي الوقت نفسه حق الاختلاف في تصوراتهم للعالم... الحق ثابت والاختلاف ثابت».
واعتبر الشراك أن المقاطعة «لا تفيد في نهاية المطاف، لأن حسابها غير مبرهن عليه»، مشددا على «أن هناك العديد من الناس يقاطعون الانتخابات باللامبالاة، وفي غياب الوعي، بل إنهم غير مسئولين».
وحمل المسؤولية في هذا الجانب إلى «المشهد السياسي المغربي الذي يتسم بضعف التأطير، وعدم قدرة الأحزاب السياسية على التغلغل وسط الشعب»، مؤكدا أن «الفاعل السياسي عليه أن يحتك بالأرض ويؤمن بالعمل التحتي، وعلى الأحزاب أن تنهج أسلوب التأطير و العمل في الميدان (أرض أرض)، معتبرا «أن حملة 15 يوما خلال الدعاية الانتخابية يجب أن تكون بمثابة تتويج لعمل دؤوب ومستمر لصيق بهموم وقضايا الناس في الزمان والمكان».
واستغرب المتحدث نفسه لـ«الوطن الآن» من أن «الجميع يريد أن يعبئ ويؤطر، لكن لا أحد يؤطر عموديا، ولا أحد يفعل ذلك أفقيا، عبر المكابدة اليومية».

عبد الإله هلالي، الأخصائي والمعالج النفساني وأستاذ علم النفس المرضي الإكلينيكي

هذه وصفتي لضمان مشاركة واسعة في الانتخابات

 

يرى البروفسور عبد الإله هلالي، الأخصائي والمعالج النفساني وأستاذ علم النفس المرضي الإكلينيكي، أن ضعف المشاركة السياسية للشباب في المحطات الإنتخابية يعود لكون الشباب غاضب من الأحزاب السياسية بسبب غياب الديمقراطية داخل الهياكل الحزبية، مما جعل الكثيرين يرتبطون بالأشخاص دون إعارة أي اهتمام للبرامج الإنتخابية، كما يتطرق الى إشكالية توظيف الدين في الحملات الإنتخابية من طرف الأصوليين مستغلين تعطش الناس الكبير للجانب الديني وصدماتهم وانكساراتهم المتتالية في الحياة المدنية

 

 

