الثلاثاء 7 مايو 2024
ملفات الوطن الآن

المخطط الأصولي لحزب العدالة والتنمية لتكسير «بيضة» إمارة المؤمنين

المخطط الأصولي لحزب العدالة والتنمية لتكسير «بيضة» إمارة المؤمنين

منذ نشأت حركات الإسلام السياسي في العصر الحديث وهي تتحرك في المشهد العربي الإسلامي وفق تبنيها لثلاثة ثوابت: (مرجعية موازية)
- ازدواجية الخطاب الدعوي والفعل السياسي وفق منهج التدرج في مقاربة الشأن العام، في أفق التمكين بعيدا عن المواجهة الصدامية مع أنظمة الحكم إلى أن تمتلك المجتمع برمته. وهذا ما يجعلها تتوجه أساسا نحو العمل الخيري كمنطلق حاسم في بنائها الاستراتيجي.
ـ ازدواجية أدوات العمل الموزعة بين آليات التنظيم السرية (المسلح أحيانا) والإطارات المدنية، وبين الاغتيالات والمشاركة البرلمانية.
ـ ازدواجية الانتماء إلى العقيدة من جهة، وإلى الوطن الذي ليس هو المقومات التقليدية (الأرض والسيادة) ولكنه الوطن الديني الذي لا يعترف- بالحدود الجغرافية.
وتعتبر تجربة الإخوان المسلمين في مصر الملهم الأول لهذه الثوابت منذ أسسها حسن البنا سنة 1928 على خلفية إعادة إحياء الخلافة الإسلامية، إثر انهيار الامبراطورية العثمانية قبل ذلك التاريخ بثلاث سنوات فقط.
ومن تم سارت كل الحركات اللاحقة على هدي هذه الثوابت، بمن فيهم «إسلاميو» المغرب الذين صارعوا النظام وهادنوه، بل انخرطوا في غاياته كما حدث أثناء مواجهة الدولة لليسار في سبعينيات القرن الماضي، ومارسوا العمل الدعوي الخيري في الظاهر مبقين على مبدأي التدرج والتمكين كخطاب جوهري في أدبياتهم التأسيسية كما لدى جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية...
وإذا كانت الشروط الراهنة قد أبقت على مريدي عبد السلام ياسين كمجرد «حركة دعوية»، فإن نفس الشروط قد اتاحت لتلاميذ عبد الكريم مطيع أن يسلكوا كل المنعرجات من أجل الانخراط في المشهد السياسي الحالي.
فهل تخلى رفاق بنكيران عن ثوابت «الإسلام السياسي» كما حددناه أعلاه، أم أنهم اقتنعوا فعلا بمكتسبات الفكر الديمقراطية، وصاروا حركة سياسية تؤمن بالقواعد الكونية لتصريف الموقف السياسي كما يدعون.
إذا تأملنا وجودهم التنظيمي الشرعي، منذ انخراطهم في حركة عبد الكريم الخطيب، إلى اليوم فسنجد أنفسنا أمام المعطيات التالية:
1ـ إنهم يبقون على المعنى الفضفاض لاعتماد الإسلام كمرجعية أساسية الذي يعني أساسا الخلط الإرادي بين منحى الدعوة والعمل الخيري. وبناء على ذلك تلتقي أدبياتهم مع المرجعية الإخوانية بالضبط رغم تصريحاتهم بالقول إنهم ليس فصيلا إخوانيا، ولا علاقة لهم بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
2ـ وكما لم تغير أدبياتهم فإن سلوكهم حافظ على طابعه الازدواجي حتى وهم يتحملون اليوم مسؤولية رئاسة الحكومة وإدارة الأغلبية الحكومية. وفي هذا الإطار نلاحظ إبقاءهم على الطابع الازدواجي في الممارسة عبر الذارع الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) الذي يتولى مهام واختصاصات المرشد العام الذي يوجه الذراع السياسي (حزب العدالة والتنمية). ومعنى ذلك أنهم لم يتخلوا عن فكرة امتلاك بنيات المجتمع العميقة في أفق امتلاك الدولة. كما يعني ذلك الإبقاء على غموض العلاقة بين ممارسة الدين وممارسة السياسة، وهو ما يتعارض جوهريا مع المفهوم الحديث للعمل الديمقراطي المدني. في نفس الإطار نلاحظ أن نزوع الامتلاك والهيمنة صار