الأربعاء 1 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

استراتيجية بنكيران للانقلاب على أمير المؤمنين

استراتيجية بنكيران للانقلاب على أمير المؤمنين

تكشف أطروحة التحكم، التي يدعي عبد الإلاه بنكيران أنها تحول دون تحقيق مشروعه في الوفاء بالتزاماته تجاه المواطنين، بشكل واضح جانبا من مرجعية خطه المذهبي والسياسي، وطموحه نحو الهيمنة على مفاصل الدولة والمجتمع. في هذا الملف قراءة في هذه المرجعية، واستقراء لاستراتيجيته التي نعتبرها مدخلا للعصيان ضد الدولة، وتدابير أولية نحو الانقلاب على المغرب والمغاربة


النفي اللفظي لحزب العدالة والتنمية «البيجيدي» وذراعه الدعوي (الإصلاح والتوحيد) بالانتماء إلى الإخوان المسلمين لا ينفي انتماءهم الفعلي لذلك المشروع. إن قراءة أدبياتهم التأسيسية، سواء في مرحلة الدعوة، أو في مرحلة العمل السياسي منذ انخراطهم في حزب عبد الكريم الخطيب (الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية)، وانتهاء بتحولهم إلى حزب العدالة والتنمية تؤكد:
1ـ استلهام كل عناصر الجهاز المفاهيمي الإخواني (انظر المؤطر رفقته بالصفحة) المعتمد في قراءة التاريخ العربي الإسلامي، وفي تشكيل تجربة العملين السياسي والدعوي وتقاطعهما.
2ـ تشابه سلوك «البيجيدي» مع سلوك تجارب الحركات الإخوانية في إدارة الشأن التنفيذي، خاصة تلك التي تسلم فيها الإخوان دفة الحكم إثر تفاعلات «الربيع العربي» كحزب الحرية والعدالة في مصر، حزب النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب. (انظر المؤطر بالصفحة 5)
3ـ انخراطهم المبدئي والعملي في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين عبر دعم التنظيم وحضور اجتماعاته، وهو ما يعني أنهم يشكلون الامتداد المحلي له في المغرب.
يترتب عن هذا الانتماء سلوك إخواني عبرت عنه فترة توليهم مسؤولية الشأن الحكومي خلال السنوات الخمس الماضية (من 2011 إلى 2016)، والتي أكدت أنهم بمجرد ما تولوا هذه المسؤولية حتى كشفوا عن أقنعتهم الحقيقية في إدارة الشأن العام.
كان أول مظهر لهذا السلوك البحث عن مفاتيح امتلاك أجهزة الدولة، ولذلك بادروا إلى التعجيل بتنزيل القانون التنظيمي الخاص بالتعيين في المناصب السامية قبل أن يفكروا في الكم الهائل من القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي ترتبط بجوانب حيوية بالنسبة إلى المواطنين، سواء ما يهم عيشهم اليومي، أو ما يهم فضاءاتهم الحقوقية والثقافية...
وكان واضحا أن هذا المرسوم سيوفر لهم، لا فقط الاستجابة للنزوات الزبونية لإرضاء الإخوان وتمتيعهم بامتيازات المناصب وغنائم المرحلة، ولكن أيضا وأساسا للتغلغل في دواليب الدولة والتحكم في مجرياتها عبر زرع أوتادهم في المناصب السامية. فالمعروف بهذا الخصوص بأن من يملك التأثير في كاتب عام في وزراة ما، أوفي مدير مركزي أو في مدير لأحد المكاتب الوطنية العمومية يملك مفاتيح كثيرة لاقتحام الدولة والمجتمع: المعلومات والقرارات. أما المظهر الثاني لسلوكهم الإخواني فهو اقتحام المجال العام لإمارة المؤمنين بما تعنيه تلك الإمارة من مظلة روحية يهتدي بها المغاربة لضمان وحدتهم المذهبية، وأمنهم الروحي، وتماسك نسيجهم الوطني.
في هذا الإطار يعتبر البيجيديون أن المدخل للتشويش على هذه المظلة هو زرع بيادقهم داخل المجالس العلمية المحلية، وداخل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خلال بنياتها الإدارية، وهيأتها المكلفة بمهام التفتيش أو التعليم العتيق أو المساجد أو غيره...
ويأتي هذا الاقتحام بهدف خطة إضعاف إمارة المومنين، وفتح المجال لتسرب الفكر الأصولي بظلاله الإخوانية و الوهابية الطاعنة في التزمت والظلامية، وذلك بهدف  واحد هو تلويث فضائنا الروحي بمفاهيم وسلوكات لا علاقة لها بما ارتضاه المغاربة منذ قرون، وضمن ذلك التلويح بشعار الخلافة الإسلامية التي هي ابتكار إخواني من خارج دائرة التدين المغربي، مع ما يعنيه ذلك (أي شعار الخلافة) من إشهار الولاء المذهبي للشرق واعتماد التقية بالداخل في أفق التمكين للإخوان لينقضوا على موروث المغاربة.
وإذا كان التلويح بالخلافة الإسلامية هو الإطار العام للبديل الذي يتصوره إخوان بنكيران ضدا على إمارة المؤمنين، فإن التفاصيل الدعوية التي يروجها الذراع الدعوي للعدالة والتنمية (حركة التوحيد والإصلاح تحديدا)  تبرز مروق البجيديين عن الخط المذهبي العام للمغاربة. إن احتماء القياديين عمر بنحماد وفاطمة النجار (بطلي فضيحة «كوبل الميرسيديس»)، بالزواج العرفي لم يكن فلتة لسان أو سلوكا، ولكنه كان تعبيرا مضمرا عن حقيقة البيجيديين في امتلاك أكثر من وجه وقناع، وسعيهم الدائم للخروج عن ملة المغاربة وكذلك يفعلون في كل تصوراتهم للعمل السياسي. هذا التفصيل الذي جاء في لحظة نزوة شيطانية في سلوك اسمين من كبار الدعويين البيجيديين يكشف عن الجوهري في السلوك الذي يحكم إخوان بنكيران. وليس عبثا القول بأن «الشيطان يكمن في التفاصيل».
يفيدنا هذا التحليل الخاص بمرجعية البيجيدي وبآثارها في السلوك المرتبط بمشروع الهيمنة على الدولة والمجتمع في صياغة الاستنتاجات التالية:
ـ إن حزب العدالة والتنمية مثل غيره من الإخوانيين في العالم العربي الإسلامي هو حزب التحكم بمعنى الهيمنة على الدولة والمجتمع، أي أنه حزب انقلابي مفاهيم وهوية وسلوكا.
ـ إنه يستغل العمل السياسي في إطار الديمقراطية للانقلاب عليها باسم شرعية الصناديق (ولنا في حالة هتلر أصدق نموذج، إذ استغل النازيون الآليات الانتخابية للانقضاض على الحكم بألمانيا والانقلاب على الألمان وعلى العالم)
ـ إنه يعمل من أجل نسف إمارة المومنين لإقرار مشروع  الخلافة الإسلامية، وإلحاق المغرب بالشرق.
ومن أجل تحقيق ذلك يلجأ إلى فكرة إثارة الفتنة لأن الإخوانيين عموما هم أصحاب فعل وخطاب التأزيم لأنه الفضاء الوحيد الذي ينتعشون من خلاله. وسلوكهم الحالي لا يخرج عن هذا  التاكتيك في الأفق الاستراتيجي المضمر:  العصيان ضد الدولة، والتهيىء للانقلاب على المغرب والمغاربة..

