Tuesday 10 June 2025
سياسة

موليم العروسي يفكك المشاتل الدينية الفاشستية بالمغرب

موليم العروسي يفكك المشاتل الدينية الفاشستية بالمغرب

من يهتم بالمغرب سوف يلاحظ أننا عدنا لمناقشة مواضيع وإشكاليات تشبه إلى حد ما تلك التي كانت تناقش قبل دخول الاستعمار للمغرب. أي أننا ذهنيا وروحيا نعيش في القرن التاسع عشر الميلادي. قد نتساءل لماذا؟ ألم نتقدم وفق قانون التاريخ؟ ما الذي جعلنا نعود بين عشية وضحاها إلى فترة من تاريخنا وننسى كل ما راكمناه عبر ما يزيد عن قرن من الزمن؟ هل تراجع المجتمع المغربي فكريا وروحيا ونظريا إلى هذا المستوى؟ هل سامح في الحلم بالتقدم وهل قرر أن يعود شيئا فشيئا للماضي السحيق على غرار ما تعيشه شعوب مثل السعودية أو حتى أجزاء مهمة من العراق وسوريا تحت نظام داعش؟ ما الذي حدث بالضبط؟

هناك إمكانيات عدة للجواب:
1ـ الإنسان مجبول على المحافظة والخوف مما يخبئه المستقبل. لذا تجده ينجر بسهولة وراء ما يؤكد له معرفته ويحافظ له على ما ورثه وإن كان في العمق وبطريقة لا شعورية ومن أجل الحاجة يتبنى أشياء تتعارض مع ما يعتقد أنه الصحيح. فاستعماله لكل أسباب العيش الغربية والتي تقتضي منه في كثير من الحالات أن يسامح في قيمه التقليدية تبدو له وكأنها لا تتعارض مع عقيدته. لكن الخطير هو عندما يتبنى حزب ما هذا النهج ويجعل منه عقيدة ويحاول تركيزه في الخطاب والمعيش اليومي من خلال القنوات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي فإن الأمر يصبح مقلقا حقا.
2ـ هذا المشروع المجتمعي النكوصي المتخلف كان يتأسس بهدوء منذ بدايات حكم الحسن الثاني الذي ساعد على نشوء الجماعات الإسلامية في شكلها المشرقي/الخليجي. لذا ورث محمد السادس مجتمعا كان يجرب نهايات الإيديولوجيات التقدمية دون أن ينتبه الناس إلى استيلاء الإيديولوجيات السلفية على عمق المجتمع.
 لذا فهو وعلى عكس كانت التيارات اليسارية التي تعتمد في الاستقطاب على الاختيار الفردي، أي أنها تتجه إلى الشباب الواعي البالغ سن الرشد والذي لديه مسؤولية على نفسه، فإن كل التيارت الأصولية ومنها جماعة العدل والإحسان وجماعة التوحيد والإصلاح التابع لها حزب العدالة والتنمية كانتا ومازالتا تعتمدان نظام المشتل (Pépinière) كجميع التنظيمات والجماعات الفاشيستية… مفهوم الفاشيست هنا بمعناه الأصلي في الإيطالية.