يتجه نحو روافد مجتمعية أخرى أكثر فعالية من قبيل استقطاب الأطر الجديدة من داخل المجتمع، وتوجيه الأطر المتوفرة لديهم للسيطرة على المجالس العلمية التي تقع تحت رئاسة أمير المؤمنين. وبموازاة ذلك يسعون إلى السيطرة على امتلاك جل مدارس التعليم العتيق والشعب الإسلامية داخل الجامعات المغربية، ومن خلالها التحكم في توجيه الطلبة، وفي بنائهم الذهني والمعرفي وفي توفير الخزان الذي يغرفون منه لتزويد الإدارة والحقل الديني بأنصارهم واتباعهم. كما يسعون إلى تحريف مهام وظائف الجماعات الترابية من خلال تركيز منتخبيهم على بعض الأهداف الخيرية والدعوية (قفة رمضان/مزاحمة المجالس المحلية في الحقل الديني بالإشراف على حلقات التجويد والقراءات القرآنية تحت مظلة منظريهم الأصوليين...)
يتبين، من خلال هذا الجرد التمثيلي فقط، أن حزب العدالة والتنمية، والأصوليين بشكل عام، لا يعملون فقط على تصريف ازدواجيات التدرج والتمكين، والدعوى والسياسة ولكنهم يعملون أساسا على اختراق مساحات استراتيجية داخل الحقل الديني، والتشويش على إمارة المؤمنين التي تبناها المغرب منذ عقود كشكل توافقي من أجل الحفاظ على وحدة المغرب السياسية والمذهبية، وعلى التوجه الإسلامي الوسطي.
إنهم يسيرون نحو هذه الأهداف بتدرج دقيق من أجل امتلاك المجتمع والدولة عبر إفراغ إمارة المؤمنين من جوهرها ومضمونها المغربي حتى ينقضوا على كل مفاصل المغرب.
الخطير في الأمر أن هذ الاستراتيجية التدميرية تهدف إلى أن تضع هؤلاء الأصوليين في مواجهة مباشرة مع الدولة في غياب دور فعال واع للنخبة السياسية والمالية والجامعية والفكرية والمدنية المشتغلة بحسابات السياسة الانتخابية، وبحسابات المصالح الذاتية عبر انتهاز الفرص من أجل استثمار الريع السياسي والفكري. وهذا ما يدفعنا كإعلاميين إلى أن ننبه إلى أن ما يبدو انسيابا على مستوى ظاهر المشهد السياسي يخفي نزعات فاشية وشمولية وتهجمية وتحكمية على مستوى الباطن السياسي.
لقد رأينا ما حدث في مصر بعد إسقاط حسني مبارك حيث تمكن الإخوان المسلمون من الوصول إلى سدة الرئاسة، فبادروا مباشرة إلى الانقلاب على الديمقراطية باسم شرعية صناديق الاقتراع، وعرضوا تراب مصر إلى البيع باسم أن الدين هو الجنسية وليس الأرض. ورأينا ما يحدث اليوم في تركيا التي يسعى فيها أردوغان (السلطان العثماني الجديد) إلى تعديل الدستور من أجل سلطات واسعة للتحكم في المعارضة والإعلام والمجتمع المدني ولتذويب الأقليات.
ولأن حركات الإسلام السياسي تنهل من معين أصولي واحد فعلينا أن نتوقع الأسوأ في مشهدنا العام في حالة استمرار الصمت السياسي إزاء ما يقوم به مندوبو هذه الحركات في بلادنا. ولذلك من حقنا أن نغضب على استمرار هذا الصمت الذي يعتبر جريمة تواطؤ مع من يريدون الانقلاب على حلم المغاربة في بناء مجتمع منفتح ومتعدد وحلمهم في بناء دولة تدبر الاختلافات فيها بالبرامج والتصورات وليس باستغلال الدين  للانقلاب على كل الشرعيات التي أرست معالم مغربنا.
الأصوليون بالمغرب يضعون الدولة والمجتمع أمام خيارات صعبة، فإما أن تتحقق صحوة الديموقراطيين المغاربة الحقيقيين لوقف هذا النزيف المدمر، وإما أننا نتدرج إلى ما قبل المسلسل الديموقراطي، حيث تعوض سنوات الرصاص بديكتاتورية  أصولية جديدة تنهي مع فكر التنوع والاختلاف لفائدة نزوع الاستحواذ والابتلاع باسم التأويل المغرض والخبيث للدين.