الإخوان.. ملة واحدة

 

لا يمكن فهم حقيقة سلوك عبد الإلاه بنكيران واستراتيجية حركته السياسية والدعوي ما لم نستحضر المفاهيم والأفكار التي هي مزج مركب بين تعاليم الإخوان المسلمين كما سطرها حسن البنا وسيد قطب والتنويعات اللاحقة  بها من الفكر الوهابي، والتي يهتدي بها في قيادة العصيان المدني، والتهيىء للانقلاب على الدولة والمجتمع. من هذه الأفكار والمفاهيم.
ـ المظلومية، الإخوان المسلمون يعتبرون أنفسهم مظلومي التاريخ لأنهم وبحسب ادعائهم حاملي رسالة الحق ضمن مجتمعات اللاحق (الجاهلية)!
ـ الحاكمية لله للقضاء على مجتمع الجاهلية وذلك بادعاء الحكم بمنهج الله ولا شيء غيره.
ـ التدرج: تلقين الدعوة من النوايا الأولى للمجتمع من البيت والشارع إلى الخلية والحركة إلى الدولة.
ـ إزدواجية السر والعلن: عمل الإخوان لتوطيد استراتيجيتهم بصيغة ازدواجية الدعوة كإطار مدني خيري، والسياسة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا.

الجذع الانقلابي المشترك للإخوان المسلمين

 

كانت من النتائج المباشرة لتفاعلات «الربيع الأصولي» تمكن أحزاب من الإخوان المسلمين من تسلم دفة الحكم في كل من مصر وتونس والمغرب، الأمرالذي أنعش «السلطان» العثماني الجديد طيب رجب أردوغان في إعادة تحقيق حلم الخلافة الإسلامية. ويهمنا في هذا المؤطر توضيح المشترك في هذه التجارب:

 1 - في مصر كما في تونس والمغرب، عمل الإخوان المسلمون على أن يوظفوا الديمقراطية كمشروع للانقلاب على الديمقراطية، ولذلك كان أول حلفائهم هم الإرهابيون وتجلياتهم السلفية الجهادية. في مصر مثلا  بادر الرئيس المخلوع محمد مرسي إلى إطلاق سراح سجناء القاعدة، وإلى فتح حوار معهم أشد تطرفا للاستقواء بذلك على قوى اليسار، ولإضعاف الجيش المصري المعروف بوفائه وحمايته للقيم الجمهورية.
2 - في تونس كانت المرحلة التي تسلم فيها حزب النهضة رئاسة الحكومة هي الفترة التي انتعشت فيها قوى الظلام، وهي الفترة ذاتها التي شهدت أكبر حملات وتظاهرات ضد الفن والمرأة. وفيها اغتيل المعارضون والناشطون الحقوقيون أبرزهم الفقيد  شكري بلعيد، وفيها كذلك برز تصريح رئيس الحكومة آنذاك حمادي الجبالي الذي قال بصريح اللفظ والمعنى بأننا نعمل من أجل تحقيق مشروع الخلافة الإسلامية.
3 - في المغرب يبرز المنحى ذاته من خلال لجوء البيجيدي إلى التشكيك في العمليات الإرهابية ل 16 ماي بالمغرب ومطالبته بإطلاق سراح الإرهابيين من سجون المملكة)وهو المطلب الذي لم يعد يرفعه الحزب منذ إصدار حزب التحرير لفتوى قتل مصطفى الرميد وقياديين آخرين(.كما يظهر ذلك من خلال لجوء مسؤولي حزب بنكيران إلى مد الجسور مع التنظيمات المتطرفة بسوريا، وانتهاء بترشيح شيوخ الكراهية والمتطرفين ضمن لوائحه الانتخابيةلاقتراع 7 أكتوبر2016، وأيضا من خلال عدم القيام بأي رد فعل تجاه فتاوى الظلام مع أنه يملك بالإضافة إلى رئاسة الحكومة وزارة العدل والحريات.
ولأن نفس الجذع الإخواني ينشط بفعالية، فلقد كانت تركيا تتابع هذه المشاهد وترعاها، إلا أن تطورات الأمر بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في مصر، والتراجع التاكتيكي لإخوان راشد الغنوشي في تونس حجمت دور أردوغان الذي ينجز اليوم بدوره انقلابا على الديمقراطية.