* كيف تقرأ العزوف عن المشاركة في الإنتخابات من طرف فئة واسعة من الناس والذي يقود حتما الى وصول نفس الوجوه الذي اعتادت استغلال الفقر واستعمال المال الحرام أو القوى االأصولية التي تلعب على الوتر الديني؟
- هذه المفارقة تكشف أن الشباب غاضب من الأحزاب السياسية، وهم يفضلون المشاركة السياسية بطريقة أخرى عبر أنشطتهم اليومية أو عبر تدويناتهم في الشبكات الإجتماعية والتي تؤكد أن الشباب ليس عازف عن السياسة، وإن ما مشارك بطريقة أخرى، لكن المشاركة الفعليه يتركها للآخرين. وهذا خطأ كبير، وهذا السلوك الإنتخابي يكشف أن الشباب ليست لديهم الثقة في الجو السياسي، إلى جانب معطى فقدان الأحزاب السياسية لبريقها الديمقراطي، إذ تجد أحزابا تدافع عن الديمقراطية بينما تفتقد أصلا للديمقراطية الداخلية، ووجود مسؤولين حزبيين مفسدين ولديهم نفوذ قوي داخل هذه الأحزاب وداخل دواليب الحكم. وبالتالي ففقدان الثقة في الأحزاب جعل الناس يرتبطون بالأشخاص دون إعارة أي اهتمام للبرامج الإنتخابية، إذ تجدهم يصوتون لفائدة أشخاص يغيرون لونهم السياسي عند كل محطة انتخابية والمبرر في ذلك هو كونهم يعرفون هؤلاء الأشخاص ويرونهم، وهو ما يجعلهم يلاحقونهم بأحلامهم الشخصية. وعند الفشل في تحقيق هذه الأحلام يوجهون سهام النقد اللاذع تجاه هؤلاء المرشحين «المرشح الفلاني أنا اللي وصلتو وما عطانيش الشي اللي بغيت»، وتتكرر اللعبة مع مرشح آخر. ويمكن القول إن هؤلاء يعانون من بلادة علمية في المجال السياسي، بسبب غياب النضج وغياب قراءة عميقة لأفكار الحزب وإيديولوجية الحزب، مما يجعلهم يحللون بطريقة بسيطة بالإكتفاء بمعطيات جانبية «هذا المرشح أعرفه... هذا جاري.. هذا مازال مبتدىء..» وكأن هؤلاء يفكرون في الفيزياء بآليات الفيزياء النظرية التي يمتلكها أي شخص خارج منظومة العلم. نعاني من تفشي أفكار سياسية لم تصقل علميا، والتي تجعل عددا كبيرا من الشباب، وضمنهم أطر عالية، لكنها تعاني من بلادة سياسية لماذا؟ لأنها وضعت مسافة مع المجال السياسي، وهو الأمر الذي حال دون استيعابها للمشهد السياسي بشكل عميق. ويمكن القول إن المشهد الانتخابي يغلب عليه طابعان: إما أن الناس يدعمون المفسدين في العملية الانتخابية لكونهم تجمعهم مصالح مع هؤلاء، أو أن الناس تنقاد وراء العاطفة وتدعم مرشحين يدغدغون عواطفهم أكثر مما يدغدغون عقولهم أو تفكيرهم المنطقي، حيث يفضل مثل هؤلاء المرشحين المواطن الخنوع الذي يسلم بالأشياء ولايؤمن بالتغيير وليس المواطن الناقد..
* تحدثت عن دغدغة عواطف الناس خلال الحملات الإنتخابية، وكما هو معروف فالأصوليون معروفون بتوظيف الدين خلال الحملات الانتخابية بشتى الطرق، إذ ظهرت على سبيل المثال صور لبنيكران خلال الحملة الانتخابية على الشبكات الاجتماعية تحمل عبارة «لا تقلق إن الله معنا»، فما رأيك؟
- دغدغة المشاعر تستهدف أشخاصا معينين يعانون من صدمة الحياة المدنية ويحملون تعطشا كبيرا للجانب الديني. وبالتالي فالتركيز على الجانب الروحي،  وخصوصا لدى الأشخاص الذين انكسرت أحلامهم على الأرض من طرف التيارات السلفية أو الإخوانية يحقق النتائج التي تتوخاها هذه التيارات، إذ يجد هؤلاء الأشخاص أن الجانب الروحي هو الكفيل بتعويضهم عن الضرر الذي لحقهم جراء انكسار أحلامهم، إذ يدخل الإسلاميون مثل هؤلاء الأشخاص ضمن منظومة للولاءات ليس فيها المنطق «إن شاء الله كاين الخير...» ، وللأسف فإن الكثير من وسائل الإعلام أضحت تنخرط في تعميم هذا الخطاب العاطفي الذي يدغدغ المشاعر أكثر منه تقديم حلول منطقية للمشاكل التي تواجه الناس.. «ماشي نمشي معك لأنك لطيف... أو لأنك ظريف.. نمشي معك حيث أنت قادر على حل المشاكل.. نمشي معك حيث أنت اللي عندك الوسائل الكفيلة بتحقيق نتائج إذا بذلنا مجهودا معينا.. تحقيق المشاريع التي تريدها الساكنة، الانخراط في تنمية حقيقية لهذا البلد» كيف؟ اعطني الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك بأجرأة.. هذا ما ينقصنا.. لكن للأسف أصبحنا نلاحظ أن المواطن إما غائب أو تسيطر عليه لغة المال ولغة الفساد أو أن الشخص طلق المنطق وانقاد للهواجس العواطفية الوجدانية وهذه لعبة يتقنها البعض، فلا يمكن محاسبة شخص معين بناء على عاطفة معينة، ولكن يمكن محاسبة الشخص على إجراء معين قام به وأقدم فيه تقييماتي والنتائج التي تحققت والتي لم تتحقق.