 

العداء للنبي الكريم

مع قرب عيد المولد النبوي بدأ الأصوليون يشحذون سكاكينهم لذبح أحد أهم الطقوس الاحتفالية للمغاربة، ألا وهي الاحتفاء بعيد المولد النبوي بادعائهم أن الاحتفال بدعة!
والحال أن أول من سن الاحتفال بعيد المولد النبوي هم المغاربة في البدايات الأولى للعهد الإسلامي، وذلك بسبب شدة تعلق المغاربة (منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم) بالرسول الكريم وبسبب حبهم الكبير لآل البيت.
وبما أن التصوف المغربي ينبني على محبة النبي (ص) ويسير ميراث النبوة الرمزي نجده مرة أخرى في مرمى النار والاستهداف من طرف الأصوليين.
وبما أن التصوف المغربي يعيش حاليا في مرحلة الوهن (المقام هنا لا يسمح بتبيان أسباب ذلك) فإن الحركة الأصولية تسلط  سهام نقدها على الزاوية البوتشيشية، بالنظر إلى أنها إحدى أهم الزوايا التي ظلت منظمة ومستقطبة للأطر وللتجار والحرفيين ولرجال الأعمال بالمغرب.
فمعظم أفراد الزوايا الأخرى يختصمون على أوقاف زواياهم أو يتسابقون على الريع الديني بشكل أنهكهم وأساء للصورة المشرقة للتصوف المغربي، في حين ظلت الزاوية البوتشيشية فاعلة وحاضرة في الميدان. وهذا ما يفسر تصويب الأصوليين لراجماتهم نحو مداغ بإقليم بركان لقصف الزاوية البوتشيشية بالباطل وبالإشاعات بغرض تشويهها وتفتيت تماسك أعضائها حتى تفقد إمارة المؤمنين إحدى المتاريس التي تعتمد عليها في حماية التدين المغربي.
وهذا الإضعاف لا يستهدف الزوايا وحدها من طرف الحركة الأصولية، بل يهم مختلف الوسائط بالمجتمع، أكانت وسائط مدنية أو إدارية ليخلو المجال والتحكم للأصوليين (انظر ص: 8).

 