 

سعيد الكيحل، باحث في الحركات الإسلامية

قنابل «البيجيدي» الثمانية لنسف الثوابت المغربية؟

 

من مميزات الدستور المغربي الحالي (2011) أنه دستر الثوابت المغربية التي أجمع عليها الشعب وقواه الحية والفاعلة ونص عليها في الفصل الأول كالتالي (تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي). فهل حزب العدالة والتنمية يلتزم باحترام هذه الثوابت وبما ينص عليه الدستور؟ تكفي بعض الأمثلة للجواب عن هذا السؤال بكل وضوح، وهي كالتالي :
1 ـ السخرية من الأمازيغ، حيث لم يتردد السيد بنكيران، كرئيس حكومة لكل الشعب المغربي وكأمين عام للحزب الذي يضم ضمن أعضائه أمازيغ، في نعتهم بـ «البخل والجشع»؛ الأمر الذي لا يمكن تصنيف هذا الخطاب إلا ضمن «التمييز العرقي والعنصري» الذي يستهدف كرامة شريحة واسعة من الشعب المغربي. ومن شأن هذا الخطاب العنصري أن يمزق النسيج المجتمعي ويهدد تماسكه واستقراره.
2 ـ التهكم على التطوانيين حين قال «لا.. لا تطوان ما كرهوش دير ليهم كلشي تما»، وأضاف «كون جبرو حتى البرلمان ديرو عندهم تماك». الأمر الذي أغضب التطوانيين من بنكيران الذي لم يتصرف كرئيس حكومة لكل الشعب المغربي بمختلف جهاته وأقاليمه .
3 ـ ازدراء الدين اليهودي والتحريض على كراهية اليهود، الأمر الذي يعتبر تحقيرا لرافد مهم من روافد الثقافة المغربية وهذا يتعارض مع نص الدستور (تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء). وينبغي أن نستحضر هنا نوع الشعارات التي يرفعها أتباع الحزب في المسيرات أو الوقفات الاحتجاجية مثل «هذا عار واليهودي مستشار» و«خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود».
4 ـ ترشيح حماد القباج السلفي المتشدد الذي لا يكف عن الدعاء على اليهود بأن يمحقهم الله و«يأخذهم أخذ عزيز مقتدر» ويغرق حرثهم ويقطع نسلهم ويرمل نساءهم وييتم أبناءهم. إنها ثقافة الحقد والكراهية ضد فئة من المواطنين، الأمر الذي يحرض على الفتنة الطائفية والحقد العنصري ويصادم الدستور وقيم المواطنة التي ينص عليها.
5 ـ تسفيه المؤسسات الدستورية عبر تزكية ترشيح القباج لعضويتها في الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016، وهو الشخص الذي ينادي ويجيز تزويج بنت التسع سنين ضدا على القوانين التي تنص عليها مدونة الأسرة. فلم تعد مؤسسة البرلمان مؤسسة لها هيبتها واعتبارها، بل صارت مفتوحة في وجه من يكفرون الديمقراطية ويناهضون حقوق النساء ويرفضون الدولة المدنية ويسعون لإقامة الدولة الدينية.
6 ـ تعطيل والانقلاب على التشريعات المغربية عبر الدعوة التي وُجهت للعريفي المعروف بفتاواه الشاذة التي تسفّه كل التشريعات المغربية التي تصون كرامة المرأة وتضمن لها حقوقها في مختلف المجالات. ودعوة العريفي هي خطوة وإجراء ضمن إستراتيجية ينهجها الحزب ومعه الحركة الدعوية التي يمثل ذراعها السياسي، بهدف أخونة/أسلمة المجتمع والدولة والانقلاب على كل المكتسبات الحقوقية والثقافية التي راكمها الشعب المغربي على مدى عقود بفعل نضالات هيئاته المدنية والسياسية على اختلاف مشاربها الفكرية. فبعد أن حسمت مدونة الأسرة في عدد من القضايا التي كانت تؤرق النساء والهيئات الحقوقية، ومنها توثيق الزواج حتى لا تبقى مصلحة الزوجة والأبناء معرضة للضياع أو التلاعب من طرف الزوج ، أبانت الواقعة الأخيرة كيف لأعضاء الحزب أن يناصروا بقوة عضوين بالحركة لم يحترما القوانين الجاري بها العمل عبر «شرعنة» الزواج العرفي الذي تمنعه القوانين المغربية.
7 ـ السخرية من الشخصيات الوطنية ومن المبادرة الملكية المتمثلة في إطلاق اسم عبد الرحمان اليوسفي، كشخصية وطنية على أحد شوارع طنجة تقديرا له على نضاله وإخلاصه في خدمة الوطن والشعب، إذ سارعت كتائب الحزب إلى السخرية وتسفيه المبادرة الملكية عبر تقاسم وترويج العبارة التالية «طموح بنكيران وطموحنا معه أكبر من حَجرة في شارع…»؛ بل ذهب آخرون إلى اعتبار بنكيران «وليا من أولياء الله الصالحين»، وبالتالي ليس بحاجة إلى أن يُعلي الملك مقامه ، بل الله جعله من أوليائه الصالحين.
8 ـ تصنيف المواطنين إلى مؤمنين وغير مؤمنين ،إذ درج الحزب على هذا التقسيم الذي يمس وحدة الشعب وتماسك نسيجه المجتمعي ، وقد تأجج هذا التكفير مع طرح مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية للنقاش. وانخرطت قيادات وازنة في الحزب على التحريض ضد فئات واسعة من المواطنين الذين ساندوا المشروع. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحزب لم يغير موقفه من التكفير ،إذ مازال يوفر الحماية القانونية لأحد التكفيريين ويوقف وزيره في العدل أية متابعة في حق المدعو أبو النعيم الذي كفر ويكفر كل من يخالف الحزب. فضلا عن هذا، فإن مشروع القانون الجنائي الذي أعده وزير العدل والحريات لا يجرم نهائيا التكفير والتحريض عليه رغم مطالب الهيئات الحقوقية والسياسية والمدنية .الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على أن الحزب يتبنى فتاوى التكفير ويحمي مروجيها ومصادرها.
كما يتضح مما سلف، أن حزب العدالة والتنمية لم يقطع مع الأسس الفكرية والعقدية التي تأسس عليها ، بل يعمل على ترجمتها إلى قوانين تهدد النسيج المجتمعي وتضرب ثوابت الشعب المغربي في صميمها.