يتربى فيها الأطفال على الولاء التام للتنظيم قبل العائلة والوطن، والأخطر من كل هذا تقديس الشيخ. إنهم يختارون للأطفال أمهات وآباء من التنظيم يتبنونهم عقديا حتى يصبح الطفل قادرا على إدانة والديه ووطنه وتاريخه وانتمائه الحضاري. كما أنه يستبطن نظام التقية لأن يُربى على أنه يعيش داخل مجتمع كافر يجب أن يتهيأ للقضاء عليه، إنه جندي. ومثال ذلك مقطع فيديو مشهور يسمح فيه عبد السلام ياسين بالكذب على الوالدين إذا كان من أجل حضور مجالس الجماعة (رابط الفيديو 4 أكتوبر 2009:https://youtu.be/67pJwDglscc). المثال الثاني هو قضية عمر وفاطمة الأخيرة عندما افتضح أمرهما وهما يقومان بممارسة جنسية خارج إطار الزواج الشيء الذي تحرمه الجماعة وترفض عدم تجريمه. على الرغم من كل هذا فكتائب الجماعة تدافع عن طهارة الكوبل. إنها سطوة التنويم المغناطيسي الذي يمارس على الفرد منذ نعومة أظافره وتقديس الشيخ وتنزيهه عن كل الشبهات؛ بل أبعد من ذلك هناك شباب غادر الجماعة منذ مدة، بل وتحول عن الإسلام كلية لكنه أحس بالذنب وصار يدافع عن الكوبل بدعوى الحريات الفردية. هنا يكمن خطر تكوين أفراد على هذه الشاكلة، إنهم جنود جاهزون للانقضاض في أية فرصة. طريقة التنظيم الفاشيستي لا تخفى على أحد وهي تعتمد على نظام أحزمة الأمان:
أحزمة الآمان التي تحيط بالتنظيم من المخلصين، ثم الموالين المقربين، ثم المنخرطين المناضلين، لنخلص إلى  المتعاطفين، وفي الأخير الموالين أي الذين مروا من المدرسة، والذين نراهم اليوم إما مناضلين مستقلين أو ناشطين في فضاءات التواصل الاجتماعي أو صحافيين…وهكذا يصبح السيطرة على مجتمع ما.
هذا التغلغل في الوسط المغربي والذي لا نعرف مداه وحدوده يجعلنا أولا نخاف، ثم نصبح مننتبهين إلى كل كلمة تصدر عن المسؤولين في هذه التنظيمات ونتساءل هل هي  رسائل مشفرة وما هي محتوياتها. ننتبه إلى خطاباتهم خصوصا أمام ما وصل إليه المجتمع المغربي، إذ أن التدين على طريقة هذه الجماعات أصبح ظاهرة مسيطرة على المجتمع. كان الشباب يبدأ عادة برفض نمط عيش الوالدين، وهو ظاهرة طبيعية أن يرفض الشاب طريقة عيش والديه ويطمح إلى ما هو أحسن أي شكلا متقدما من العيش. لكن نلاحظ أن العكس أصبح هو القانون، أي أن الشباب يرفضون طريقة التدين المعتدلة وينزعون إلى تدين متطرف.
إضافة إلى هذا هناك بعض الإشارات التي لا تطمئن، فما معنى هذا الاستقطاب لصانعي رأي لفئات عريضة من المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؟ هل نحن أمام مشروع آية الله خميني في إيران في نهاية السبعينات؟
عدم الاطمئنان بالنسبة لي مرده أساسا:
1ـ كونهم يَدًعون ويرددون أنهم هم أساس استقرار المغرب
2ـ تقديم ظاهرة النكوص الفكري والمجتمعي على أساس أنها تقدم المجتمع المغربي
3ـ الحديث عن النموذج المغربي تحدث عن هذا الشوباني 18 غشت 2016:https://youtu.be/iMyNosin9OMوتحدث عنه قبل ذلك عبد الله باها في21 يوليوز 2013:https://youtu.be/MnNQsNGlyqIوالذي يعتبرون أنهم حملته وهم وحدهم القادرون على تسييره ولهذا فهم يتوجهون مباشرة إلى فئات المجتمع (رجال أعمال، مهن حرة، مثقفون، ولا ندري هل اتصلوا بفئات أخرى تدبر أمور السلطة في البلاد).
لقد جرب رئيس الحكومة الانبطاح وخطابات العبد لأخذ مكان له في محيط السلطة العليا في المغرب وأخذ مكان محاورها الوحيد. ولكن يبدو أنه فشل في ذلك، إذ الملكية المغربية تعرف جدلية العبد والسيد هذه وتدرك مغزاها؛ فالعبد يخدم سيده وينبطح أمامه في انتظار أن ينقض عليه. كما تعرف الملكية أيضا أن رجوع العدالة والتنمية لتصدر الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة معناه السيطرة على دواليب الدولة لسنين طويلة والدخول في مسلسل تحييد الملكية. لقد عمد حزب العدالة والتنمية إلى إحكام قبضته على عدد كبير من دوائر القرار الإداري وذلك بوضع موالين له، لذا فالصورة التي يوجد عليها اليوم أنصاره داخل الإدارة تشبه إلى حد ما صورة أنصار فتح الله غولن داخل الدولة التركية. معنى كلامي أن الانتخابات التشريعية سوف تكون رهانا قويا نتمنى ألا يغتر البعض بالدعم الشعبي المفترض أو المتوهم أو بالمساندة الخارجية المزعومة. نتمنى ألا يكرروا غلطة صدام حسين وهو يستمع للسفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي عشية هجومه على الكويت.