التهديد بالنزول إلى الشارع.. نزعة استبدادية وفاشية

كلما ضاقت الدائرة على عبد الإله بنكيران، وأحس بأنه محاصر سياسيا، يهدد بالنزول إلى الشارع، وكأن الشعب لا ينتظر إلا إشارة واحدة منه لاحتلال الفضاء العمومي احتجاجا على معاكسة طموحات «الحكومة الملتحية» في الاستمرار في تدبير الشأن العام. وهذا يؤكد منطق الابتزاز الذي يستعمله رئيس الحكومة في مخاطبة فرقاء الحقل السياسي، فأي هزيمة مرتقبة للأصوليين في الاستحقاقات القادمة (السابع من أكتوبر 2016) لا تعني في منطق بنكيران سوى تزوير الإرادة الشعبية والانقلاب على المسار الإخواني، خاصة أن أصدقاءه تعودوا على الكراسي الوزارية وعلى الرواتب الضخمة والسيارات الفارهة التي استلزمها تعيينهم المريح في المناصب السامية.
إن تلويح بنكيران بالنزول إلى الشارع كلما أحس باقتراب نهاية تجربته في الحكومة، وكلما أحس أن توجها سياسيا قادما سيعصف بطموحاته التحكمية، خاصة أن مؤشرات عدة تؤكد أن الأصوليين يخططون لمزاحمة إمارة المؤمنين وإفراغها تدريجيا من مضامينها المغربية، يحمل رسالة واحدة، وهو أنه لا يؤمن بالديمقراطية، ولا يؤمن بالتعددية السياسية، ولا يؤمن بصناديق الاقتراع،ولا بالتداول على السلطة، وكل ما يؤمن به هو: «أنا وحزبي ومن بعدي الطوفان».
إن هذا التهديد ليوضح الميولات الاستبدادية لرئيس الحكومة، ورغبته الدائمة في «التبوريد» على الخصوم، ليس بمنطق الإنجازات والمشاريع، بل بمنطق السخرية والقهقهات الحامضة وحشر العفاريت والتماسيح في ردوده على معارضيه. إن بنكيران حينما يقول لخصومه «خليوني نتبورد عليكم» يفرج عن عقدة نفسية تدل على أنه مستبد وفاشي ولا يؤمن سوى بمعارك اللسان، وأنه في نهاية المطاف ظاهرة صوتية ليس إلا.

 

الأصوليون والقراءة الماكرة للتاريخ

يعد التاريخ أحد أهم المداخل المعتمدة من طرف الأصوليين لتعبيد الطريق أمام تصورهم للحكم والتحكم. إذ منذ مدة ونحن نشهد محاولات لمنظري الأصولية تروم إسقاط قراءة سلفية وهابية على تاريخ المغرب، علما أن تلك الكتابات ليس لها هاجس أكاديمي بقدر ماهي ذات لبوس إيديولوجي (انظر غلاف العدد: 649).
ومن هذه القراءات الماكرة للتاريخ المغربي القول أن التيار الظاهري (ظاهرية ابن حزم التي تعتمد على ظاهر النصوص وعلى القراءة الحرفية بدل قراءة السياق كما ألفه المغاربة) كان مدرسة، والحال أن هذه القراءة  مجرد تزييف للتاريخ، لأن التيار الظاهري لم يكن أبدا مدرسة بالمغرب، بل مجرد تيار هامشي تؤمن به فعاليات وبضع علماء في مراحل معينة من تاريخ المغرب، أضف إلى ذلك أنه تم القضاء على هذا التيار.