 

موليم العروسي، أستاذ جامعي وباحث جمالي

مشاتل دينية «فاشستية»!!

 

من يهتم بالمغرب سوف يلاحظ أننا عدنا لمناقشة مواضيع وإشكاليات تشبه إلى حد ما تلك التي كانت تناقش قبل دخول الاستعمار للمغرب. أي أننا ذهنيا وروحيا نعيش في القرن التاسع عشر الميلادي. قد نتساءل لماذا؟ ألم نتقدم وفق قانون التاريخ؟ ما الذي جعلنا نعود بين عشية وضحاها إلى فترة من تاريخنا وننسى كل ما راكمناه عبر ما يزيد عن قرن من الزمن؟ هل تراجع المجتمع المغربي فكريا وروحيا ونظريا إلى هذا المستوى؟ هل سامح في الحلم بالتقدم وهل قرر أن يعود شيئا فشيئا للماضي السحيق على غرار ما تعيشه شعوب مثل السعودية أو حتى أجزاء مهمة من العراق وسوريا تحت نظام داعش؟ ما الذي حدث بالضبط؟
هناك إمكانيات عدة للجواب:
1ـ الإنسان مجبول على المحافظة والخوف مما يخبئه المستقبل. لذا تجده ينجر بسهولة وراء ما يؤكد له معرفته ويحافظ له على ما ورثه وإن كان في العمق وبطريقة لا شعورية ومن أجل الحاجة يتبنى أشياء تتعارض مع ما يعتقد أنه الصحيح. فاستعماله لكل أسباب العيش الغربية والتي تقتضي منه في كثير من الحالات أن يسامح في قيمه التقليدية تبدو له وكأنها لا تتعارض مع عقيدته. لكن الخطير هو عندما يتبنى حزب ما هذا النهج ويجعل منه عقيدة ويحاول تركيزه في الخطاب والمعيش اليومي من خلال القنوات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي فإن الأمر يصبح مقلقا حقا.
2ـ هذا المشروع المجتمعي النكوصي المتخلف كان يتأسس بهدوء منذ بدايات حكم الحسن الثاني الذي ساعد على نشوء الجماعات الإسلامية في شكلها المشرقي/الخليجي. لذا ورث محمد السادس مجتمعا كان يجرب نهايات الإيديولوجيات التقدمية دون أن ينتبه الناس إلى استيلاء الإيديولوجيات السلفية على عمق المجتمع.
 لذا فهو وعلى عكس كانت التيارات اليسارية التي تعتمد في الاستقطاب على الاختيار الفردي، أي أنها تتجه إلى الشباب الواعي البالغ سن الرشد والذي لديه مسؤولية على نفسه، فإن كل التيارت الأصولية ومنها جماعة العدل والإحسان وجماعة التوحيد والإصلاح التابع لها حزب العدالة والتنمية كانتا ومازالتا تعتمدان نظام المشتل (Pépinière) كجميع التنظيمات والجماعات الفاشيستية… مفهوم الفاشيست هنا بمعناه الأصلي في الإيطالية.
يتربى فيها الأطفال على الولاء التام للتنظيم قبل العائلة والوطن، والأخطر من كل هذا تقديس الشيخ. إنهم يختارون للأطفال أمهات وآباء من التنظيم يتبنونهم عقديا حتى يصبح الطفل قادرا على إدانة والديه ووطنه وتاريخه وانتمائه الحضاري. كما أنه يستبطن نظام التقية لأن يُربى على أنه يعيش داخل مجتمع كافر يجب أن يتهيأ للقضاء عليه، إنه جندي. ومثال ذلك مقطع فيديو مشهور يسمح فيه عبد السلام ياسين بالكذب على الوالدين إذا كان من أجل حضور مجالس الجماعة (رابط الفيديو 4 أكتوبر 2009: https://youtu.be/67pJwDglscc). المثال الثاني هو قضية عمر وفاطمة الأخيرة عندما افتضح أمرهما وهما يقومان بممارسة جنسية خارج إطار الزواج الشيء الذي تحرمه الجماعة وترفض عدم تجريمه. على الرغم من كل هذا فكتائب الجماعة تدافع عن طهارة الكوبل. إنها سطوة التنويم المغناطيسي الذي يمارس على الفرد منذ نعومة أظافره وتقديس الشيخ وتنزيهه عن كل الشبهات؛ بل أبعد من ذلك هناك شباب غادر الجماعة منذ مدة، بل وتحول عن الإسلام كلية لكنه أحس بالذنب وصار يدافع عن الكوبل بدعوى الحريات الفردية. هنا يكمن خطر تكوين أفراد على هذه الشاكلة، إنهم جنود جاهزون للانقضاض في أية فرصة. طريقة التنظيم الفاشيستي لا تخفى على أحد وهي تعتمد على نظام أحزمة الأمان:
أحزمة الآمان التي تحيط بالتنظيم من المخلصين، ثم الموالين المقربين، ثم المنخرطين المناضلين، لنخلص إلى  المتعاطفين، وفي الأخير الموالين أي الذين مروا من المدرسة، والذين نراهم اليوم إما مناضلين مستقلين أو ناشطين في فضاءات التواصل الاجتماعي أو صحافيين…وهكذا يصبح السيطرة على مجتمع ما.
هذا التغلغل في الوسط المغربي والذي لا نعرف مداه وحدوده يجعلنا أولا نخاف، ثم نصبح مننتبهين إلى كل كلمة تصدر عن المسؤولين في هذه التنظيمات ونتساءل هل هي  رسائل مشفرة وما هي محتوياتها. ننتبه إلى خطاباتهم خصوصا أمام ما وصل إليه المجتمع المغربي، إذ أن التدين على طريقة هذه الجماعات أصبح ظاهرة مسيطرة على المجتمع. كان الشباب يبدأ عادة برفض نمط عيش الوالدين، وهو ظاهرة طبيعية أن يرفض الشاب طريقة عيش والديه ويطمح إلى ما هو أحسن أي شكلا متقدما من العيش. لكن نلاحظ أن العكس أصبح هو القانون، أي أن الشباب يرفضون طريقة التدين المعتدلة وينزعون إلى تدين متطرف.
إضافة إلى هذا هناك بعض الإشارات التي لا تطمئن، فما معنى هذا الاستقطاب لصانعي رأي لفئات عريضة من المجتمع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؟ هل نحن أمام مشروع آية الله خميني في إيران في نهاية السبعينات؟
عدم الاطمئنان بالنسبة لي مرده أساسا:
1ـ كونهم يَدًعون ويرددون أنهم هم أساس استقرار المغرب
2ـ تقديم ظاهرة النكوص الفكري والمجتمعي على أساس أنها تقدم المجتمع المغربي
3ـ الحديث عن النموذج المغربي تحدث عن هذا الشوباني 18 غشت 2016: https://youtu.be/iMyNosin9OM وتحدث عنه قبل ذلك عبد الله باها في21 يوليوز 2013: https://youtu.be/MnNQsNGlyqI والذي يعتبرون أنهم حملته وهم وحدهم القادرون على تسييره ولهذا فهم يتوجهون مباشرة إلى فئات المجتمع (رجال أعمال، مهن حرة، مثقفون، ولا ندري هل اتصلوا بفئات أخرى تدبر أمور السلطة في البلاد).
لقد جرب رئيس الحكومة الانبطاح وخطابات العبد لأخذ مكان له في محيط السلطة العليا في المغرب وأخذ مكان محاورها الوحيد. ولكن يبدو أنه فشل في ذلك، إذ الملكية المغربية تعرف جدلية العبد والسيد هذه وتدرك مغزاها؛ فالعبد يخدم سيده وينبطح أمامه في انتظار أن ينقض عليه. كما تعرف الملكية أيضا أن رجوع العدالة والتنمية لتصدر الانتخابات والوصول إلى رئاسة الحكومة معناه السيطرة على دواليب الدولة لسنين طويلة والدخول في مسلسل تحييد الملكية. لقد عمد حزب العدالة والتنمية إلى إحكام قبضته على عدد كبير من دوائر القرار الإداري وذلك بوضع موالين له، لذا فالصورة التي يوجد عليها اليوم أنصاره داخل الإدارة تشبه إلى حد ما صورة أنصار فتح الله غولن داخل الدولة التركية. معنى كلامي أن الانتخابات التشريعية سوف تكون رهانا قويا نتمنى ألا يغتر البعض بالدعم الشعبي المفترض أو المتوهم أو بالمساندة الخارجية المزعومة. نتمنى ألا يكرروا غلطة صدام حسين وهو يستمع للسفيرة الأمريكية أبريل غلاسبي عشية هجومه على الكويت.