* ما هي سبل تعزيز المشاركة السياسية للمواطنين في ظل ما يشهده المغرب من تحولات بعد دستور 2011، علما أن توسيع دائرة المشاركة السياسية مع توفير الشروط الضرورية لتأمين نزاهة الإنتخابات قد يسمح بوصول وجوه جديدة وقوى جديدة الى قبة البرلمان وبالتالي التداول على السلطة وإحداث التغيير؟
- أول شيء، إذا أردنا فعلا أن تكون هناك ثقة للناخبين في المرشحين خلال الانتخابات، وأن يكون المشهد السياسي مشهدا يليق بمغرب القرن 21 ويليق بمغرب دولة المؤسسات. فينبغي توسيع دائرة المشاركة السياسية وهذا يتطلب تكاثف جهود العديد من الجهات حتى لا نسلط الضوء على جهة واحدة أو نحمل المسؤولية لطرف دون الآخر، فالجمعيات أيضا تتحمل المسؤولية لأنها غلبت الجانب التقني وأغفلت أنها منخرطة في السياسي أبت أم كرهت. فغالبا ما يتم التصريح من طرف الجمعيات «حنايا ما عندناش كاسكيط».. فعلا المجتمع المدني لا ينبغي أن يتوفر على مظلة حزبية، ولكن لا يمكن إغفال أن المجتمع المدني هو شريك للمجتمع السياسي، المجتمع السياسي ينصت للمجتمع المدني ويفتح الآفاق للمجتمع المدني دون استغلاله، والمجتمع المدني ينشىء الأفراد ويدربهم على المشاركة السياسية الحرة، وينبغي أن يمنحهم الثقة في الحوار وفي الشراكات مع السياسيين والدولة ينبغي أن تلعب دور أساسي في هذا الجانب وإرجاع الثقة للأحزاب مع وضع صمامات الأمان وترك المواطن يحاسب هذه الأحزاب وفسح المجال أمام الأحزاب حتى ولو حصلت على الأغلبية المطلقة من أجل الاشتغال. ففسح المجال أمامها يسمح للمواطن بمعاينة أخطائها ليبقى للمواطن القول الفصل بمعاقبته في آخر المطاف وقطع الطريق على كل من يحاول لعب دور الضحية، لأن الناس دائما يتعاطفون مع من يتقن لعب دور الضحية كيفما كان نوعه دون النظر في البرامج، كما ينبغي إعادة النظر في البرامج التعليمية وأن تتضمن كل ما من شأنه التحفيز على المشاركة السياسية. فجزء كبير من المواطنة ليس هو الحصول على الباكلوريا بل خلق المواطن الصالح، حيث أصبحنا الآن نعاين التلميذ الحاصل على الباكلوريا غير قادر حتى على تدبر أمر حجز غرفته في الحي الجامعي، لأنه مازال تحت إشراف والديه لماذا؟ لأننا لم نتمكن من إخراجه من قوقعة كون مشروعك هو مشروع التعلم فقط.. هذا غير صحيح، فمشروع التربية هو مشروع تربوي متكامل يتضمن تربية دينية جد متوازنة وتربية وطنية جد متوازنة وتربية علمية وتربية اجتماعية، فالمدرسة هي مؤسسة للتنشئة الإجتماعية لتكوين المواطن الصالح الذي يثق في ذاته ويود تحقيق أحلامه المهنية عبر الدراسة والتكوين كما يود تحقيق أحلامه السياسية عبر المشاركة السياسية، لكن الواقع يكشف أن العديدين يحملون أحلام سياسية ويضعون مسافة بعيدة بينهم وبين السياسة، ولذلك تجدهم ينتقدون أكثر من المشاركة، ولهذا لما أتحدث عن التربية فأنا اقصد المؤسسات التعليمية ومؤسسات التنشئة الإجتماعية وكذا وسائل الإعلام.
وأخيرا، أناشد جميع الأحزاب السياسية بإقرار الديمقراطية الداخلية وإشراك الشباب في صنع القرار الحزبي وليس وضعه في الواجهة أو وتصنيفه في اللوائح الوطنية للشباب.