اليوم، يحاول قادة الأصولية (بشقيها الإخواني والوهابي) إسقاط الظاهرية على سلالات حكمت المغرب بالقول إن سلاطين عديدين مكنوا للظاهرية في الحكم والقضاء والمعاملات اليومية، ويستشهدون بحالة يوسف بن تاشفين في العهد المرابطي وبعض أبناء عبد المومن الموحدي في العهد الموحدي وسلاطين من السلالة العلوية مثل محمد بن عبد الله ومولاي سليمان ومولاي حفيظ، وهي طبعا قراءات آثمة.
ومن مخاطر هذه القراءة الماكرة للتاريخ نسف ما ارتضاه المغرب عبر قرون بالنظر إلى أن التمكين للظاهرية بالمغرب اليوم معناه دفع المغرب إلى الفتنة وتجميد التطور ووضع كوابح أمام التقدم (مثلا: الجلد وتقطيع اليد + إشاعة مثنى وثلاث ورباع...) علما أن علماء المغرب حققوا ثورة في التشريع منذ قرون بالانتقال من العقوبة البدنية إلى العقوبة بالغرامة، بحيث لو تم اعتماد القراءة الحرفية للنصوص أو التفسير الظاهري للدين لما أمكن للمغرب في تاريخه أن يحدث الوثبة المذكورة في التشريع منذ قرون.
ولإبراز توزيع الأدوار بين الأصوليين، نجد أن القراءة الماكرة للتاريخ المغربي لا تقتصر على الشق السياسي، بل أيضا الشق المذهبي حين انبرى زعماء سلفيين مؤخرا بمدن الشمال في اعتلاء المنبر لضرب العقيدة الأشعرية المعتمدة بالمغرب عبر تسفيه ابن تومرت ونسف توجهاته بالنظر إلى أن ابن تومرت يعد الشخصية التي رسخت العقيدة الأشعرية بالمغرب، وبالتالي فضرب ابن تومرت معناه ضرب العقيدة المذكورة للتمكين للأصوليين الذين يرون المغرب بأنه في حاجة إلى «فتح إسلامي جديد» ل«أسلمته» وبالتالي يحق الجهاد في المغاربة الذين يؤمنون بالعقيدة الأشعرية التي لا تكفر أحدا من أهل القبلة، فأحرى أن تكفر أبناء البلد.
ولنسف إمارة المؤمنين وإفراغها من محتواها المغربي نجد الأصوليين لا يقتصرون على ضرب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، بل يتطاولون حتى على التصوف المغربي لجعله تصوفا حنبليا.
وإذا تحقق لهم ذلك يكون الفكر الأصولي قد ضرب مرجعية إمارة المؤمنين في مقتل، على اعتبار أن إمارة المؤمنين هي المؤتمنة بالمغرب - على مر التاريخ - على التالوث المقدس: المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي. وهم (أي الأصوليون) في سبيل تحقيق ذلك يسعون إلى زرع أوتادهم في المجالس العلمية المحلية وفي صفوف القيميين الدينيين وفي كراسي كليات أصول الدين والتعليم العتيق وشعب الدراسات الإسلامية حتى يتحقق لهم التغلغل في مفاصل الحقل الديني والانقلاب على إمارة المؤمنين.
 فالأصوليون كلهم على ملة واحدة (أكانوا وهابيين أم إخوان مسلمون ) لأنهم يلتقون في مشروع الخلافة وفي الحاكمية، بدليل أن شعار الإخوان والوهابيين هو السيف: أي القتل والنحر والسفك. وهذا ما يفسر كيف يتلاقي القباج الوهابي مع بنكيران الإخواني في التحالفات الانتخابية وفي دعوة أنصاره السلفيين للتصويت على حزب العدالة وكيف تنسق حركة التوحيد والإصلاح مع جماعة العدل والإحسان قبيل اقتراع 7 أكتوبر.