 

إبراهيم بلغزال، أستاذ باحث

حزب المصباح أكبر خطر داخلي يتهدد أمننا الروحي

 

تطرح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة تحديات كبيرة أمام الجميع في بلدنا، سواء في ذلك المشاركون أو المقاطعون.
هذه التحديات لا تقتصر على مجال دون آخر لكون الاستحقاقات ستفرز لنا نخبة حاكمة تمارس سلطتها على جميع الأصعدة السياسية الداخلية والخارجية.
لهذا، فإن الاختيار الصائب للفريق المراد انتخابه ينبغي أن ينبني على تقييم دقيق لطبيعة السياسات التي سيأتي بها، أما الأشخاص فلا عبرة بسلوكاتهم وأحوالهم الشخصية لأننا نرى أناسا يتلونون ويرتحلون من حزب إلى حزب...
ولعل أهم ما يهمني بهذا الصدد هو تقويم نظرة الأحزاب للثوابت الدينية ببلادنا، على اعتبار أن الثوابت هي ما يضمن وحدة البلد وأمنه الروحي السياسي والقومي.
وفي مقدمة هذه الثوابت تأتي إمارة المؤمنين ثم العقيدة  الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف.
وإذا كانت معظم الأحزاب المغربية لا تبدي ولا يظهر منها أي اعتراض صغير ولا كبير على هذه الثوابت الدينية إلا أن حزب العدالة والتنمية وجناحه الدعوي مازال مصممين على رفض هذه الثوابت إن بشكل  صريح كما هو حال التصوف الذي مازال ينعت عندهم بالفكر الخرافي والقبوري والزيغ العقائدي والبدعة والضلالة وغيرها من النعوت القدحية. أو بشكل ضمني كما هو الحال في موقفهم من العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي اللذان عمدا إلى تأويلهما تأويلات سلفية متزمتة حولت الإمام الأشعري إلى أحد أتباع ابن تيمية، وجعلت من الإمام مالك شخصا وهابيا حرفيا سطحي الفهم.
وإن أخطر ما في الأمر هو محاولتهم للحجر على إمارة المؤمنين بأشكال مختلفة تتدرج من المخالفة الفقهية والاعتقادية كما هو حال صلاتهم قبضا في حضرة أمير المؤمنين، وصولا إلى الطعن المباشر في أهلية أمير المؤمنين للإفتاء كما سبق أن فعله الريسوني.
إن نظرة فاحصة في معتقدات القوم تكفي للقول إنهم ينكرون كل ثوابت المغرب الدينية إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
إن المغرب بالنسبة لهم ما هو إلا إمارة إسلامية في الخلافة الإسلامية التي صارت تركيا عاصمتها على حد قول الشيخ يوسف القرضاوي.
أعتقد أن حزب العدالة والتنمية هو أكبر خطر داخلي يتهدد الأمن الروحي للمغاربة، وعلى المديين المتوسط والبعيد وإذا ما استطاعوا التغلغل داخل مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن الأمن السياسي والقومي سيكون في خطر شديد.
في ختام هذه الكلمة أقول للجميع: إذا لم تجدوا حزبا يمثل تطلعاتكم فلا تسمحوا لهؤلاء القوم بإفساد دينكم ووطنكم ولا تعطوهم مستقبل أبنائكم يعبثون فيه بجهلهم وحقدهم وعمالتهم للخارج.

 

عز الدين العلام، أستاذ جامعي

اللسان المزدوج

 