 

التوفيق ويسف: ماذا فعلتما بالأموال السخية لحماية التدين المغربي؟

تميزت خطابات الملك محمد السادس في المدة الأخيرة بنفس نقدي واضح، وبلغة مباشرة وقوية خارج أي تلميح، حيث أكد على ما يجمع المغاربة وما يوحدهم؛ وهو توجه يقوم أساسا على التشبت بالهوية، وعلى الحفاظ على «تامغرابيت» (الخصوصية المغربية) ومكافحة جميع أنواع التطرف.
وألح الملك في أكثر من مناسبة على التدين المغربي، وعلى عدم حاجة المغاربة إلى من يأتي من الخارج ليعلمهم الدين. غير أن هذا التوجه الملكي الواضح ينبغي أن يكون مسنودا برجالات ونساء مساحين باستراتيجية لتنزيله على أرض الواقع ولإدارته على الوجه الأكمل، وذلك بتجنيد مسؤولين وكفاءات في مختلف الطوابق الإدارية مقتنعون بهذه الرؤية بدل الاكتفاء بمؤسسات ضعيفة ومخترقة، وتعمل من أجل إضعاف دور إمارة المؤمنين في التدبير الديني.
إن تنزيل هذه الرؤية الواضحة القائمة على تطهير التدين المغربي من التأثيرات الوهابية أو الداعشية أو الإخوانية تتطلب مؤسسات قادرة على المواجهة، وعلى الترافع من داخل المرجعية المغربية التي راكمت ممارسة إسلامية تمتد على مساحة 12 قرنا، وعلى تحصين التدين المغربي الذي يحتاج إلى رؤية غير مخترقة من طرف سفراء الأصولية.
إن ما نعيشه من فوضى دينية يحتم وضع تصور مستعجل لتصريف رؤية الملك في برامج ومشاريع وتنزيلها على أرض الواقع، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ذلك أن السؤال الذي ينبغي طرحه على وزير الأوقاف أحمد التوفيق هو: إذا كانت ميزانية الوزارة قد تضاعفت في ظرف 10 سنوات، فما هو السر في استمرار الاختراق الأصولي لمؤسساتتنا الإدارية وبالمجالس العلمية المحلية؟ ولماذا تحولت هذه المؤسسات إلى محاضن وأبواق للوهابيين والإخوانيين؟ لماذا أصبحت ضرائبنا تمول إنتاج التطرف وتنبث أعداء التدين المغربي؟
لقد أنفقت الدولة بسخاء على المجالس العلمية. ومن حقنا كمغاربة أن نطالب بمحاسبة المسؤولين بالمجالس العلمية المحلية على هذا التسيب والفوضى والاختراق التي يعيشها المجال الديني. ذلك أنه من العار أن يتحول المحافظون بالمجالس العلمية وببنيات الوزارة إلى قوة ناسفة للخطب الملكية. من العار أن نرهن الأمن الروحي والديني للمغاربة بين أيدي طائفة تعتنق الإقصاء والتفسير المتزمت للنصوص. ولذلك، فالمطلوب هو البحث عن مندوب للأوقاف في كل جهة وإقليم يكون مجاهدا ومناضلا من أجل إقرار التصور الملكي بخصوص التدين والهوية المغربيين. المطلوب هو الاستعانة بمسؤولين لديهم «الكبدة» على البلاد وتعيينهم في المجالس العلمية العليا والمحلية، وفي الرابطة المحمدية للعلماء، وفي كليات الشريعة، وفي مدارس التعليم العتيق، وفي شعب الدراسات الإسلامية، وفي كليات أصول الدين.. حتى نتمكن من وقف الزحف الوهابي والداعشي والإخواني على أمننا الروحي. المطلوب علماء مغاربة أقحاح ليست لهم روابط مالية و«فقهية» بشيوخ «سيدنا» أبوبكر البغدادي أو بالمرشد العام للإخوان المسلمين، وذلك للحفاظ على استقرارالمغرب وأمنه الروحي، ولصيانة الطابع المعتدل والمتسامح للتدين المغربي.

 

البيجيديون وشوكة «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»

 

لم يبتلع أصدقاء عبد الإله بنكيران عدم تمكنهم من وضع اليد على المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إذ ما إن وافق   الملك محمد السادس على لائحة الأعضاء حتى تصاعدت ردود أفعال إسلامية قوية تتهم المجلس بأنه «غير وطني»، وأنه مساحة حرة يتحرك فيها اليساريون والعلمانيون الذين يعاكسون التوجه الإسلامي على مستوى حقوق الإنسان.
ويرى البيجيديون أنهم المتضرر الأكبر جراء هذا «الإبعاد» الذي يعتبرونه مقصودا، لكسر شوكتهم ومنعهم من تمرير مجموعة من التشريعات ذات الحمولة الأصولية. بل إن منهم من يذهب إلى أن تشكيلة المجلس تثبت أن هناك رغبة في تهميش الأصوليين داخل المؤسسات التي لها طبيعة تمثيلية.
ومن هذا المنطلق تعمل حكومة بنكيران، ذات التوجه الأصولي والأذرع الإخوانية التي تمتد إلى البرلمان، على خنق هذا المجلس ماليا في القانون المالي، حيث لا يتردد البيجيديون في جعل جهودهم تنصب على ما يسمونه تحرير المجلس من «الملاحدة والعلمانيين». وهو ما يؤكد العقلية الإقصائية التي يتعامل بها الأصوليون مع كل مؤسسة تعاكس طموحاتهم في الهيمنة، وفي أخونة المجتمع المغربي، وجعله ملتحيا بالكامل، خارج أي تمثيلية متعددة لجمعيات المجتمع المدني.
وتأسيسا على هذه الطموحات، يستغل الأصوليون امتداداتهم داخل المؤسسات الدينية من أجل محاربة كل التوصيات التي تصدر عن المجلس، فضلا عن ذلك باستغلال المساجد والجمعيات من أجل تأليب الرأي العام على من يسمونهم «أعداء الإسلاميين». وهكذا رأينا كيف هب فقهاء البيجيدي وأتباعهم من الوهابيين والسلفيين للوقوف ضد دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، في توصية عقب دراسة حول «المساواة والمناصفة». حيث أكدوا أن توصيات المجلس هي تطاول على الدين الإسلامي، وعلى المجلس العلمي الأعلى، وعلى كتاب الله.
إن هذا المنزع التكفيري المضمر يثبت أن الأصوليين لا ينظرون بارتياح إلى أي رياح حقوقية يمكنها أن تهب على المغرب، ويعتبرون المواثيق والمعاهدات الدولية مجرد عوائق ضد تكريس إيديولوجية الاستبداد الأصولي، ما يؤكد أن المعركة القادمة هي معركة بين الفكر الشمولي والفكر الحقوقي الإنساني.

 

ميليشيات لاختطاف جنازات أموات المغاربة..

الأصوليون لم يكتفوا بالتحكم في مناحي الحياة اليومية بالمجتمع فحسب، بل امتد تسللهم إلى المقابر لتوجيه طعنة غادرة إلى أموات المغاربة عبر زرع ميليشيات في المقابر لاختطاف الجنازات عبر إلزام أهل الميت بعدم تشييعه بقراءة الذكر وسورة «يس» كما ألف ذلك المغاربة منذ قرون، بل لإجبار أهل الميت بتشييعه بالصمت!
تطاول الأصوليين على الطقوس المغربية في الدفن لا يقتصر على نقل الخلاف الفقهي حول الدفن إلى المقابر بل يروم خلخلة بنيات التدين المغربي وتقويضها ليتم تعويضها ببنى مشرقية تؤطر المجتمع ككل.

 