قرأت غير ما مرّة في برامج «العدالة والتنمية» وأدبياتها أنّ أصحابها يعتبرون أنفسهم حزبا «مدنيا»، وأن لا مشكل لهم مع قواعد الدموقراطية، أو التعامل مع تيارات «علمانية». فهل نصدّقهم؟ لو اقتصرنا على بعض ما يصرّحون به، لتعذّر علينا العثور على أي فارق مع باقي اللغة السياسية المتداولة. بل وقد يبدو لنا أنّ عنوان «المرجعية الإسلامية» مُقحم في كلام سياسي. ولكن، إذا كان الأمر كذلك، فما السر في لازمة الإسلام التي تطفو على السطح بين حين وآخر؟ كيف نفسّر حضور الهاجس الديني في مناقشات سياسية تهمّ قضايا اقتصادية متعلّقة بالقطاعات المالية والبنكية والاستثمارات السياحية، أو قضايا تهمّ حرية الإبداع الفني والسينمائي؟ بم نفسّر المكتوب الصحفي المُشبع بروح دينية مغرقة في تخلفها؟ ألا يتعلّق الأمر بثقافة سياسية تتكلّم بلسانين يسكنان جسدا واحدا؟
لقد لاحظ عدد من الباحثين نوعا من الغموض و الازدواجية اللذان يكتنفان خطاب العدالة والتنمية. فهي تسعى لتذويب تناقضات فعلية في جمل اسمية، وتكثر من الحدود عندما تصرّح أنها مع التعدّدية و لكن في حدودها الإسلامية الوحدوية !، وهي مع الديمقراطية شريطة أن لا تتناقض مع الشورى! وهي مع حرية المرأة شرط الالتزام بأحكام الشرع! وهي مع حريات الإبداع والتعبير ولكن مع مراعاة الحدود الأخلاقية!!
ودونما الوقوف على صعوبة تحديد هذه «المفارقات» والقبض على الضوء الأحمر الفاصل بينهما، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الغموض يزداد حدّة فيما لو تتبعنا تصريحات بعض زعماء هذه الحركة، وهم يشرحون الأسس التي تقوم عليها المرجعية الإسلامية وأهمها أنّ حركتهم وبرنامجهم «سياسي مدني» وأنّهم يجيبون على الأسئلة المطروحة «سياسيا وليس دينيا»، و«أنّ اجتهاداتهم و اختياراتهم ممارسة إنسانية نسبية»..
لو أزلنا عن هذه الحركة قشرتها الدينية، لو حذفنا من بياناتها وبلاغاتها وتقاريرها وبرامجها إحالاتها الدينية والأخلاقية التي تطفو على السطح من حين لآخر، لما تبقى لنا غير خطاب درجت عليه الساحة السياسية. ولكن في الجمع بين العمل السياسي والإحالات الدينية مزية «براغماتية» تستنفع منها هذه الحركة إلى أجل مسمى. حينما يكون الأمر يتعلّق بعقد تحالفات سياسية، أو تحديد معايير للترشح في انتخابات ما، تصبح الحركة «رجل سياسة»، وحينما يتعلّق الأمر بمخاطبة الجمهور العريض أو مناقشة قضايا تقترب من الأخلاق وسلوك الناس اليومي تصبح نفس الحركة «رجل وعظ و إرشاد»، وهي الصورة التي تحصد معها في أحيان كثيرة تعاطفا لدى بعض اwلفئات الاجتماعية المتوسّطة والفقيرة، ممّا يبرز فعالية اللغة «الشعبوية» المشحونة بجرعات دينية في بلد  تعاني قطاعات مهمة منه من طامّة الفقر وآفة الجهل. وهي نفس اللغة التي تجد في الثقافة الاجتماعية أو الذّهنية الجمعية السّائدة مرتعا خصبا لها باستحضارها كلّ الحمولات الدينية و الأخلاقية. ولا يتعلّق الأمر هنا بالتعمّق في أصول الدين و قواعده، ولا في استحضار المرجعيات الدينية الكبرى، وإنّما في توظيف ما انغرس في الذهنية الجماعية السّائدة من رموز، بل وأحيانا من أساطير لا تستقيم مع وقائع التاريخ، وذلك في لغة تبسيطية تعتمد العموميات مثل ربط الإسلام بالعدل و المساواة والكرامة والحرية والتّضامن، أو استحضار نماذج تركّزت في أذهان النّاس مثل عدل العُمرين، ابن الخطّاب و ابن عبد العزيز، أو استحضار «العصر الذهبي» للعهد الرّاشدي... وواضح أنّ مثل هذه الإشارات، ودونما مناقشة درجة أسطرتها، تجد تجاوبا مع قاعدة مجتمعية كبرى أكبر ما يمكن أن تجده عشرات الاستشهادات من كتابات منّظري الديموقراطية الحديثة. ويبدو أنّ جزءا كبيرا من أسباب قوّة هذا الخطاب وعوامل انتشاره تعود إلى لغته التبسيطية التي تختزل أعقد القضايا الاجتماعية والسياسية في حلول افتراضية «أخلاقية-دينية» يصعب تصوّر أجرأتها في ميدان التدبير.
ومع كلّ هذا الغموض، أو نتيجة له، أعتقد أنّ المسألة ليست مسألة ثقة و لا هي مسألة أخلاقية. ما يحكم لهم أو عنهم هو الممارسة الفعلية وسلوكهم السياسي. وأكبر ضمانة لدخولهم دائرة الأحزاب المدنية، هو بكلّ بساطة تخلّيهم عن استعمال الدين في الحياة السياسية، وهو ما لا نلمسه فعلا في ممارسات هذه الحركة، وخاصة في خطاباتها الجماهيرية، وحضورها الإعلامي، وحملاتها الانتخابية، بل وأيضا في برامجها وأدبياتها. هنا تقول لك أنّها حركة مدنية، و هناك لا تتورّع على استغلال آية قرآنية أو حديث نبوي. وربّما يكمن سرّ هذين الوجهين في كون الجمع بين العمل السياسي والإحالات الدينية يحمل معه مزية «براغماتية» وانتخابية تستنفع منها هذه الحركات إلى أجل مسمى.
...وفي جميع الأحوال أعتقد أنّ وصول بعض هذه الحركات إلى مراكز السلطة هو بداية نهاية بريقها. فأن تبقى في المعارضة معناه المزيد من استغلال مبرّر المظلومية عليها، وحصد المزيد من التعاطف لفائدتها. أتصوّر أن لا شيء يمكنه أن يبرز محدوديتها أكثر من توليتها أمور النّاس المعيشية واليومية.

 

تروم ضرب التدين المغربي

ولاء البيجيدي لـ«الأممية الإخوانية» وفقيهها القرضاوي أولى من ولائهم للمغرب ولإمارة المؤمنين!

 

في شتنبر 2006، أي قبل 10 سنوات من الآن، اعتَبرَنا يوسف القرضاوي، رئيس ما يسمى بـ «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، نحن المغاربة مجرد جالية مسلمة في بلادهم المغرب، لا لشيء سوى لأن المغاربة اختاروا، منذ قرون، أن يتصدوا لكل من يروج لأي مذهب دخيل يهدد الوحدة المذهبية للمغاربة (المذهب المالكي). غير أن الغريب في الأمر أن «علماء» البيجيدي جعلوا «فقيههم» القرضاوي في كفة، وكل علماء المغرب في كفة أخرى. إذ لم يشفع للمجلس العلمي أن يضم خيرة العلماء، ولا شفع له أنه يدافع عن قرون من الاعتدال والوحدة المذهبية، ولم يشفع له شيء آخر، لأنه تجرأ ورد على القرضاوي الذي نصبوه وليا على الجميع، لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه، ولا من أمامه. وهذا يؤكد شيئا واحدا، وهو أن علماء «البيجيدي» -حتى وإن أظهروا العكس- يعملون من أجل الانقلاب على الوحدة المذهبية للمغاربة والتمرد على قرون من التدين المغربي، والغاية- طبعا- هي خدمة «الأممية الإخوانية» التي يدينون لها بالولاء غير المشروط مادامت «دولة الخلافة» هي الفردوس المفقود.. كما يؤكد أن ولاءهم الإخواني أكبر من الولاء للوطن، وأكبر من ولائهم لإمارة المؤمنين التي يتظاهرون أنهم في خدمتها، ويعملون من أجل استمراريتها.
ويذهب أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، إلى أن تنامي استيراد بعض المذاهب يرجع إلى تلك المطبوعات التي توزع بالمجان، وكذا عن طريق بعض الأساتذة الذين تم تكوينهم في البلدان المتمسكة بتوجه تصدير المذهب? أما تفادي سلبيات هذه الظاهرة، فلن يتم- يقول الخمليشي- إلا «بالتكوين المعرفي الصحيح، أي تكوين الباحث الذي لا يكون أسيرا لما قيل له هنا أو هناك».  
ولكن ما العمل أمام الآلة التي نتنج «مذهبها» في الجامعة المغربية، وفي كليات الشريعة وشعب الدراسات الإسلامية على وجه الخصوص،  إذا كان الفكر المغربي المالكي يتطلع إلى صياغة مشروع إصلاح الشأن الديني مع وقوع حوادث التطرف السلوكي الديني في المغرب وخارجه؟ ما العمل الآن والمغاربة أصبحوا، الآن، محسوبين   على منتوج مصانع الإرهاب العالمية؟
لقد دخل المذهب المالكي- يقول أحمد التوفيق (وزير الأوقاف)- عبر قرون في كيان الدولة كمرجع وآلية لقيام إمارة المؤمنين بواجبها في حماية الملة والدين، كما استعمل الفقهاء روح المذهب ومنطقه لإدماج عدد من العادات الثقافية المحلية، وكان المذهب عنوان وحدة الأمة بالعمل به في المساجد والمحاكم على السواء. وكان مناضلوه يحملون هم هذه الوحدة، وهكذا لم تأت مكانة الفقهاء المالكية في الدولة المرابطية بالصدفة، وإنما تأتت بتراكم سلطتهم في القرنين السابقين، وبنفس الرصيد الراسخ، يمكن تفسير عودتهم إلى المرجعية في الفقه والشورى في العهد المريني. ثم إن المغاربة خدموا المذهب المالكي بتأطير العبادة بالإرشاد بأحكامه، وبالتصنيف في قواعده الكلية، وبشرح فروعه لغايات عملية، وكان لهم فيه التجديد دون تجاهل رصيد التقليد. وعلى هذه الفلسفة، بنوا عملهم الميداني عبر فقه النوازل مع إعطاء العرف والعمل أهمية في حل مشاكل تهم الصناع والعمال والشركاء الفلاحيين وحقوق النساء والانخراط في الشورى لإمارة المؤمنين، وكلها مظاهر جعلت المذهب الفقهي المالكي هوية وطنية داخل كيان الأمة الكبرى.
ويستنتج التوفيق (الدرس الرمضاني 2012) أن آفاق النموذج المغربي في علاقة الدين بالسياسة تقوم على التوازي بين المؤسسات السياسية والثوابت الدينية،وعلى حماية الثوابت الدينية بالدستور، وترجمة هذه المعادلة تكون بالمقولة التالية: «التزام الدولة ممثلة في إمارة المؤمنين بحماية الملة والدين، كما جرى به العمل على امتداد التاريخ، وفي مقابل ذلك التزام الفاعلين السياسيين والجمعويين بجميع أطيافهم ومواقعهم، مدبرين ومؤطرين، التزامهم بالحياد إزاء الدين، وتفسير مقتضى الدستور بعدم تأسيس الهيئات على أساس الدين من هذا المنظور. وتبقى المهمة الاساسية في مواكبة هذه السيرورة التاريخية هي مهمة العلماء، في شرح الثوابت شرحا دينيا سياسيا واضحا، في ضوء الأثر والتاريخ والمقاصد ومقتضى التنزيل على حال عصرنا».
ويرى أحمد العبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء، ردا على دعاوى التطرف المذهبي، أن «مقصد العقل يقتضي المناهج والبرامج والنظر في الوسائط والحوامل وفي تدريب المشرفين على الهيئات التدريسية وبلورة مناراتهم وبناء قدراتهم، والتكامل بين هذه المدارك التي سوف يتم توثيقها من خلال مختلف المداخل، كيف يمكن أن نقيس هذا، في استذكار لكون ديوان التربية عند البغدادي قد حرّم كل علوم الإنسانيات ـ حرمها تحريما ـ كيف يمكن أن نضبط السياق إذا لم ندخل من أبواب الإحصاء والانثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد غير ذلك من العلوم، علما بأن علوم النص لا بد من امتلاكها ولا بد من التجسير بين هذين الجانبين من جوانب العلوم».
ومن هنا يتضح أن تجنب إقامة إمارة أصولية بالمغرب يقتضي أولا، وهذا ما قاله الملك في خطاب العرش 2013، «إننا لن نقبل أبدا باتخاذ الإسلام مطية للزعامة باسم الدين أو القيام بأعمال الارهاب وتمزيق الوحدة المذهبية للأمة والتكفير وسفك الدماء»، كما يقتضي الحذر من الاختراق المنظم الذي تباشره حركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب البيجيدي، للانقضاض على نحو شامل على الحقل الديني، وعلى مؤسساته، بغاية تحويل أمير المؤمنين إلى رهينة. فمن يتذكر أحلام أحمد الريسوني، ومن يتذكر سبب إبعاده من رئاسة الحركة الإخوانية المغربية؟!