الأخطاء التي استغلها الأصوليون للتسلل إلى مفاصل المجتمع المغربي

كانت هناك أخطاء قاتلة.. أخطاء تتعلق بسوء فهم ما يسمى بالعولمة. البعض اعتبر أن العولمة هي فقط الأنترنيت، هي العنكبوت، هي المعلومات، وهي أن أسافر إلى حيث أشاء، ونسوا أن من بين أهم مزايا ومشاكل العولمة، أن الأخبار والمعلومات والقيم والبشر والأفكار تهاجر وتسافر، وأن الإنسان عليه أن يأخذ احتياطات لتحصين بلاده بالثقافة والتربية والتكوين، ويحصنها بتملك القيم لتفسيرها وليس لفرضها، كي يتداولها المجتمع ككل على مستوى المدرسة وعلى مستوى المسجد... فلا يعقل أن المسجد في المغرب في غالب الأحيان أصبح حاضن الوهابية والحنبلية والحنفية.. كأن المغرب فيه فراغ ديني، وهو ليس كذلك.. وهناك عنصر ثان، يتمحور حول أخطاء مرتبطة بتقدير الهجوم العالمي الذي قام به البيترودولار الوهابي والشيعي، حيث تعامل معه المغرب (مع الموضوع) وكأنه غير معني. وتناسينا أنه منذ السبعينات والميول الأصولية تدخل إلينا من أوروبا ومن أمريكا عبر المغاربة وغير المغاربة، وأن هذه الدول اشتغلت عبر تمويل المراكز الدينية وما يشبه الدينية والمساجد القبوية، وأن المغاربة وغير المغاربة اشتغلوا في أوروبا وفي إنجلترا وأمريكا، ومنهم جاءت موجة إعادة أسلمة المغاربة وكأنهم لم يكونوا مسلمين، خاصة أناس القرى والمناطق الجبلية وكذلك هوامش المدن الكبرى: الرباط وسلا والدار البيضاء وطنجة ووجدة وتطوان... لدرجة أن هذه الميول التي جاءت من الخارج نخرت المجتمع، وجعلت الشباب ينخرط في عدد من الشبكات العالمية التي هي عبارة عن بحر فيه ما يصلح وفيه ما لا يصلح... إن المجتمع والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية لم يسهروا على أن يكون شبابها مسلحا بالعلم وبالمعرفة والثقافة حول ما يجري في العالم... فما من موجة تأتي إلا وجرت وراءها الشباب المغربي.. وهذا ما جعل البيترودولار الوهابي والسلفي التقليدي السلبي العنيف والشيعة العنيفة كذلك، يجدون الشباب المغربي، داخل المغرب وخارجه، غير مسلح... وهذا ما يجعلنا اليوم نعتبر بأن هناك خطرا ليس فقط من طرف بعض الأحزاب المغربية، بل هناك مشكل عالمي... ومع الأسف هناك تعامل سلبي، وهو تجاهل كل هذه الأشياء الموجودة في العالم، وتعاملنا معها، كحكومة وكأحزاب وكمجتمع ديني وسياسي في المغرب وكأنها لا تعنينا... مما جعلنا نضيع جيلا بأكمله: فجيل 2000 وجيل 2010 انفلت من الجميع، وانفلت من كل الأحزاب انفلت من النظام انفلت من المنظمات...أنظروا ما يجري حول مدونة الأسرة، حول الأمازيغية، حول حقوق الإنسان، حول الزواج وغير الزواج، إلخ... هذا كله يجعل أن هناك تفسيرا سلبيا للمغرب. ما يهمنا في كل هذا هو أن المجتمع المغربي اليوم دخل في مسلسل استرجاع التقليد السلبي والذي لم يكن إطلاقا في مغرب الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات. فعلى مستوى القيم وعلى مستوى الحداثة والانفتاح على العالم هناك تراجع كبير في مغرب اليوم مقارنة مع مغرب 1960 و1970...

مقطع من حوار مطول سابق أجريناه مع الأستاذ ادريس أخروز (ع: 540)

 

التوظيف الخبيث للقرآن الكريم من طرف الأصوليين

من الرياضات المفضلة عند عبد الإله بنكيران التوظيف الخبيث للقرآن الكريم  لسحق خصومه أو لتبرير فشله في ملف عمومي معين. ونستحضر هنا الاستعمال الخبيث لتبرير تعنته وتجبره في اقتطاع الأجرة بسبب الإضراب، في مارس 2016، حيث برر ذلك بكون الاقتطاع مذكور في القرآن!
وهنا الخطورة، لأن ذلك يعد تذكرة المرور لولوج العالم الداعشي. إذ من يدري، فغدا قد يوظف عبد الإله بنكيران والحركة الأصولية، القرآن وأحاديث الرسول الكريم لقطع أعناق المغاربة مثلما يفعل «سيدنا» أبو بكر البغدادي في سوريا والعراق بدعوى أن الله أمره (أي بنكيران) بذلك! كما قد يسخر القرآن بوضاعة لسبي النساء المغربيات واحتجازهن في دار زوجته «نبيلة» بحي الليمون بالرباط للإكثار من الإيماء و«الحور العين». وقد يوظف بنكيران القرآن بنذالة لسلخ ونهب الخزينة العامة مثلما يفعل الإرهابيون الذين يعتمدون تأويل النصوص الدينية بشكل «مخدوم» لتبرير السرقات والجرائم (فقه الاستحلال) التي يرتكبونها في حق المواطنين الأبرياء وفي حق التجار والوكالات البنكية.
ألم نقل إن الأصوليين ينحدرون من سلالة واحدة وبأنهم يتلاقون حول هدف واحد؟